{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1.
{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} 2.
{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} 3.
وظيفة الدعوة الأولى هي أن تنشئ نظاما يتبع المنهاج الإسلامي الذي اختاره الله, وهذا النظام يحتاج في إنشائه إلى أمة تمثله وتقوم عليه.
وغاية المنهاج الإسلامي هي عبودية الناس لربهم وحده, وهذا يستلزم القضاء على الجاهلية، والجاهلية في أي عصر هي عبودية
__________
1 أول سورة الإسراء.
2 الآيات من رقم 10-12 من سورة النجم.
3 من الآية رقم 60 من سورة الإسراء.
الناس للناس، وأساس العبودية في كلتا الحالتين هو الخضوع والتشريع.
وعبودية الناس جميعا لله وحده تكون بتلقيهم منه وحده العقيدة والشريعة والأخلاق وموازين التعاشر الاجتماعي.
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} 1.
والإسلام بهذا المفهوم هو تكريم للإنسان وتحرير له من سلطة الإنسان المتجبر، والدعوة الإسلامية في مكة قد حوصرت, وسُد في وجهها الطريق, فكان لا بد من بحث عن قاعدة جديدة تنتقل إليها الجماعة التي حققت العبودية لله، وكان لا بد من التأكد من سلامة كل أفراد الجماعة وصلاحيتهم لهذه النقلة التي ستنشئ منهاجا جديدا في مواجهة أعداء الله حتى تنفذ مراحل الدعوة مستقبلا في جو مأمون من الاضطراب بعيد عن التهم منزه عن المطاعن، فكان لا بد من اختيار المسلمين عامة في مكة من أجل انتخاب القيادة الراشدة التي ستنقل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، وكانت مادة الامتحان من نوع غريب يقصد إلى إبراز مدى إيمان الفرد المسلم ومقدار تمسكه بدينه, لقد كانت غاية هذا الامتحان هي التعرف على مدى استسلام الوجه لله من كل فرد، واختبار عقله ووجدانه إلى أي مدى يستجيب للنص المعصوم, فكان حادث الإسراء والمعراج
__________
1 الآيتان رقم 18 و19 من سورة الجاثية.
هو مادة الامتحان، وإلى ذلك أشار الإمام القشيري رضي الله عنه في رسالته بجملة قصيرة قال: فجعل ذلك بالليل امتحانا للخلق1. يقول فضيلة مولانا الدكتور عبد الحليم محمود:
ومن الثمار التي جنتها الأمة الإسلامية والتي كانت من مقاصد إذاعة النبأ، انفصال ضعاف النفوس والشاكّين والمترددين، انفصال كل هؤلاء عن الأمة الإسلامية النائشة.
لقد كفر -عند سماع النبأ- من كفر بعد إسلامه، وارتد من ارتد بعد إيمانه وما كان هؤلاء -لو بقوا- إلا عاملا من عوامل الضعف أكثر من أن يكونوا عاملا من عوامل القوة، إن هؤلاء المكيين الذين آمنوا وصبروا على الحوادث القاسية، على التعذيب, وعلى الآلام, وعلى الفتنة في جميع مظاهرها.
إن هؤلاء المكيين الذين صبروا، وصابروا، وتخلصت أنفسهم من جميع النزعات المادية، ومن جميع الأهواء، فأصبحت خالصة لله وحده، إن هؤلاء المكيين الذين كان في تقدير الله سبحانه وتعالى أن تقوم عليهم الدولة في نشأتها، والذين من أجل ذلك يجب أن يكونوا مهيئين لأن يصعدوا لكل ما يمكن أن يعترضهم من عقبات، نقول: إن هؤلاء المكيين يجب أن يصفوا تصفية كاملة ومن وسائل هذه التصفية إعلان نبأ الإسراء والمعارج لينتكس من ينتكس، وليبقى من يبقى عن بصيرة وبينة وعن إيمان لا يتزعزع مهما كانت
__________
1 كتاب المعراج ص72.
الحوادث، إيمان بصدق الرسول صلوات الله وسلامه عليه في كل ما يأتي به, يصدقه بمجرد إنبائه، والمثل الأعلى في كل ذلك إنما هو سيدنا أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- حينما يعلن في غير تردد ولا فتور:
لئن كان قاله فلقد صدق؟ فما يعجبكم من ذلك؟ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار, فأصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه1.
لقد كان حادث الإسراء والمعراج محور تمحيص للصادقين في إيمانهم والسطحيين في تصورهم لحقيقة الإيمان، فإن من صدق بنبوة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد آمن باتصاله بالوحي، والقرآن يأتي من عند الله يحمله الوحي، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يتلوه على الناس ويخبرهم بأن هذا القرآن من عند الله سبحانه وتعالى, والذين آمنوا يصدقون ذلك مع أنهم لا يرون وحيا ينزل ويصعد، ولكنهم يرون آثاره على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد ويسمعون بعد ذلك قرآنا تنجذب إليه نفوسهم, وتقشعر له جلودهم وتلين له قلوبهم، ومقتضى هذا إذن الإيمان بالنبوة وبالوحي, وهذا يستلزم الاعتقاد بأن هناك صلة عليا خارقة للعادة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين ربه جل وعلا، وإذن
__________
1 راجع الإسراء والمعراج سلسلة البحوث الإسلامية ص133، 134. الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمحات من حياته ونفحات من هديه سلسلة البحوث الإسلامية ص122، 123، راجع تفسير البيضاوي ج4 ص3.
فلا ضير أبدا أن تنقلب صورة اللقاء بالوحي وتتبدل الحركة من علٍ إلى أسفل, فتصير من أسفل إلى علٍ.
الحركة الأولى يحمل فيها جبريل قرآنا إلى النبي, والحركة الثانية جاء ليحمل فيها محمدا -صلى الله عليه وسلم- إلى سدرة المنتهى.
فإن كلا من الحركتين في التصور الإيماني السليم متعادلتان.
وحركة الوحي مطلقا نزولا أو صعودا من ضمنيات الإيمان بالوحي الذي يأتي إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مرارا وتكرارا، وهي من غير شك حركة فوق تصور العقل حتى ولو تقدمت الأبحاث التكنولوجية؛ لأنه لا يمكن للبشر أن يحدد مبدأ حركة الوحي من علٍ ومبدأ صعوده مرة أخرى، إن تحديد نقطة تحرك الوحي ذهابا وإيابا فوق جميع المستويات العلمية والعقلية فهي سمعية لا تحتاج إلى دليل.
والمؤمن الصحيح يتصوركم من بلايين المسافات والأجواء والأجرام قد قطعها سيدنا جبريل عليه السلام في أقل من لمحة بصر, وهو يسعى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليبلغه وحيا من عند الله, فإذا ما قيل لهذا المؤمن الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صعد في مثل هذه اللحظة إلى السموات العلا لم يجد في ذلك غرابة، وقد قرب
سيدنا أبو بكر هذه الحقيقة إلى الناس: إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه1.
فهو أمر لا يخرج عن حقيقة ما وعاه القلب الصادق من معنى الإيمان ومداه, ومن هنا كانت نقطة الاختبار والامتحان لمن كان له إيمان ثابت ويقين مستقر وإذعان مستسلم فأمن وصدق ورضي، وكانت نقطة الاختبار والامتحان كذلك لمن فكر وقدر وعبس ويسر وزين له سوء عمله فرآه حسنا، فاستبعد واستكبر, وحول هذا يقول ابن هشام: وكان مسراه وما ذكر عنه بلاء وتمحيص وأمر من أمر الله عز وجل في قدرته وسلطانه، فيه عبرة لأولي الألباب وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق، وكان من أمر الله سبحانه وتعالى على يقين، فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء ليريه من آياته ما أراد حتى عاين، ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد2.
لقد كان حادث الإسراء والمعراج امتحانا وابتلاء لغربلة الجماعة الإسلامية وتهذيبا لها من ضعاف البصيرة واليقين استعدادا للهجرة ومنهجا جديدا يستعد فيه الحق للموقف الفاصل.
__________
1 السيرة لابن هشام ج1 ص399 الكامل في التاريخ ج2 ص56.
2 السيرة لابن هشام ج1 ص396-398.
وهذه قاعدة ينبغي أن تلاحظ دائما في تنظيمات الجماعات التي تدعي لنفسها أنها تتصدى لتبليغ دعوة الله، فكم من منافق يندس ليخرب وكم من ماجن يتسرب ليفسد، وكم من واهي العقيدة يفرق، وكم من دنيوي يسعد أن يبيع آخرته ودعوته ودينه بعرض بخس زهيد.
وعلى هامش حادث الإسراء والمعراج مما يتصل بمرحلة التمهيد للدعوة الإسلامية فإن الميثاق الذي أخذه الله على الأنبياء ليؤمنن بمحمد ولينصرنه قد هيأه الله له فرصة يعلن فيها الأنبياء جميعا إيمانهم بالنبي الخاتم ويأتمون به من صلاة تعلن وحدة الرسالة ووحدة الهدف الذي سعى به هذا الموكب الجليل.
يقول ابن هشام:
"فمضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومضى جبريل عليه السلام معه حتى انتهى به الى بيت المقدس, فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء, فأمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بهم1.
__________
1 السيرة لابن هشام ج1 ص398, المواهب ج5 ص49, السيرة لابن كثير ج2 ص96, الكامل في التاريخ ج2 ص52, راجع تفسير الطبري ج15 ص3، 4.
وفي الحلبية:
"ولما أقيمت الصلاة ببيت المقدس قاموا صفوفا ينتظرون من يؤمهم, فأخذ جبريل بيده -صلى الله عليه وسلم- فقدمه فصلى بهم ركعتين1.
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} .
{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} .
لقد حقق سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- مدلول العبودية لله وقابل كل موجات الاعتداء بالصبر الجميل والثبات المكين, فهو الرباني الكامل والعبد الكامل في ربانيته وعبوديته لله رب العالمين، فما جزاء المحقق للعبودية وقد غاب عنه حبيباه: عمه وزوجه, وتكأكأت عليه الأعادي، لقد كانت آخر موجة الغضب الجاهلي صبية من بني ثقيف من الطائف ترميه بالحجارة حتى دمت قدماه الشريفتان، وسامحهم ودعا لهم بالهدى، أفلا يستحق هذا العبد الذي وصف وحده بهذا النعت "عبده", عبده في الإسراء وعبده عند سدرة المنتهى, فلم يخرج محمد -صلى الله عليه وسلم- عن العبودية لله وحده. أفلا يستحق دون سائر البشر جميعا أن تحمله الملائكة على البراق ليصلي إماما بكل الأنبياء؟
ولم يخرج محمد -صلى الله عليه وسلم- من العبودية لله وحده، أفلا يستحق أن تقف له الأنبياء والملائكة وأهل السموات جميعا
__________
1 الحلبية ج1 ص413.
ينتظرون مقدمه عن سدرة المنتهى، حيث يكون هو وحده "عبد الله"، حيث يكون "عبده" لقد حقق هذا النبي العظيم العبودية لله, حققها قلبا وروحا.
حققها رأفة وسكينة.
حققها صفحا ودعاء.
حققها صبرا ورضا.
فما جزاء هذا عند ربه الكريم؟
أما الإمام القشيري رضي الله عنه فقد أشرق بالجواب إشراقة العارفين يقول:
إن الملك العظيم إذا أراد تخصيص أحد من عباده وولي من أوليائه أشهده من أملاكه وخزائنه ما أخفاه عن غيره ليدل بذلك على تخصيصه، كذلك الحق سبحانه وتعالى لما أراد إكرام المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أطلعه على كثير من المخلوقات ما لم يشهده غيره تخصيصا له وتشريفا, ومن ذلك أنه لما طوى الأرض فأراه مشارقها ومغاربها، كذلك أراه الملكوت والسموات والجنة والنار وما أراه تلك الليلة ليزداد به اعتبارا على اعتبار واستبصارا على استبصار1.
إن مسألة المعراج في جوهرها عندما نلاحظ العلاقة بين الله وبين نبيه, هي كما قالها الأستاذ أبو علي الدقاق رضي الله عنه:
ليعرفه أنه لا رتبة لأحد فوق رتبته, فيكون أبلغ في باب كرامته2.
__________
1 المعراج للقشيري ص69.
2 المعراج للقشيري ص70.
ولا يمر الإسراء والمعراج كحدثين مضيا في التاريخ القديم, ولكنهما كانا كمنهج حياة في العقيدة والأخلاق من جانب ثم يكونان دائما من دلائل النبوة الخاتمة للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد أخبر عن أحداث ستقع في مستقبل هذه الأمة، رآها بعينه في الجنة وفي النار فأخبر عنها ليتقيها الورعون، وليصلحها المصلحون، ولينتهي عنها الآثمون وليفقهها الداعون لينذروا قومهم لعهم يحذرون1.
أما النعمة العظمى والتجلي الإلهي الأكبر في ليلة الإسراء والمعراج فإنه الصلاة، إن الصلاة هي الشرف الأسمى للإنسان فهي تصله بالله سبحانه، وهي الوسيلة إلى رضوانه، وباب الفتوح والقبول، وهي المعراج الروحي الذي تتصل فيه أرواح العباد الأطهار بخالقهم جل وعلا.
إنها لحظة المناجاة التي لا تحتاج إلى وسيط ولا شفيع، إنها القربى إلى الله جل شأنه, يأنس فيها القلب بربه وتصل فيها الروح ببارئها وتستريح من وعثاء السفر في الحياة، وتهدأ من صخب الشهوات، وتنجو من وسواس الشيطان.
__________
1 لمولانا فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود كتاب جليل عن الإسراء والمعراج، نشر في سلسلة البحوث الإسلامية "الكتاب الثاني والعشرون" من السنة الثانية وهو بحث دائر حول منهجية الإسراء والمعراج للعقيدة والأخلاق، ولقد سعدت كثيرا بالحياة في جو هذا الكتاب مرارا عند طبعه وتصحيحه ثم تدبره بعد نشره، فقد كان الله عز وجل منحنى شرف التكليف بإنشاء هذه السلسلة في ربيع الأول سنة 1388هـ. والإشراف عليها وكان هذا آخر كتاب أشرفت على نشره قبل سفري إلى ماليزيا في عام 1970م.
وقد شاء الله تعالى أن يشرع تنظيم الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة من عند سدرة المنتهى1؛ لأنها فقط العبادة التي تصعد إلى الله مع الملائكة الذين يتعاقبون في الليل والنهار, وهي وحدها، الصلاة التي تحقق العبودية لله، تسجد الجباه والأيدي والركب والأقدام ويسجد القلب والعقل والفؤاد إجلالا وتعظيما وتمجيدا لله رب العالمين، ومنزلة الصلاة رفيعة, تهبط شرعيتها من منزلة تساويها من عند سدرة المنتهى.
إن الصلاة حبل واصل بين الطائعين في الأرض وخالقهم الأعلى والحبل الذي يصل بين الله وعباده هو الذي يرتضيه لهم ونوع الصلاة التي يتعبد بها المسلم لا يملك أن يقترحها إنما تلقى إليه كما يشاء الله, ولهذا انتدب الله عز وجل حبيبه محمدا -صلى الله عليه وسلم- في ليلة الإسراء والمعراج؛ ليوحي إليه تنظيم الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة2، إعلانا بما للصلاة من منزلة عند الله, وما لها من منزلة عند الطائعين وما لها من حقوق يجب أن تراعى، وهي الفرض الوحيد الذي لا يسقط عن الصحيح والمريض والمسافر والمجاهد3، ولهذا كانت عماد الدين, من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، وهي الفاصل بين المسلم والكافر، وهي النور الذي يملا القلب والمسجد والبيت، وهي بركة العمر والرزق والعافية والعلم.
يقول شيخنا العارف بالله فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود:
"والصلاة لأهميتها لم تفرض بالطريق العادي لقد كان جبريل عليه السلام ينزل بالوحي مبلغا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قواعد
__________
1 راجع الحلبية ج1 ص298، 302 السيرة لابن هشام ج1 ص243.
2 المواهب ج1 ص307
3 العبادات ج1 ص191.
التشريع ومبادئ الأخلاق وأصول العقيدة ومسائلها، فلما حان فرض الصلاة، عدل الله سبحانه وتعالى عن هذا إلى دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليكون بنفسه في الحضرة الإلهية ليبلغه الله سبحانه وتعالى، بطريق مباشر أمر الصلاة, وكان ذلك إعلانا عن أهمية الصلاة. إنها لم تفرض بالطريق العادي تكريما لها وتشريفا1.
لقد كانت غاية الحدث الجليل، الإسراء والمعراج تصفية الجماعة الإسلامية التي ستتولى القيادة الراشدة قريبا تجهيزا لنقله بالهجرة من مكة إلى طابة حيث تهاجر العناصر القوية الصادقة التي نجحت بامتياز في هذا الاختيار الدقيق؛ لأنها وحدها يوم أن ينضم إلى منهج التبليغ حد السيف تستطيع أن تبرهن على أن الجهاد بالسيف ليس وراءه طمع مادي, ولا شهرة في شهرة ولا رغبة في اكتساب أرض أو استعمار قطر، وإنما فقط لتكون كلمة الله هي العليا، ولتكون العبودية وظيفة البشر، قد وجدت لها مناخا يحقق فيه الناس عبادتهم لله الواحد القهار.
وكان قدر الله مفعولا واستعدت الجماعة في العام الحادي عشر من البعثة لنقلة تنتظر الإذن من السماء.
__________
1 العبادات ج1 ص189، 190 لم أشأ أن أطرق بحث: هل كان المعراج بالروح والجسد؛ لأنه لا يتعلق بموضوع الدعوة من حيث المناهج والغايات وأن الحديث فيه قد انتهى دون جديد اللهم إلا أن المعارضين إنما يلحظون في البحث حدودهم البشرية, وأنا من ذلك بريء, والحمد لله.