هل اطمأن محمد بعد هذا كله إلى أن الأمر قد استقر له؟ هل خدعه يومه عن غده؟ وهل خيّل له فزع القبائل منه وما غنم من قريش أن كلمة الله وكلمة رسوله قد إطمأنت ولم يبق للخوف عليها محلّ؟ وهل جعله
إيمانه بنصر الله إيّاه يلقي حبال الأمور على غواربها علما منه بأن الأمر كله لله؟ كلا؟ فالأمر كله حقّا لله؛ لكنك لن تجد لسنة الله تبديلا. وما ركّب الله في النفوس من سلائق لا سبيل إلى إنكاره وقريش لها سيادة العرب، وهي لا يمكن أن تني عن الأخذ بثأرها. وما أصاب قافلة صفوان بن أميّة لن يزيدها على الثأر إلا حرصا، وفي التهيؤ للأخذ به إلا شدة. وما كان شيء من هذا ليغيب عن محمد وبعد نظره وسلامة سياسته فلا بدّ له إذا من أن يزيد المسلمين به تعلقا وارتباطا، ومهما يكن الإسلام قد شدّ من عزائمهم وجعلهم كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا، فإن حسن رعايتهم تزيد عزائمهم شدّة وتضامنهم قوّة. ومن حسن رعايتهم أن يزيد محمد رابطته بهم. لهذا تزوّج من حفصة بنت عمر بن الخطاب، كما تزوّج من عائشة بنت أبي بكر من قبل. وكانت حفصة من قبله زوج خنيس أحد السابقين إلى الإسلام، وقد مات عنها قبل زواج محمد بسبعة أشهر. وكما تزوج من حفصة فزاد عمر بن الخطاب به تعلقا، زوّج ابنته فاطمة من ابن عمه عليّ أشد الناس محبة للنبيّ وإخلاصا له منذ طفولته. ولمّا كانت رقيّة إبنته قد اختارها الله إلى جواره، فقد زوج عثمان بن عفّان بعدها ابنته أم كلثوم.
وكذلك جمع حوله برابطة المصاهرة أبا بكر وعمر وعثمان وعليّا، وجمع بذلك أربعة من أقوى المسلمين الذي كانوا معه، بل أقواهم إن شئت. بهذا كفل للمسلمين مزيدا من القوّة، كما كفل لهم بما غنموا في مغازيهم إقداما على الحرب يجمع فيها الرجل بين الجهاد في سبيل الله والغنم من المشركين. وهو في هذه الأثناء يتتبع بدقّة كل الدقة أخبار قريش وما تعدّ. فقد كانت قريش تعدّ للثأر ولتفتح لنفسها طريق التجارة إلى الشام، حتى لا تهوى مكانة مكة التجارية ومكانتها الدينية إلى حيث لا تقوم لها من بعد ذلك قائمة.