وفي شوَّال من هذا العام بنَى النبي صلى الله عليه وسلم بالصِّدِّيقة بنتِ الصِّدِّيق أُمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عقَدَ عليها في شوَّال من السنة العاشرة للبعثة، ثم كان البناء في شوَّال من العام الأول للهجرة، فعن سعد بن زرارة قال: سمعتُ عائشةَ -رضي الله عنها- تقول: «تزوجني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في شوَّال سنة عشر من النبوة، قبل الهجرة لثلاث سنين وأنا ابنة ست سنين، وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَدِمَ على المدينةِ يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وأعْرَسَ بِي فِي شوَّال عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مِنَ المُهَاجَرِ، وَكُنْتُ يَوْمَ دَخَلَ بي ابنةَ تِسْعِ سِنِينَ»[ الطبقات الكبرى لابن سعد، أنساب الأشراف للبلاذري.].
وعن ذلك اليوم تذكر السيدة عائشة -رضي الله عنها- فتقول: « تَزَوَّجَنِى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ [أي مَرِضْتُ] فَتَمَرَّقَ شَعَرِي [أي: تَرَبَّى وَكَثُرَ] فَوَفَى جُمَيْمَةً [أي: فكَثُرَ حتى سقط على المنكبين]، فَأَتَتْنِي أُمِّي (أُمُّ رُومَانَ)، وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ [نَادَتْ] بِي، فَأَتَيْتُهَا لاَ أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لأَنْهَجُ [أتنفَّسُ نفسًا عاليًا من التعب]، حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ [أي: على خيرِ حظٍّ ونصيبٍ]. فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ» (رواه البخاري).
ورغم صغر سنّ السيدة عائشة في ذلك الوقت، فقد كانت قد بلغت مبلغ النساء من حيث صلاحها للزواج وتوابعه في تلك السِّن وهو ما صرَّحت به السيدةُ عائشة -رضي الله عنها- حين قالت: «إِذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ» (رواه الترمذي).
وأيًّا ما كان الأمر فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج السيدة عائشة -رضي الله عنها- من أجل المتعة، وقد بلغ حينها الخامسة والخمسين من عمره، لا سيما وقد أصبحت أعباء الرسالة حِملًا ثقيلًا على كاهله، وإنّما كان زواجالرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة لتوكيد الصلة مع أبي بكر (الرجل الثاني في الأمة وأحبّ الرجال إليه) عن طريق المصاهرة.وقد حظَتِ السيدةُ عائشة -رضي الله عنها- عند النبي صلى الله عليه وسلم بمكانة كبيرة ومنزلة عالية، وكانت -رضي الله عنها- تُصرِّح بذلك وتفاخر به فيما رُوِي عنها،
قالت: «تَزَوَّجَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى شَوَّالٍ، وَبَنَى بِى فِى شَوَّالٍ، فَأَىُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّى؟!»
(رواه مسلم).