ثم ان وفد هوازن جاؤوا مسلمين ومناشدين للنبي صلى الله عليه وسلم برضاعه فيهم فقال له قائلهم يا رسول الله لو أنا ملحنا للحارث بن أبى شمر الغساني أو النعمان بن المنذر ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين وأنشده أحد سراتهم وهو زهير بن صرد الجشمى السعدي
أمنن علينا رسول الله في كرم ... فانك المرء نرجوه وننتظر
أمنن على بيضة قد عاقها قدر ... مشتت شملها في دهرها غير
يا خير طفل ومولود ومنتجب ... في العالمين اذا ما حصل البشر
ان لم تداركهم نعم تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملأه من محضها درر
انه أراد الخطر الذي بمعنى الخوف أي قوم لا يخاطرون معك ولم يلقوا الشدائد دونك (الكلاعي) بفتح الكاف وتخفيف اللام منسوب الى كلاع موضع بالاندلس* خبر مجىء وفد هوازن (ملحنا) بتخفيف اللام ثم مهملة أي أرضعنا (ابن أبي شمر) بكسر المعجمة وسكون الميم (الغسانى) بفتح المعجمة وتشديد المهملة نسبة الى غسان القبيلة المشهورة وأصله ماء نزل عليه الأزد فنسبوا اليه (أو النعمان) بضم النون (وأنشده أحد سراتهم) بفتح المهملة وتخفيف الراء وبالفوقية أى ساداتهم (زهير بن صرد) بضم الصاد المهملة وفتح الراء على لفظ الصرد الطائر المعروف وهو صحابى كما ذكره ابن عبد البر وغيره ويكنى أبا جرول وروي ابياته هذه الطبرانى في الصغير كما سيأتي (امنن) بضم الهمزة والنون أي انعم وقيل أنعم نعمة عظيمة (رسول الله) منادى حذفت أداته (فانك المرء) بفتح الميم وسكون الراء ثم همزة أي الرجل الذي (نرجوه) باشباع ضمة الهاء (على بيضة) بفتح الموحدة وسكون التحتية ثم معجمة أي جماعة (قد عاقها) بالمهملة والقاف أى شغلها عن الايمان بك قبل ان ينزل بها (قدر) قدره الله علها (مشتت) مفرق (شملها) هو ما يجتمع من الشخص ويتفرق (غير) بالمعجمة والتحتية ومضى ذكره أيضا في كلام حسان (ومنتجب) بالجيم (حصل) بالبناء للمفعول أى جمع (البشر) لمعرفة خبرها (ان لم تداركهم) بفتح الفوقية وحذف تاء الاستقبال أى تتداركهم وميمه مشبع الضمة (نعم) بالرفع فاعله (على نسوة) أراد حليمة ومن يقرب منها من النساء اللاتي ينسب اليهن صلى الله عليه وسلم نسب الرضاع أو أراد مرضعة أخرى من بني سعد لم تسم فجمع لوقوع الجمع على اثنين (ترضعها) بفتح الضاد في المستقبل وكسرها في الماضى على الافصح (اذفوك) بضم الفاء اى فمك (من محضها) باهمال الحاء واعجام الضاد أي لبنها الخالص (درر) بكسر الدال وفتح
لا تجعلنها كمن شالت بعامته ... واستبق منا فانا معشر زهر
اذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... واذ يزينك ما تأتى وما تذر
انا لنشكر للنعمى اذا كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك ان العفو مشتهر
يا خير من مرحت كمت الجياد به ... عند الهياج اذا ما استوقد الشرر
انا نؤمل عفوا منك تلبسه ... هادي البريئة اذ تعفو وتنتصر
فاغفر عفا الله عما أنت راهبه ... يوم القيامة اذ يهدي لك الظفر
فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر قال ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وقالت قريش ما كان لنا فهو لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وقالت الأنصار ما كان لنا فهو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وروينا ذلك من عوالى شيخنا الامام الحافظ تقى الدين الراء جمع در بكسر الدال وهي كثرة اللبن (كمن شالت) باعجام الشين أي تفرقت (نعامته) بفتح النون وتخفيف المهملة يقال شالت نعامة القوم اذا رحلوا وتفرقوا أي لا تجعلنا كمن ارتحل عنك وتفرق ويكني به أيضا عن الموت وذلك لارتفاع القدم بالموت والنعامة باطن القدم قاله أبو البقاء وقال الشاعر
فليتما أمنا شالت نعامتها ... اما الى جنة اما الى نار
والمعنى على هذا لا تجعلنا كمن مات فلا ينتفع به في الحرب وغيرها والنعامة أيضا الظلم فيجوز أن يكون قوله شالت نعامتهم منه كما يقال زال سواده ومحي ظله اذا مات قاله السهيلى (واستبق) بكسر القاف (معشر) جماعة (زهر) بضم الزاى والهاء (واذ يزينك) بفتح أوله وكسر ثانيه من زان بمعنى زين (وما تذر) تترك (من امهاتك) اراد ما ذكرته على قوله على نسوة (من مرحت) بالمهملة وفتح الراء أي مشت مختالة (كمت) بضم الكاف وسكون الميم جمع كميت وهو من الخيل الشديد الحمرة قال في كفاية التحفظ ولا يقال كميت حتى يكون عرفه وذنبه أسودين فان كانا أحمرين فهو أشقر والورد ما بين الكميت والاشقر (الجياد) جمع جواد وهو الفرس الكريم السريع ويقال له اليعبوب أيضا (عند الهياج) جمع هيجاء بالمد والقصر وهي الحرب (استوقد الشرر) أى أوقدت نار الاشتعال للحرب (تلبسه) بضم أوله من ألبس (البريئة) بالنصب وهو بالهمز من قولهم برأ الله الخلق وبتركه في الاستعمال مع التشديد (راهبه) خائفه (يهدى) مبني للمفعول (الظفر) الفلاح (ما كان لى ولبني عبد المطلب فهو لكم الى آخره) فيه ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التأسى به وايثار ما يهواه صلى الله عليه وسلم وفيه صلة من هو منه بسبيل صلى الله عليه وسلم (من عوالى شيخنا) أي أسانيده العالية (تقى الدين) بالفوقية كما
محمد بن فهر القرشى الهاشمى العلوي كان الله له قراءة مني عليه لجميعها بالمسجد الحرام سنة خمس وثلاثين وثمانمائة يروي ذلك بسنده الى الحافظ أبى القاسم الطبرانى قال حدثنا عبد الله بن رماجس القيسى من زمكة بزيادة رملة سنة أربع وسبعين ومائتين قال حدثنا أبو عمرو زياد بن طارق وكان قد أتت عليه عشرون ومائة سنة قال سمعت أبا جرول زهير بن صرد الجشمى فذكر الشعر وما بعده وذكر ما قبله ابن اسحق ولم يذكر الشعر في رواية ابن هشام عنه وذكره في رواية ابراهيم بن سعد عنه وفيه زيادة ونقص وقد اخترنا من ذلك البيت الثالث بدلا عن بيت أخرجناه من رواية شيخنا* وروينا في الصحيحين عن المسور بن مخرمة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين يسئلونه أن يرد اليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم ان معي من ترون وأحب الحديث الى أصدقه فاختاروا احدى الطائفتين اما المال واما السبي وفد كنت استأنبت لكم وفي رواية وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين أقبل من الطائف فلما تبين لهم أن النبى مر (ابن فهر) بفتح الفاء وسكون الهاء كما مر (الطبراني) هو الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد منسوب الي طبرية بفتح المهملة والموحدة وهي قصبة الاردن قاله في القاموس (رماجس) بفتح الراء وتخفيف الميم وكسر الجيم ثم سين مهملة غير مصروف وهو في الاصل الشجاع الجريء (القيسي) بفتح القاف وسكون التحتية نسبة الى قيس القبيلة المشهورة (من زمكة) بفتح الزاى بلد معروفة قريبة من مصر (بزيادة) بكسر الزاي وتخفيف التحتية (طارق) بالطاء المهملة وكسر الراء والقاف وهو ابن زهير بن صرد (أبا جرول) بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الواو مصروف قال العلماء وهذا من ثلاثيات الطبرانى وفيه لطيفة وهي ان عبيد الله بن رماجس عاش بعد الامام الشافعي رحمه الله سبعين سنة وأكثر وأدرك بعض التابعين وهو زياد ابن طارق لانه تابعى رأي زهير بن صرد وهو صحابي كما مر (ما قبله ابن اسحق) عن محمد بن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (وقد أخترنا من ذلك البيت الثالث) وهو
يا خير طفل ومولود ومنتجب ... فى العالمين اذا ما حصل البشر
(عن بيت أخرجناه من رواية شيخنا) وهو
أبنت لنا الدهر هنانا على حزن ... على قلوبهم العمى والغمر «1»
(وروينا في) مسند أحمد و (الصحيحين عن المسور بن محرمة) ومروان (وأحب الحديث) بالرفع ويجوز النصب بان المقدرة (الى) بتشديد التحتية (أصدقه) فيه فضيلة الصدق وكونه من شيم الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم (اما المال واما السبي) بكسر همزة اما ونصب المال والسبي (استأنيت) من الاناة أي انتظرت مجيئكم وأخرت قسمة السبي لتحضروا فابطأتم على وكان صلى الله عليه وسلم ترك
__________
(1) كذا بالاصل والبيت فاسد كما لا يخفى ولم تقف على اصابه بعد البحث الشديد فليحرر
صلى الله عليه وسلم غير راد اليهم الا احدى الطائفتين قالوا فانا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فان اخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين واني قد رأيت ان أرد اليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أوّل ما يفىء الله علينا فليفعل فقال الناس طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم في ذلك انا لا ندري من أذن ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع الينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا فهذا الذي بلغنا من شأن بني هوازن وروي أنه كان في السبى الشيماء بنت الحرث وهي بنت حليمة فجاءت النبى صلى الله عليه وسلم فتعرفت له بالاخوة. فلما عرفها بسط لها رداءه ووهبها عبدا وجارية فزوجت العبد الجارية فلم يزل فيهم من نسلها بقية وقال أبو الطفيل وهو آخر الصحابة موتا رأيت النبى صلى الله قسمة السبي حتى توجه الى الطائف فحاصرها ثم رجع فقسمها (بكم) للكشميهنى في صحيح البخارى لكم (غير راد) بالرفع خبران (يطيب) بضم أوله وفتح المهملة وكسر التحتية المشددة أي يعطى عن طيب نفس بلا عوض (على حظه) أي نصيبه (يفىء) بضم أوله رباعي من أفاء (انا لا ندري من أذن ممن لم يأذن) فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من شدة الورع حيث لم يقنع بظاهر الحال حتى يتحقق رضي جميعهم (عرفاؤكم) جمع عريف وهو الرئيس الذي يدور عليه أمر الرعية ويتعرف أحوالهم وفي ذلك ثبوت العرافة وانها لا باس بها وجاء في الحديث التحذير منها نحو لا بد من العريف والعريف في النار أخرجه أبو نعيم في المعرفة عن معاوية بن زياد وأخرج الطيالسي عن أبي هريرة العرافة أولها ملامة وآخرها ندامة والعذاب يوم القيامة وهو محمول على من لم يقم بحق الرعية في النظر لمصالحهم ودرء مفاسدهم كالامارة (فهذا الذى بلغنا) هو من كلام الزهرى (وروى انه كان في السبي) ذكره عياض في الشفاء بصيغة جزم فقال ولما جيء باخته الشما الى آخره (الشيماء) بفتح المعجمة وسكون التحتية والمد قال المحب الطبرى ويقال لها الشماء بغير ياء قال وكانت تربى النبي صلى الله عليه وسلم مع امها حليمة وقد عدها ابن الاثير في الصحابة (بنت الحارث) أبي النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة قال المحب الطبرى أدرك الاسلام وأسلم بمكة (بالاخوة) بضم الهمزة والمعجمة وتشديد الواو (وقال أبو الطفيل الى آخره) واسم أبي الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمير بن جابر بن خمس بن سعد بن ليث بن بكر بن مناة بن كنانة بن خزيمة (وهو) على الاطلاق (آخر الصحابة) رضى الله عنهم (موتا) وكانت وفاته عام مائة من الهجرة على الصحيح قال الحافظ عبد الرحيم العراقى في ألفيته
ومات آخرا بغير مرية ... أبو الطفيل مات عام مائة
عليه وسلم وأنا غلام اذ أقبلت امرأة حتى دنت منه فبسط لها رداءه فجلست عليه فقلت من هذه قالوا أمه التي أرضعته فلما انصرف وفد هوازن قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخبروا مالك بن عوف انه ان أتاني مسلما رددت اليه أهله وماله وأعطيته مائة من الابل فلما أخبروه خرج من الطائف ولحق بالنبى صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة فأعطاه ما كان وعده به وأسلم وحسن اسلامه وقال حين أسلم
ما ان رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم كمثل محمد
أو في وأعطى للجزيل اذا اجتدى ... ومتى تشأ يخبرك عما في غد
واذا الكتيبة عردت أنيابها ... بالسمهري وضرب كل مهند
ومن شعره رضى الله عنه
وبقيت سهما في الكنانة مفردا ... سيرمي به أو يكسر السهم كاسر
لكن أورد على ذلك عكراش بن ذؤيب فانه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وشهد الجمل مع عائشة وقال الاحنف كأنكم به قد أتي به قتيلا أو به جراحة لاتفارقه حتى يموت فضرب يومئذ ضربة على أنفه فعاش بعدها مائة سنة وأثر الضربة به وذكر ذلك ابن دريد فعلى هذا تكون وفاته سنة خمس وثلاثين ومائة وعكراش لا خلاف في صحبته وأجيب بان هذه الحكاية لم يطلع لها على اسناد يثبت بمثله ذلك وأما آخر من مات بالمدينة فجابر بن عبد الله كما روي عن قتادة وقيل سهل بن سعد وقيل السائب بن يزيد وبمكة عبد الله بن عمر وقيل جابر وذكر ابن المدينى ان أبا الطفيل مات بمكة فيكون الآخر بها موتا وبالبصرة أنس وبالكوفة عبد الله بن أبي أو في وبالشام عبد الله بن بسر وقيل أبو امامة وبمصر عبد الله بن الحرث بن حزن وبفلسطين أبو أبي ابن أم حرام وبدمشق واثلة بن الاسقع وبحمص عبد الله بن بشر وباليمامة الهرماس بن زياد وبالجزيرة العرس بن عميرة وبافريقية رويقع بن ثابت وبالبادية سلمة بن الاكوع قال ابن عبد البر وقال غيره مات رويقع بحاضرة برقة وسلمة بالمدينة بعد نزوله من البادية بليال (اذا قبلت امرأة الى آخره) أخرج أبو داود من حديث عمرو ابن السائب انه بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ثم أقبلت امه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه قال المحب الطبري وهذا الحديث معضل لان عمرو بن السائب يروي عن التابعين (فبسط لها رداء الى آخره) في ذلك وفيما سيأتي عقبه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم قاله عياض (ما) نافية (ان) زائدة (كلهم) فيه ما مر في قصيدة حسان (اذا اجتدي) بالجيم والمهملة أي طلب جداوة أى عطية وباهمال الحاء واعجام الذال أي سئل منه أن يحذي أى يعطى (عردت أنيابها) بالعين المهملة أي قدت وقطعت (بالسمهري) بفتح المهملة وسكون الميم وفتح الهاء أي الريح الشديد الصلب أو منسوب الى سمهر زوج ردينة كان يثقف الرماح أو الى قرية بالحبشة أقوال (كل مهند) بضم الميم وفتح الهاء وتشديد النون أى سيف منسوب الى الهند
فكأنه ليث على أشباله ... وسط الهباء خادر في مرصد
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه فحارب بهم ثقيفا حتى ضيق عليهم ففي ذلك يقول أبو محجن الثقفي هابت الأعداء جانبنا ثم يغزونا بنو اسلمه
ثم خرج النبى صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا فلما فرغ من عمرته انصرف راجعا الى المدينة وانقطعت الهجرة واستعمل على أهل مكة عتاب بن أسيد وخلف مع معاذ ابن جبل يفقه الناس ويعلمهم أمر دينهم فحج عتاب ذلك العام بالناس وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في آخر ذي القعدة أو في أوّل ذي الحجة وبقى أهل الطائف على شركهم الى رمضان من سنة تسع وأوفدوا قوما منهم باسلامهم على ما سيأتي في تواريخ السنة التاسعة ان شاء الله تعالى
[مطلب ومما اتصل بالفتح بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام]
* ومما اتصل بالفتح بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة من كنانة وذلك ما رويناه في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى بني جذيمة فدعاهم الى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل لان السيوف كانت تعمل بها (فكأنه ليث) أى أسد (اشباله) بالمعجمة والموحدة أولاده وزنا ومعنى (وسط) بسكون السين (الهباء) بفتح الهاء والموحدة والمد وهى الاجمة وهي الشجر الملتف (خادر) بالمعجمة أى متخذ الهباء خدرا (أبو محجن) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم قال ابن عبد البر اسمه مالك بن حنيف على الصحيح (هابت) بالموحدة من الهيبة (بنو سلمة) بكسر اللام (من الجعرانة معتمرا) وبه استشهد أصحابنا على تفضيل الاحرام بالعمرة منها على التنعيم قال الواقدي لمجاهد وكان احرامه صلى الله عليه وسلم بها من المسجد الاقصى الذي تحت الوادى بالعدوة القصوي قال وكان ليلة الاربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذى القعدة قال شيخنا الشهاب ابن حجر في حاشية الايضاح ولا يقال انما اعتمر بها مجتازا في رجوعه من الطائف أى فلا يستدل بذلك لتقديمها على التنعيم لما صح انه صلى الله عليه وسلم خرج من مكة ليلا معتمرا ثم عاد وأصبح كبائت (عتاب بن أسيد) تقدم في غزوة حنين ذكره (في آخر ذي القعدة) بفتح القاف أشهر من كسرها (ذى الحجة) بكسر الحاء أشهر من فتحها يوم الاثنين اليوم الخامس منه وهذا هو الصحيح بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة (ومما اتصل بالفتح من البعوث بعث خالد بن الوليد) وكان في شهر شوال عقب الفتح (بنى جذيمة) بجيم ومعجمة بوزن عظيمة قبيلة من عبد القيس والنسبة اليها جذمي بفتح المعجمة مع فتح الجيم وضمها قال السهيلى وتعرف تلك الغزوة بالغميصاء اسم ماء لبنى جذيمة (ما رويناه في صحيح البخارى) وسنن النسائي (بن عمر) بن الخطاب (صبأنا صبأنا) بالهمز وتركه والصابئ الخارج
خالد يقتل ويأسر ودفع الى كل رجل منا أسيره حتى اذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيرى ولا يقتل أحد من أصحابى أسيره حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه فرفع يديه فقال اللهم انى أبرأ اليك مما صنع خالد مرتين قال أهل السير ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن ابى طالب كرم الله وجهه في الجنة ليتلافي خطأ خالد وبعث معه بمال فودى لهم الدماء والاموال حتى ميلغة الكلب ثم بقي من المال بقية فقال أعطيكم هذا احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يعلم ولا تعلمون فلما رجع علي الى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر قال أصبت وأحسنت وانما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على خالد حيث لم يتثبت في أمرهم ثم عذره في اسقاط القصاص لأن هذا ليس تصريحا في قبولهم الدين وقد سأل عمر أبا بكر في خلافته قتل خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويرة فقال لا أفعل لأنه متاول ثم سأله عزله فقال لا أغمد سيفا سله الله على المشركين ولا أعزل واليا ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم*
[مطلب ومما اتصل بالفتح إرسال البعوث الى هدم أصنام العرب]
ومما ذكر هنا أيضا بعث خالد بن الوليد لهدم العزى وكانت بنخلة وكان سدنتها وحجابها بنو شيبان من بنى سليم فهدمها خالد من دين الى دين (وياسر) بكسر السين (اذا كان يوم) بالتنوين وكان تامة (لتلافى خطأ خالد) أى تداركه وهو بالفوقية والفاء (فودى لهم) أى أدي الدية (حتى ميلغة الكلب) بكسر الميم وفتح اللام الاناء الذى يلغ فيه وهذا وصف مبالغة في انه ضمن لهم كل فائت لهم (قال) له (اصبت وأحسنت) فيه منقبة لعلى كرم الله وجهه ورضي عنه حيث استحسن صلى الله عليه وسلم ما فعله من الاحتياط (قتل مالك بن نويرة) بالنون والتصغير هو اليربوعي وله أخ اسمه متمم بن نويرة ورثاه يومئذ فقال
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسري وتبعا
فلما تفرقنا كانى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
(لانه متأول) وكان تأوله انه كان يقول له قال صاحبكم كذا وكذا يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأول خالد انه غير مصدق بنبوته صلى الله عليه وسلم ولا تغتر بما ذكره ابن عبد السلام في قواعده انه انما قتله ليتزوج امرأته ثم تزوجها بعد ذلك فليس هذه طريق تحسين الظن باصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم* بعث خالد لهدم العزي (وكانت بنخلة) لا ينصرف قال البغوي وكانت لسليم وغطفان وجشم وضعها لهم على ما قاله الضحاك سعد بن ظالم العطفاني وكانت شجرة قاله مجاهد أو حجرا من الصفا أو حجرا من المروءة وثلاثة أحجار جعل التي من الصفا الصفا والتى من المروة المروة وثلاثة أحجار أسندها الى شجرة وقال هذه ربكم قاله الضحاك وقال ابن دريد كانت بيتا بالطائف (سدنتها) جمع سادن بالمهملتين والنون وهو متولي خدمتها (بنو شيبان) بفتح المعجمة وسكون التحتية فالموحدة (فهدمها خالد) قال البغوي
ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وبعث صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص الى سواع صنم هذيل فهدمه* وروينا في صحيح البخاري عن ابن عباس قال صارت الأوثان التى كانت تعبد في قوم نوح عليه السلام في العرب بعد. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبنى غطيف بالجوف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمدان.
وأما نسر فكانت لحمير لآل ذى الكلاع وكانت للعرب أصنام أخر فاللات لثقيف ومناة لقديد جعل يضربها بالفاس ويقول يا عزى كفرانك لا سبحانك اني رأيت الله قد أهانك فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها (ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البغوي وأخبره بذلك فقال تلك العزي ولن تعبد أبدا (الى سواع) مصروف (صنم هذيل) بدل من سواع (بعد) مبني على الضم (اماود) بفتح الواو وضمها (فكانت لكلب) بالصرف (بدومة الجندل) بضم الدال وفتحها وفتح الجيم وسكون النون فمهملة فلام قال في التوشيح مدينة بالشام مما يلى العراق (يغوث) لا ينصرف (فائدة) ذكر ابن الاثير ان سادن يغوث اسمه العوام بن جهبذ سمع هاتفا يقول ادخل على اسم الله والتوفيق رحلة لاوان ولا مسبوق الى فريق خير ما فريق الى النبي الصادق المصدوق فرمى الصنم وأسلم (فكانت لمراد) بالصرف وهو أبو قبيلة سمى به لانه تمرد قاله في القاموس (لبني غطيف) باعجام الغين واهمال الطاء والتصغير (بالجوف) بفتح الجيم وسكون الواو وللكشميهني بالجرف بضم الجيم والراء وللنسفى بالجون بالجيم وواو ونون (يعوق) لا ينصرف (لهمدان) بسكون الميم واهمال الدال القبيلة المعروفة (نسر) بالصرف (لحمير) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتية قبيلة من اليمن (لآل ذي الكلاع) بفتح الكاف وتخفيف اللام ومهملة اسمه أنفع بن باكورا ويقال اسميفع بفتح الهمزة والميم والفاء وسكون المهملة والتحتية وتتمة الحديث وكلها أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان الى قومهم ان انصبوا الى مجالسهم التى كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها باسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتي اذا هلك أولئك ونسخ العلم وللكشميهنى ونسخ عبدت انتهى الحديث وروي عن ابن عباس انها دفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل كذلك حتى أخرجها اللعين لمشركى العرب (فاللات) كانت بالطائف قاله قتادة أو بنخلة قاله زيد ابن أسلم وفي صحيح البخارى كان اللات رجلا يلت سويق الحاج قال الاسماعيلى وهذا على قراءة اللات بتشديد التاء وهى قراءة ابن عباس في مجاهد وأبي صالح (لثقيف) يعبدها وعبدتها قريش معهم أيضا (ومناة) بالقصر غير مهموز وقرأ ابن كثير بالمد والهمز وكانت بالمشلل بفتح المعجمة واللام المشددة وهو جبل (لقديد) بقاف ومهملة مصغر مكان بين مكة والمدينة بقرب خليص وكانت مناة يعبدها خزاعة قاله قتادة أوهم وهذيل قاله الضحاك أو كانت تعبده بنو كعب قاله ابن زيد وجاء في الحديث قالت عائشة رضي الله عنها في الانصار كانوا يصلون لمناة وكانت حذو قديد (فائدة) قال البغوي اختلف القراء في الوقف على اللات ومناة فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء وقال بعضهم ما كتب في المصحف بالتاء وقف عليه بالتاء وما
واساف ونائلة وهبل لاهل مكة وذو الخلصة لخثعم ودوس فهدمها صلى الله عليه وسلم جميعا ومما ذكر أيضا اسلام عباس بن مرداس ذكره ابن هشام عقيب فراغه من قصة الفتح وكان من خبره انه كان لأبيه مرداس صنم يعبده يقال له ضمار فأوصاه به عند موته وقال له اعبد ضمارا فانه ينفعك ويضرك فبينما عباس يوما عنده اذ سمع مناديا من جوفه يقول
قل للقبائل من سليم كلها ... أودى ضمار وعاش أهل المسجد
ان الذى ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدى
أودى ضمار وكان يعبد مرة ... قبل الكتاب الى النبى محمد
فحرقه عباس ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم
[