...
تابع المقصد الأول في تشريف الله تعالى له عليه الصلاة والسلام:
بسم الله الرحمن الرحيم
"إسلام الفاروق":
وأسلم عمر بن الخطاب بعد حمزة بثلاثة أيام فيما قاله أبو نعيم بدعوته صلى الله عليه وسلم: "اللهم أعز الإسلام بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب"
__________
إسلام عمر الفاروق:
"وأسلم عمر بن الخطاب" بن نفيل بن عبد العزي بن رياح بكسر الراء وتحتية، وقيل: بكسرها وموحدة، وهو بعيد ابن عبد الله بن قرط بضم القاف وإسكان الراء وطاء مهملة، ابن رزاح بفتح الراء والزاي، كما قاله الدارقطني وابن ماكولا وخلق، وقيل: بكسر الراء ابن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب، قال في الفتح: وعدد ما بينهما من الآباء متفاوت بواحد فبين المصطفى وكعب سبعة آباء، وبينه وبين عمر ثمانية، قال ابن إسحاق: أسلم عقب الهجرة الأولى إلى الحبشة، وذكر ابن سعد عن ابن المسيب في ذي الحجة سنة ست من المبعث، وحكى عليه ابن الجوزي في بعض كتبه الاتفاق
لكنه قال في التلقيح: سنة ست، وقيل: سنة خمس.
"بعد حمزة بثلاثة أيام" لا أشهر كما قيل، "فيما قاله أبو نعيم" لأنه قد رواه عن ابن عباس، قال: سألت عمر عن إسلامه، قال: خرجت بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام فذكر القصة وهو موافق لما حكاه ابن سعد. أما على قول ابن إسحاق، فلا يجيء لأن الهجرة في الخامسة وإسلام حمزة في السادسة، كما أنه لا يأتي على القول بأن إسلام حمزة في الثانية بالنون "بدعوته صلى الله عليه وسلم" كما رواه الترمذي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الإسلام بأبي جهل" بن هشام "أو بعمر بن الخطاب"، قال: فأصبح فغدا عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، ورواه أبو نعيم من وجه آخر عن ابن عمر، قال: قال صلى الله عليه وسلم "اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك عمر أو بأبي جهل"، وأخرجه خيثمة في فضل الصحابة من حديث علي به، والحاكم عن ابن مسعود بلفظ: أيد بدل جهل.
وفي حديث خباب عند البزار مرفوعا: "اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو
وكان المسلمون إذ ذاك بضعة وأربعين رجلا، وإحدى عشرة إمرأة.
وكان سبب إسلامه -فيما ذكره أسامه بن زيد عن أبيه عن جده عن......
__________
بعمر بن الخطاب"، فيمكن أنه قال هذا مرة وهذا أخرى، ودعوى أن بأبي جهل رواية بالمعنى لا تصح؛ لأنها رد للروايات المتعددة الطرق لرواية واحدة. وأخرج الحاكم وصححه عن نافع عن ابن عمر عن ابن عباس رفعه: "اللهم أيد الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة"، وأخرجه ابن ماجه وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي من حديث عائشة وجمع ابن عساكر لأنه صلى الله عليه وسلم دعا بالأول أولا، فلما أوحى إليه أن أبا جهل لن يسلم خص عمر بدعائه، انتهى. ثم بحديث عائشة هذا الصحيح يرد ما نقل عن الدارقطني أن عائشة قالت: إنما قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم أعز عمر بالإسلام"؛ لأن الإسلام يعز ولا يُعز. وقد قال السخاوي: ما زعمه أبو بكر التاريخي أن عكرمة سئل عن قوله: "اللهم أيد الإسلام"، فقال: معاذ الله دين الإسلام أعز من ذلك، ولكنه قال: "اللهم أعز عمر بالدين، أو أبا جهل"، فأحسبه غير صحيح، انتهى.
وفي الدر قد اشتهر هذا الحديث الآن على الألسنة، بلفظ: "بأحب العمرين"، ولا أصل له في شيء من طرق الحديث بعد الفحص البالغ.
"وكان المسلمون إذ ذاك بضعة" بكسر الباء وقد تفتح من ثلاثة إلى سبعة ولا تستعمل فيما زاد على عشرين إلا عند بعض المشايخ، كما في المصباح. "وأربعين رجلا" كما قاله السهيلي، زاد: "وإحدى عشرة امرأة" لكنه مخالف لقول فتح الباري في مناقب عمر: روى ابن أبي خيثمة عن عمر: لقد رأيتني وما أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسعة وثلاثون، فكملتهم أربعين فأظهر الله دينه وأعز الإسلام. وروى البزار نحوه من حديث ابن عباس، وقال فيه: فنزل جبريل، فقال: أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين، انتهى. اللهم إلا أن يكون عمر لم يطلع على الزائد؛ لأن غالب من أسلم كان يخفيه خوفا من المشركين لا سيما وقد كان عمر عليهم شديدا، فلذا أطلق أنه كملهم أربعين، ولم يذكر النساء؛ لأنه لا إعزاز بهن لضعفهن.
"وكان سبب إسلامه فيما ذكره أسامة بن زيد" بن أسلم العدوي مولاهم المدني ضعيف من قبل حفظه مات في خلافة المنصور وروى له ابن ماجه "عن أبيه" زيد بن أسلم العدوي مولاهم المدني أبو أسامة أو أبو عبد الله الفقيه العالم المفسر الثقة الحافظ التابعي المتوفى سنة ست وثلاثين ومائة.
روى له الستة، "عن جده" أسلم مولى عمر اشتراه سنة إحدى عشرة كنيته أبو خالد، ويقال: أبو زيد التابعي الكبير، قيل: إنه من سبي عين النمر، وقيل: حبشي روى عن مولاهم والصديق ومعاذ، قال أبو زرعة: ثقة مات سنة ثمانين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة، أخرج له الجماعة "عن
عمر- أنه قال: بلغني إسلام أختي، فدخلت عليها، فقلت يا عدوة نفسها، قد بلغني عنك أنك صبوت، ثم ضربتها، فسال الدم، فلما رأت الدم بكت وقالت: يابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد أسلمت.
قال: فدخلت وأنا مغضب، فإذا كتاب في ناحية.................
__________
عمر، أنه قال: بلغني" من نعيم بن عبد الله النجام القرشي الصحابي؛ كما في رواية ابن إسحاق، وجزم به ابن بشكواك، وقال: إن في كلام أبي القسم البغوي شاهده أو من سعد بن أبي وقاص؛ كما في الصفوة ويحتمل أن يكونا معا بلغاه ذلك في سيره مريدا قتل النبي، كما اتفق مع قريش على ذلك "إسلام أختي" فاطمة عند الأكثر، وقيل: أميمة، حكاه الدارقطني قال في الإصابة: فكأن اسمها فاطمة ولقبها أميمة وكنيتها أم جميل، وقيل: اسمها رملة لها حديث أخرجه الواقدي عن فاطمة بنت الخطاب أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "لا تزال أمتي بخير ما لم يظهر فيهم حب الدنيا في علماء فساق وقراء جهال، وجوره فإذا ظهرت خشيت أن يعمهم الله بعقاب".
وحذف المصنف صدر حديث أسلم، فلفظه: قال لنا عمر: أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدو إسلامي؟ قلنا: نعم، قال: كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طرق مكة، إذ لقيني رجل من قريش، فقال: أين تذهب؟ إنك تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك، قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد صبأت، فرجعت مغضبا وقد كان صلى الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند رجل به قوة فيكونان معه ويصيبان من طعامه، وقد ضم إلى زوج أختي رجلين، فجئت حتى قرعت الباب، فقيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وكان القوم جلوسا يقرءون صحيف معهم فلما سمعوا صوتي تبادروا واختلفوا، أو قال: نسوا الصحيفة من أيديهم، فقامت المرأة معهم فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا، أو قال: نسوا الصحيفة من أيديهم، فقامت المرأة ففتحت لي "فدخلت عليها، فقلت: يا عدو نفسها، قد بلغني عنك أنك صبوت" أي: خرجت من دينك "ثم ضربتها" وفي الصفوة: فوثب عمر على ختنه سعيد بن زيد وبطش بلحيته وضرب به الأرض وجلس على صدره، فجاءته أخته لتكفه عن زوجها فلطمها لطمة شج بها وجهها، "فسال الدم، فلما رأت الدم بكت" وغضب "وقالت" زاد في الصفوة: أتضربني يا عدو الله على أن أوحد الله، لقد أسلمنا على رغم أنفك، "يابن الخطاب، ما كنت فاعلا فافعل فقد أسلمت".
وفي رواية ابن عباس عن عمر عند ابن عساكر والبيهقي: فوجدت همهمة فدخلت فقلت: ما هذا؟ فما زال الكلام بيننا حتى أخذت برأس ختني فضربته وأدميته، فقامت إلي أختي فأخذت برأسي، وقالت: قد كان ذلك على رغم أنفك، فاستحييت حين رأيت الدماء "قال: فدخلت وأنا مغضب" زاد في الرواية: على السرير فنظرت "فإذا كتاب في ناحية" جانب من جوانب
البيت، فإذا فيه {بسم الله الرحمن الرحيم} فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت ورميت بالصحيفة من يدي، ثم رجعت فإذا فيها {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حتى بلغت {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه} [الحديد: 7] فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
__________
"البيت" أسقط من رواية أسلم: فقلت: ما هذا الكتاب؟ أعطينيه، فقالت: لا أعطيكه، لست من أهله أنت لا تغتسل من الجناية ولا تطهر، وهذا لا يمسه إلا المطهرون، قال: فلم أزل بها حتى أعطتنيه. وفي الصفوة: قال: أعطوني هذا الكتاب أقرؤه، وكان عمر يقرأ الكتب، قالت أخته: لا أفعل، قال: ويحك وقع في قلبي مما قلت، فأعطينيها أنظر إليها وأعطيك من المواثيق أن لا أخونك حتى تحوزها حيث شئت، قالت: إنك رجس، فانطلق فاغتسل أو توضأ فإنه كتاب لا يمسه إلا المطهرون فخرج ليغتسل، فخرج ليغتسل، فخرج خباب، فقال: أتدفعين كتاب الله إلى كافر، قالت: نعم، إني أرجو أن يهدي الله أخي، فدخل خباب البيت وجاء عمر فدفعته إليه "فإذا فيه: {بسم الله الرحمن الرحيم} ، فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت" بضم الذال المعجمة وكسر المهملة أفزعت، زاد في رواية البزار: فجعلت أفكر من أي شيء اشتق "ورميت بالصحيفة من يدي، ثم رجعت" لفظ الرواية: ثم رجعت إلى نفسي، أي: فأخذت الصحيفة "فإذا فيها: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الحديد: 1] ، زاد البزار: فجعلت أقرأ وأفكر "حتى بلغت {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه} كما في الروض. ولفظ رواية غيره: فإذا فيها {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحديد: 7] ، هذا لفظ رواية البزار كما في الروض. ولفظ رواية غيره: فإذا فيها {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد: 1] ، فكلما مررت باسم من أسماء الله ذعرت ثم ترجع إليَّ نفسي، حتى بلغت {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] إلى قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} [الحديد: 8] ، "فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله".
وفي رواية ابن عساكر وأبي نعيم عن ابن عباس والدارقطني عن أنس كلاهما عن عمر، فقلت: أروني هذا الكتاب، فقالوا: إنه لا يمسه إلا المطهرون، فقمت فاغتسلت فأخرجوا لي صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، فقلت: أسماء طيبة طاهرة، {طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1، 2] إلى قوله تعالى: {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8] ، فعظمت في صدري، وقلت: من هذا فرت قريش، فأسلمت.
وعند الدارقطني: فقام فتوضأ ثم أخذ الصحيفة، وكذا ذكره ابن إسحاق: وأنه تشهد لما بلغ فلا يصدنك عنها. وزاد يونس عنه: أنه كان فيها مع سورة طه {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] ، وأن عمر انتهى في قراءتها إلى قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَت} [التكوير:
فخرج القوم يتبادرون بالتكبير استبشارا بما سمعوه مني، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت في أسفل الصفا، فدخلت عليه وأخذ رجلان، بعضدي حتى دنوت.....................
__________
14] ، فيمكن أنه توضأ ثم اغتسل أو عكسه، وأنه وجد السور الثلاث في صحيفة أو صحيفتين فقرأها وتشهد عقب بلوغ كل من الآيتين.
وفي الصفوة: فلما بلغ {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ، قال: ما ينبغي لمن يقول هذا أن يعبد معه غيره!! دلوني على محمد، "فخرج القوم" الذين كانوا عند أخته، يعني زوجها سعيد بن زيد وخباب بن الأرت أحد الرجلين اللذين ضمهما المصطفى إلى سعيد، وكان خباب يقرؤهم القرآن والرجل الثاني، قال في النور: لا أعرفه، "يتبادرون بالتكبير استبشارا بما سمعوه مني" وحمدوا الله، ثم قالوا: يابن الخطاب! أبشر فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا يوم الاثنين، فقال: "اللهم أعز الإسلام بعمرو أو عمر"، وإنا نرجو أن تكون دعوته لك فأبشر، فلما عرفوا مني الصدق، قلت: أخبروني بمكانه -صلى الله عليه وسلم- قالوا: هو في أسفل الصفا. "فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت في أسفل الصفا" هي دار الأرقم الصحابي، كان صلى الله عليه وسلم مختفيا فيها بمن معه من المسلمين، قال المحب الطبري: ويقال لها اليوم دار الخيزران، وفي الصفوة: فقال عمر: يا خباب، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام خباب وسعيد عه.
وفي حديث أسلم: فقرعت الباب، قيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وقد عرفوا شدتي على رسول الله ولم يعلموا بإسلامي، فما اجترأ أحد منهم أن يفتح الباب، فقال صلى الله عليه وسلم: "فافتحوا له فإن يرد الله بخيرا يهده"، وأخرجه ابن عائذ من حديث ابن عمر، وقال: وهذا وهم إنما الذي قال: " فإن يرد الله به خيرا يهده وإلا كفيتموه بإذن الله حمزة" وتجويز أن الوهم إنما هو في نسبة قوله: "وإلا كفيتموه" للنبي صلى الله عليه وسلم فلا ينافي ما في الشامي من أن: "فإن يرد الله به خيرا يهده" من كلام المصطفى فيه نظر، إذ كيف يأتي هذا مع قول ابن عائذ: إنما الذي ... إلى آخره، والشامي: إنما هو في مقام سياق الحديث الذي حكم ابن عائذ على هذه القطعة منه بالوهم، ولذا حسن من المصنف إسقاطهما.
وفي رواية: فلما رأى حمزة وجل القوم منه، قال فإنه يرد الله به خيرا يسلم ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يرد غير ذلك كان قتله علينا هينا، والنبي صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، ففتح الباب "فدخلت عليه وأخذ رجلان" قال البرهان: لا أعرفهما ولعل حمزة أحدهما؛ لأنه الذي أذن في دخوله، "بعضدي" بشد الياء تثنية عضد، وفي هامش: إن حمزة أخذ بيمينه والزبير بيساره "حتى دنوت
من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أرسلوه"، فأرسلوني فجلست بين يديه، فأخذ بمجمع ثيابي فجذبني إليه ثم قال: "أسلم يابن الخطاب، اللهم اهد قلبه"، قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة سمعت بطرق مكة.
وكان الرجل إذا أسلم استخفى ثم خرجت إلى رجل لم يكن يكتم السر،
__________
من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أرسلوه"،" يفتح الهمزة: "فأرسلوني، فجلست بين يديه فأخذ بمجمع ثيابي" لفظ رواية أسلم: بمجمع قميصي، وعند ابن إسحاق، بحجزته أو بمجمع ردائه، "فجذبني إليه" جذبه شديدة؛ كما في الرواية، وفي رواية: فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم في صحن الدار، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل سيفه، وفي لفظ: أخذه ساعة وهزه فارتعد عمر من هيبته وجلس.
وفي آخر: أخذ بمجامع ثيابه فنثره فما تمالك أن وقع عمر على ركبته، وقال له: "فما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك ما أنزل بالوليد بن المغيرة"، يعني الخزي والنكال ولعله صلى الله عليه وسلم فعل معه ذلك ليثبته الله على الإسلام ويلقي حبه الطبيعي في قلبه، ويذهب عنه رجز الشيطان، فكان كذلك حتى كان الشيطان يفر منه وليكون شديدا على الكفار وفي الدين، فصار كذلك.
وعند ابن إسحاق، فقال: "ما جاء بك يابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة"، فقال: يا رسول الله! جئت لأؤمن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله، "ثم قال" صلى الله عليه وسلم بعد اخذه بمجامع ثوبه وهزه، وقوله ما ذكر "أسلم يابن الخطاب، اللهم اهد قلبه" لفظ رواية أسلم اهده؛ كما في العيون والإرشاد للمصنف، فلعه هنا بالمعنى أو جمع بينهما.
وفي رواية: "اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب" "قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وانك رسول الله، فكبر المسلمون" بعد تكبير النبي صلى الله عليه وسلم، كما في رواية "تكبير واحدة سمعت بطرق مكة، وكان الرجل إذا أسلم استخفى" بإسلامه، زاد أبو نعيم وابن عساكر في رواية ابن عساكر عن عمر، فقلت: يا رسول الله! ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم"، فقلت: ففيهم الخفاء يا رسول الله؟ علام نخفي ديننا ونحن على الحق وهم على الباطل؟ فقال: "يا عمر، إنا قليل قد رأيت ما لقينا"، وقال: والذي بعثك بالحق نبينا لا يبقي مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان، ثم خرج في صفين أنا في أحدهما وحمزة في الآخر، حتى دخلنا المسجد فنظرت قريش إلينا فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ الفاروق "ثم خرجت" فذهبت بعد كراهتي عدم ضربي كمن آمن وإخباري لخالي ورجل من عظماء قريش بإسلامي وقول رجل، قال في النور: لا أعرفه، ويظهر أنه مسلم: تحب أن يعلم إسلامك، فأرشدني "إلى رجل لم يكتم السر" هو جميل بفتح الجيم وكسر الميم، ابن معمر بفتح الميم بينهما مهملة
فقلت له: إني صبوت، قال فرفع صوته بأعلاه: ألا إن ابن الخطاب قد صبأ، فما زال الناس يضربوني وأضربهم، فقال خالي: ما هذا؟ قالوا: ابن الخطاب، فقام على الحجر وأشار بكمه فقال: ألا إني قد أجرت ابن أختي، قال: فانكشف الناس عني؛
__________
ساكنه ثم راء، ابن حبيب الجمحي أسلم يوم الفتح وقد شاخ وشهد حنينا وفتح مصر، ومات في خلافة عمر فحزن عليه حزنا شديدا، "فقلت له" سرا "إني صبوت" ملت من دين إلى دين، "قال: فرفع صوته بأعلاه: ألا إن ابن الخطاب" عمر، وكأنه لم يسمه لشهرته فيهم "قد صبأ" وروى ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر، لما أسلم عمر قال: أي قريش أنقل للحديث، فقيل له: جميل، فغدا عليه وغدوت أتبع أثره وأنا غلام أعقل ما رأيت حتى جاءه فقال: أعلمت يا جميل أني قد أسلمت ودخلت في دين محمدا فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر واتبعت أبي، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش! وهم في أنديتهم حول الكعبة، ألا إن ابن الخطاب قد صبا، ويقول عمر من خلفه، كذب، ولكني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فتعبير عمر لجميل أولا بقوله: صبؤت، يعني على زعمكم "فما زال الناس يضربوني وأضربهم، فقال خالي" يحتمل أنه أبو جهل أو أخوه الحارث بن هشام؛ لأنهما خالاه مجازا لأن عصبة الأم أخوال، الابن وأمه حنتمة بفتح المهملة وسكون النون وفتح الفوقية فتاء التأنيث ابنه هاشم بن المغيرة المخزومي، وهاشم وهاشم أخوان فهما ابنا عم أمه، ومن قال: إنها بنت هشام فقد أخطأ وصحف هاشما بهشام؛ كما قاله ابن عبد البر والسهيلي والحافظ وغيرهم؛ ويحتمل أنه أراد غيرهما من بني مخزوم.
كما ال البرهان: فالجزم بأنه أبو جهل يحتاج لبرهان واختيار أنه خاله حقيقة مبني على خطأ مخالف، لما نبه عليه الحفاظ وأقره ختامهم في فتح الباري. "ما هذا؟ قالوا: ابن الخطاب فقام" خالي "على الحجر" بكسر الحاء وغلط من فتحها؛ كما في النور "وأشار بكمه، فقال: ألا إني قد أجرت ابن أختي" قال في النور، أي: هو في ذمامي وعهدي وجواري، "قال: فانكشف الناس عني" لجلالة خاله عندهم، وعند ابن إسحاق في حديث ابن عمر أن العاصي بن وائل أجاره منهم حينئذ، فيحتمل أنهما معا أجاراه.
وروى البخاري عن ابن عمر، قال: بينا عمر في الدار خائفا إذ جاءه العاصي بن وائل السهمي أبو عمرو، وعليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير، فقال: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني لأنني أسلمت، قال: لا سبيل إليك، بعد أن قال آمنت، فخرج العاصي فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد ابن الخطاب الذي قد صبا، قال: لا سبيل إليه، فكر الناس وانصرفوا عنه وطريق الجمع أن العاصي أجاره مرتين، مرة مع خاله والأخرى بعد
فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام.
__________
كونه في الدار، والله أعلم. "فما زلت" بعد رد جواز خالي كراهة أن لا أكون كالمسلمين وقول خالي: لا تفعل يابن أختي، فقلت: بلى هو ذاك، قال: فما شئت؛ كما في حديث أسلم، قال: فما زلت "أضرب" بالبناء للفاعل "وأضرب" للمفعول "حتى أعز الله الإسلام".
روى حديث أسلم عن عمر هذا بطوله البزار والطبراني وأبو نعيم والبيهقي، ورواه الدارقطني من حديث أنس وابن عساكر، والبيهقي عن ابن عباس، وأبو نعيم عن طلحة وعائشة كلهم عن عمر نحوه، فهذه طرق يعضد بعضا، فانجيز ما فيه من ضعف أسامة. وفي فتح الباري ألمح البخاري بإيراد قصة سواد بن قارب في باب إسلام عمر إلى ما جاء عن عائشة وطلحة عن عمر، أن هذه القصة كانت سبيل إسلامه، انتهى.
ومن جملة القصة التي رواها البخاري آخر حديث سواد، قال عمر: بينا أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل فصيح يقول: لا إله إلا أنت، فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا إله إلا الله فما نشبنا إن قيل هذا نبي.
وروى أبو نعيم في الدلائل عن طلحة وعائشة عن عمر: أن أبا جهل جعل لمن يقتل محمدا مائة ناقة حمراء أو سوداء وألف أوقية من فضة، فقلت له: يا أبا الحكم! الضمان صحيح، قال: نعيم، فخرجت متقلدا السيف متنكبا كنانتي أريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت على عجل وهم يريدون ذبحه فقمت أنظر إليه، فإذا صائح يصيح من جوف العجل: يا آل ذريح، أمر نجيح رجل يصيح بلسان فصيح يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقلت في نفسي: إن هذا الأمر ما يراد به إلا أنا ثم مررت بصنم، فإذا هاتف من جوفه، يقول:
يا أيها الناس ذوو الأجسام ... ما أنتم وطائش الأحلام
ومسند الحكم إلى الأصنام ... أصبحتهم كراتع الأنعام
أما ترون ما أرى أمامي ... من ساطع يجلو دجى الظلام
قد لاح للناظر من تهام ... وقد بدا للناظر الشآمي
محمد ذو البر والإكرام ... أكرمه الرحمن من إمام
قد جاء بعد الشرك بالإسلام ... يأمر بالصلاة والصيام
والبر والصلات للأرحام ... ويزجر الناس عن الآثام
فبادروا سبقا إلى الإسلام ... بلا فتور وبلا إحجام
قال عمر: فقلت: والله ما أراه إلا أرادني، ثم مررت بالضمائر فإذا هاتف من جوفه، يقول:
قال ابن عباس: لما أسلم عمر قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد، لقد استبشر أهل
__________
أودي الضمار وكان يعبد مدة ... قبل الكتاب وقبل بعث محمد
إن الذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدي
سيقول من عبد الضمار ومثله ... وليت الضمار ومثله لم يعبد
أبشر أبا حفص بدين صادق ... تهدي إليه وبالكتاب المرشد
واصبر أبا حفص فإنك آمر ... يأتيك عز غير عز بني عدي
لا تعجلن فأنت ناصر دينه ... حقا يقينا باللسان وباليد
قال عمر: فوالله لقد علمت أنه أرادني، فلقيني نعيم وكان يخفي إسلامه فرقا من قومه، فقال: أين تذهب؟ قلت: أريد هذا الصابي الذي فرق أمر قريش فأقتله، فقال نعيم: يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على وجه الأرض وبالغ في منعه، ثم قال: ألا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم، فذكر دخوله على أخته ... القصة بطولها ولا تنافي بينهما فهو حديث واحد طوله مرة واختصره أخرى.
وفي رواية عند ابن إسحاق: أن سبب إسلامه أنه دخل المسجد يريد الطواف فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فقال: لو سمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فقلت: إن دنوت منه استمع لأرد عنه فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابه، أي: البيت، فجعلت أمشي حتى قمت في قبلته وسمعت قراءته، فرق له قبلي فبكيت وداخلني الإسلام فمكثت حتى انصرف، فتبعته فالتفت في أثناء طريقه فرآني، فظن إنما تبعته لأوذيه، فنهمني، ثم قال: "ما جاء بك في هذه الساعة"؟ قلت: جئت لأؤمن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله، قال: فمحمد الله ثم قال: "قل هداك الله"، ثم مسح صدري ودعا لي بالثبات ثم انصرفت عنه، ودخل بيته.
نهمني بالنون، أي: زجرني، والنهم زجر الأسد، كما في الروض. ففيه من شجاعته صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى. وروى ابن سنجر في مسنده عن عمر: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن، فقلت: هو شاعر كما قالت قريش: فقرأ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 40، التكوير: 19] إلى آخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع، الواقعة تكفل شيخنا برده.
"قال ابن عباس: لما أسلم عمر، قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد لقد استبشر أهل
السماء بإسلام عمر. رواه ابن ماجه.
__________
السماء بإسلامه عمر" لأن الله أعز به الدين ونصر به المستضعفين، قال ابن مسعود، كان إسلام عمر عزا وهجرته نصرا وإمارته رحمة، والله ما ستطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر، رواه ابن أبي شيبة والطبراني، وقال صهيب، لما أسلم عمر، قال المشركون: أنتصف القوم منا، رواه ابن سعد.
وروي: أنه لما أسلم، قال: يا رسول الله! لا ينبغي أن يكتم هذا الدين، أظهر دينك، فخرج ومعه المسلمون وعمر أمامهم معه سيف ينادي: لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى دخل المسجد، فقالت قريش: لقد أتاكم عمر مسرورا، ما وراءك يا عمر؟ قال: ورائي لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن تحرك أحد منكم لأمكنن سيفي منه، ثم تقدم أمامه صلى الله عليه وسلم يطوف ويحميه حتى فرغ من طوافه.
"رواه ابن ماجه" أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني الثقة المتفق عليه المحتج به له معرفة بالحديث وحفظه ومصنفات في السنن والتفسير والتاريخ والسماع بعده أمصار مات سنة ثلاثة وثمانين ومائتين، ورواه أيضا الحاكم وصححه ورده الذهبي بأن فيه عبد الله بن خراش، ضعفه الدارقطني، انتهى. وضعفه أيضا غيره ورواه ابن سعد عن الزهري وداود بن الحصين مرسلا، والله أعلم
"