أيها الإخوة عباد الله! موعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع لقاء جديد من سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
وحديثنا في هذا اللقاء سيكون حول العناصر التالية:
,
أيها الإخوة عباد الله! يقول الله -عز وجل-: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الفتح: 29].
وموعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع لقاء جديد من سيرة الحبيب محمَّد - صلى الله عليه وسلم -.
وفي هذا اللقاء رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يخبرنا عن نفسه:
جاء نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك؟ قال: "نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى عليهما السلام، ورأتْ أمي حين حملت بي؛ أنه خرج منها نور أضاء له قصور الشام" (1).
فمع هذا الحديث، نعيش وإياكم هذا اليوم.
عباد الله! في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا دعوة أبي إبراهيم".
تعالوا بنا لنستمع إلى إبراهيم عليه السلام -هناك عند الكعبة- وهو
يدعو بهذه الدعوة.
__________
(1) "السلسلة الصحيحة" (1545).
قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)} [البقرة: 127 - 129].
دعا إبراهيم عليه السلام، ومرت الأيام والأعوام وقد استجاب الله -تعالى- دعوته، وبعث في الأميين -أي: في العرب- رسولاً منهم، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة: 2].
عباد الله! وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وبشرى عيسى"، أي: وأنا بشرى عيسى عليه السلام، فها هو عيسى عليه السلام يبشر أمته برسولنا - صلى الله عليه وسلم -، والله تبارك وتعالى يخبرنا بذلك في كتابه، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].
وأهل الكتاب من اليهود والنصارى يعلمون ذلك، وكانوا ينتظرون أن يخرج النبي منهم فلما خرج من العرب حسدوهم على ذلك وكفروا به، فإنهم يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم، فلما جاءهم رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بالبينات، قالوا هذا سحر مبين.
عباد الله! ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نورٌ أضاء له قصور الشام".
عباد الله! لما نجا عبد الله بن عبد المطلب من الذبح وفداه عبد المطلب بمائة
من الإبل زوجه من أشرف نساء مكة نسباً، وهي آمنة بنت وهب، ولما حملت آمنة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سافر عبد الله بن عبد المطلب للتجارة، فأدركته منيته وهو راجع من سفره بالمدينة فدفن بها عند أخواله "بني عدي بن النجار" ولم ير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أباه.
عباد الله! ولد - صلى الله عليه وسلم - يتيماً يوم الاثنين من شهر ربيع الأول
قال أعرابي: يا رسول الله، ما تقول في صوم يوم الاثنين؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ذاك يوم ولدت فيه، وأنزل عليَّ فيه" (1).
وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل وهو المجمع عليه.
عن قيس بن مخرمة قال: "ولدت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل" (2).
عباد الله! أما الآيات التي ظهرت ليلة مولده عليه الصلاة والسلام:
عن حسان بن ثابت - رضي الله عنه - قال: والله، إني لغلام يفعةٌ -أي: إذا شبَّ ولم يبلغ-، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كلَّ ما سمعت، إذ سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أطمةً بـ (يثرب): يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك مالك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به" (3).
ترقب بدقة من اليهود من قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعد أن بعث - صلى الله عليه وسلم - واليهود يحسدون العرب على ما منّ الله تبارك وتعالى عليهم ببعثة هذا الرسول الكريم.
__________
(1) رواه مسلم (رقم 1162).
- فائدة: وفي هذا بيان للاحتفال الشرعي بمولده وهو صوم يوم الاثنين، وليس كما يفعل المبتدعة من الاحتفال السنوي بمولده وما يكون فيه من مخالفات شرعية.
(2) "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص 13).
(3) قال الشيخ الألباني في "صحيح السيرة النبوية" (ص 14): "إسناده حسن".
وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه - قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل، قال لي حبر من أحبار الشام: "قد خرج في بلدك نبي، أو هو خارج، قد خرج نجمه، فأرجع فصدقه واتبعه" (1).
عباد الله! ومن الآيات التي ظهرت عند ولادته - صلى الله عليه وسلم -، أن أمه رأت نوراً خرج منها أضاء لها قصور الشام، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور الشام" (2).
قال ابن رجب - رحمه الله-: "وخروج هذا النور عند وضعه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وأزال به ظلمة الشرك منها، كما قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة: 15 - 16]. وقال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف:157] (3).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} [الأحزاب: 45 - 46].
وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)} [الصف:8 - 9].
__________
(1) إسناده حسن قاله الشيخ الألباني - رحمه الله- في "صحيح السيرة النبوية" (ص 14).
(2) مضى تخريجه (ص36).
(3) "لطائف المعارف" (89).
عباد الله! وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أضاء له قصور الشام". قال ابن كثير - رحمه الله-: وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه وثبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام وأهله وبها ينزل عيسى ابن مريم ليكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويحكم في الناس بشريعة الإِسلام، ولهذا جاء في "الصحيحين" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" (1).
والشام هي أرض فلسطين والأردن وسوريا ولبنان وجزء من العراق، وهذه أرض مباركة قد بارك الله فيها في كتابه الكريم في ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء: 1].
الموضع الثاني: قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)} [الأنبياء: 71].
الموضع الثالث: قال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81].
قال ابن جرير الطبري: الأرض التي باركنا فيها، يعني الشام.
__________
(1) وفي "صحيح البخاري" رقم (3641): (وهم بالشام) من قول معاذ - رضي الله عنه -، وانظر
"صحيح مسلم" (1920)، "تفسير ابن كثير" (1/ 184).
عباد الله! وجاءت الأحاديث النبوية الكثيرة تخبر عن فضائل الشام.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: "طوبى لأهل الشام، طوبى لأهل الشام، طوبى لأهل الشام قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال- صلى الله عليه وسلم -: "تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام" (1).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ستُجندون أجناداً، جند بالشام، وجند بالعراق وجند باليمن"
فقام رجل فقال: خر لي يا رسول الله! فقال: "عليكم بالشام .. فإن الله -عز وجل- قد تكفل لي بالشام وأهله".
قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث. يقول: "ومن تكفل الله به فلا ضيعه عليه" (2).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إني رأيت عمود الكتاب، انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمدَ به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام" (3).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة" (4).
نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم من الطائفة المنصورة.
عباد الله! قد سمعتم عن الآيات التي أخبرنا الله فيها أنه قد بارك في بلاد الشام وقد سمعتم عن الأحاديث التي قد جاءت تتكلم عن فضل الشام، وهاهم اليهود يدنسون بلاد الشام فما من تبرج ولا شرك ولا فساد إلا
__________
(1) "فضائل الشام" للربعي تحقيق شيخنا الألباني (ص 12).
(2) "فضائل الشام" للربعي تحقيق شيخنا الألباني (ص 13).
(3) "فضائل الشام" للربعي تحقيق شيخنا الألباني (ص 14).
(4) "فضائل الشام" للربعي تحقيق شيخنا الألباني (ص 19).
ووراءه اليهود.
عباد الله! إن الله لا ينصر قوم حتى ينصروه في أنفسهم، قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} [محمد: 7].
أما آن الأوان يا أمة الإِسلام عامة، ويا أهل الشام خاصة، أن نعود إلى الله؟ أظن أنه قد آن الأوان.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
اللهم أعز الإِسلام والمسلمين.
,
العنصر الثاني: رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في مهمة تجارية إلى بلاد الشام.
العنصر الثالث: الله -عز وجل- يحفظ رسوله - صلى الله عليه وسلم - في شبابه من أقذار الجاهلية.
العنصر الرابع: دروس وعظات وعبر.
العنصر الأول: ميلاد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ونشأته.
ولد - صلى الله عليه وسلم - يتيماً في يوم الإثنين من شهر ربيع الأول وذلك عام الفيل، وأول من أرضعته ثويبة أمَة عمه أبي لهب (1).
ثم استُرضع - صلى الله عليه وسلم - في بني سعد بن بكر، وكان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي ليكون أنجب للولد.
__________
(1) أخرجه البخاري (رقم 5101)، ومسلم (رقم 1449)، وانظر "صحيح السيرة النبوية" (ص 15) لشيخنا الألباني - رحمه الله-.
فجاءت نسوةٌ من بني سعد بن بكر يطلبن أطفالاً يرضعنهم فكان - صلى الله عليه وسلم - من نصيب حليمة السعدية.
وهناك في بادية بني سعد بن بكر حصلت له - صلى الله عليه وسلم - حادثة شق الصدر.
عباد الله! تعالوا بنا لنستمع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخبرنا عن ذلك.
جاء نفر من الصحابة - رضي الله عنهم - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك. قال: "نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأتْ أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينما أنا مع أخٍ لي خلف بيوتنا نرعى بَهماً لنا، إذ أتاني رجلان -عليهما ثياب بيض- بطست من ذهب، مملوء ثلجاً، ثم أخذاني فشقا بطني، واستخرجا قلبي فشقاه، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زِنه بعشرة من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بمئة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال: زمنه بألف من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم، فقال: دعه عنك فوالله لو وزنته بأمته لوزنها" (1).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج منه علقة [سوداء] فقال: هذا حظ الشيطان. ثم غسله في طَسْت من ذهب بماء زمزم، ثمّ لأمَه، ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمِّه -يعني ظئره- فقالوا: إن محمداً قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
__________
(1) صحيح، "صحيح السيرة النبوية" الألباني (16).
قال أنس: وقد كنت أرى ذلك المخيط في صدره (1).
بعد هذه الحادثة أشفقت مرضعته عليه فأعادته إلى أمه، وعاش - صلى الله عليه وسلم - عند أمه ومرت الأيام والسنين وأخذته أمه وذهبت به إلى المدينة لزيارة أخوال أبيه؛ بني عدي بن النجار وبينما هي عائدة أدركتها منيتها في الطريق، فماتت بالأبواء- قرية بين مكة والمدينة- ودفنت هناك.
عباد الله! وعاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد نزل من بطن أمه يتيماً لم ير أباه، وها هو قد فقد أمه، ثم عاد إلى جده عبد المطلب وكفله جده، ورق له رقةً لم تعهد له في ولده، ومرت الأعوام ثم توفي عبد المطلب وكان عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثماني سنوات فكفله شقيق أبيه أبو طالب وكان به رحيماً وكان أبو طالب مُقلاً في الرزق، فعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - برعي الغنم؛ مساعدةً منه لعمه.
فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم"، فقال أصحابه: وأنت، فقال: "نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة" (2).
وسئل - صلى الله عليه وسلم -: أكنت ترعى الغنم؟ قال: "نعم وهل من نبي إلا رعاها" (3).
ثم بعد ذلك اشتغل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتجارة.