"وأما أم المؤمنين زينب بنت جحش" الأسدية، تقدم نسب أبيها "وأمها أميمة" بالتصغير "بنت عبد المطلب بن هاشم" عمته صلى الله عليه وسلم، المختلف في إسلامها، واثبته ابن سعد، وقال:
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها من زيد بن حارثة، فمكثت عنده مدة ثم طلقها -كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الخصائص- فلما انقضت عدتها منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: "اذهب فاذكرني لها"، قال: فذهبت إليها، فجعلت ظهري إلى الباب فقلت يا زينب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك فقالت: ما كنت لأحدث شيئا حتى أوامر ربي عز وجل، فقامت إلى مسجد لها، فأنزل الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] .
__________
أطعمها صلى الله عليه وسلم أربعين وسقا من خيبر، فعليه، كانت موجودة لما تزوج بنتها، "فكان رسول الله صلى الله عليه زوجها من" حبه، ومولاه "زيد بن حارثة"، باشر تزويجها له لأن من خصائصه أن يزوج من شاء ممن شاء، أو سعى له في ذلك.
وقد روى الطبراني بسند صحيح، عن قتادة وابن جرير، عن ابن عباس، قالا: خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب، وهو يريدها لزيد، فظنت أنه يريدها لنفسه، فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت واستنكفت، وقالت: أنا خير منه حسبا، فأنزل الله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} كلها، فرضيت، وسلمت "فمكثت عنده مدة" ألقى الله في قلبه كراهتها، فجاء يشكوها إليه صلى الله عليه وسلم، فقال له: "أمسك عليك زوجك، واتق الله"، فنزلت {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37] ، أي علمك بالوحي بأنه سيطلقها وأنك تتزوجها، كما قاله علي بن الحسين والزهري وغيرهما، وعليه أهل التحقيق، "ثم طلقها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الخصائص" لكراهته لها، لتعاظمها عليه بشرفها، لا لرغبة المصطفى في نكاحها، كما زعمه من وهم، "فلما انقضت عدتها منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة" إظهارا لمزيد حبه له وقوة إيمانه، حيث اطمأنت نفسه إلى خطبة من فارقها عليه السلام.
قال البيضاوي: وذلك ابتلاء عظيم، وشاهد بين على قوة إيمانه، "اذهب فاذكرني لها" ويروى أنه قال له: "ما أجد في نفسي أوثق منك، فاخطب زينب عليَّ".
"قال: فذهبت إليها، فجعلت ظهري إلى الباب" من مزيد ورعه حتى لا يراها، وإلا فهو كان قبل زوال الحجاب "فقلت: يا زينب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك" يخطبك "فقالت: ما كنت لأحدث شيئا حتى أوامر"، بضم الهمزة وفتح الواو أو بهمزتين مضارع آمر، أي استخير "ربي عز وجل فقامت إلى مسجد لها فأنزل الله" تعالى على رسوله " {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} "، أي جعلناها لك زوجة بلا واسطة، عقد على الصواب الذي لا يجوز غيره، فإنها كانت تفخر بأن الله هو الذي زوجها، وقال ابن إسحاق زوجها أخوها أبو أحمد يمكن تأويله، بأنه لما رآه أتى في منزلها، رضيه وفرح به؛ إذ لا كلام له ولا لغيره مع الله،
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن. أخرجه مسلم.
وقال المنافقون: حرم محمد نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه، فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] الآية.
وكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن آباؤكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات،
__________
"فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها بغير إذن".
"أخرجه مسلم" وأحمد، والنسائي من حديث أنس قال: لما انقضت عدة زينب، فذكره، وعند ابن سعد بسند مرسل بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث عند عائشة إذ أخذته عشبة فسري عنه.
وهو يتبسم ويقول: "من يذهب إلى زينب فيبشرها" وتلا {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] قالت عائشة: فأخذني ما قرب وما بعد لها يبلغنا من جمالها، وأخرى هي أعظم وأشرف ما صنع لها زوجها الله من السماء، وعنده بسند ضعيف، عن ابن عباس لما أخبرت زينب بتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم لها سجدت، "وقال المنافقون: حرم محمد نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه" لأنه كان تبناه، "فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] الآية".
قال ابن عطية اذهب الله سبحانه بهذه الآية ما وقع في نفوس منافقين وغيرهم من تزوجه زوجة دعيه فنفى تلك البنوة، واعلم أنه في حقيقة أمره لم يكن أبا أحد من المعاصرين له، ولم يقصد بالآي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد، فيحتاج في أمر بنيه، أنهم كانوا ماتوا، ولا في أمر الحسن والحسين، بأنهما ابنا بنته، ومن قال ذلك تأول معنى البنوة على غير ما قصد بها انتهى، وهو حسن نفيس، وقد صرح بأن القول ليس من المنافقين فقط، وأخرج الترمذي عن عائشة لما تزوج صلى الله عليه وسلم زينب، قالوا: تزوج حليلة ابنه فنزل {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ} الآية، "وكانت زينب تفخر" بفتح المعجمة، وفي نسخة تفتخر "على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن آباؤكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات".
"رواه الترمذي وصححه" من حديث أنس، وفي رواية غيره أنها كانت تقول: إن آباءكن أنكحوكن، وإن الله أنكحني إياه من فوق إلخ..... وليس هذا من الفخر المنهي عنه، بل من التحدث بالنعمة، وقد سمعها صلى الله عليه وسلم وأقرها، فروى ابن سعد عن عبد الواحد بن أبي عون، قالت زينب: يا رسول الله إني والله ما أنا كأحد من نسائك ليس امرأة من نسائك إلا زوجها أبوها، أو أخوها أو أهلها غيري زوجنيك الله من السماء، وعن الشعبي كانت زينب تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
رواه الترمذي وصححه.
وكان اسمها "برة" فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب.
وعن أنس: لما تزوج صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فإذا هو صلى الله عليه كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام وقام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس،
__________
لأني لأدل عليك بثلاث، ما من نسائك امرأة تدل بهن، إن جدي وجدك واحد، وإن الله أنكحك إياي من السماء، وإن الساعي في ذلك جبريل تريد عبد المطلب؛ لأنه أبو أمها فهو نحو رواية أنا بنت عمتك: "وكان اسمها برة" بفتح الموحدة، والراء المشددة كما في النور أما أبوها جحش، فكان اسمه برة بضم الموحدة كما في التبصير والروض "فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب" لما دخلت عليه.
ذكره ابن عبد البر، أي كراهة أن يقال خرج من عند برة، أو ما هنا برة مثلا لحبه الفال الحسن، لا لأنها كانت تزكي نفسها، كما زعم لأنه سوء ظن.
"و" روى البخاري ومسلم "عن أنس لما تزوج صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم، فطعموا" الخبز واللحم، كما في الرواية وفي الصحيح أيضا ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أولم على أحد من نسائه ما أولم على زينب بنت جحش. أولم عليها بشاة، أي شكر الله حيث زوجه إياها بالوحي، كما قال الكرماني أو وقع اتفاقا لا قصدا، كما قال ابن بطال أو لبيان الجواز، كما قال غيرهما، وفي الصحيح أيضا بنى بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلت داعيا، فيجيء قوم، فيأكلون ويخرجون، ثم قوم فيأكلون ويخرجون فدعوت حتى ما أجد أحدا، قلت يا نبي الله ما أجد أحدا أدعوه، قال: "ارفعوا طعامكم" "ثم جلسوا يتحدثون" فأطالوا الجلوس، "فإذا هو صلى الله علي وسلم كأنه يتهيأ للقيام" ليتفطنوا لمراده فيقوموا لقيامه، "فلم يقوموا" وكان يستحيي أن يقول لهم قوموا "فلما رأى ذلك قام"، لكن يقوموا ويخرجوا، "وقام من قام، وقعد ثلاثة نفر" لم يسموا، والإضافة بيانية، أي ثلاثة هم نفر لا حقيقة، وإلا لكان المعنى أنهم تسعة، أو أكثر إذ أقل النفر ثلاثة وليس بمراد وفي رواية للبخاري رجلان وأجاب الكرماني بأن مفهوم العدد لا اعتبار له، أو المحادثة كانت بينهما، والثالث ساكت، وقال الحافظ: كأن أحد الثلاثة فطن لمراد الرسول، فخرج وبقي الاثنان "فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل" على زينب، "فإذا القوم جلوس" في بيتها فرجع زاد في رواية أخرى في الصحيح، فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال: "السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله"، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك يا رسول الله وبعض حجر
ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء صلى الله عليه وسلم حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] الآية.
وكان تزويجها له صلى الله عليه وسلم في سنة خمس من الهجرة، وقيل سنة ثلاث.
__________
نسائه يقول لهن، كما يقول لعائشة ويقلن له كما قالت: "ثم إنهم قاموا، فخرجوا، فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء" صلى الله عليه وسلم "حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب"، أي الستر "بيني وبينه، فأنزل الله تعالى" بعد خروج القوم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية، إلى قوله: {عَظِيمًا} .
وفي البخاري عن أنس أيضا، أنا أعلم الناس بآية الحجاب لما أهديت زينب بنت جحش إلى رسول الله كانت معه في البيت فدعا القوم فذكر نحوه، وروى البخاري أيضا عن أنس قال عمر: قلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب.
وأخرج الطبراني بسند صحيح عن عائشة: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم في قعب، فمر عمر، فدعاه، فأكل، فأصاب أصبعه، فقال: أوه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزلت آية الحجاب.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس: دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فأطال الجلوس، فخرج صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ليخرج فلم يفعل، فدخل عمر فرأى الكراهية في وجهه، فقال عمر: لعلك آذيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد قمت ثلاثا لكي يتبعني، فلم يفعل"، فقال عمر: يا رسول الله لو اتخذت حجابا فإن نساءك لسن كسائر النساء وذلك أطهر لقولهم، فنزلت آية الحجاب.
قال الحافظ يمكن الجمع بأن ذلك وقع قبيل قصة زينب فلقربه منها أطلق نزول آية الحجاب بهذا السبب ولا مانع من تعدد الأسباب انتهى. "وكان تزويجها له صلى الله عليه وسلم في سنة خمس من الهجرة" كلامه صريح في ترجيحه ولم أجده، "وقيل سنة ثلاث" ذكره ابن أبي خيثمة عن أبي عبيدة، وصدر به في الإصابة والسبل وقيل سنة أربع وقدمه في العيون، قالت أم سلمة كانت زينب معجبة لرسول الله، وكان يستكثر منها، وكانت صالحة صوامة قوامه صنعاء تصدق بذلك كله على المساكين، رواه ابن سعد، وقالت عائشة، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح، أي تضاهيني وتفاخرني بجمالها ومكانتها عنده عليه السلام.
وعن راشد بن سعد قال: دخل صلى الله عليه وسلم منزله ومعه عمر، فإذا هو بزينب تصلي، وهي تدعو في صلاتها، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنها لأواهة"، رواه الطبراني، وعن ميمونة كان صلى الله عليه وسلم يقسم ما أفاء الله على رهط من المهاجرين، فتكلمت زينب بنت جحش، فانتهرها عمر، فقال صلى الله عليه وسلم: "خل عنها يا عمر
وهي أول من مات من أزواجه بعده. وقالت عائشة في شأنها: ولم تكن امرأة خيرا منها في الدين، وأتقى لله وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة.
__________
فإنها أواهة"، فقال رجل: يا رسول الله ما الأواه، قال: الخاشع المتضرع، وإن إبراهيم لحليم أواه، منيب، رواه ابن عبد البر وغيره، وتفسيرة صلى الله عليه وسلم لا معدل عنه، فمن فسره بكثير التأوه والتأسف على الناس من ذنوبهم فقد فسره باللازم، وفي حديث الإفك قالت عائشة: وكان صلى الله عليه وسلم يسأل زينب عن أمري، فقال: "ماذا علمت أو رأيت"، فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرا، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع، "وهي أول من مات من أزواجه بعده".
روى الشيخان واللفظ لمسلم عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعكن لحاقا بي، أطولكن يدا، فكن يتطاولن أيهن أطول يدا، قالت: وكانت أطولنا يدا زينب؛ لأنها كانت تعمل بيديها وتتصدق.
وفي رواية قالت عائشة، فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار، نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أنه صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة، وكانت زينب صناع اليدين، فكانت تدبع وتخرز وتتصدق به في سبل الله، وصناع بفتح الصاد المهملة، أي لها صنعة تعملها بيديها، "وقالت عائشة في شأنها" كانت زينب هي التي تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في المنزلة عنده، "ولم تكن امرأة" وفي رواية وما رأيت امرأة قط "خيرا منها في الدين" فعلى الرواية الثانية تحمل الأولى، فلا ترد خديجة، لأنها لم ترها، وعائشة؛ لأنها لا تزكي نفسها في مقام الثناء على غيرها وإن ذكرت فضائلها تحدثا بالنعمة كما مر في ترجمتها ثم المراد من أمهات المؤمنين فلا ترد السيدة فاطمة فإن عائشة نفسها صح عنها قولها: ما رأيت أحدا قط أفضل من فاطمة غير أبيها، كما مر "وأتقى الله وأصدق حديثا" ومن ذلك حلفها في حديث الإفك بأنها ما علمت إلا خيرا مع كونها ضرتها وعلمها بأنها أحب إليه منها، فلم تأخذها الغيرة على السكوت وعلى الإخبار بنفي العلم فقط، بل حصرت العلم في الخيرة ثم لم تكتف بذلك حتى أقسمت عليه قبل ذكره "وأوصل للرحم وأعظم صدقه".
روى ابن سعد وابن الجوزي عن برزة بنت رافع قالت: لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها فلما أدخل عليها، قالت: غفر الله لعمر غيري من إخواني كان أقوى على قسم هذا مني قالوا: هذا كله لك، قالت: سبحان الله، واستترت منه بثوب، وقالت: صبوه واطرحوه عليه ثوبا، ثم قالت: أدخلي يدك وأقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان،
وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تتصدق به يقرب إلى الله، رواه مسلم وماتت بالمدينة سنة عشرين وقيل إحدى وعشرين ولها ثلاث وخمسون سنة، وصلى عليها عمر بن الخطاب، وهي أول من جعل على جنازتها نعش.
__________
وبني فلان من أهل رحمها، وأيتامها ففرقته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب، فقالت لها برزة غفر الله لك يا أم المؤمنين، والله لقد كان لنا في هذا حق، قالت: فلكم ما تحت الثوب، فوجدنا تحته خمسة وثمانين درهما ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا، فماتت وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب، كان عطاء زينب اثني عشر ألفا، لم تأخذه إلا عاما واحدا، فجعلت تقول: اللهم لا يدركني هذا المال قابل، فإنه فتنة، ثم قسمته في أهل رحمها في أهل الحاجة، فبلغ عمر فقال: هذه امرأة يراد بها خير، فوقف عليها وأرسل بالسلام، وقال: بلغني ما فرقت فأرسل بألف درهم تستبقيها فسلكت به ذلك المسلك, "وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تتصدق به ويقرب إلى الله"، ومر قريبا قول عائشة في الصحيح: كانت تدبغ وتخرز وتتصدق به في سبيل الله، "ورواه مسلم" وأوله فيه:كانت زينب، كما ذكرته وروى ابن سعد عن القاسم بن محمد، قالت زينب: حين حضرتها الوفاة أني قد أعددت كفني وإن عمر سيبعث إلي بكفن، فتصدقوا بأحدهما، وإن استطعتم أن تتصدقوا بحقوي فافعلوا وماتت بالمدينة سنة عشرين، جزم به الواقدي، وابن إسحاق "وقيل سنة إحدى وعشرين" حكاه اليعمري وغيره، "ولها ثلاث وخمسون سنة".
وفي الإصابة قال الواقدي: تزوجها صلى الله عليه وسلم وهي بنت خمس وثلاثين سنة، واتت سنة عشرين، وهي بنت خمسين، ونقل عن عمر بن عثمان الحجبي، أنها عاشت ثلاثا وخمسين انتهى.
وروى ابن سعد عن عمرة أن عمر بعث بخمسة أثواب، فكفنت فيها، وتصدقت عنها أختها حمنة بكفنها الذي كانت أعدته، قال عمرة: فسمعت عائشة تقول: لقد ذهبت حميدة سعيدة مفزع اليتامي والأرامل "وصلى عليها عمر بن الخطاب" روى البزار برجال ثقات، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبزي، أنه صلى مع عمر على زينب، فكبر أربع تكبيرات، وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم موتا، وكان يعجب عمر أن يدخلها قبرها فأرسل إلى أزواجه صلى الله عليه وسلم من يدخل هذه قبرها، فقلن من كان يدخل عليها في حياتها، "وهي أول من جعل على جنازتها نعش"، أي من الأزواج وأما الأولية الحقيقية، فالسيدة فاطمة، كما قدمه عن ابن عبد البر، حيث قال: فاطمة أول من غطى نعشها، ثم زينب بعدها.
روت زينب عنه صلى الله عليه وسلم في الكتاب السنة أحاديث وعنها ابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وزينب بنت أبي سلمة، وهي صحابة، وكلثوم بن المصطلق، ومذكور مولاها وغيرهم والله أعلم.
[زينب أم المساكين والمؤمنين] :
وأما أم المؤمنين زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية، وكانت تدعى في الجاهلية أم المساكين لإطعامها إياهم فكانت تحت عبد الله بن جحش في قول ابن شهاب، قتل عنها يوم أحد فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث، ولم تلبث عنده إلا شهرين، أو ثلاثة وتوفيت في حياته صلى الله عليه وسلم وقيل مكثت عنده ثمانية أشهر، ذكره الفضائلي.
وقيل
__________