ولما رجع محمد صلى الله عليه وسلم إلى مكة، ورأت السيدة خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تره من قبل، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأى فيه صلى الله عليه وسلم من خلال وصفات عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح
فوقع في نفسها الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه، وهذه ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تفاتحه في أمر الزواج من السيدة خديجة، فرضى بذلك
ثم كلم أعمامه، فذهبوا إلى أبي خديجة وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بَكْرة (والبكرة: الفتية من الإبل). وكانت سنها وقتذاك أربعين سنة.
وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسبًا وثروة وعقلًا، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
ورزقه الله منها كل أولاده صلى الله عليه وسلم عدا إبراهيم، فإنه من مارية القبطية التي أهداها له المقوقس.
وقد ولدت له خديجة: القاسم -وبه كان يكنى-، ثم زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وعبد الله. ومات بنوه كلهم في صغرهم.
أما البنات فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن، إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى الله عليه وسلم عدا فاطمة رضي الله عنها، فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به.