أولاً: التوكل على الله تعالى لا ينافي الأخذ بالأسباب:
ويؤخذ هذا من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزواته، فكان يستعد للقاء العدو بالعددِ والعُدة.
وفي غزوة حنين استعار النبي - صلى الله عليه وسلم - أسلحة من صفوان بن أمية، وخرج بجيش كبير.
فلا يجوز لرجلٍ أن يُقدم على عدو دون أن يُعِدَّ العدة ويقول: أنا متوكل على الله، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد المتوكلين، ولكنه أخذ بالأسباب. لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
فهؤلاء الذين يتسرعون لملاقاة الأعداء -قبل أن يستعدوا إيمانياً ومادياً- يضيعون الوقت والجهود فلابد أن يعتبروا بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثانياً: الإعجاب بالكثرة يحجب نصر الله:
وهذا ما حدث في غزوة حنين فقال بعض المسلمين: "لن نُهزم اليوم من قلة"، فحجب هذا الإعجاب النصر في بداية المعركة.
__________
(1) رواه البخاري (رقم 4773).
قال تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)} [التوبة: 25].
عباد الله! بعد الأخذ بأسباب النصر، لابدَّ أن يعلم المسلمون أن النصر من عند الله، كما قال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123].
وقال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} [محمد: 7].
وقال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: 160].
فالمسلمون لا ينتصرون على أعدائهم بالعدد والعُدة، إنما ينتصرون بهذا الدين العظيم؛ بالإِسلام. وهذا ما قاله عبد الله بن رواحة في غزوة مؤتة، قال: "يا معشر الناس! إن الذي تخافون منه هو الذي خرجتم له؛ الشهادة! والله ما نقاتِلهم بقوة ولا بكثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به".
ثالثاً: الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل.
وهذا يؤخذ من دعائه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين، عندما توجه إلى ربه وقال: "اللهم نزل نصرك"، فاستجاب الله له ونصره على أعدائه، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "الدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء" (1).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة، ليس فيها إثم ولا قطيعة
__________
(1) صحيح الجامع (3402).
رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوتهُ. وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها" (1).
والله -عز وجل- يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
رابعاً: حلمهُ - صلى الله عليه وسلم - على جفاء وغلظة الإعراب:
يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: .. فلما كان يوم حنين آثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناساً في القسمة .. فقال رجل: والله إن هذه القسمة ما عُدِل فيها، وما أُريد فيها وجه الله.
قال: فقلت والله! لأخبرنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال: فأتيته فأخبرته بما قال، قال ابن مسعود: فتغير وجهه - صلى الله عليه وسلم -حتى كان كالصرف.
ثم قال: "فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله".
ثم قال: "يرحم الله موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر" (2).
ويقول أنس - رضي الله عنه -: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُردٌ نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته قال: مُر لي من مال الله الذي عندك! فالتفت إليه- صلى الله عليه وسلم -، فضحك "ثم أمر له بعطاء" (3).
والله إنها لأخلاق النبوة.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
__________
(1) "صحيح الترمذي" (3/ 140).
(2) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 3405)، ومسلم (رقم 1062).
(3) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 3149)، ومسلم (رقم 1057).