نسبة إلى صحابي جليل أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لتتبع قافلة من الشام لقريش.
وقعت في جمادى الأولى لسنة ٦ هـ، عند منطقة العيص على بعد أربعة ليال من المدينة.
قادها الصحابي زيد بن حارثة رضي الله عنه في ١٧٠ من المجاهدين، ضمن سلسلة سرايا متتابعة كلفه بها نبي الله صلى الله عليه وسلم ضد قبائل عربية مشركة، وقد تقدم في سيرته أنه من العشرة المبشرين بالجنة ومن السابقين للإسلام.
وكان قائد السرية المشركة أبو العاص بن الربيع وهو من تجار قريش وأمنائهم، صهر[أي: زوج ابنته] رسول الله وابن أخت السيدة خديجة زوجته الأولى وأم السيدة زينب رضي الله عنهما، وقد حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر وأسر ثم فدته السيدة زينب رضي الله عنها.
بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أن قافلة لقريش قد أقبلت من الشام بقيادة أبو العاص بن الربيع، وهو زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، قبل تحريم زواج المسلمة من مشرك.
وبالطبع كانت قريش هي العدو الأكبر لدعوة الإسلام، وخرجت كثير من السرايا بهدف شل حركتها التجارية وإجبارها على الخضوع ومنع الأذى عن المسلمين.
استطاع الصحابي زيد بن حارثة ورفاقه أن يسيطروا على قافلة لقريش، فاستجار قائد القافلة أبوالعاص بزوجته زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، فأجارته ونادت في الناس حين صلى الرسول الفجر هو وأصحابه، فقالت «أيها الناس، إني قد أجرت أبوالعاص»، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لما سلم وأقبل على الناس: «هل سمعتم ما سمعت؟»، قالو نعم، قال صلى الله عليه وسلم «أما والذي نفسي بيده ما علمت بشيء من هذا»، ثم انصرف فدخل على ابنته وقال صلى الله عليه وسلم «قد أجرنا من أجرت»، ثم دخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه، فأجابها إلى ذلك، وقال صلى الله عليه وسلم لها «أي بنية، أكرمي مثواه ولا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له».
وبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم للسرية فقال لهم: «إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالًا فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي فاء عليكم فأنتم أحق به»، فقالوا: يا رسول الله بل نرد عليه.
حتى رجع أبو العاص إلى مكة، وأدى الودائع إلى أهلها، ثم أسلم وهاجر، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بالنكاح الأول بعد ثلاث سنين.
وجاء في الصحيحين أن رسول الله قال لابنته «ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما [أي: نقض جواره وعهده] فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» ثم دخلت عليه زينب رضي الله تعالى عنها فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه، فأجابها إلى ذلك.
وذكر أن المسلمين قالوا لأبي العاص: يا أبا العاص إنك في شرف من قريش وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي لأنه يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف، فهل لك أن تسلم فتغنم ما معك من أموال أهل مكة، فقال: بئسما أمرتموني أفتتح ديني بغدرة [أي: بالغدر وعدم الوفاء]، ثم ذهب أبو العاص إلى أهل مكة فأدى كل ذي حقّ حقه، ثم قام فقال: يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم مال لم يأخذه، هل وفيت ذمتي؟ فقالوا اللهم نعم، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيًا كريمًا، فقال: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، والله ما منعني عن الإسلام عنده إلا خشية أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم.
قال المسور بن مخرمة: أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أبي العاص خيرًا، وقال: حدّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي، وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى مكة بعد وقعة بدر فيبعث إليه ابنته، فوفى بوعده، وفارقها مع شدة حبه لها.
أسر قافلة لقريش وقائدها ثم ردهم إكرامًا لنبي الله صلى الله عليه وسلم وابنته، ومن النتائج أن أسلم قائد السرية وهو بمكة بعد رد الودائع.
كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه أرسل في طلب قافلة يقودها صهره، وكان ذا قربى منه لجهة زوجته الأولى وابنته، ورغم ذلك أرسل حتى أمكنه الله من قافلة قريش، ثم استأذن أصحابه بردها بعد أن علمت قريش بتمكن المسلمين، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم متى يسامح ومتى يجازي الشر بالشر، وكان في علمه أن أبا العاص رجل أمين وقد أسلم بالفعل بعدها بأيام وقبل فتح مكة.
"الرحيق المختوم" للمباركفوري 323، "زاد المعاد" لابن القيم 2/ 122، "السيرة الحلبية" الإليكترونية فصل سرية زيد إلى العيص، "سير أعلام النبلاء" الإليكترونية فصل أبو العاص