وفى هذه الغزوة سمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها سمته زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مشكم أخت مرحب اليهودى قاله ابن اسحاق وذلك بعد ما دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم حصن القموص واطمأنّ أهدت له زينب شاة مصلية أى مشوية مسمومة كلها لكن جعلت السمّ فى الذراع أكثر مما فى باقى الاعضاء لانها سألت أى عضو من الشاة أحب الى محمد فقيل لها الذراع كذا فى معالم التنزيل* وفى الاكتفاء فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمّا بشر فأساغها وأمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ومات بشر بن البراء من أكلته التى أكلها من تلك الشاة* وفى المنتقى فلاكها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها فأخذها بشر بن البراء فمات من ساعته وقيل بعد سنة* وفى الاكتفاء فلفظها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال انّ هذا العظم ليخبرنى أنه مسموم ثم دعا بها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك قالت بلغت من قومى ما لم يخف عليك فقلت ان كان ملكا استرحت منه وان كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بشر بن البراء من أكلته* وفى مغازى سليمان التيمى أنها قالت ان كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد استبان لى الان أنك صادق وأنى أشهدك ومن حضر أنى على دينك وأن لا اله الا الله وأنّ محمدا رسول الله فانصرف عنها حين أسلمت وفيه موافقة الزهرى على اسلامها* وفى المواهب اللدنية عمدت زينب الى عنزلها فذبحتها وصلتها ثم عمدت الى سمّ لا يطنى يعنى لا يلبث أن يقتل من ساعته وقد شاورت يهود فى سموم فاجتمعوا لها فى هذا السمّ بعينه فسمت الشاة وأكثرت فى الذراعين والكتف فوضعت بين يديه ومن حضر من أصحابه وفيهم بشر بن البراء فتناول صلى الله عليه وسلم الذراع فانتهش منها وتناول بشر بن البراء عظما آخر فلما ازدرد صلى الله عليه وسلم لقمته ازدرد بشر بن البراء ما فى فيه وأكل القوم فقال صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم فانّ هذه الذراع تخبرنى أنها مسمومة وفيه أن بشر بن البراء مات فيه وفيه دفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أولياء بشر فقتلوها رواه الدمياطى* وفى سيرة مغلطاى لم يقتلها وأمر بلحم الشاة فأحرق* وفى حديث جابر عن أبى داود توفى أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذى أكله من الشاة كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء ذكر ابن عقبة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الكتف من تلك الشاة فانتهش منها وتناول بشر عظما فانتهش منه فلما استرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته استرط بشر ما فى فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم فانّ كتف هذه الشاة تخبرنى انى بغيت فيها فقال بشر بن البراء والذى أكرمك لقد وجدت ذلك فى أكلتى التى أكلت فما منعنى أن ألفظها الا انّى أعظمت أن أبغضك طعامك فلما أسغت ما فى فيك لم أكن لأرغب بنفسى عن نفسك ورجوت أن لا تكون
استرطتها وفيها بغى فلم يقم بشر من مكانه حتى عادلونه مثل الطيلسان وماطله وجعه حتى كان لا يتحوّل الا ما حوّل قال جابر بن عبد الله واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على الكاهل حجمه أبو طيبة مولى بنى بياضة* وفى المشكاة احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذى أكل من الشاة حجمه أبو هند بالقرن والشفرة وهو مولى لبنى بياضة من الانصار رواه أبو داود والدارمى وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذى توفى منه فدخلت عليه أمّ بشر بنت البراء بن معرور تعوذه فيما ذكره ابن اسحاق فقال لها يا أمّ بشر انّ هذا الاوان وجدت انقطاع أبهرى من الاكلة التى أكلت مع أخيك بخيبر* وفى نهاية ابن الاثير قال صلى الله عليه وسلم ما زالت اكلة خيبر تعاودنى فهذا أو ان قطعت أبهرى والابهر عرق فى الظهر وهما أبهران وقيل هما الا كحلان اللذات فى الذراعين وقيل هو عرق مستبطن القلب فاذا انقطع لم تبق بعده حياة وقيل الابهر عرق منشأه من الرأس ويمتدّ الى القدم وله شرايين تتصل بأكثر أطراف البدن فالذى فى الرأس منه يسمى النامة ومنه قولهم أسكت الله نامته أى أماته ويمتدّ الى الحلق ويسمى فيه الوريد ويمتدّ الى الصدر فيسمى الابهر ويمتدّ الى الظهر فيسمى الوتين والفؤاد معلق به ويمتدّ الى الفخذين فيسمى النسا ويمتدّ الى الساق فيسمى الصافن والهمزة فى الابهر زائدة ويجوز فى أوان الضم والفتح فالضم لانه خبر لمبتدا والفتح على البناء لاضافته الى مبنى* قال فان كان المسلمون ليرون أنّ رسول الله الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوّة وفى قتلها اختلاف فقيل قتلها وقيل بل عفا عنها* وفى رواية أنس دفعها الى أولياء بشر بن البراء فقتلوها كما مرّ وقال الدميرى فى حياة الحيوان جمع البيهقى بينهما بأنه لم يقتلها فى الابتداء فلما مات بشر أمر بقتلها وكذلك اختلف فى قتل من سحره ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف الى وادى القرى فحاصر أهله ليالى ثم انصرف راجعا الى المدينة وخرج مسلم فى صحيحه من حديث عمر بن الخطاب قال لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبىّ صلى الله عليه وسلم فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد حتى مرّوا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا انى رأيته فى النار فى بردة غلها أو عباءة ثم قال يا ابن الخطاب اذهب فناد فى الناس أنه لا يدخل الجنة الا المؤمنون قال فخرجت فناديت ألا انه لا يدخل الجنة الا المؤمنون* وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من النساء المسلمات فرضخ لهنّ عليه السلام من الفئ ولم يضرب لهنّ بسهم وقيل ضرب لهنّ أيضا بسهم كامل وكانت قد خرجت معهم عشرون امرأة وفى حديث ابن أبى الصلت عن امرأة غفارية سماها قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نسوة من غفار وهو يسير الى خيبر فقلنا يا رسول الله قد أردنا الخروج معك الى وجهك هذا فنداوى الجرحى ونعين المسلمين ما استطعنا فقال على بركة الله قالت فخرجنا معه فلما افتتح خيبر رضخ لنا من الفئ وأخذ هذه القلادة التى ترين فى عنقى فأعطانيها وعلقها بيده فى عنقى فو الله لا تفارقنى أبدا قالت فكانت فى عنقها حتى ماتت ثم أوصت أن تدفن معها واستشهد بخيبر من المسلمين نحو من عشرين رجلا منهم عامر بن الاكوع عمّ سلمة بن الاكوع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له فى مسيره الى خيبر انزل يا ابن الاكوع فاحد لنا من هناتك فنزل يرتجز برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال* والله لولا الله ما اهتدينا* ولا تصدّقنا ولا صلينا* الى آخر ما ذكر فى أوّل مسيره الى خيبر من قوله عليه السلام لعامر يرحمك الله وقول عمر وجبت والله يا رسول الله لو أمتعتنا به فقتل يوم خيبر شهيدا بسيف نفسه رجع عليه وهو يقاتل فكلمه كلما شديدا فمات منه وكان المسلمون قد شكوا فيه وقالوا انما قتله سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك
وأخبره بقول الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لشهيد وصلى عليه فصلى عليه المسلمون وقد مرّ ومنهم الاسود الراعى من أهل خيبر وكان من حديثه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ومعه غنم وكان فيها أجيرا لرجل يهودى فقال يا رسول الله اعرض علىّ الاسلام فعرضه عليه فأسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحدا أن يدعوه الى الاسلام فيعرضه عليه فلما أسلم قال يا رسول الله انى كنت أجير الصاحب هذه الغنم وهى أمانة عندى فكيف أصنع بها قال اضرب فى وجوهها فانها سترجع الى ربها أو كما قال فقام الاسود فأخذ حفنة من الحصباء فرمى بها فى وجوهها وقال ارجعى الى صاحبك فو الله لا أصحبك وخرجت مجتمعة كأنّ سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن ثم تقدّم الاسود الى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله وما صلى لله صلاة قط فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع خلفه وسجى بشملة كانت عليه فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه فقالوا يا رسول الله لم أعرضت عنه قال انّ معه الان زوجتيه من الحور العين* وذكر ابن اسحاق عن عبد الله بن نجيح أنّ الشهيد اذا أصيب نزلت زوجتاه من الحور العين عليه ينفضان التراب عن وجهه ويقولان ترّب الله وجه من ترّبك وقتل من قتلك قال ولما افتتحت خيبر كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاج بن علاط السلمى ثم البهزى فقال يا رسول الله انّ لى بمكة مالا عند صاحبتى أمّ شيبة بنت أبى طلحة ومالا متفرّقا فى تجار أهل مكة فائذن لى يا رسول الله فأذن له قال لا بدّ لى يا رسول الله من أن أقول قال قل قال الحجاج فخرجت حتى اذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء رجالا من قريش يتسمعون الاخبار ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغهم أنه سار الى خيبر وعرفوا أنها قرية الحجاز ريفا ومنعة ورجالا فهم يتجسون الاخبار من الركبان فلما رأونى ولم يكونوا علموا باسلامى قالوا الحجاج بن علاط عنده والله الخبر أخبرنا يا أبا محمد فانه قد بلغنا أنّ القاطع سار الى خيبر وهى بلد يهود وريف الحجاز قلت قد بلغنى ذلك وعندى من الخبر ما يسرّكم قال فالتبطوا بجنبى ناقتى يقولون ايه يا حجاج قلت هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وقتل أصحابه قتلا لم تسمعوا بمثله قط وأسر محمد أسرا وقالوا لا نقتله حتى نبعث به الى مكة فيقتلونه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم قال فقاموا وصاحوا بمكة وقالوا قد جاءكم الخبر وهذا محمد انما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم قال قلت أعينونى على جمع مالى بمكة على غرمائى فانى اريد أن أقدم خيبر فاصيب من فلّ محمد وأصحابه قبل أن يسبقنى التجار الى ما هنا لك فقاموا فجمعوا لى مالى كأحث جمع سمعت به وجئت صاحبتى فقلت مالى وقد كان لى عندها مال موضوع لعلى ألحق بخيبر فاصيب من فرص البيع قبل أن يسبقنى التجار قال فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر أو جاءه عنى أقبل حتى وقف الى جنبى وأنا فى خيمة من خيام التجار فقال يا حجاج ما هذا الذى جئت به قلت وهل عندك حفظ لما وضعت عندك قال نعم قلت فاستأخر عنى حتى ألقاك على خلاء فانى فى جمع مالى كما ترى فانصرف عنى حتى أفرغ قال حتى اذا فرغت من جمع كل شئ كان لى بمكة وأجمعت الخروج لقيت العباس فقلت احفظ علىّ حديثى يا أبا الفضل فانى أخشى الطلب ثلاثا ثم قل ما شئت قال افعل قال فانى والله لقد تركت ابن أخيك عروسا على بنت ملكهم يعنى صفية بنت حيى ولقد افتتح خيبر وانتثل ما فيها وصارت له ولاصحابه قال ما تقول يا حجاج قلت اى والله فاكتم عنى ولقد أسلمت وما جئت الا لاخذ مالى فرقا من أن أغلب عليه فاذا مضت ثلاث فأظهر أمرك فهو والله على ما تحب قال حتى اذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة فطاف بها فلما رأوه قالوا
يا أبا الفضل هذا والله التجلد لحرّ المصيبة قال كلا والله
الذى حلفتم به لقد افتتح محمد خيبر وترك عروسا على ابنة ملكهم وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولاصحابه قالوا من جاء بهذا الخبر قال الذى جاءكم بما جاءكم ولقد دخل عليكم مسلما وأخذ ماله فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه فيكون معه قالوا يا لعباد الله انفلت عدوّ الله أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك* ذكر ابن عقبة أنّ بنى فزارة قدموا على خيبر فى أوّل أمرهم ليعينوهم فراسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعينوهم وأن يخرجوا عنهم على أن يعطيهم من خيبر شيئا سماه لهم فأبوا عليه وقالوا جيراننا وحلفاؤنا فلما افتتح الله خيبر أتاه من كان هناك من بنى فزارة فقالوا الذى وعدتنا فقال لكم ذو الرقيبة لجبل من جبال خيبر قالوا اذا نقاتلك قال موعدكم جنفاء فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا هاربين*