فلما كان العام المقبل (السنة الثانية عشرة من البعثة) جاء من الأنصار اثنا عشر رجلًا؛ الستة الأوائل خلا جابر بن عبد الله بن رئاب، ومعهم سبعة هم:
1 - معاذ بن الحارث بن رفاعة أخو عوف المتقدّم.
2 - ذكوان بن عبد قيس بن خلدة. وقد أقام ذكوان هذا بمكة حتى هاجر إلى المدينة، فيقال: إِنه مهاجري أنصاري.
3 - عبادة بن الصامت بن قيس.
4 - أبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة.
5 - العباس بن عبادة بن نضلة.
فهؤلاء من الخزرج، واثنان من الأوس هما:
11 - أبو الهيثم مالك بن التيهان.
12 - عويم بن ساعدة.
فبايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعةً كبيعة النساء، ولم يكن أمر بالقتال بعدُ، فلما انصرفوا إِلى المدينة، بعث إِليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصعبَ بن عمير، يعلم من أسلم منهم القرآن، ويدعو إِلى الله عَزَّ وَجَلَّ، ويؤمهم في الصلاة (1) ثم قدم عبد الله بن أم مكتوم بعد ذلك وكان له دور في الدعوة وتعليم القرآن (2).
لقد كانت هذه البيعة تأكيدًا على تطبيق الإِسلام، حيث تضمن الالتزام بطاعة الله تعالى واجتناب معصيته؛ لأنّ هذه البيعة لها أثرٌ في البيعة التي تليها، البيعة على
__________
(1) ابن هشام، السيرة النبوية 1/ 433 - 434 ونص البيعة أخرجه البخاري في صحيحه مناقب الأنصار، باب وفود الأنصار وبيعة العقبة ح 3893. ومسلم في كتاب الحدود، ح 1709 من حديث عبادة بن الصامت.
(2) صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، ح 3924، وانظر: ابن حجر، الإصابة 4/ 601.
النصرة والقتال، ذلك أن الذين لا يستطيعون الانتصار على شهواتهم وملذاتهم، ولا ينقادون إِلى الأمر والنهي، ولا يصبرون على الطاعة، والانتهاء عن المعصية، لا يمكن لهم أن ينتصروا في ميادين القتال والجهاد.
ونزل مصعب بن عمير، على أبي أمامة أسعد بن زرارة، وكان مصعب بن عمير يؤمّهم، ويعلمهم القرآن والإِسلام، فأسلم على يديه بشرٌ كثير، منهم: أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وأسلم بإِسلامهما يؤمئذ جميع بني عبد الأشهل الرجال والنساء، إِلَّا الأصيرم، وهو عمرو بن ثابت بن أقيش، فإِنه تأخر إِسلامه إِلى يوم أحد، فأسلم يومئذ، وقاتل فقُتِلَ قبل أن يسجد لله سجدة، فأُخْبِرَ عنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: عملَ قليلًا، وأُجِرَ كثيرًا (1).
لقد كانت بركة هذين الرجلين: مصعب بن عمير، وعبد الله بن أم مكتوم على أهل المدينة عظيمةً، فاستطاعا أن يدخلا خلقًا كثيرًا في الإِسلام، بل استطاعا أن يؤثرا في ساداتهم ورؤوسهم، فلم يتخلف من قومهم أحدٌ، وهذا دليل على عمق التربية النبوية التي استطاع من خلالها أن يصنع رجالًا يحملون الإِسلام كما يحمله هو.