"ثم سرية علقمة بن مجزز" بضم الميم، وفتح الجيم ومعجمتين، الأولى مكسورة ثقيلة، وحكى فتحها والأول أصوب، وقال عياض، وقع لأكثر الرواة بسكون المهملة وكسر الراء المهملة، وعن القابسي بجيم، ومعجمتين وهو الصواب، وأغرب الكرماني، فحكى فيه بالحاء المهملة، وشد الراء فتحا وكسرا، وهو خطأ ظاهر، قاله في الفتح "المدلجي" بضم الميم وسكون المهملة، وكسر اللام والجيم، نسبة إلى جده الأعلى مدلج قبيلة من كنانة، ويقال أيضا: الكناني الصحابي ابن الصحابي، كما جزم أبو عمر في الاستيعاب بعد أبيه في الصحابة، وهو القائف المذكور في حديث أسامة، ووافقه جماعة وأغفله كثير ممن صنف في الصحابة.
وذكر الواقدي وابن سعد أن عمر بعث علقمة في سنة عشرين في جيش إلى الحبشة في البحر فأصيبوا، فجعل عمر على نفسه أن لا يحمل في البحر أحدا ورثاه خراش الهذلي بقوله:
إن السلام وحسن كل تحية ... تغدو على ابن مجزز وتروح
"إلى طائفة من الحبشة،" لا إلى نفس البلد، الآتي "في ربيع الآخر" عند ابن سعد، "وقال الحاكم" والواقدي: "في صفر سنة تسع،" ويحتمل الجمع بأن التهيئ، وإرادة البعث كان في آخر صفر، والذهاب أول ربيع والتأخر تلك المدة حتى يحقق أمرهم.
"وذكر ابن سعد" وشيخه الواقدي: "أن سبب ذلك"، أي بعث السرية "أنه بلغه صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة تراآهم"، أي نظروهم ورأوهم، كما قال الشامي، فالمراد أصل الفعل، لا التفاعل "أهل جدة" بضم الجيم وشدة المهملة وفيه تجوز، فعند الواقدي تراآهم أهل الشعيبة في ساحل
فبعث إليهم علقمة بن مجزز في ثلاثمائة، فانتهى إلى جزيرة في البحر، فلما خاض البحر إليهم هربوا.
فلما رجع علقمة، تعجل بعض القوم إلى أهليهم، فأمر عبد الله بن حذاقة على من تعجل، وكانت فيه دعابة،
__________
جدة بضم الشين المعجمة، وفتح المهملة، وسكون التحتية، وفتح الوحدة، فتاء تأنيث، "فبعث إليهم علقمة بن مجزز" لجزه نواصي إساري من العرب، ولذا صوب كونه بمعجمتين جماعة من الحفاظ.
ووقع في رواية الحافظ أبي ذر في الصحيح، كأكثر الرواة، كما مر عن عياض أنه بالحاء المهملة والراء المكسورة، ويحتمل الجمع بأن المهملة اسمه الأصلي، وبالمعجمة لقبه لجزه النواصي "في ثلاثمائة فانتهى".
قرب "إلى جزيرة في البحر،" فأراد الوصول إليها، "فلما خاض البحر" مشى فيه ليصل "إليهم هربوا".
وذكر ابن إسحاق: أن سبب ذلك أن وقاص بن مجزز قتل يوم ذي قرد، فأراد علقمة أن يأخذ بثأر أخيه، فأرسله صلى الله عليه وسلم في هذه السرية.
قال الحافظ: فهذا يخالف ما ذكره ابن سعد إلا أن يجمع بأن يكون أمره بالأمرين.
"فلما رجع علقمة" هو وأصحابه، ولم يلقوا كيدا، "تعجل بعض القوم" أرادوا الرجوع قبل بقية الجيش "إلى أهليهم".
وعند ابن إسحاق، فتعجل عبد الله بن خذافة، فيهم، "فأمر عبد الله بن حذافة،" بضم الحاء المهملة، فذال معجمة، فألف، ففاء.
ابن قيس بن عدي بن سعيد، بالتصغير ابن سهم القرشي السهمي، من قدماء المهاجرين، يقال: شهد بدرا، مات بمصر في خلافة عثمان، ومن منافيه ما أخرجه البيهقي عن أبي رافع قال: وجه عمر جيشا إلى الروم، وفيهم عبد الله بن حذافة فأسروه، فقال له ملك الروم: تنصر وأشركك في ملكي فأبى فأمر به فصلب، فأمر بإلقائه إن لم يتنصر، فلما ذهبوا به بكى، فقال: ردوه، فقال له: لم بكيت؟، قال: تمنيت أن لي مائة نفس تلقى هذا في الله فعجب، فقال: قبل رأسي وأنا أخلي، عنك فقال: وعن جميع أسارى المسلمين، قال: نعم، فقبل رأسه، فخلى سبيلهم، فقدم بهم على عمر، فقام عمر، فقبل رأسه، وله شاهد عند ابن عساكر، عن ابن عباس "على من تعجل، وكانت فيه دعابة" بضم الدال، وبالعين المهملتين فألف فموحدة ما يستملح من المزاح، كما في المصباح وفي القاموس أنها اللعب.
فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارا يصطلون عليها، فقال: عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار، فلما هم بعضهم بذلك قال: اجلسوا، فإنما كنت أمزح.
فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من أمركم بمعصية فلا تطيعوه"، ورواه الحاكم وابن ماجه وصححه ابن خزيمة، وابن حبان من حديث أبي سعيد الخدري.
وبوب عليه البخاري فقال: سرية عبد الله بن حذافة السهمي، وعلقمة بن مجزز المدلجي، ويقال: إنها سرية الأنصاري، ثم روي عن على قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، فاستعمل عليها رجلا من الأنصار،
__________
وفي السبل المزاح، "فنزلوا ببعض الطريق، وأوقدوا نارا يصطلون عليها" يستدفئون بها.
وفي حديث أبي سعيد ليصنعوا عليها صنيعا لهم أو يصطلون، "فقال: عزمت عليكم،" أي أمرتكم أمرا جدا، "إلا تواثبتم في هذه النار فلما هم" قصد "بعضهم بذلك قال: اجلسوا" امنعوا أنفسكم من التواثب، "فإنما كنت أمزح فذكروا ذلك" لما قدموا "للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من أمركم بمعصية، فلا تطيعوه"" لحرمة طاعته فيها.
و هذا الذي ذكره ابن سعد "رواه" أحمد، و"الحاكم وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان" كلهم "من حديث أبي سعيد الخدري،" قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز على بعث أنا فيهم حتى انتهينا إلى رأس غزاتنا، أو كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش، وأمر عليهم عبد الله بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب بدر وكانت فيه دعابة، فلما كان ببعض الطريق أوقد القوم نارًا ليصنعوا عليها صنيعًا، لهم أو يصطلون فقال لهم: أليس لي عليكم السمع والطاعة؟، قالوا: بلى، قال: أفما أنا آمركم بشيء إلا فعلتموه، قالوا: نعم، قال: فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي لما تواثبتم في هذه النار، فقام بعض القوم يحتجز حتى ظن أنهم واثبون عنها، فقال: احبسوا أنفسكم، فإنما كنتم أضحك معكم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدمنا عليه، فقال: "من أمركم منهم بمعصية، فلا تطيعوه"، "وبوب عليه، البخاري" في الصحيح، "فقال" باب "سرية عبد الله بن حذافة السهمي" نسبة إلى جده سهم "وعلقمة بن مجزز المدلجي ويقال: إنها"، أي هذه السرية "سرية الأنصاري" لقول الحديث من الأنصار "ثم روي" في الباب في الأحكام، وفي خبر الواحد ومسلم في المغازي، عن "علي قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، فاستعمل عليها،" ولأبي ذر بالواو "رجلا من الأنصار" قال في المقدمة: كذا في هذه الرواية، وهي سرية علقمة، والذي وقع له ذلك هو عبد الله بن حذافة السهمي، فلعل من أطلق عليه أنصاريًّا أطلقه باعتبار حلف، أو غير ذلك من أنواع المجاز. ا. هـ.
وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم فقال: أليس قد أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا حطبا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها، فقال: ادخلوا، فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون: فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها".
__________
وهذا حسن، وأما قول المصنف هو ابن حذافة، فيما قاله، ابن سعد، ففيه نظر؛ لأن ابن سعد لم يقل أن المصطفى استعمله، إنما قال: استعمله علقمة حين تعجل، فيمن تعجل، ولذا قال البرماوي: لعل تأمير علقمة لابن حذافة عذر البخاري، حيث جمع بينهما في الترجمة، مع أنه في الحديث يسم واحدا منهما، والترجمة لعلها تفسير للمبهم في الحديث، "وأمرهم أن يطيعوه، فغضب" زاد في الأحكام "عليهم" ولمسلم فأغضبوه في شيء "فقال: أليس قد أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني، قالوا: بلى، قال: فاجمعوا" لي "حبطا، فجمعوا" له حطبا، "فقال: أوقدوا" بفتح الهمزة، وكسر القاف "نارا".
هكذا في البخاري، وسقطت من بعض من نسخ المواهب "فأوقدوها"، ثبت هذا في البخاري، وسقط من النسخة التي وقف عليها شيخنا غلطا من المكاتب، فبنى، عليها ونفى كونها في البخاري، وأنها من المصنف بيان للمحذوف، "فقال: ادخلوا" وفي الأحكام: فقال: عزمت عليكم لما جمعتم حطبا، وأوقدتم نارا، ثم دخلتم فيها.
وجزم الحافظ بأن هذا مخالف لحديث أبي سعيد أنهم أوقدوها ليصنعوا عليها صنيعا لهم، أو يصطلوا "فهموا" بفتح الهاء وضم الميم مشددة، أي قصدوا، كما ارتضاه العيني، رد القول الكرماني، حزنوا وأيده المصنف برواية الأحكام، فلما هموا بالدخول فيها، قالوا: ينظر بعضهم إلى بعض، "وجعل بعضهم يمسك بعضا،" أي يمنعه من الوقوع في النار.
وفي رواية ابن جرير، فقال لهم شاب منهم: لا تعجلوا بالدخول فيهم، "ويقولوا: فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار،" وفي خبر الواحد، فأرادوا أن يدخلوها، وقال آخرون، إنما فررنا منها، أي اتبعناه صلى الله عليه وسلم خوفا من نار جهنم، فكيف ندخل هذه، "فما زالوا حتى خمدت النار".
قال الحافظ: بفتح الميم وحكى المطرزي، كسرها، أي طفئ لهبها "فسكن غضبه،" هذا أيضا يخالف حديث أبي سعيد أنه كانت فيه دعاية، وأنهم تحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها، فقال: احبسوا أنفسكم فإنما كنت أضحك معكم. "فبلغ النبي" وفي الأحكام فذكر للنبي ولمسلم، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم "فقال: "ولو دخلوها" " أي النار التي أوقدوها ظانين أنها
بسبب طاعة أميرهم لا تضرهم "ما خرجوا منها"، لاحتراقهم فيها فيموتوا.
قال الحافظ أبو الفضل بن حجر: في قوله: "ويقال: إنها سرية الأنصاري" إشارة إلى احتمال تعدد القصة، وهو الظاهر لاختلاف سياقهما واسم أميرهما.
__________
وبقية الحديث إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف، وفي الأحكام ما خرجوا منها أبدًا، إنما الطاعة في المعروف، ولابن جرير لم يزالوا فيها يوم القيامة يعني أن دخولها معصية، والعاصي يستحق النار، ويحتمل أن المراد لو دخلوها مستحلين لما خرجوا منها أبدا، وعلى هذا ففيه استخدام؛ لأن ضمير دخولها للتي أوقدها، وخرجوا النار الآخرة، لارتكابهم ما نهوا عنه من قتل أنفسهم، والظاهر الأول انتهى من الفتح، وصح رجوع الضمير لنار الآخرة مع قوله: إلى يوم القيامة بضرب من التجوز، أي طول الأمد، قال الكرماني، وغيره: المراد بيوم القيامة التأبيد، يعني لو دخلوها مستحلين.
قال الداودي فيه: أن التأويل الفاسد لا يعذر به صاحبه. ا. هـ.
ولا ضير في قولهم: مستحلين في الصحابة؛ لأنه مدخول الشرط الذي لم يقع، ووجه فساده قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، فإنه ظاهر على أن ما فهمه الموافقون على الدخول غير المراد، وإنما يعذر إذا كان ثم شبهة قوية، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم للآخرين أي الذين امتنعوا قولا حسنا راه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة في معصية الله تعالى، إنما الطاعة في المعروف".
رواه الشيخان قال الحافظ: وفي الحديث من الفوائد أن الحكم في حال الغضب ينفذ منه ما لا يخالف الشرع، وأن الغضب يغطي على ذوي العقول عقولهم، وأن الإيمان بالله ينجي من النار لقولهم: إنما فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إليه فرارًا إلى الله يطلق على الإيمان.
قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50] ، وأن الأمر المطلق لا يعلم الأحوال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بطاعة الأمير فحملوه على عموم الأحوال، حتى في حالتي الغضب والأمر بالمعصية، فبين لهم أنه مقصود على ما كان منه في غير معصية، واستنبط منه ابن أبي جمرة أن الجمع من هذه الأمة لا يجتمعون على خطأ لانقسام السرية قسمين منهم من هان عليه دخول النار وظنه طاعة، ومنهم من فهم حقيقة الأمر، وأنه مقصور على ما ليس بمعصية، فكان اختلافهم سببا لراحة الجميع، قال: وفيه أن من كان صادق النية لا يقع إلا في خير، ولو قصد الشر فإن الله يصرفه عنه، ولذا قال أهل المعرفة، من صدق مع الله وقاه الله، ومن توكل على الله كفاه الله. اهـ.
"قال الحافظ أبو الفضل بن حجر في قوله: ويقال أنها سرية الأنصار، إشارة إلى احتمال تعدد القصة، وهو الظاهر لاختلاف سياقهما،" كما مر بيانه "واسم أميرهما" والسبب في أمره
ويحتمل الجمع بينهما بضرب من التأويل، ويبعده وصف عبد الله بن حذافة السهمي القريشي المهاجري بكونه أنصاريا، ويحتمل الحمل على المعنى الأعم، أي أنه نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجملة، وإلى التعدد جنح ابن القيم، وأما ابن الجوزي فقال: قوله: "من الأنصار" وهم من بعض الرواة، وإنما هو سهمي.
قال في فتح الباري: ويؤيده حديث ابن عباس عند أحمد، في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] نزلت في عبد الله بن حذافة السهمي بن قيس بن عدي، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية.
__________
بدخولهم النار.
هذا أسقطه المصنف من الفتح، كأنه للاستغناء عنه باختلاف سياقهما، فإنه من جملته، "ويحتمل الجمع بينهما بضرب من التأويل،" مثل أن يقال: لما كان تأمير علقمة لعبد الله ناشئا عن إذنه صلى الله عليه وسلم له أن يؤمر إن احتاج نسب للمصطفى تارة ولعلقمة أخرى، "و" لكن "يبعده وصف عبد الله بن حذافة السهمي القريش، المهاجري بكونه أنصاريا"؛ لأنهم الأوس والخزرج وهم مدنيون، فيحتمل أنه نسب إليهم بالحلف ونحوه، كما عن المقدمة، ويحتمل الحمل على المعنى الأعم،" الشامل لكل مؤمن نصر الله ورسوله لقوله: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7] "أي أنه نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجملة"، أي قاتل معه فعد من أنصاره، وإن كان قرشيا مهاجريا.
"وإلى التعدد جنح ابن القيم، وأما ابن الجوزي، فقال قوله" في الحديث، فاستعمل رجلا "من الأنصار، وهم من بعض الرواة، وإنما هو سهمي" بدليل أبعضا منهم لم يذكرها، "قال في فتح الباري" تلو هذا "ويؤيده" أي الوهم إن لم يحمل على المعنى الأعم أو الحلف "حديث ابن عباس عند أحمد" والبخاري في قوله تعالى: {إيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ، "نزلت في عبد الله بن حذافة السهمي بن قيس بن عدي، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية"، وكذا أخرجه البخاري مختصرا في تفسير سورة النساء، كما هو بقية كلام الحافظ هنا، وما كان ينبغي
للمصنف حذفه؛ لأنه أوهم انفراد أحمد به.
قال الداودي: هذا وهم على ابن عباس، فإن ابن حذافة خرج على جيش، فغضب فأوقد نارا، وقال: اقتحموا فامتنع بعض وهم بعض أن يفعل، فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يخص عبد الله بالطاعة دون غيره، وإن كانت نزلت بعد، فإنما قيل لهما: إنما الطاعة في المعروف، وما
ا. هـ.
وقال النووي: وهذا الذي فعله هذا الأمير، قيل: أراد امتحانهم، وقيل: كان مازحًا، وقيل: إن هذا الرجل عبد الله بن حذافة السهمي، قال: وهذا ضعيف: لأنه قال في الرواية التي بعدها في مسلم إنه رجل من الأنصار، فدل على أنه غيره. ا. هـ.
__________
قيل لهم: لم يطيعوه وأجاب الحافظ بأن المقصود في قصته، فإن تنازعتم في شيء؛ لأنهم تنازعوا في امتثال الأمر بالطاعة، والتوقف فرارًا من النار، فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع، وهو الرد إلى الله والرسول.
وقد أخرج ابن جرير أنها نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد بن الوليد، وكان خالد أميرا، فأجار عمار رجلا بغير أمره فتخاصما، فنزلت "انتهى" كلام الفتح "وقال النووي" في شرح مسلم: "وهذا الذي فعله هذا الأمير، قيل: أراد امتحانهم" وقيل: كان مازحا" وينافي القولين معا قوله في الحديث فأغضبوه في شيء، وتكلف شيخنا الجواب في التقريب باحتمال أنه أظهر الغضب، والواقع أنه ممتحن، أو مازح "وقيل": ليس مقابلا لما قبله، بل المراد بيان "أن هذا الرجل" المبهم في قول: استعمل رجلا عند مسلم كالبخاري في خبر الواحد، ولم يقل: من الأنصار هو "عبد الله بن حذافة السهمي".
قال: وهذا" القول "ضعيف؛ لأنه قال في الرواية التي بعدها في مسلم"، ولم ينفرد بها، بل وافقه البخاري كما رأيت "أنه رجل من الأنصار، فدل على أنه غيره. ا. هـ" إلا أن يئول بالحلف، أو الأعم، كما مر والله تعالى أعلم.
[هدم صنم طيء] :
"ثم سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الفلس بضم الفاء، وسكون اللام" -وهو صنم طيء ليهدمه، في ربيع الآخر سنة تسع، وبعث معه مائة وخمسين رجلا من الأنصار، على مائة بعير وخمسين فرسا-
__________