عن جابر رضي الله عنه قال: عطش النّاس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة «1» فتوضّأ منها، ثمّ أقبل النّاس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما لكم قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضّأ به ولا نشرب إلّا ما في ركوتك قال: فوضع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يده في الرّكوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال فشربنا وتوضّأنا فقلت لجابر كم كنتم يومئذ قال لو كنّا مائة ألف لكفانا كنّا خمس عشرة مائة «2» وقد روى سلمة بن الأكوع مثل هذه القصة «3» .
__________
(1) ركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.
(2) أخرجه البخاري ك/ المغازي ب/ غزوة الحديبية ومسلم مختصرا ك/ الإمارة ب/ استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال وابن خزيمة في صحيحه 1/ 65 وابن حبان في صحيحه أيضا 14/ 480 وأبو عوانة في مسنده 4/ 428 والدارمي في سننه 1/ 27 وابن أبي شيبة في المصنف 7/ 387 وأحمد في المسند 3/ 329 والطيالسي في مسنده 1/ 239 والفريابي في دلائل النبوة ص 70 والأصبهاني في دلائل النبوة أيضا 1/ 48 وغيرهم.
(3) أخرجه مسلم ك/ المغازي ب/ استحباب خلط الأزواد إذا قلت، والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 118، 119.
,
أصاب أبا هريرة رضي الله عنه جوع شديد، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه إلى بيته حيث وجد قدحا من لبن فأمر أبا هريرة فدعا أهل الصّفة «4» فأخذوا مجالسهم من البيت، ثم أمره فسقاهم جميعا حتى رووا من ذلك القدح، ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم فشرب، فمازال يقول له: اشرب، حتى قال أبو هريرة لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا، فأخذ رسول الله منه القدح وسمى وشرب الفضلة «5» .
__________
(1) يعني لم تحمل فالشاة لا يدر لبنها إلا بعد أن تحمل وتلد.
(2) أخرجه أحمد في المسند 1/ 397، 462، وابن حبان في صحيحه 14/ 433 أبو داود الطيالسي 1/ 47 وابن أبي شيبة في المصنف 6/ 327 وأبو يعلي في مسنده 8/ 403 والطبراني في المعجم الكبير 9/ 78 وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند 6/ 190.
(3) الحاكم في المستدرك 3/ 9 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(4) أهل الصّفة: طائفة من الصحابة فقراء كانوا يتخذون من المسجد سكنا لهم.
(5) أخرجه البخاري ك/ الرقاق ب/ كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا والترمذي في السنن ك/ صفة القيامة والرقائق والورع وابن حبان في صحيحه 14/ 472 وأحمد في المسند 2/ 515 والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 446 وهناد في الزهد 2/ 394 وإليك القصة كاملة: قال مجاهد إنّ أبا هريرة كان يقول الله الّذي لا إله إلّا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلّا ليشبعني فمرّ ولم يفعل ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلّا ليشبعني فمرّ فلم يفعل ثمّ مرّ بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسّم حين
قال الحافظ ابن حجر: وفيه معجزة عظيمة، وقد تقدم لها نظائر في علامات النبوة من تكثير الطعام والشراب ببركته صلى الله عليه وسلم «1» .
,
وقريب من قصة أبي هريرة قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع المقداد إلا أن البركة في قصة المقداد نزلت على ضروع الغنم فامتلأت باللبن الكثير في غير وقت حلبها «2» .
__________
رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثمّ قال يا أبا هرّ قلت لبّيك يا رسول الله قال الحق ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي فدخل فوجد لبنا في قدح فقال من أين هذا اللّبن قالوا أهداه لك فلان أو فلانة قال أبا هرّ قلت لبّيك يا رسول الله قال الحق إلى أهل الصّفّة فادعهم لي قال وأهل الصّفّة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك فقلت وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة كنت أحقّ أنا أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بدّ فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت قال يا أبا هرّ قلت لبّيك يا رسول الله قال خذ فأعطهم قال فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى ثمّ يردّ عليّ القدح فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى ثمّ يردّ عليّ القدح فيشرب حتّى يروى ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلّهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ فتبسّم فقال أبا هرّ قلت لبّيك يا رسول الله قال بقيت أنا وأنت قلت صدقت يا رسول الله قال اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتّى قلت لا والّذي بعثك بالحقّ ما أجد له مسلكا قال فأرني فأعطيته القدح فحمد الله وسمّى وشرب الفضلة.
(1) فتح الباري 11/ 288.
(2) أخرجه مسلم ك/ الأشربة ب/ إكرام الضيف وفضل إيثاره، وأحمد في المسند 6/ 2، والترمذي مختصرا ك/ الاستئذان ب/ كيف السلام وكذلك البيهقي في السنن الكبرى 6/ 88 وكذا النسائي في عمل اليوم والليلة ص 283 وأخرجه البزار في مسنده 6/ 42 والأصبهاني في دلائل النبوة 1/ 134 وإليك القصة كاملة: عن المقداد قال أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليس أحد منهم يقبلنا فأتينا النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنز فقال النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم احتلبوا هذا اللّبن بيننا قال فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه ونرفع للنّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نصيبه قال فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي ثمّ يأتي شرابه فيشرب فأتاني الشّيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي فقال محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة
,
عن جابر أنّ أمّ مالك كانت تهدي للنّبيّ صلى الله عليه وسلم في عكّة «1» لها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندهم شيء فتعمد إلى الّذي كانت تهدي فيه للنّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فتجد فيه سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتّى عصرته فأتت النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال عصرتيها قالت نعم قال لو تركتيها ما زال قائما «2» .
__________
فأتيتها فشربتها فلمّا أن وغلت في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل قال ندّمني الشّيطان فقال ويحك ما صنعت أشربت شراب محمّد فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك!! وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي وجعل لا يجيئني النّوم وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت قال فجاء النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فسلّم كما كان يسلّم ثمّ أتى المسجد فصلّى ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا فرفع رأسه إلى السّماء فقلت الآن يدعو عليّ فأهلك فقال اللهمّ أطعم من أطعمني واسق من أسقاني قال فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا هي حافلة وإذا هنّ حفّل كلّهنّ فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه قال فحلبت فيه حتّى علته رغوة فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أشربتم شرابكم اللّيلة قال قلت يا رسول الله اشرب فشرب ثمّ ناولني فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثمّ ناولني فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض قال فقال النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إحدى سوآتك يا مقداد فقلت يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا فقال النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ما هذه إلّا رحمة من الله أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها قال فقلت والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من النّاس.
(1) العكة: إناء صغير للسمن.
(2) أخرجه مسلم ك/ الفضائل ب/ في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأحمد في مسنده 3/ 340.
,
وعن البراء رضي الله عنه قال كنّا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية بئر فنزحناها حتّى لم نترك فيها قطرة فجلس النّبيّ صلى الله عليه وسلم على شفير البئر فدعا بماء فمضمض ومجّ في البئر، فمكثنا غير بعيد ثمّ استقينا حتّى روينا وروت أو صدرت ركائبنا «1» . وروى هذه الحادثة أيضا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه «2» .
,
عن يزيد بن أبي عبيد قال رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضّربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال النّاس:
أصيب سلمة! فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتّى السّاعة «2» .
__________
(1) أخرجه البخاري ك/ الجهاد والسير ب/ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة ومسلم ك/ فضائل الصحابة ب/ من فضائل علي بن أبي طالب وابن حبان في صحيحه 15/ 378 والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 106 والنسائي في السنن الكبرى 5/ 46 وسعيد بن منصور في السنن 2/ 215.
(2) أخرجه البخاري ك/ المغازي ب/ غزوة خيبر وأبو داود في السنن ك/ الطب ب/ كيف الرقى وابن حبان في صحيحه 14/ 439 وأحمد في مسنده 4/ 48.
,
عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهوديّ رجالا من الأنصار، فأمّر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز (وذكر قصة قتله) ثم قال:
فعرفت أنّي قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتّى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي وأنا أرى أنّي قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة ثمّ انطلقت حتّى جلست على الباب فقلت:
لا أخرج اللّيلة حتّى أعلم أقتلته؟ فلمّا صاح الدّيك قام النّاعي على السّور فقال أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز! فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النّجاء! فقد قتل الله أبا رافع! فانتهيت إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فحدّثته، فقال: ابسط رجلك، فبسطت رجلي فمسحها فكأنّها لم أشتكها قطّ «1» .
,
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: إن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا «3» لرجل من اليهود فاستنظره جابر فأبي أن ينظره فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليشفع له إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبي اليهودي- وكان ثمر جابر لا يكفي لقضاء الدين فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها، ثم قال لجابر جدّ له «4» فأوف له، الذي له فجدّه بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا، فجاء جابر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليخبره بالذي كان، فوجده يصلي العصر، فلما انصرف بشره، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أشهد أني رسول الله، وقال: أخبر بذلك ابن الخطاب، فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليباركنّ فيها «5» .
قال الحافظ ابن كثير: وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة عن جابر
__________
(1) أي كمبركها أو كقدرها وهي رابضة.
(2) أخرجه مسلم ك/ اللقطة ب/ استحباب خلط الأزواد إذا قلت والمواساة فيها.
(3) وسقا: الوسق مقدار معلوم من الكيل يساوي ستين صاعا، والصاع يساوي أربعة أمداد، والمد ملء اليدين من الرجل المعتدل الكف.
(4) اقطع له، والجدّ هنا بمعنى القطع.
(5) أخرجه البخاري ك/ الاستقراض وأداء الديون ب/ إذا قاص أو جازفه في الدين تمرا بتمر، وابن ماجه ك/ الصدقات ب/ أداء الدين عن الميت، وأبو عوانه في مسنده 3/ 406 والطبراني في المعجم الأوسط 9/ 68 والفريابي في دلائل النبوة ص 83 والأصبهاني في دلائل النبوة 1/ 35، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أشهد أني رسول الله. أخرجه البخاري ك/ الأطعمة ب/ الرطب والتمر. وانظر فتح الباري لمعرفة بعض ألفاظ الروايات المتعددة 6/ 594.
بألفاظ كثيرة، وحاصلها أنه ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودعائه له، ومشيه في حائطه وجلوسه على تمره، وفّى الله دين أبيه، وكان قد قتل بأحد، وجابر كان لا يرجو وفاءه في ذلك العام ولا ما بعده، ومع هذا فضل له من التمر أكثر وفوق ما كان يؤمله ويرجوه ولله الحمد والمنة «1» .
,
مر بناء في معجزة تكثير الطعام حديث سلمة كيف بارك الله في طعام قليل كربضة العنز فكفى ألفا وأربع مئة من الصحابة رضي الله عنهم وفي تمامه قال سلمة: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " فهل من وضوء؟ " قال فجاء رجل بإداوة له فيها نطفة فأفرغها في قدح، فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة «3» (أي نصبه صبا شديدا) .
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم في تكثير الماء القليل:
,
عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أطعم مائة وثلاثين رجلا من شاة وصاع طعام، وأعطى كل واحد منهم قطعة من سواد بطنها (الكبد) فشبعوا جميعا، وحملوا ما بقي من الطعام معهم «2» .
قال النووي- رحمه الله-:
في هذا الحديث معجزتان ظاهرتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما تكثير سواد البطن حتى وسع هذا العدد، والآخرى تكثير الصاع ولحم الشاة حتى أشبعهم أجمعين، وفضلت منه فضلة حملوها لعدم حاجة أحد إليها «3» .
,
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا؟
قال: إن شئتم، فجعلوا له منبرا، فلما كان يوم الجمعة دفع «2» إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه تئن أنين الصبي الذي يسكّن، قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها «3» .
قال الحافظ ابن كثير: وقد ورد من حديث جماعة من الصحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن «4» .
__________
(1) أخرجه مسلم في آخر صحيحه ك/ الزهد والرقائق ب/ حديث جابر الطويل وابن حبان في صحيحه 14/ 455- 456 والأصبهاني في دلائل النبوة 1/ 53- 55 والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 94 ورواه ابن عبد البر في التمهيد 1/ 222 ورواه من حديث يعلى بن سيابة أحمد في مسنده 4/ 172 وابن قانع في معجم الصحابة 3/ 221 وغيرهما قال ابن عبد البر في التمهيد 1/ 222: وروي عن يعلى من وجوه. ونسبه في مجمع الزوائد 9/ 6، 7 إلى أحمد والطبراني بنحوه وحسّن إسناده وانظر البداية والنهاية لابن كثير 6/ 145- 148.
(2) دفع إلى المنبر: أي اتجه إلى المنبر.
(3) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ علامات النبوة في الإسلام وابن ماجه ك/ إقامة الصلاة ب/ ما جاء في بدء شأن المنبر والترمذي ك/ المناقب ب/ في آيات إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحمد في مسنده 3/ 300 والبيهقي في السنن الكبرى 3/ 195 وابن حبان في صحيحه 14/ 435- 438، والمقدسي في المختارة 4/ 356 والدارمي في السنن 1/ 29 واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/ 797- 802 وذكر له طرقا عن جماعة من الصحابة، والأصبهاني في دلائل النبوة 1/ 46 وأبو يعلى في مسنده 5/ 142 وابن الجعد في مسنده ص 466 وابن المبارك في الزهد ص 362 وذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 131- 138 من رواية الشافعي والبزار في مسنده وأبي بكر بن أبي شيبة وعبد بن حميد الليثي أيضا. ونسبه اللالكائي في كتابه المذكور آنفا إلى ابن خزيمة.
(4) البداية والنهاية 6/ 131، وذكر الحديث من رواية أبي وأنس وجابر وسهل بن سعد وابن عباس وابن عمر وأبي سعيد وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم جميعا.
,
مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأس حنظلة بن حذيم وقال: بارك الله فيك أو بورك فيه، فكان حنظلة بعد ذلك إذا أتي بإنسان متورّم الوجه أو بهيمة وارمة الضرع، يتفل على يديه، ثم يضع يده على رأسه على الموضع الذي مسحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يمسح مكان الورم فيذهب الورم «2» .
هذا وقد علّم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة والمسلمين من بعدهم أدعية يدعون بها لكشف المرض فيجدون الشفاء المستمر، وهذا موجود إلى يومنا هذا، وخاصة
__________
(1) أخرجه البخاري ك/ المغازي ب/ قتل أبي رافع والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 80 والروياني في مسنده 1/ 215 والأصبهاني في دلائل النبوة 1/ 125 والطبري في تاريخه 2/ 55- 56.
(2) رواه أحمد في مسنده 5/ 67 وقال في مجمع الزوائد 4/ 211: ورجاله ثقات ورواه أيضا الطبراني في المعجم الكبير 4/ 6 و 4/ 13 وفي المعجم الأوسط 3/ 191 وابن قانع في معجم الصحابة 1/ 203 وذكره البخاري في التاريخ الكبير 3/ 37 وابن حجر في الإصابة 2/ 133، وذكر أن الحسن بن سفيان رواه في مسنده، وإسناده صحيح كما في تحقيق المسند 34/ 263.
عند مراعاتهم لآداب الدعاء المشروع «1» ، ويدخل ذلك في تصديق الله لرسوله بإجابة دعاء أتباعه الصادقين.
,
عن أنس أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعا بإناء من ماء فأتي بقدح رحراح «4» فيه شيء من ماء فوضع أصابعه فيه، قال أنس فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه، قال أنس فحزرت من توضّأ ما بين السّبعين إلى الثّمانين «5» .
__________
(1) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ علامات النبوة في الإسلام، والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 110- 111.
(2) أخرجه مسلم ك/ الجهاد والسير ب/ غزوة ذي قرد وغيرها والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 111.
(3) رواه مسلم ك/ المغازي ب/ استحباب خلط الأزواد إذا قلت.
(4) الرحراح: القريب القعر مع سعة فيه. انظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير.
(5) أخرجه البخاري ك/ الوضوء ب/ الوضوء من التور، ومسلم ك/ الفضائل ب/ في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وابن خزيمة في صحيحه 1/ 65، وابن حبان في صحيحه 14/ 481، وأحمد في المسند 3/ 147 وأبو يعلى في مسنده 6/ 72 وعبد بن حميد في مسنده 1/ 403 والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 122.
,
«4» أطعم الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- عند زواجه بزينب زهاء «5» ثلاث مائة رجل من حيسة صنعتها له أم سليم، وعند ما رفع أنس الحيسة بعد أن
__________
(1) البداية والنهاية 6/ 121.
(2) البخاري ك/ الهبة ب/ قبول الهدية من المشركين ومسلم ك/ الأشربة ب/ إكرام الضيف وفضل إيثاره وأبو عوانة في مسنده 5/ 204- 205، وأحمد في مسنده 1/ 197، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 215.
(3) شرح صحيح مسلم 14/ 16.
(4) الحيس: تمر وأقط وسمن تخلط وتعجن.
(5) زهاء: قدر.
أكلوا جميعا، قال: فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت؟! «1» .
,
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنّ أهل المدينة فزعوا مرّة فركب النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فرسا لأبي طلحة كان يقطف أو كان فيه قطاف «2» فلمّا رجع قال وجدنا فرسكم هذا بحرا «3» فكان بعد ذلك لا يجارى «4» .
,
عن أنس رضي الله عنه قال أتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزّوراء «1» فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضّأ القوم قال قتادة قلت لأنس كم كنتم، قال: ثلاث مائة أو زهاء ثلاث مائة «2» .
قال الحافظ بن حجر في هاتين القصتين اللتين رواهما أنس رضي الله عنه:
وظهر لي من مجموع الروايات أنهما قصتان في موطنين، للتغاير في عدد من حضر، وهي مغايرة واضحة يبعد الجمع فيها، وكذلك تعيين المكان الذي وقع ذلك فيه «3» .
قال عياض: هذه القصة رواها الثقات من العدد الكثير عن الجم الغفير عن الكافة متصلة بالصحابة، وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل ومجمع العساكر، ولم يرد عن أحد منهم إنكار على راوي ذلك، فهذا النوع ملحق بالقطعي من معجزاته.
وقال القرطبي: قضية نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم تكررت منه في عدة مواطن في مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي «4» ... قال: ولم يسمع بمثل هذه المعجزة
__________
(1) موضع بالمدينة.
(2) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ علامات النبوة في الإسلام ومسلم ك/ الفضائل ب/ في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وابن حبان في صحيحه 14/ 484 وأحمد في مسنده 3/ 289 والفريابي في دلائل النبوة ص 56 والأصبهاني في دلائل النبوة أيضا 1/ 127 وكذلك البيهقي في دلائل النبوة 4/ 124- 125.
(3) فتح الباري (7/ 283، ط. دار الفكر، 1414 هـ- 1993 م.
(4) التواتر المعنوي: هو أن يروي الجمع الذي يستحيل تواطؤه على الكذب حادثة معينة لا بلفظ واحد ولكن بمعنى واحد وألفاظ مختلفة.
عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم «1» .
وقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مثل قصة أنس:
فعنه رضي الله عنه قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقلّ الماء، فقال اطلبوا فضلة من ماء، فجاؤا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثمّ قال حيّ على الطّهور المبارك، والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم «2» .
,
فتت أم سليم رضي الله عنهما أقراصا قليلة من شعير وأدمته بسمن، فدعا رسول الله بالبركة، وأكل من هذه الأقراص سبعون أو ثمانون رجلا حتى شبعوا «2» .
[7] تكثير شطر وسق «3» شعير ببركته صلى الله عليه وآله وسلم:
عن جابر أنّ رجلا أتى النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يستطعمه فأطعمه
__________
(1) أخرجه البخاري ك/ النكاح ب/ الهدية للعروس ومسلم ك/ النكاح ب/ زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب واللفظ له والترمذي ك/ التفسير ب/ ومن سورة الأحزاب والنسائي ك/ النكاح ب/ الهدية لمن عرس وأحمد في مسنده 3/ 163 وأبو يعلى في مسنده باختصار 7/ 315 والطبراني في المعجم الكبير 24/ 46.
(2) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ علامات النبوة في الإسلام، ومسلم ك/ الأشربة ب/ جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه، والترمذي في سننه ك/ المناقب ب/ في آيات إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وما خصه به، وابن حبان في صحيحه 14/ 469، وأبو عوانه في مسنده 5/ 178 ومالك في الموطأ 2/ 927 وعبد بن حميد في مسنده 1/ 371 من المنتخب، وغيرهم. وإليك القصة كاملة: قال أنس بن مالك قال أبو طلحة لأمّ سليم لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء قالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثمّ أخرجت خمارا لها فلفّت الخبز ببعضه ثمّ دسّته تحت يدي ولاثتني ببعضه ثمّ أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد ومعه النّاس فقمت عليهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آرسلك أبو طلحة فقلت نعم قال بطعام فقلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتّى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أمّ سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنّاس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم فانطلق أبو طلحة حتّى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هلمّي يا أمّ سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففتّ وعصرت أمّ سليم عكّة فأدمته ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه ما شاء الله أن يقول ثمّ قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا ثمّ قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا ثمّ قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا ثمّ قال ائذن لعشرة فأكل القوم كلّهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا.
(3) الوسق: مكيلة معلومة تساوي ستين صاعا، والصاع أربعة أمداد، والمدّ ملء كفي الرجل المعتدل الكف.
شطر وسق شعير فما زال الرّجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتّى كاله فأتى النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم «1» .
,
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنت مع النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في غزاة فأبطأ بي جملي وأعيا، فأتى عليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: جابر! فقلت: نعم، قال: ما شأنك؟ قلت: أبطأ عليّ جملي وأعيا، فتخلّفت، فنزل يحجنه بمحجنه «5» ثمّ قال: اركب فركبت، فلقد رأيته أكفّه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «6» .
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 6/ 112 و 6/ 150 وإسحاق بن راهواه في مسنده 3/ 617 وأبو يعلي في مسنده 7/ 418 والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 195، والطبراني في المعجم الأوسط 6/ 348 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 4: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. وقال ابن كثير في البداية والنهاية 6/ 154 عن إسناد أحمد: على شرط الصحيح، وقال الذهبي عن الحديث في تاريخ الإسلام: صحيح ص 349 من السيرة النبوية.
(2) قطاف أي: بطء في السير.
(3) البحر من الخيل: الواسع الجري الشديد العدو.
(4) أخرجه البخاري ك/ الجهاد والسير ب/ الفرس القطوف ومسلم ك/ الفضائل ب/ في شجاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقدمه للحرب والترمذي ك/ الجهاد ب/ ما جاء في الخروج عند الفزع وابن ماجه ك/ الجهاد ب/ الخروج في النفير والنسائي في السنن الكبرى 6/ 263 وأحمد في المسند 3/ 261 وابن حبان في صحيحه 14/ 284 وغيرهم.
(5) بمحجنه يعني: يغمزه بالمحجن، والمحجن: العصا المعوجة، وكلّ معوج الرأس.
(6) أخرجه البخاري ك/ البيوع ب/ شراء الدواب والحمير ومسلم ك/ المساقاة ب/ بيع البعير واستثناء ركوبه والنسائي ك/ البيوع ب/ البيع يكون فيه الشرط الفاسد وأحمد في المسند 3/ 385 وابن حبان في صحيحه 14/ 450 وأبو عوانة في مسنده 3/ 248، والنسائي في السنن الكبرى 4/ 44، والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 337.
,
عن عمران قال: كنّا في سفر مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم (فذكر الحديث إلى قوله) :
فاشتكى إليه النّاس من العطش، فنزل فدعا رجلا من أصحابه ودعا عليّا فقال اذهبا فابتغيا الماء، فانطلقا فتلقّيا امرأة بين مزداتين أو سطيحتين «3» من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه السّاعة، ونفرنا خلوف «4» قالا لها: انطلقي إذا، قالت إلى أين؟ قالا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: الّذي يقال له الصّابئ؟ قالا: هو الّذي تعنين، فانطلقي، فجاآ بها إلى
__________
(1) قال الحافظ: وحديث نبع الماء جاء من رواية أنس عند الشيخين وأحمد وغيرهم من خمسة طرق وعن جابر بن عبد الله من أربعة طرق وعن ابن مسعود عند البخاري والترمذي وعن ابن عباس عند أحمد والطبراني من طريقين وعن ابن أبي ليلى والد عبد الرحمن عند الطبراني ... وأما تكثير الماء بأن يلمسه بيده أو يتفل فيه أو يأمر بوضع شيء فيه كسهم من كنانته فجاء في حديث عمران بن حصين في الصحيحين وعن البراء بن عازب عند البخاري وأحمد من طريقين وعن أبي قتادة عند مسلم وعن أنس عند البيهقي في الدلائل وعن زياد بن الحارث الصدائي عنده وعن حبان بن الصنابح الصدائي.
(2) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ علامات النبوة في الإسلام، وأحمد في المسند 1/ 460، والدارمي في مسنده 1/ 28 والبزار في مسنده 4/ 301 والشاشي في مسنده 1/ 359، وأبو يعلي في مسنده 9/ 253 والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 129- 130 وغيرهم.
(3) المزداة وعاء يحمل فيه الماء في السفر والسطيحة هي المزادة تكون من جلدين لا غير.
(4) خلوف: غائبون.
النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وحدّثاه الحديث، قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بإناء ففرّغ فيه من أفواه المزادتين أو سطيحتين وأوكأ «1» أفواههما وأطلق العزالي «2» ونودي في النّاس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء واستقى من شاء ... وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها، وأيم الله لقد أقلع عنها وإنّه ليخيّل إلينا أنّها أشدّ ملأة منها حين ابتدأ فيها، فقال النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: اجمعوا لها، فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة «3» حتّى جمعوا لها طعاما فجعلوه في ثوب وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثّوب بين يديها، قال لها: تعلمين ما رزئنا «4» من مائك شيئا ولكنّ الله هو الّذي أسقانا (وفي صحيح مسلم قال الراوي عمران بن حصين- رضي الله عنه- فشربنا ونحن أربعون رجلا عطاشى حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وإداوة) فأتت أهلها وقد احتبست عنهم قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت:
العجب، لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الّذي يقال له الصّابئ؟ ففعل كذا وكذا، فو الله إنّه لأسحر النّاس من بين هذه وهذه، وقالت بإصبعيها الوسطى والسّبّابة فرفعتهما إلى السّماء [تعني السّماء والأرض] أو إنّه لرسول الله حقّا، فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصّرم «5» الّذي هي منه، فقالت يوما لقومها: ما أرى «6» أنّ هؤلاء القوم يدعونكم عمدا، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام «7» .
__________
(1) وأوكأ: شد أفواههما بخيط.
(2) العزالي جمع عزلاء، والعزلاء: فم القربة الأسفل.
(3) السويق: طعام يتخذ من مدقوقة الحنطة والشعير.
(4) ما رزئنا: ما نقصنا.
(5) الصّرم: القوم التي هي منهم.
(6) أي الذي أرى وأعتقده.
(7) أخرجه البخاري ك/ التيمم ب/ الصعيد الطيب وضوء المسلم ومسلم ك/ المساجد ب/ قضاء الصلاة الفائتة وابن خزيمة في صحيحه 1/ 59 مختصرا وابن حبان في صحيحه 4/ 122 وأحمد في المسند 4/ 434 والبزار في مسنده 9/ 59 والطبراني في المعجم الكبير 18/ 133 وابن أبي شيبة في المصنف 6/ 317 والأصبهاني في دلائل النبوة 1/ 37 والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 277.
,
اشتدت حاجة المسلمين للماء فكلف الرسول صلى الله عليه وسلم جابرا رضي الله عنه أن يبحث عن بقية ماء، فوجد قليلا من الماء في سقاء بالى، قال جابر: فأتيته به فأخذه بيده فجعل يتكلّم بشيء لا أدري ما هو، ويغمزه بيديه، ثمّ أعطانيه، فقال: يا جابر: ناد بجفنة، فقلت: يا جفنة الرّكب، فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة هكذا فبسطها وفرّق بين أصابعه ثمّ وضعها في قعر الجفنة، وقال: خذ يا جابر فصبّ عليّ وقل: باسم الله، فصببت عليه وقلت: باسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ فارت الجفنة ودارت حتّى امتلأت، فقال: يا جابر ناد من كان له حاجة بماء، قال: فأتى النّاس فاستقوا حتّى رووا، قال: فقلت: هل بقي أحد له حاجة، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده من الجفنة وهي ملأى، وشكا النّاس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، فقال: عسى الله أن يطعمكم فأتينا سيف البحر «1» فزخر البحر زخرة «2» فألقى دابّة، فأورينا «3» على شقّها النّار فاطّبخنا واشتوينا وأكلنا حتّى شبعنا، قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان حتّى عدّ خمسة في حجاج عينها «4» ما يرانا أحد حتّى خرجنا، فأخذنا ضلعا من أضلاعه فقوّسناه، ثمّ دعونا بأعظم رجل في الرّكب، وأعظم جمل في الرّكب، وأعظم كفل «5» في الرّكب، فدخل تحته ما يطأطئ رأسه «6» .
__________
(1) سيف البحر: ساحل البحر.
(2) زخرة: فاض.
(3) فأورينا: فأوقدنا.
(4) حجاج عينها: عظمها المستدير بها.
(5) المراد بالكفل هنا: الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط، قاله النووي في شرح صحيح مسلم 18/ 348.
(6) أخرجه مسلم ك/ الزهد ب/ حديث جابر الطويل وابن حبان في صحيحه بنحوه 14/ 457 والأصبهاني في دلائل النبوة 1/ 56.
,
عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلّا شطر شعير في رفّ لي فأكلت منه حتّى طال عليّ فكلته ففني «2» .
,
قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك ...
ثمّ قال: إنّكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنّكم لن تأتوها حتّى يضحي النّهار ... والعين مثل الشّراك تبضّ «1» بشيء من ماء ... ثمّ غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتّى اجتمع الماء في شيء، قال: وغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه يديه ووجهه ثمّ أعاده فيها، فجرت العين بماء منهمر أو قال غزير قال حتّى استقى النّاس، ثمّ قال يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا «2» .
__________
(1) تبض: تقطر وتسيل، والشرك هو سير النعل من الجلد، ومعناه ماء قليل جدا قاله النووي.
(2) أخرجه مسلم ك/ الفضائل ب/ في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وابن خزيمة في صحيحه 2/ 82 وابن حبان في صحيحه 4/ 469- 470 وعبد الرزاق في المصنف 2/ 545- 546 وأحمد في المسند 5/ 237 والطبراني في المعجم الكبير 20/ 57 والفريابي في دلائل النبوة ص 59.
,
سجل تاريخ الهند اسم ملك من ملوكهم هو: (جاكرواني فرماس) وأنه شاهد حادثة انشقاق القمر، فسجلت إحدى المخطوطات التاريخية الهندية مايلي:
" شاهد ملك ما جبار" مالابار" بالهند (جاكرواني فرماس) انشقاق القمر؛ الذي وقع لمحمد، وعلم عند استفساره عن انشقاق القمر بأن هناك نبوة عن مجيء رسول من جزيرة العرب، وحينها عين ابنه خليفة له، وانطلق لملاقاته. وقد اعتنق الإسلام على يد النبي، وعندما عاد إلى وطنه- بناء على توجيهات النبي- وتوفي في ميناء ظفار" «3» وهذه المعلومات في مخطوطة هندية محفوظة في
__________
(1) مستمر: أي قوي شديد يعلو كل سحر، كما قال الشوكاني، وقيل غير ذلك.
(2) وقد كشف العلم الحديث آثار انشقاق القمر فهي مستقرة باقية إلى يومنا هذا.
(3) المخطوطة الهندية موجودة في مكتبة مكتب دائرة الهند بلندن التي تحمل رقم المرجع: عربي 2807، 152 إلى 173 وقد اقتبسها حميد الله في كتابه محمد رسول الله.
مكتبة دائرة الهند تحتوي على عدة تفصيلات أخرى عن (جاكرواني فرماس) .
وقد جاء في كتب الحديث ذكر الملك الهندي؛ الذي وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففي مستدرك الحاكم: " عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: ثم أهدى ملك الهند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- جرة فيها زنجبيل، فأطعم أصحابه قطعة قطعة، وأطعمني منها قطعة. قال الحاكم ولم أحفظ في أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم- الزنجبيل سواه" «1» .
ومن المعلوم أن هذا الملك قد صار صحابيا؛ بملاقته الرسول- صلى الله عليه وسلم- وإيمانه به وموته على ذلك.
وقد حفظت المراجع الإسلامية قصة هذا الصحابي الذي قدم من الهند.
فذكره الإمام ابن حجر العسقلاني في الإصابة، وفي لسان الميزان «2» وقال إن اسمه (سربانك) وهذا هو الاسم الذي عرف به عند العرب.
,
حيث شهد الشجر له بصدق الرسالة، وتحرك الشجر يشق الأرض شقا، ونزل عذق النخلة امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم، وسمع الصحابة حنين جذع النخلة حين فارقه حتى رجع فسكّنه كما يسكن الصبي، وهذه من الخوارق التي لا تجري إلا على يد رسول صادق مؤيد من الله سبحانه.
,
أعجب المسلمون بكثرتهم في غزوة حنين، فلم يغن عنهم ذلك شيئا عندما باغتهم العدو بالهجوم، فانهزموا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولم يثبت إلا النبي صلى الله عليه وسلم مع قلة من الصحابة، قال سلمة بن الأكوع: ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما «2» وهو على بغلته الشّهباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأى ابن الأكوع فزعا، فلمّا غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة (وفي رواية أنه دعا حينئذ واستنصر وقال اللهم نزل نصرك) «3» ثمّ قبض قبضة من تراب من الأرض ثمّ استقبل به وجوههم فقال شاهت «4» الوجوه، فما خلق الله منهم إنسانا إلّا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولّوا مدبرين فهزمهم الله عزّ وجلّ، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين «5» وفي رواية أنّه أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: " انهزموا ورب محمد" فو الله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فمازلت أرى حدّهم كليلا وأمرهم مدبرا «6» .
__________
(1) انظر كتاب: " الأذكار" للحافظ النووي، وكتاب: الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية لجيلان العروسي.
(2) منهزما: يعني سلمة، فالكلمة حال لسلمة رضي الله عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت كما تقدم.
(3) رواه مسلم ك/ الجهاد والسير ب/ غزوة حنين.
(4) قبحت.
(5) أخرجه مسلم ك/ الجهاد والسير ب/ في غزوة حنين وابن حبان في صحيحه 14/ 451 وأبو عوانة في مسنده بنحوه 4/ 278- 279 والدارمي في السنن بنحوه 2/ 289 وابن أبي شيبة في المصنف بنحوه 7/ 419 والروياني في مسنده 2/ 253 وغيرهم.
(6) أخرجه مسلم ك/ الجهاد والسير ب/ في غزوة حنين والحاكم في المستدرك 3/ 370 وأبو عوانة في مسنده 4/ 277- 278 والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 197 وعبد الرزاق في المصنف 5/ 380 وأحمد في المسند 1/ 207 وغيرهم.
وقد سجل القرآن ذلك في قوله: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) [التوبة: 25- 26] .
سد عكرمة بالطائف حيث حارب الرسول صلى الله عليه وسلم عنده قبيلة ثقيف
غزوة حنين
,
اجتمع آلاف الكفار لغزو المدينة النبوية في معركة الأحزاب، فأرسل الله عليهم ريحا باردة أطفأت نيرانهم وكفأت قدورهم واقتلعت خيامهم وهدمت أبنيتهم وشردت خيولهم وإبلهم، وأرسل الله عليهم جنودا لا ترى لتزلزلهم حتى اضطروا للعودة من حيث جاءوا، وفكّ الحصار عن المدينة النبوية، وأنزل الله تعالى ذكر هذه الحادثة ممتنّا على المؤمنين. قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) [الأحزاب: 9] .
ولو كانت هذه المعجزة لم تقع لتشكك المسلمون في القرآن، وربما ارتدوا
__________
(1) مستدرك الحاكم ك/ الأطعمة ج 4 ص 150.
(2) الإصابة ج 3 ص 279، لسان الميزان ج 3 ص 10.
عن دينهم، وقالوا: كيف نصدق ما لم يقع؟!، ولازداد الكفار عتوّا ونفورا ولقالوا: محمد يكذب علينا وعلى الناس!!، ولكن شيئا من ذلك لم يحصل، بل ازداد المؤمنون إيمانا وثباتا على دينهم، وصمت الكفار، ثم دخل معظمهم بعد ذلك في دين الله أفواجا، وبهذا يكون القرآن السجل الصادق- الذي لا يتطرق إليه شك- لما وقع من الخوارق والمعجزات التي أيد الله بها رسوله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم.
,
في العهد المكي طلب كفار قريش من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يريهم آية (علامة على صحة نبوته) فشق الله له القمر نصفين، وذكر القرآن الكريم ذلك وسجّله. قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1] .
فلو أن ذلك لم يحصل لتشكك المسلمون في دينهم وخرجوا منه، ولقال الكفار: إن محمدا يكذب علينا فما انشق القمر ولا رأينا شيئا من ذلك، ولكن الذي حدث أن زاد المؤمنين إيمانا، وتحير الكافرون أمام هذه المعجزة التي لم يملكوا سوى أن يفسروها بأنها سحر مستمر!! «1» .
قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) [القمر: 1- 3] «2» .
,
بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في بيئة صحراوية جافة، وكان هو وأصحابه يخرجون كثيرا للغزوات دفاعا عن الدين، وكانوا يتعرضون لقلة الماء أو فقده فيعطشون ويحتاجون الماء أيضا للطهارة للعبادة، فكان الله سبحانه يري الصحابة خوارق تكثير الماء القليل على يد النبي صلى الله عليه وسلم، ونسوق إليك طرفا من هذه الحوادث التي سجلتها كتب السّنّة من أوثق مصادرها.
,
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتعرضون لأنواع من المرض والجراح أثناء غزواتهم، فيأتيه بعضهم فيدعو الله لهم، فيكرمه الله بشفاء من دعا له على الفور أمام أعين المشاهدين، وقد سجلت السّنّة الصحيحة عددا من هذه المعجزات، نذكر منها مايلي: