وقعت في شعبان لسنة سبع (7) هجريًا، وقد توجهت لناحية نجد التي يقطن[يسكن] حولها بني كلاب(فزارة).
قادها الصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، في مقابل قبيلة بني فزارة وهي فرع من (غطفان)، وهم أهل حرب لدين الله في زمن النبوة.
في هذا العام أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم إرسال عددًا من البعوث حول المدينة المنورة، لعقد معاهدات مع رؤساء القبائل، ورد الاعتداءات التي شنَّها الأعراب (ومنهم فزارة) تجاه المسلمين، فكانت سرايا تأديبية في المقام الأول، وقد سبق لتلك لبني كلاب أن شاركوا بمعركة الأحزاب الحاشدة للانقضاض على دولة المسلمين في المدينة، وأغاروا مرات ومرات عليها بهدف السرقة والقتل.
يروي الإمام أحمد أنه بعث النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق فى سرية إلى بنى فزارة، ولم يكن أبو بكر رضى الله تعالى عنه رجل الحرب، وإن كان من المجاهدين فى الصف الأول. ولكنه رجل رأى وتدبير، ومعرفة بحال العرب.
ويروي الصحابي سلمة بن الأكوع أنهم لما كان بينهم وبين الماء ساعة، أمرهم قائدهم أبو بكر رضي الله عنه بالاستراحة ليلًا، ثم شن الغارة.
ولما وردوا الماء، دار قتال محتدم، وكانت دفة القتال تسير لصالح المسلمين، وقد أسروا من بني فزارة وقتلوا.
وكان شعار المسلمين في هذه السرية (أمت أمت) [ابن سعد 2/117]
وقد نظر الصحابي سلمة فرأى جموع النساء والصبية يسبقونهم إلى الجبل، فخشي أن يصلوا قبله فتنقلب الآية لصالحهم، فرمى بسهم أوقفهم، وكانت فيهم امرأة عليها ثوب من جلد (قيل: أنها أم قرفة المعروفة بأنها من أعز نساء العرب وأكثرهن عداء للإسلام وكانت تحمل في بيتها 50 سيفًا لهذا الغرض)، وكانت تصحبها في السرية ابنتها (وهي يومذاك واحدة من جميلات العرب) فتم أسر الابنة، وأصبحت من نصيب الصحابي سلمة بموافقة أبي بكر الصديق.
يقول الصحابي سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنهم لما قدموا المدينة، كانت تلك الفتاة بصحبته مع الأسرى، ولم يمسسها بعد، فلما لقيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في السوقِ ، قال: "يا سلمة! هب لي المرأة"، فرد سلمة بما معناه إعجابه بها وحفاظه عليها، فكررها الرسول ثلاثًا قائلًا : "يا سلمة! هَبْ لي المرأة لله أبوك (كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها)"، فرضي سلمة.
وقد فوجيء الجميع بأن النبي الكريم قد أرسل بالفتاة إلى أهل مكة، ففدى بها ناساً من المسلمين كانوا أسروا بمكة (أي ممن منعتهم قريش من الخروج مع إيذائهم) رواه مسلم: 1755
يقول الشاعر:
هَل من فَزَارَة مخبر عَمَّا لقوا &&من مرهفات سَرِيَّة الصّديق
نصبوا لَهُم شرك الردى ورموهم && من بعد جمع الشمل بِالتَّفْرِيقِ
[المقتفى من سيرة المصطفى للحلبي]
وقد اختلفت الروايات هل كانت واقعة أسر ابنة أم قرفة، ووهبها لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه، ومن ثم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بهذه السرية لبني كلاب، أم بسرية زيد بن حارثة لبني فزارة، والتي لعب دور البطولة فيها الصحابي سلمة أيضًا، ولكن ما لا خلاف حوله هو كثرة عدد البعوث النبوية للاعراب في تلك الفترة، وأن كثيرا منها قد طال بني فزارة وغطفان عمومًا.
[موسوعة حروب فجر الإسلام: شاكر رامز، ص73]
انتصار المسلمين، وقتل بعض رؤوس الكفر من قبيلة كلاب، وأسر ابنة أم قرفة، وفداء المسلمين المستضعفين بها في مكة.
-عزيمة المؤمن في مواجهة المحاربين لدين الله، وكان أبو بكر مثالًا في المشورة والقتال رغم تقدم عمره.
-إرادة أبي سلمة وسرعته في قتال المشركين وتلبية أمر الرسول مثلًا يُحتذى في الجهاد.
-جواز مبادلة الأسرى لتحقيق مصالح الأمة.
-رحمة النبي بالمسلمين فقد كان المستضعفون في باله دومًا ويفكر بنجدتهم.