وعاد القوم إلى بلادهم، فوجّه النبيّ معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة، وكانت لهما بثقيف مودّة وحرمة، ليقوما بهدم اللات. وقدم أبو سفيان والمغيرة لهدم الصنم، فهدمه المغيرة ونساء ثقيف حسّرا يبكين، ولا يجرؤ أحد أن يقترب منه بعد الذي كان من اتفاق وفد ثقيف والنبيّ على هدمه. وأخذ المغيرة مال اللات وحليها فقضى منه، بأمر الرسول وبالاتفاق مع أبي سفيان، دينا كان على عروة والأسود. وبهدم اللات وبإسلام الطائف كانت الحجاز كلها قد أسلمت، وكانت سطوة محمد قد امتدّت من بلاد الروم في الشمال إلى بلاد اليمن وحضرموت في الجنوب. وكانت هذه البلاد الباقية في جنوب شبه الجزيرة تتهيأ كلها لتنضمّ إلى الدين الجديد، ولتقف على الدفاع عنه وعن وطنها كل قوّتها. وكانت وفودها تسير لذلك من جهات مختلفة، قاصدة كلها إلى المدينة لتعلن الطاعة ولتدين بالإسلام.
بينما كانت الوفود تقبل تترى إلى المدينة، كانت الأشهر يتلو أحدها الآخر حتى اقترب موعد الحج، ولم يكن النبيّ عليه السلام أدّى الفريضة على تمامها يومئذ كما يؤديها المسلمون اليوم، أفتراه يخرج في عامه هذا شكرا لله على ما نصره على الروم، وما أدخل الطائف في حظيرة الإسلام، وما جعل الوفود تجيء إليه من كل فج عميق؟ إن شبه الجزيرة ما يزال بها من لم يؤمن بالله ورسوله، ما يزال بها الكفّار وما يزال بها اليهود والنّصارى. والكفار على عهدهم في الجاهليّة ما يزالون يحجون إلى الكعبة في الأشهر الحرم. والكفار نجس.
فليبق إذا بالمدينة حتى يتم الله كلمته وحتى يأذن الله له بالحج إلى بيته، وليخرج أبو بكر في الناس حاجّا.