ولمّا تمّ ما أراده الله من تطهير نفوس الأمّة من شوائب الوثنيّة، وعادات الجاهليّة، وإنارتها بنور الإيمان، وإشعال مجامرها بالحبّ والحنان، وتمّ ما أراده الله، من تطهير بيته من الرّجس والأوثان، وتاقت نفوس المسلمين الذين بعد عهدهم عن حجّ البيت، وطفحت كأس الحبّ والحنان، حتّى فاضت ودنت ساعة الفراق، وألجأت الضّرورة إلى وداع الأمة، آذن الله لنبيّه في الحجّ، ولم يكن قد حجّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الإسلام.
,
وكان فيما تكلّم «3» به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس على المنبر، عاصبا رأسه: «إنّ عبدا من عباد الله، خيّره الله بين الدّنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله» ، وفهم أبو بكر معنى هذه الكلمة، وعرف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني
__________
(1) [أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتمّ به، برقم (687) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام..، برقم (418) ، والنسائي في كتاب الإمامة، باب الائتمام بالإمام يصلّي قاعدا، برقم (834) وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها] .
(2) أخرجه البخاري [في كتاب المغازي] باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، برقم (4429) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم (462) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب قدر القراءة في المغرب، برقم (810) من حديث أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها] .
(3) يدلّ التتبع للأحاديث أنها كانت الخطبة الأخيرة، وقد ذهب الحافظ ابن حجر إلى أنها كانت يوم الخميس قبل الوفاة بخمسة أيام، والمرجح أن هذه الصلاة كانت صلاة الظهر، وكل ما روي من خطب مختلفة في فضل أبي بكر رضي الله عنه، وسد الأبواب النافذة في المسجد إلا خوخة أبي بكر، وفضل الأنصار والوصية لهم، قطع من هذه الخطبة، رواها الصحابة مفردة، وكانت هذه الصلاة، الصلاة الأخيرة التي صلاها النّبي صلى الله عليه وسلم جماعة وهو إمام، ولم يحضر صلاة المسلمين في المسجد بعد هذه الصلاة، وبذلك تجمع الأقوال والروايات المختلفة (مستفاد من «أصح السير» للشيخ عبد الرؤوف الدّانا بوري رحمه الله) .
نفسه، فبكى، وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا.
فقال: «على رسلك يا أبا بكر! إنّه ليس من الناس أحد أمنّ عليّ في نفسه وماله من أبي بكر، ولو كنت متّخذا من الناس خليلا لا تّخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلّة الإسلام أفضل» «1» .
وقال: «سدّوا عنّي كلّ خوخة «2» في المسجد، غير خوخة أبي بكر» «3» .