، فلما رأته أمه، قلنا لها: يا ظئر دعينا نرجع ببنينا هذه السنة، فإنا نخشى عليه أوباء مكة، فو الله ما زلنا بها حتى قالت: فنعم، فسرحته معنا.
فأقمنا به شهرين أو ثلاثة، فبينا نحن خلف بيوتنا، وهو مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا، جاءنا أخوه يشتد، فقال: ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاه فشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه، فنجده قائماً، منتقعا لونه، فاعتنقه أبوه، وقال: أي بني، ما شأنك؟
قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاني فشقا بطني، ثم استخرجا منه شيئاً فطرحاه، ثم رداه كما كان، فرجعنا به معنا، فقال أبوه: يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب، انطلقي بنا، فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما يتخوف.
قالت: فاحتملناه، فلم ترع أمه إلا به قد قدمنا به عليها، فقالت: ما رد كما به، قد كنتما عليه حريصين؟! فقلنا: لا والله يا ظئر، ألا إن الله عز وجل قد أدى عنا وقضينا الذي علينا، وقلنا: نخشى الإتلاف والأحداث، نرده إلى أهله، فقالت: ما ذلك بكما، فاصدقاني شأنكما، فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره، فقالت: أخشيتما عليه الشيطان، كلا والله ما للشيطان عليه سبيل، وإنه لكائن لابني هذا شأن، ألا أخبر كما بخبره؟ قلنا: بلى، قالت: حملت به، فما حملت حملاً قط أخف منه، فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام، ثم وقع حين ولدته وقوعاً ما يقعه المولود، معتمدا على
يديه، رافعاً رأسه إلى السماء، فدعياه «1» عنكما.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك، فقال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخ لي في بهم لنا، أتاني رجلان عليهما ثياب بياض، معهما طست من ذهب مملوءة ثلجاً، فأضجعاني، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه، فأخرجا منه علقة سوداء، فألقياها، ثم غسلا قلبي وبطني بذاك الثلج، حتى إذا أنقياه، رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني بعشرة، فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني بألف، فوزنتهم، فقال: دعه عنك، فلو وزنته بأمته لوزنهم.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن أبي سنان الشيباني، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ملكين جاءاني في صورة كركيبن، معهما ثلج وماء بارد، فشرح أحدهما صدري، ومج الآخر منقاره، فغسله.
__________
(1) يبدو أن كلمة «فدعياه» تحمل صيغة المخاطبة بالأمر تثنية.