وفي ليلة هلال المحرم من السنة السابعة من المبعث اجتمعت قريش وتعاهدوا على قطيعة بنى هاشم وبنى المطلب ومقاطعتهم في البيع والشراء والنكاح وغير ذلك فكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة توكيدا لامرها ويحكى ان كاتبها شلت يده قيل هو منصور بن عكرمة وقيل النضر بن الحرث وقيل بغيض بن عامر ولما تم ذلك انحاز البطنان المذكوران الى أبي طالب ودخلوا معه في شعبه وبقوا هناك محصورين مدة وخرج عنهم أبو لهب وتضور المسلمون بذلك جوعا وعريا ولحقتهم (ما أرى) بالضم والفتح (قارعة) بالقاف والراء أى عذاب يقرع القلب لشدته (فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه ندب التكبير لحدوث الامر الذى يسر (فرحا) يجوز فيه كسر الراء حالا وفتحها مصدرا (لما أسلم عمر اجتمع الناس) أى بعد ان فشا اسلامه وكان الذي أفشاه جميل بن معمر الجمحي الذي نزل فيه ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وذلك بعد ان ذكر له عمر اسلامه وهو يريد ان يفشيه ذكره ابن اسحاق وغيره (صبأ) أي خرج من دين الى دين وهو بالهمز وتركه فعلى الاول جمعه كقتلة وعلى الثاني كرماة (غلام) كان سنة اذ ذاك خمس سنين (قباء) بفتح القاف والمد (ديباج) بكسر الدال وفتحها عجمي معرب نوع من الحرير (زجر عنك) قال في الصحاح الزجر المنع والنهى وزجر البعير ساقه (فائدة) أخرج ابن ماجه من حديث ابن عباس ان عمر لما أسلم نزل جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد لقد استبشر أهل السماء باسلام عمر وأخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل ليبك الاسلام على موت عمر* ذكر كتب الصحيفة (وكتبوا بذلك صحيفة) كان كتبها أوّل يوم من المحرم (شلت) بفتح المعجمة أي يبست (بغيض) بالموحدة والمعجمتين بوزن عظيم (انحاز) بهمز وصل فنون ساكنة فمهملة آخره زاي أى انضم (وبقوا) بضم القاف وأصله بقيو فترك لاستثقاله (قال السهيلي) هو الامام الحافظ عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمى مات سنة ثمانين وخمسمائة وهو منسوب الى السهيلية قرية بالاندلس سميت باسم الكوكب لانه لا يرى في جميع بلاد الاندلس الامن
مشقة عظيمة قال السهيلى وهى احدى الشدائد الثالث التي دل عليها تأويل الغطات الثلاث من جبريل حين ابتدأ الوحى قال وان كان ذلك في اليقظة ولكن مع ذلك له في مقتضى الحكمة تأويل وإيماء والله أعلم وفي الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عام حجة الوداع مرجعه من منى منزلنا ان شاء الله غدا بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر وهو المحصب والابطح وهو شعب أبي طالب المذكور وفي نزوله صلى الله عليه وسلم حينئذ فيه وذكره لما جرى به إشارة الى الظهور بعد الخمول وامتثال لما أمر به من التحدث بالنعم وفي ذلك الشكر لمنعمها ولما رأى أبو طالب ما اجمعوا عليه من القطع والقطيعة قال في ذلك
ألا ابلغا عنى على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا انا وجدنا محمدا ... نبيا كموسى خط في اللوح والكتب
وان عليه في العباد محبة ... ولا خير فيمن خصه الله بالخب
وان الذى لصّقتم من كتابكم ... لكم كائن نحسا كراغية السقب
أفيقوا أفيقوا قبل ان يحفر الثرا ... ويصبح من لم يجن ذنبا كذى الذنب
ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا ... أو اصرنا بعد المودة والقرب
وتستحلبوا حربا عوانا وربما ... أمر على من ذاقه حلب الحرب
فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا ... لعزاء من عض الزمان ولا كرب
جبل مشرف عليها (وهي احدي الشدائد الثلاث) والثانية يوم أحد والثالثة يوم الخندق (بخيف) بفتح المعجمة وسكون التحتية ثم فاء هو الوادى المنهبط (وهو المحصب) بالمهملتين والموحدة بوزن مكرم (والابطح) بالموحدة والمهملتين ويسمى البطحاء وقيل ان الابطح واد بجانب المحصب (الخمول) بالمعجمة ضد الظهور والخمول السقوط أيضا* شعر أبى طالب (ذات بيننا) أي فراقنا والبين الفراق ويسمي به الوصل أيضا فهو من الاضداد (محبة) بالنصب اسم ان (لصقتم) بتشديد الصاد المهملة وسكون القاف وضم الفوقية والتزحيف ليتزن البيت (لكم كائن) أي سيكون (نحسا) ضد السعد (السقب) بفتح المهملة واسكان القاف الفصيل وهو الصغير من أولاد الابل والمراد به هنا فصيل ناقة صالح دعا اذ عقرت فهلكت ثمود فضرب به المثل لكل مهلكة (الوشاة) جمع واش وهو المحرش بالكذب (أو اصرنا) جمع أصر وهو العهد الثقيل أو جمع آصار فيكون جمع جمع (ويستحلبوا) بالمهملة أي يستدروا بالتسبب الي الحرب (عوانا) بفتح المهملة أى شديدة (لعزاء) بفتح المهملة وضمها فزاي مشددة ممدودة الداهية العزيزة (عض الزمان) بمهملة فمعجمة شبه نوائب الزمان وما يحدث فيها من الكرب بالعض (ولا كرب) أي هم شديد يأخذ بالنفس
ولما تبن منا ومنكم سوالف ... وايد أترت بالقساسية الشهب
بمعترك ضنك ترى كسر القنا ... به والنسور الضخم يعكفن كالشرب
كان مجال الخيل في حجراته ... ومعمعة الابطال معركة الحرب
أليس ابونا هاشم شد أزره ... واوصي بنيه بالطعان وبالضرب
ولسنا نمل الحرب حتي تملنا ... ولا نتشكى ما يئوب من النكب
ولكننا اهل الحفائظ والنهي ... اذا طار أرواح الكماة من الرعب
وقال في أخري
اطاعوا ابن المغيرة وابن حرب ... كلا الرجلين متهم مليم
(ولما) أي ولم وما زائدة (تبن) أى تنقطع (سوالف) بالمهملة والفاء جمع سالفة وهي صفجة العنق ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حتي تنفرد سالفتى وكل جمع ثالثه ألف وبعد الالف حرفان فاكثر أو حرف مشدد غير مصروف الا في الشعر للضرورة (وأيد) جمع يد (أترت) بضم الهمزة وكسر الفوقية الاولى وتشديد الراء أي أندرت ورميت (بالقساسية) بضم القاف والاهمال جمع قساسي وهو نوع من السيوف ينسب الي معدن بار مينية اسمه قساس كغراب قاله في القاموس أو الى جبل بديار بني نمير كانت تعمل فيه السيوف (الشهب) أى البيض (بمعترك) بالمهملة والفوقية والراء على وزن مشترك موضع غمرات الحرب (ضنك) بفتح المعجمة وسكون النون أي ضيق (تري) يجوز بناؤه للفاعل مع نصب كسر وما بعده وللمفعول مع ضمه وما بعده (كسر) جمع كسرة كعبر وعبرة (القنا) أي الرماح (والنسور) جمع نسر مثلث النون الطائر المعروف (الضخم) بمعجمتين الاولى مضمومة والثانية ساكنة أى العظام وروي بالطاء المهملة بدل الضاد وهى السود الرؤس (يعكفن) أي يقمن (كالشرب) بالمعجمة والراء على وزن حرب وهو جمع شارب شبه عكوف النسور في المعترك على أكل لحم المقتولين وشرب دمائهم بالجماعة العاكفين على شرب الخمر (مجال) بفتح الميم والجيم موضع جول الفرسان أى نفورهم وزوالهم عن المواقف (في حجراته) بضم الجيم جمع حجرة (معمعة) بالمهملتين هى فى الاصل صوت الحريق في نحو القصب سمى به القتال قال في القاموس والمعا مع الحروب والفتن والعطائم وميل بعض الناس على بعض وتظللهم وتحزبهم احزابا لوقوع العصبية (الابطال) جمع بطل وهو الشجاع (معركة) ومعترك مترادفان (شدازره) بفتح الهمزة وهو عبارة عن الحزم والجد في الحرب (بالطعان) بكسر المهملة مصدر (ولا نتشكي) نتفعل من الشكوي وفي بعض النسخ نشتكى (ما) قد (ينوب) أي يحدث (من النكب) أي الجراح وهو على وزن الحرب (والنهى) جمع نهية وهي العقل (الكماة) بضم الكاف على وزن الرماة جمع كمي بفتح الكاف وكسر الميم وتشديد الياء وهو الشجاع المتكمي في سلاحه أي المستتر فيه كانه جمع كام كقاض وقضاة (ابن المغيرة) هو الوليد (وابن حرب) هو أبو سفيان (مليم) هو الذي يأتي بما
وقالوا خطة حمقا وجورا ... وبعض القول ابلج مستقيم
لتخرج هاشم فيصير منها ... بلاقع بظن مكة والحطيم
[