وفي هذه الغزوة جرى حديث الافك* وقد اتفق على تخريجه الشيخان وألفاظهم فيه متقاربة وقد كفاناها ابو عبد الله الحميدى في الجمع بين الصحيحين له فرواه عنهما من حديث الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن أبى وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكف بلا مانع كسبع وعطش محترم (في غير الصلاة) أي قبل الدخول فيها بخلافه بعده كما لو شرع المكفر في الصوم ثم وجد الرقبة نعم يسن قطعها ليتوضأ خروجا من خلاف من أوجبه (ويحرم ان ضاق الوقت) فلا يبطل حتي يسلم وله تسليم الثانية معا نعم ان وجب قضاء فرضها كأن تيمم بمحل يغلب فيه وجود الماء بطل التيمم برؤية الماء أو توهمه بشرط ولو بعد الدخول فيها ومن مبطلات التيمم الردة ودخول الوقت كما في المجموعة (وصاحب الجبائر) جمع جبيرة وهى أخشاب تربط على الكسر والاختلاع ومثلها اللصوق بفتح اللام وهو ما على الجرح من نحو خرقة يجب عليه نزعها الا ان يخاف منه ما مر فحينئذ (يمسح عليها) كلها بالماء أبدا بعد غسل ما تحت أطرافها من صحيح ببل خرقة وعصرها وقت غسل العضو ويتيمم أيضا وقت غسل الوضوء ليكون التيمم بدلا عن غسل العليل ومسح الساتر بدلا عن غسل ما تحت أطرافه من الصحيح ثم ان كان الساتر بمحل التيمم وهو الوجه واليدان وجبت الاعادة مطلقا لنقصان البدل والمبدل وان كان في غيره أعاد إن وضعها على حدث (ولا يعيد ان كان وضعها على طهر) لعدم أمر المستحوج بها (ولا يصلى بتيمم واحد أكثر من فريضة) مكتوبة أو طواف أو منذورة لقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الى قوله فَتَيَمَّمُوا فاقتضى وجوب الطهر لكل صلاة فخرج الوضوء بدليل فبقى التيمم على مقتضاه ولانه طهارة ضرورة فيتقدر بقدرها (ويتنفل) مع الفريضة وبدونها (ما شاء) لان النفل يكثر فتشتد المشقة باعادة التيمم لها فخفف أمرها (تنبيه) خطبة الجمعة كالفرض لوجوبها واشتراط الطهارة لها وصلاة الجنازة وان تعينت كالنفل لانها كهو في جواز الترك في الجملة وانما وجب القيام فيها لانه قوامها لعدم ركوع وسجود فيها فتركه يمحو صورتها* وفي هذه الغزوة (الافك) بكسر الهمزة واسكان الفاء على المشهور وهو الكذب وقيل أسوأه (وقد اتفق على تخريجه الشيخان) وأبو داود والترمذي والنسائى (الحميدي) مصغر (ابن المسيب) بفتح الياء وكسرها كما مر ومران من عداه بالفتح لا غير (وعلقمة بن أبي وقاص) قال ابن عبد البر وغيره ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل انه شهد الخندق فهو مختلف في صحبته ومات بالمدينة أيام عبد الملك بن مروان (وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) هو الاعمى الفقيه أحد فقهاء المدينة السبعة ومعلم عمر بن عبد العزيز
حين قال لها أهل الافك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا قال الزهري وكلهم حدثنى طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى له من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذى حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا قالوا قالت عائشة كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم اذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه فأيهن خرج سهمها خرج بها معه قالت فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج فيها سهمى فخرجت معه بعد ان أنزل الحجاب فأنا احمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى اذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت من شأنى أقبلت الى الرحل فلمست صدرى فاذا عقد لى من جزع أظفار صغار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدى فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى فاحتملوا هو دجى فرحلوه على بعيرى الذى كنت أركب وهم يحسبون أنى فيه وكان وكان من بحور العلم مات سنة سبع وتسعين (أوعى) أي أحفظ (وأثبت له اقتصاصا) أي أحسن ايرادا (هودجى) بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة آخره جيم محمل عليه قبة تستر بنحو الثياب يركب فيه النساء (آذن) بالمد مع التخفيف وبالقصر مع التشديد أي أعلم (فلمست) بفتح الميم (عقد لى) ولمسلم عقدى وهو القلادة ونحوها (تنبيه) مر سقوط العقد في قصة التيمم ومر عن ابن سعد وابن حبان وابن عبد البر انها في هذه الغزوة أيضا فان صح ذلك حمل على انه سقط منها مرتين في تلك السفرة قاله ابن حجر قال في التوشيح والصواب تأخر قصة التيمم عن قصة الافك لما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الافك ما قالوا خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدى حتى حبس الناس على التماسه فقال لى أبو بكر أى بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس فأنزل الله الرخصة في التيمم قال ابن حبيب سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع وفي غزوة بني المصطلق وقد اختلف في أيهما كانت أوّل (من جزع) بفتح الجيم وسكون الزاى ومهملة خرز فيه سواد وبياض وهو مفرد وقيل جمع جزعة بالفتح (اظفار) بفتح الهمزة واسكان المعجمة كذا للبخارى في التفسير ولمسلم والبخارى في الشهادات عند الكشميهني ظفار بفتح المعجمة وكسر الراء بلا تنوين قال في التوشيح وهو المعروف في اللغة فان ظفار مدينة باليمن ينسب اليها الجزع فان ثبتت رواية اظفار بالالف فلعله كان من الظفر أحد أنواع القسط (وأقبل الرهط) هم الجماعة دون العشرة سمى منهم عند الواقدى أبو موهوبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجلا صالحا قال ابن حجر وذكره البلاذرى فقال أبو مويهبة (يرحلون) بالتخفيف فقط في رواية مسلم وبه وبالتشديد في رواية البخارى وكذا قوله فرحلوه أى شدوا عليه الرحل (بي) هكذا في بعض نسخ مسلم وفي أكثرها لى قال النووى
النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ومنهم من قال لم يهبلن ولم يغشهن اللحم انما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم حين رفعوا ثقل الهودج ومنهم من قال خفة الهودج فاحتملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدى بعد ما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس فيه أحد ومنهم من قال فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلى الذى كنت به وظننت أنهم سيفقدونى ويرجعون الى فبينما أنا جالسة غلبتنى عيناى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد انسان نائم فأتانى فعرفنى حين رآني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهى بجلبابى وو الله ما يكلمنى بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوى حتى اناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها فانطلق يقود واللام أجود (لم يثقلن) بمعنى (لم يهبلن) ضبط بضم التحتية وفتح الهاء والموحدة المشددة أي يثقلن باللحم والشحم وبفتح التحتية والباء الموحدة وسكون الهاء وبفتح التحتية وضم الموحدة وسكون الهاء قال النووي ويجوز ضم أوله واسكان الهاء وكسر الموحدة (العلقة) بضم المهملة واسكان اللام وقاف أي القليل وهو البلغة أيضا (فلم يستنكر القوم خفة الهودج وثقل الهودج) الاول ما في صحيح البخارى في التفسير والثاني ما فيه في الشهادات قال في التوشيح وموردهما واحد والذي هنا في التفسير أوضح (حديثة السن) كان لها ثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة على الخلاف في غزوة بنى المصطلق هل هي سنة أربع أو خمس من الهجرة (فبعثوا) أثاروا (فتيممت) وللبخارى في رواية فاممت مخفف ومشدد وكلها بمعنى قصدت (ابن المعطل) بفتح الطاء المهملة المشدة بلا خلاف قال النووي كذا ضبطه أبو هلال العسكرى والقاضي في المشارق ابن ربيعة بن خزاعى بن محارب بن مرة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن نهبة بن سليم (عرس) بتشديد الراء والتعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة هذا هو المشهور وقيل التعريس النزول أى وقت كان قال السهيلي وكان صفوان على الساقة يلتقط ما يسقط من متاع الجيش ليرده اليهم قال وقد روي في تخلفه سبب آخر وهو انه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس قال ويشهد لصحة هذا حديث أبي داود ان امرأة صفوان اشتكت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت أشياء منها انه لا يصلى الصبح فقال صفوان يا رسول الله انى امرؤ ثقيل الرأس لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم فاذا استيقظت فصل قال وقد ضعف البزار حديث أبي داود هذا في مسنده انتهي (فادلج) بتشديد الدال مع الوصل والاد لاج سير آخر الليل وبقطعها مع سكون الدال سير أوّل الليل (سواد انسان) أي شخصه (فاستيقظت) أي انتبهت (باسترجاعه) أي بقوله إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (فخمرت وجهي) أي غطيته (ما يكلمني) عبرت بالمستقبل لارادة الاستمرار (حتى أناخ) للكشميهني حين
بى الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين وفي رواية صالح بن كيسان وغيره موغرين في نحر الظهيرة قالت فهلك من هلك في شأنى وكان الذى تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة فأشتكيت بها شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الافك ولا أشعر وهو يريبني في وجعي اني لا أرى من النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين اشتكى انما يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم ثم ينصرف فذلك يريبنى ولا أشعر بالشر حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الاول في التبرز قبل الغائط وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فاقبلت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبى رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبى بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب حين فرغنا من شأننا نمشي فعثرت أم مسطح (صالح بن كيسان) بفتح الكاف وسكون التحية ثم مهملة هو المدنى ادرك ابن عمر ورآه وسمع عروة والزهري وكان ثقة جامعا للحديث والفقه والمروة قال أحمد هو أكبر من الزهري (موغرين) بضم الميم وكسر المعجمة والراء أي نازلين في وقت الوغرة بفتح الواو وسكون المعجمة وهي شدة الحر حين تكون الشمس في كبد السماء ومنه وغر الصدر وهو توغره غيظا بالحقد ولمسلم في رواية بالعين المهملة من وعرت الي فلاة كذا أي نفذت قال النووي وهو ضعيف قال في التوشيح وروى مغورين بتقديم الغين وتشديد الواو والتغوير النزول وقت القائلة (نحر الظهيرة) أي وقت القائلة وشدة الحر وقيل أولها (تولى كبره) بكسر الكاف على القراءة المشهورة وقريء شاذا بضمها وهي لغة وكبر الشيء معظمه (يفيضون) بضم أوله رباعي أى يخوضون (يريبنى) بفتح أوله ثلاثي وبضمه رباعي أى يوهمنى ويشككنى (اللطف) بضم اللام وسكون الطاء ويقال بفتحهما معا وهو البر والرفق (تيكم) بكسر الفوقية أشارة الى المؤنث كذلكم للمذكر (نقهت) بفتح القاف وكسرها قال النووي والفتح أشهر واقتصر عليه جماعة والناقه الذي أفاق من المرض وبرئ منه وهو قريب عهد به لم يتراجع اليه كمال صحته (أم مسطح) اسمها سلمى ومسطح لقب واسمه عامر وقيل عوف قال النووى كنيته أبو عباد وقيل أبو عبد الله توفي سنة سبع وثلاثين وقيل أربع وثلاثين (المناصع) بفتح الميم موضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيه (أمر العرب الاول) بفتح الهمزة وتشديد الواو صفة أمر فيكون مرفوعا وبضمها والتخفيف صفة العرب فيكون مجرورا (في التبرز) لمسلم في التنزه أي طلب النزهة بالخروج في الصحراء (الغائط) في الاصل اسم للمطمئن من الارض ثم سمى به الخارج للمجاورة (الكنف) بضمتين جمع كنيف وهو المكان المهيأ لقضاء الحاجة (رهم) بضم الراء وسكون الهاء (وأمها) اسمها رائطة (بنت صخر بن عامر) بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة (خالة أبي بكر) وأمه تكنى أم الخير واسمها سلمى (بن اثاثة) بضم الهمزة ومثلثة مكررة والاولى مخففة (فعثرت) بمهملة ومثلثة مفتوحة (مرطها) بكسر الميم وبالطاء المهملة أي في ازارها (تعس) بفتح الفوقية وكسر المهملة وفتحها
في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا فقالت يا هنتاه ألم تسمعي ما قال قلت وما قال فأخبرتني بقول أهل الافك فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت الى بيتي دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم وقال كيف تيكم فقلت أتأذن لى ان آتى أبوي قالت وأنا حينئذ أريد ان أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيت أبوي فقلت لامي يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به فقالت يا بنية هونى على نفسك الشأن فو الله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر الا أكثرن عليها فقلت سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبى طالب واسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق اهله قالت فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم فقال أسامة هم أهلك يا رسول الله ولا نعلم بهم والله إلا خيرا وأما علي بن أبى طالب كرم الله وجهه فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لغتان ومعناه عثر وقيل هلك وقيل لزمه الشر وقيل سقط لوجهه خاصة (يا) وفي بعض النسخ أى وكلاهما حرف نداء (هنتاه) بفتح الهاء والفوقية بينهما نون ساكنة وقد يضم أى يا هذه وقيل يا امرأة وقيل يا بلهاء (فازددت) مرضا على مرض زاد أبو عوانة وهممت ان آتى قليبا فأطرح نفسي فيه (وضيئة) بالمد والهمز على وزن عظيمة أي جميلة حسنة ولابن ماهان في مسلم حظية من الحظوة وهي الوجاهة وارتفاع المنزلة (ضرائر) جمع ضرة سموا بذلك لان كل واحدة تتضرر بالاخرى بالغيرة والقسم وغيره (اكثرن) ولمسلم كثرن وكذا للكشميهني في البخاري بالتشديد أي كثرن القول في عيبها ونقصها (سبحان الله) قالته تعجبا ونزل القرآن على مقتضى تعجبها في فقال تعالى سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (لا يرقأ) بقاف بعدها همزة أى لا ينقطع (ولا اكتحل بنوم) أي لا أنام (استلبث الوحي) بالرفع أى طال لبث نزوله وبالنصب أى استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم نزوله واستلبث لازم ومتعد يقال استلبث الشيء واستلبثت الشىء (أهلك) بالرفع أي هم أهلك كما في رواية أخري أى هي العفيفة اللائقة بك (والنساء سواها كثير) زاد الواقدي طلقها وانكح غيرها قال النووي رأى علي ان ذلك هو المصلحة في حق النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من قلقه وانزعاجه فأراد اراحة خاطره بفراقها قال بحرق في سيرته قلت ومما يدل على انهم كانوا يرون انزعاج خاطره أشد عليهم من كل أمران عمر لما قال للانصاري جاغسان «1» قال بل أشد اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فدعا رسول الله صلي عليه وسلم اى بريرة قال الزركشى قيل ان هذا وهم وان بريرة انما اشترتها عائشة وأعتقتها بعد ذلك ولهذا لما عتقت واختارت نفسها جعل زوجها يطوف وراءها ويبكي فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم لو راجعتيه فقالت أتأمرني فقال انما انا
__________
(1) كذا في الأصل فلينظر.
بريرة فقال أى بريرة هل رأيت فيها شيأ يريبك فقالت له بريرة لا والذى بعثك بالحق نبيا ان رأيت منها امرا اغمصه عليها اكثر من انها جارية حديثة السن تنام عن عجين اهلها فتأتى الداجن فتأكله قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن ابى ابن سلول فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر من يعذرنى من رجل بلغني أذاه فى اهل بيتى فو الله ما علمت في اهلى الا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خيرا وما كان يدخل على أهلى الا معي قالت فقام سعد بن معاذ احد بني عبد الاشهل فقال يا رسول الله انا والله أعذرك منه ان كان من الاوس ضربنا عنقه وان كان من اخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه امرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه شافع فقالت لا إذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس الا تعجب من حب مغيث بريرة وبغضها له والعباس انما قدم المدينة بعد الفتح والملخص من هذا الاشكال ان تفسير الجارية ببريرة مدرج في الحديث من بعض الرواة ظنا منه انها هي انتهى وأجيب عن ذلك بأن بريرة كانت تلازم بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم للخدمة قبل أن تشتريها ذكره ابن السبكي وقواه ابن حجر (فقال أي بريرة الى آخره) زاد أبو عوانة ثم ضربها على زاد ابن اسحاق ضربا شديدا وفي مسلم فانتهرها بعض أصحابه يريد عليا (ان رأيت) أي ما رأيت (اغمصه) بفتح الهمزة وكسر الميم وبالصاد المهملة أى اعيبهابه (تنام عن عجين أهلها) معناه انها لا شيء فيها مما يسألون أصلا ولا فيها عيب من غيره سوى نومها عن العجين وفي مسند أبي أسامة وصحيح مسلم في رواية فقالت والله ما علمت عليها عيبا الا انها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها فانتهرها بعض أصحابه فقال أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت سبحان الله والله ما علمت عليها الا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الاحمر (الداجن) بالمهملة والجيم الشاة التى تألف البيوت ولا تخرج الى المرعى وقيل كل ما يألف البيوت شاة أو طيرا (فاستعذر) أي طلب من يعذره منه أي ينصفه (من عبد الله بن أبى ابن سلول) بتنوين أبى ويكتب ابن سلول بالالف كما سبق (وهو على المنبر) لعله منبر كان يوضع له يقعد عليه وليس المراد منبر الخطبة لانه كان أذ ذاك لم يعمل (من يعذرني) قال في التوشيح قال الخطابى يحتمل ان يكون معناه من يقوم بعذره فيما رمى به أهلي من المكروه ومن يقوم بعذري ان انا عاقبته على سوء ما صدر منه ورجح النووي الثانى وقيل معناه من ينصرني والعذير الناصر وقيل من ينتقم لي منه (فقام سعد بن معاذ) استدل به عياض على ان غزوة المريسيع التى فيها قصة الافك كانت قبل قصة الخندق وان سعدا مات في اثر غزوة الخندق من الرمية التي اصابته قال النووى وهو صحيح وما في سيرة ابن اسحق ان المراجعة أولا وثانيا انما كانت بين اسيد بن حضير وسعد بن عبادة مبنى على تاريخه ان غزوة بني المصطلق كانت سنة ست وغزوة الخندق سنة أربع وما فيها لا يقاوم ما في الصحيح قال ابن حجر الراجح ان الخندق والمريسيع كانتا في سنة واحدة سنة خمس وكانت المريسيع قبلها في شعبان والخندق في شوال وبهذا
من فخذه وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية ومنهم من قال أجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال معاذ لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين فتبادر الحيان الاوس والخزرج حتى هموا ان يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح عندى أبواى وقد بكيت ليلتين ويوما حتى أظن ان البكاء فالق كبدى قالت فبينماهما جالسان عندي وأنا أبكى إذ استأذنت امرأة من الانصار فأذنت لها فجلست تبكي معى فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم ثم جلس قالت ولم يجلس عندي من يوم قيل لى ما قيل قبلها وقد مكث شهرا لا يوحى اليه في شأنى بشيء فتشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة فانه بلغنى عنك كذا وكذا فان كنت بريئة فسيبرئك الله وان كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبى اليه فان العبد اذا اعترف بدنبه ثم تاب تاب الله عليه قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقالته قلص دمعى حتى ما أحس قطرة وقلت لابى أجب عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما قال قال والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لامي أجيبى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قالت أمي والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن فقلت يرتفع الاشكال (من فخذه) الفخذ هو الجماعة من الاقارب دون البطن والقبيلة وهو بسكون الخاء لا غير بخلاف الفخذ الذي هو للعضو فانه يسكن ويكسر قاله ابن فارس (احتملته) بمهملة ثم فوقية ثم هاء اى اغضبته (ومنهم من قال اجتهلته) هى رواية مسلم في اكثر النسخ وهو بجيم ثم فوقية ثم هاء أي حملته على الجهل ولابن ماهان اجهلته كما في صحيح البخاري (كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك) هذا دليل علي ما مر فان سعد بن معاذ إنما قال امرتنا ففعلنا فيه بامرك وذلك واجب على كل مؤمن (فثار الحيان) اى نهض بعضهم الى بعض من الغضب للنزاع والعصبية (فبكيت) كذا اللكشميهنى وفي بعض النسخ فمكثت (ان كنت الممت بذنب فاستغفري الله) قال الداودي لم يأمرها بالستر كغيرها لانه لا ينبغي أن يكون عنده امرأة أتت ذنبا ومعنا الممت اي وقع منك على خلاف العادة وهذا حقيقة الالمام (قلص دمعى) بفتح القاف واللام ومهملة أى استمسك نزوله وانقطع قال النووى لاستعظام ما بغتنى من الكلام وقال القرطبي سببه ان الحزن والغضب اذ أخذا مأخذهما فقد الدمع لفرط حرارة المصيبة (أحس) بضم الهمزة وكسر المهملة
انى والله لقد علمت انكم سمعتم ما تحدث الناس به حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت انى بريئة والله يعلم أني لبريئة لا تصدقونى بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم اني منه بريئة لتصدقنى فو الله ما أجد لى ولكم مثلا الا أبا يوسف إذ قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله أعلم أنى بريئة وان الله مبرئي ببراءتي ولكن ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسى كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى ومنهم من قال فلأنا أحقر في نفسى من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئنى الله بها فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى انه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يضحك فكان أوّل كلمة تكلم بها أن قال يا عائشة احمدى الله ومنهم من قال أبشرى يا عائشة أمّا الله فقد برأك فقالت لى أمي قومي الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت لا والله لا أقوم اليه ولا أحمد الا الله هو الذى أنزل براءتى اي أجد (الا أبا يوسف) في بعض روايات البخاري الا يعقوب (مبرئى) قال في التوشيح بلا نون في جميع الروايات وزعم ابن التين أنه وقع عنده مبرئني بنون الوقاية على حد* امسلمني الى قومى سراح* (رام) فارق ومصدره الريم (البرحاء) بضم الموحدة وفتح الراء ومهملة ومدة هي شدة الكرب (ليتحدر) أى لينصب (الجمان) بضم الجيم وتخفيف الميم وهو الدر وقيل حب يعمل من الفضة كاللؤلؤ شبهت قطرات عرقه صلى الله عليه وسلم به في الصفاء والحسن (شات) بالمعجمة أوله والفوقية آخره بينهما الف أي شديد البرد (فسرى) بضم المهملة وكسر الراء المشددة مبني للمفعول أى كشف وأزيل (وهو يضحك) سرورا بما نزل من براءتها (فكان أوّل) بنصب اللام على الخبر والاسم في قوله ان قال وبرفعه على الاسم والخبر في ان قال أيضا نظيره ليس البر أن تولوا وجوهكم (أما الله فقد برأك) أى فلا تكترثى ان لم يبرئك غيره لان براءته عز وجل هي المقصودة (فقالت لى أمى قومى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فاحمديه وقبلي رأسه (لا أقوم اليه ولا احمد الا الله) قالت ذلك إدلالا كما يدل الحبيب على حبيبه قاله ابن الجوزى او لما خامرها من الغضب حيث لم يبادروا الى تكذيب من قال فيها ما قال مع تحققهم حسن طريقتها وجميل أحوالها وارتفاعها عن هذا الباطل (الذي أنزل براءتي) زاد أبو أسامة لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه وللسهيلى في الروض وفي المسند من حديث عائشة أنه لما أنزل الله براءتها قام اليها أبو بكر فقبل رأسها فقالت له هلا كنت عذرتني فقال أى سماء تظلني وأي أرض تقلني ان قلت بما لا أعلم قال بعض المفسرين
فأنزل الله عز وجل «إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» العشر الآيات فلما أنزل الله هذا فى براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره والله لا أنفق على مسطح شيأ أبدا بعد ما قال لعائشة ما قال فأنزل الله تعالى «وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ» الى قوله «غَفُورٌ رَحِيمٌ» فقال أبو بكر بلى والله إني لاحب أن يغفر الله لى فرجع الى مسطح الذي كان يجرى عليه وقال والله إنى لا أنزعها منه أبدا قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمرى فقال يا زينب ما علمت ما رأيت قالت يا رسول الله أحمي سمعى وبصرى والله ما علمت عليها الا خيرا قالت عائشة وهى التي كانت تساميني من أزواج النبى صلى الله عليه وآله وسلم فعصمها الله بالورع قالت وطفقت أختها حمنة تجاوب لها فهلكت وكان نزول براءة عائشة بعد قدومهم المدينة بسبع وثلاثين ليلة (وأنزل الله عز وجل الى آخره) قال في التوشيح قال الزمخشري لم يقع في القرآن من التغليظ في معصية ما وقع في قصة الافك بأوجز عبارة وأشبهها لاشتماله على الوعيد الشديد والعتاب البليغ والزجر العنيف واستعظام ذلك واستبشاعه بطرق مختلفة وأساليب متفقة كل واحد منها كاف في بابه بل ما وقع من وعيد عبدة الاوثان الا بما هو دون ذلك وما ذاك الا لاظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويظهر من هو منه بسبيل إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ أي بالكذب سمى افكا لكونه مصروفا عن الحق (عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) أى جماعة (العشر الآيات) الى قوله وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (فائدة) قال بحرق في سيرته لا يخفي ان بين حديث نزول سورة المنافقين وحديث الافك مناسبة من وجوه منها انهما وقعا معا في الرجوع من غزوة واحدة ومنها ان سورة المنافقين في براءة زيد بن أرقم عن الافك وهو الكذب المتهم به وحديث الافك في براءة عائشة مما قذفت به انتهى قلت ومنها تقاربهما في عدد الآي ومنها تكذيب ابن أبى فيها فقال تعالى في الافك فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ وقال في سورة المنافقين وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (وكان ينفق على مسطح الى آخره) قال في التوشيح يؤخذ منه مشروعية تلك المؤاخذة بالذنب ما دام احتمال عدمه موجودا لان أبا بكر لم يقطع نفقته عن مسطح الا بعد تحقق ذنبه فيما وقع منه (فانزل الله ولا يأتل) أي لا يحلف والالية اليمين قال ابن المبارك هذه أرجى آية في كتاب الله (فرجع) أي رد (أحمي سمعى بصري) من الحماية أي لا أقول سمعت ولم أسمع وأبصرت ولم أبصر (تسامينى) تعاليني من السمو وهو العلو أى تطلب ما أطلب من العلو والرفعة والحظوة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابن اسحاق في السيرة تناصبنى من المناصبة بالنون والمهملة والموحدة قال السهيلى والمعروف في الحديث انه بالتحتية بدل الموحدة من المناصاة وهى المساواة (فطفقت) بكسر الفاء على المشهور وحكي فتحها أي جعلت وشرعت (حمنة) بفتح المهملة وسكون الميم وكانت تحت طلحة بن عبيد الله تزوجها بعد مصعب بن عمير (تجاوب لها) أي تجادل وتغضب لاختها وتذكر حديث الافك لتنحط منزلة عائشة وتعلو منزلة أختها (فهلكت)
فيمن هلك من أصحاب الافك قال ابن شهاب فهذا الذى بلغنى من حديث هؤلاء الرهط* قلت ووراء ذلك زيادات كثيرة ففي رواية قالت عائشة والله ان الرجل الذى قيل فيه ما قيل ليقول سبحان الله فو الذي نفسى بيده ما كشفت عن كنف أنثي قط قالت ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله قيل كان حصورا لا يأتى النساء وفي رواية ان الذى تولى كبره منهم عبد الله بن أبيّ وفي أخرى أنه حسان والذي سمى من عصبة أهل الافك عبد الله بن أبيّ وحسان ومسطح وحمنة* وروى البخاري في كتاب الاعتصام من جامعه معلقا وأسنده أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلدهم الحد يعني ثمانين
[,
(فصل) فى فوائد هذا الحديث بعد مقصوده الاعظم وهو تبرئة عائشة وبراءتها عن قول أهل الافك قال النووى وهى براءة قطعية بنص القرآن فلو تشكك فيها انسان والعياذ بالله صار كافرا باجماع المسلمين قال ابن عباس وغيره لم تزن امرأة نبى قط ففيه منقبة ظاهرة لعائشة وفضيلة لابيها وأمها وفيه فضيلة لسعد بن معاذ وأسيد بن حضير أي أثمت (ما كشفت عن كنف أنثي) بفتح الكاف والنون أى ثوبها الذي يسترها وهو كناية عن عدم جماع النساء ومخالطتهن (ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله) في غزاة أرمينية في خلافة عمر سنة تسع عشرة ذكره ابن اسحق وقيل بارض الروم في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين قال السهيلي واندقت رجله يوم قتل فطاعن بها وهى منكسرة حتي مات وذلك بالجزيرة بموضع يقال له سمطاط (ان الذى تولى كبره منهم عبد الله بن أبي) زاد البغوي والعذاب الاليم هو النار في الآخرة وروي ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة في حديث الافك قالت ثم ركبت وأخذ صفوان بالزمام فمررنا بملأ من المنافقين وكانت عادتهم ان ينزلوا منتبذين من الناس فقال عبد الله بن أبىّ رئيسهم من هذه قالوا عائشة قال والله ما نجت منه ولا نجا منها وقال امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت (وفي أخري انه حسان بن ثابت) والعذاب الاليم هو العمى كما في رواية مسروق عن عائشة قالت فاى عذاب أشد من العمى واسند أبو داود والترمذى عن عائشة لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وذكر ذلك وتلا القرآن وأمر بامرأتين ورجل فجلدوا الحد ثمانين
(فصل) في فوائد هذا الحديث (قال النووي) وغيره (قطعية) أى مقطوع بها (فائدة) قال البغوى مسروق اذا روى عن عائشة رضي الله عنها يقول حدثتنى الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من السماء (صار كافرا باجماع المسلمين) لمخالفته صريح القرآن العظيم (وفيه فضيلة لسعد بن معاذ) حيث سارع الى اجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما طلب (وأسيد بن حضير) حيث رد على سعد بن عبادة رضي الله عنهم عصبيته لاجل المنافق وفيه جواز سب المغضب وقوله انك منافق
وزينب بنت جحش وصفوان بن المعطل وأم مسطح بن أثاثة وفيه من الفوائد جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة عن كل منهم قطعة مبهمة اذا كان كل منهم بصفة العدالة وفيه ثبوت القرعة وقد ثبت أصلها من الكتاب والسنة فصارت كالاجماع وفيه أنه يستحب أن يستر عن الانسان ما يقال فيه اذا لم يكن فيه فائدة وفيه حسن الادب عند الموجدة بحيث يقلل من من اللطف المعهود منه ليتفطن له وفيه كراهة الانسان صديقه اذا آذى أهل الفضل كما صنعت أم مسطح وفيه فضيلة البدريين وتعظيمهم في قلوب الناس وفيه ان الزوجة لا تذهب الى بيت أبيها الا باذن زوجها وفيه جواز البحث عن كل أمر يتعلق بالباحث وأما غيره فمنهى عنه وهو تجسس وفضول وفيه جواز الاستشهاد بالآيات في الامور العارضات وفيه استحباب صلة الارحام مع إساءتهم وأنه يستحب اذا حلف على القطيعة أن يكفر* وفيه اكرام حبيب الحبيب كما ورد في رواية أن عائشة كانت تكرم حسان وترد على من ينهاها الى آخره أي تفعل فعلهم ولم يرد حقيقته (وزينب بنت جحش) حيث تورعت وقالت احمي سمعى وبصري (وصفوان بن المعطل) لان الله برأه كما برأ عائشة ووعده كما وعدها فقال لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم (ومسطح بن اثاثة) حيث أمر الله أبا بكر باعادة النفقة اليه وشهد له بالمسكنة والمهاجرة في سبيل الله ويكفيه فضيلة انه شهد بدرا أيضا (وفيه جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة الي آخره) أى كما فعل الزهرى في حديث سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة وعبيد الله بن عبد الله قال النووى ولا كراهة فيه أيضا لانه قد بين ان بعض الحديث عن بعضهم وبعضه عن بعضهم وهؤلاء أئمة حفاظ ثقات من أجل التابعين (وفيه ثبوت القرعة) ووجوبها بين النساء عند ارادة السفر ببعضهن (وقد ثبت أصلها في الكتاب) في قوله تعالى فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
وفي قوله يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ (و) من (السنة) فى هذا الموضع وغيره كاقتراع الانصار على المهاجرين في السكنى (وفيه انه يستحب ان يستر عن الانسان ما يقال فيه الى آخره) أى كما كتموا عن عائشة هذا الامر شهرا ولم تسمعه بعد ذلك الا بعارض عرض وهو قول أم مسطح تعس مسطح (وفيه حسن الادب عند الموجدة) بكسر الجيم أى الغضب كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انما كان يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم (كما صنعت أم مسطح) فقالت تعس مسطح (وفيه فضيلة البدريين وتعظيمهم في قلوب الناس) لقول عائشة تسبين رجلا شهد بدرا (وفيه ان الزوجة لا تذهب الى بيت أبويها الاباذن زوجها) لقول عائشة ائذن لى الى بيت أبوى (وفيه جواز البحث عن كل أمر يتعلق بالباحث) كما فعل صلى الله عليه وسلم فسأل زينب وسأل بريرة (وهو تجسس) بالجيم (وفيه جواز الاستشهاد بالآيات في الامور العارضات) لقول عائشة اني لا أجد لى ولكم مثلا الى آخره (وفيه استحباب صلة الارحام مع اساءتهم) لفعل أبي بكر مع مسطح (وانه يستحب ان اذا حلف على القطيعة ان يكفر) ليس في حديث الافك تصريح بوجوب التكفير (تنبيه) بقى من
بأنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه سب المتعصب لباطل كما فعل سعد ابن معاذ بسعد بن عبادة رضي الله عنهما
[,
(فصل) أما أحكام القذف فان كل من رمي غيره بالزنا وجب عليه الحد وذلك بثمان روابط ثلاث في القاذف وهو أن يكون بالغا عاقلا غير والد للمقذوف وخمس في المقذوف وهو أن يكون مسلما عاقلا بالغا حرا عفيفا ويسقط حد القذف بأربعة أشياء اقامة البينة أو عفو المقذوف أو اقراره أو اللعان للزوجة ويعزر قاذف غير المحصن وتقبل شهادة القاذف اذا تاب عند الاكثرين* فائدة روى أهل السير أن صفوان بن المعطل عدا على حسان فضربه بالسيف فوثب ثابت بن قيس بن شماس على صفوان فجمع يديه الى عنقه بحبل وانطلق الفوائد جملة وقد عدها النووي في شرح مسلم أربعا وخمسين منها قبول توبة القاذف
(فصل) أما أحكام (القذف) وهو لغة الرمي بالحجر والخذف بالمعجمة الرمى بالحصي وشرعا رمي الشخص بالزنا (كل من رمي غيره بالزنا) صريحا كزنيت أو كناية كزنأت ان نوى (ثلاث في القاذف ان يكون بالغا) فلا حد على الصبي لرفع القلم عنه لكن يعزر (عاقلا) فلا حد على المجنون لذلك أيضا (غير والد للمقذوف) فلا حد على الوالد وان علا بقذف الولد قياسا على القصاص وبقي شرط رابع وهو الاختيار فلاحد على المكره على القذف بشرطه (وخمس في المقذوف ان يكون مسلما) فلا يحد قاذف كافر لانه غير محصن (بالغا) فلا يحد قاذف صبي بل يعزر لذلك أيضا (عاقلا) فلا يحد قاذف مجنون بل يعزر (حرا) فلا يحد قاذف من فيه رق لعدم الاحصان أيضا (عفيفا) عن وطء يوجب الحد فمن زنى ولو مرة سقطت حصانته وان تاب وحسنت حاله وكذا من وطئ امرأة محرما له بنسب أو رضاع أو مصاهرة اذا علم التحريم وان كان لا يجب عليه الحد على الاصح تبطل به الحصانة لدلالته على قلة مبالاته كذا من وطيء زوجته أو أمته في دبرها تسقط حصانته وان لم يجب عليه الحد لدلالته على قلة المبالاة أيضا (باربعة أشياء) أي باحد أربعة (اقامة البينة) لقوله تعالى ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فأفهم سقوط الحد عنهم اذا أتوا بهم (أو عفي المقذوف) أو وارثه الاهل كغيره من الحقوق (أو اقراره) لانه أبلغ من اقامة الشهود في تصديق القاذف (او اللعان للزوجة) لقوله تعالى وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ الآية (ويعذر قاذف غير المحصن) لانه عصى معصية لاحد فيها فشأنها التعزير بما يراه الامام لائقا بالمعزر من حبس ولوم وغيرهما وله الترك أيضا إن رآه (وتقبل شهادة القاذف اذا تاب عند الاكثرين) منهم عمرو بن عياش وسعيد ابن جبير ومجاهد وعطاء وطاوس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والشعبى وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والشافعي رضي الله عنهم والثانى قول النخعى وشريح وأصحاب الرأى (فائدة) روي أهل السير عن عائشة (عدا على حسان فضربه) ثم قال
تلق ذباب السيف عنك فاننى ... غلام اذا هوجيت لست بشاعر
به يقوده فلقيه عبد الله بن رواحة فنهاه وانطلقوا به الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستوهب من حسان ما أصابه وأعاضه عن ذلك حائطا ووهبه سيرين أمة قبطية وهي أم ولده عبد الرحمن وقال حسان بن ثابت يعتذر مما قاله:
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
عقيلة حيّ من لؤى بن غالب ... كرام المساعى مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيب الله خيمها ... وطهرها من كل سوء وباطل
فان كنت قد قلت الذي قد زعمتم ... فلا رفعت سوطى الىّ انامل
وكيف وودي ما حييت ونصرتى ... لآل رسول الله زين المحافل
له رتب عال على الناس كلهم ... تقا صرعنها سورة المتطاول
فانّ الذى قد قيل ليس بلائط ... ولكنه قول امرئ بي ماحل
وفي المتفق عليه من حديث مسروق بن الاجدع قال دخلت على عائشة وعندها حسان ذكره ابن عبد البر نقلا عن ابن اسحاق (سيرين) بكسر السين المهملة والراء واسكان التحتية المكررة آخره نون وهى بنت شمعون أخت مارية أم ابراهيم (أمة قبطية) وكانت من هدايا المقوقس كما في حديث حاطب بن أبي بلتعة حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه ففيه قال فاهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوارى منهن مارية أم ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرى وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي جهم بن حذيفة وأخرى وهبها لحسان بن ثابت ذكره ابن عبد البر وغيره قال السهيلى وكان عبد الرحمن بن حسان يفخر بأنه ابن خالة ابراهيم ولسيرين هذه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنه رأى خللا في قبر ابراهيم ابنه فأصلحه وقال ان الله يحب من العبد اذا عمل عملا أن يتقنه (حصان) بفتح أوله أي محصنة عفيفة (رزان) براء فزاي مفتوحتان أى كاملة العقل (ما تزن) بزاى مفتوحة أي ماتتهم (غرني) بفتح المعجمة واسكان الراء وبالمثلثة أي جائعة (من لحوم الغوافل) لانها لا تغتابهم فتأكل لحمهم والغوافل العفيفات (عقيلة) بفتح المهملة وكسر القاف هي كريمة الحى (مجدهم) كرمهم (مهذبة) منقاة (خيمها) بكسر المعجمة أي طبيعتها (المحافل) الجموع (له رتب) بفتح الراء والفوقية قال السهيلى والرتب ما ارتفع من الارض وعلا والرتب أيضا قوة في الشيء وغلظ فيه (سورة) بفتح المهملة مضي ذكرها (بلائط) بالطاء المهملة أي لاصق وفي بعض النسخ بلائق بالقاف (ما حل) بالمهملة مبغض (فلا رفعت سوطي الى أنا ملى) هذا دعاء على نفسه وهو يؤيد قول من قال ان حسان لم يجلد في الافك ولا خاض فيه (مسروق) سمي بذلك لانه سرق في صغره (ابن الاجدع) بالجيم والمهملة ابن مالك بن أمية بن عبد الله بن مرة ابن سلمان بن الحارث بن سعد بن عبد الله بن وداعة بن عمرو بن عامر الهمدانى الكوفي التابعى الكبير قال
ينشدها شعرا فقال:
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت له عائشة لكنك لست كذلك قال مسروق فقلت لها أتأذنين له أن يدخل عليك وقد قال الله تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ قالت وأى عذاب أشد من العمى وقالت انه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم*
[