وعتد وصل الحياة اربعين سنه ... بدىء بالوحي من رؤيا بلا تهم
فلا يرى ما يرى إلا على ما جلا ... كفلق الصبح يأتيه بلا غمم
فكان في يوم الاثنين وسبعة عشر ... من رمضان نزول الوحي بالقلم
قال له اقرأ أجاب لست بالقارىء ... فغطه الصدر بالصدر على حكم
إلى ثلاث من المرات بالعدد ... وكان ذا في حراء منزل الكرم
وبعدها قد أتى الوحي ببسملة ... حسب الواهب وهو الحق في الكلم
اقرأ باسم ربك آيات منزلة ... في فضل رب وخلق الانس من كرم
وفي كرامة رب العالمين وقد ... أكرم الانسان بالتعليم بالقلم
فعاد للبيت مثل الزيت مشتعلا ... مرتجيا فضله وخائف الألم
وبعد ذا آمن الناس بنور هدى ... وكيف ينكر نور جاء في الظّلم؟
خديجة وعلي، مع صديقه، ... عثمان عين الحيا والجود والكرم
سعد سعيد زبير طلحة وابو ... عبيدة، وابن عوف، من أولي النعم
عمار مع امه سمية، وكذا ... صهيب ذو العلو والايمان والهمم
بلال الحبشي القابل كل أذى، ... مقداد ذو الجاه عند الله والقيم
تتابع الوحي والتبليغ يتبعه ... وباب الأنوار مفتوح على الامم
قد استنارت قلوب المؤمنين بها ... واستبشرت أنفس الافراد بالكرم
ففاز من فاز بالايمان والرشد ... وجاز فوق مراقي العلم والحكم
للانس والجن تكليفا وللملك ... تشريفا إذ كان نور الدين كالدّيم
فثارت ثائرة الكفار من حسد ... والحقد عما أتى اليه من نعم
آذوه، لا وحده، بل كل من معه ... بكل ما قدروا من موجب الألم
بالطعن والشتم والتحقير للقدر ... والضرب في الدرب والايذاء بالنقم
تهجيرهم من مقر الطيب مسكنهم ... من مسقط الرأس ومن مثبت القدم
فهاجروا منه نحو بلدة الحبشة ... ولم يبالوا بما نالوه من ألم
آمن حمزة ثم آمن عمر ... نادى على المشركين من صريح فم
نادى بمكة من أبدى معارضتي ... أراد يتما لاولاد على نقم
بذاك قد عاد عز المسلمين على ... قلة أعداد من بقوا على رقم
فحاصروا القوم في شعب ابي طالب ... وقد رأوا فيه أنواعا من الالم
لكن ربك جازى المشركين بما ... رأوه من بعد بالضرب لمنتقم
لا سيما خمسة سعوا على ما رأوا ... من الصحيفة في قطيعة الرّحم
وقد أقاموا على ذلك عامين أو ... ثلاثة ثم قد فرّج بالكرم
وبعد ذا قرأ الرسول بالرحمة ... سورة والنجم بالفيض على الأمم
سجد حضرته وسجدوا معه ... المسلمون مع الكفار في الهجم
رجع من سمع السجود منهم الى ... مكة للظن بالاسلام للامم
لكنهم بعد ان قد علموا كفرهم ... عادوا لمرجعهم مع شدة الالم
عددهم سابقا أحد عشر رجل ... وأربع من نساء الخلق والشيم
أميرهم سيدي عثمان مع أهله ... رقية بنت مولى الكل في الكرم
ومعهم آخرون هاجروا رهبا ... وعدد الكل قد زاد على رقم
من الرجال ثلاث وثمانون عدا ... ثماني عشرة من نسوة الحرم
ولم يزيدوه إلا في توكّله ... والصبر لله والتبليغ للامم
وكانت أخلاقه حصنا حصينا له ... عدت بمعجزة في مشرب الفهم
وهي التي خفضت بؤس الحياة لمن ... يحس بالراحة في شدة النقم
وكيف لا وأتى في المدح ما علموا ... وإنك لعلى خلق مع العظم؟
أعطاه مولاه ما لم يعطه أحدا ... عقلا وعلما وخلقا جامع الحكم
فكيف يغلب ذاك الخلق شرذمة ... تاهت بسكر وجهل زاد في النقم؟
أم كيف يغلب نور الشمس طالعة ... غيم رقيق أتى في الجو بالغمم؟
كلا وحاشا فان الحق منبعث ... من بعث من قد أتى للكون بالكرم
وكان يتعب في التبليغ بالأدب ... يسعى مع القوم بالاحسان والكرم
حتى أتى العاشر من عمر دعوته ... جاء القضاء بموت العم بالسقم
بموت من نصره قد كان ديدنه ... بالحال والمال والانعام بالنعم
وبعد موته أياما مخمسة ... ماتت خديجة ذات العقل والحكم
فصار عامه عام الحزن والأسف ... من هدم ركنين من أركان ذي الكرم
فوجّه الوجه للطائف كان بها ... أرحامه بغية الايمان والسلم
لكنهم لم يجيبوا بل أبوا وعصوا ... وخالفوه باصناف من النقم
فرجع النور من شرق الى غربه ... أم القرى مستجيرا فيه بالمطعم