جمادى الأخرة سنة ٣ هـ ،عند بئر ماء بنجد يدعى القردة
قادها زيد بن حارثة -رضي الله عنه-، وكان قائد قافلة قريش الهاربة صفوان بن أمية
تعقب قافلة لقريش التي ناصبت المسلمين العداء
لما كانت وقعة بدر خافت قريش الطريق التي كانوا يسلكونها إلى الشام من على بدر، فسلكوا طريقًا أخرى من جهة العراق.
فخرج عير لهم فيه أموال كثيرة جدًا من تلك الطريق يريدون الشام، واستأجروا رجلًا يدلهم على الطريق، وكان ذلك الرجل ممن هرب من أسارى بدر.
وفي ذلك العير من أشراف قريش: أبو سفيان، وصفوان بن أمية، وعبد الله بن أبي ربيعة، وحويطب بن عبد العزى.
وقد قال صفوان بن أمية لقريش- وهو الذي انتخبته قريش هذا العام لقيادة تجارتها إلى الشام :(إن محمدًا وصحبه عوروا علينا متجرنا، وهم لا يبرحون الساحل، وأهل الساحل قد وادعهم أي: عاهدهم ودخل عامتهم معه، وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رؤوس أموالنا، فلم يكن لها بقاء. وإنما حياتنا بمكة على التجارة إلى الشام في الصيف، وإلى الحبشة في الشتاء).
واقترح الأسود بن عبد المطلب أن يسلكوا طريق العراق، وكانت طريق طويلة جدًا تخترق نجدًا إلى الشام، وتمر في شرق المدينة على بعد كبير منها، ولهذا اتخذوا فرات بن حيان من بني بكر بن وائل دليلًا.
فبعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في مائة راكب، وهي أول سرية لزيد بن حارثة خرج فيها أميرًا- كما يذكر الحلبي-فصادف تلك العير على ذلك الماء فأصاب العير، وأفلت القوم وأسروا دليلهم.
وقدم زيد رضي الله عنه بتلك العير على الرسول صلى الله عليه وسلم فخَمَّسَها فبلغ الخمس ما قيمته عشرون ألف درهم، وقد كان أمر الله باقتطاع الخمس للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحاب الحاجة من المسلمين ثم توزيع الباقي على المقاتلين، وأُتِي بذلك الأسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له إن تسلم تترك أي: من القتل، فأسلم فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامه بعد ذلك.
وهي آخر وأنجح دورية للقتال قام بها المسلمون قبل غزوة أحد، وكانت من أسبابها
لم يحدث قتال، وجرى اغتنام قافلة لقريش كبرى تحمل أواني الفضة، وتم أسر رجل حسن إسلامه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها.
لقد ظل طلب المسلمين لقريش عدوة الدعوة الإسلامية حثيثًا، وكانت تلك السرية سببًا بتأجج كراهية قريش والتي لم تسلم قوافلها من أذى المسلمين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يربِّي صحابته على تحمل المسئوليات وقد أوكل تلك السرية لزيد بن حارثة الذي لم يسبق له ذلك من قبل.
"السيرة النبوية" لابن هشام 2"/50، "فقه السيرة" للغزالي 190، و"الرحيق المختوم" للمباركفوري 246