السويق: هو قمح أو شعير يقلى، ثم يطحن، فيتزود به ملتوتا بماء أو سمن أو عسل، سميت الغزوة بذلك لما سيأتي، وكانت في ذي الحجة، يوم الأحد لخمس خلون منها، على رأس اثنين وعشرين شهرا من الهجرة، فهي بعد غزوة بني قينقاع؛ فلذلك قال: (فغزوة السويق) .
خرج صلى الله عليه وسلم في مئتين من المهاجرين والأنصار (في إثر) بكسر الهمزة (أبي سفيان) ومعه مئتان من قريش، واستخلف على المدينة أبا لبابة بشير بن عبد المنذر
وغال نفسين وكان آلى ... لا يقرب النّساء أو ينالا
(أن) بفتح الهمزة؛ أي: لأجل أنّه (حرق) بالتخفيف للراء، وبالتشديد مبالغة، وضميره يعود على أبي سفيان (نخل يثرب، وغال) أي: قتل (نفسين) على حين غفلة، أحدهما: معبد بن عمرو من الأنصار، كما حكاه الشاميّ عن «الإمتاع» ، ولما فعل ذلك أبو سفيان.. رأى أن قد انحلت يمينه (وكان آلى) من الإيلاء؛ أي: حلف أنّه (لا يقرب النساء) كناية عن عدم وطئهنّ (أو) أي: حتى (ينالا) غرضه من الأخذ بثأر المشركين الذين قتلوا ببدر، والألف للإطلاق.
وهذا الذي في النظم لازم قول أبي سفيان، كما في «ابن إسحاق» قال: (لما رجع أبو سفيان إلى مكّة، ورجع فلّ «1» قريش من بدر.. نذر ألّا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمّدا صلى الله عليه وسلم، فخرج في مئتي راكب من قريش، ليبرّ يمينه، فسلك النجديّة حتى نزل بصدر قناة «2» ، إلى جبل يقال له: نيب «3» من المدينة على بريد أو نحوه، ثمّ
__________
(1) بفاء مفتوحة، فلام مشددة: القوم المنهزمون.
(2) بفتح القاف وخفة النون: واد بالمدينة.
(3) قال الزرقاني: (بنون فتحتية فموحدة، قال البرهان: كذا في نسخة- أي: من «العيون» وأصولها- ولم أره، فلعلّه تصحيف ينيب بفتح التحتية، بوزن يغيب: جبل بالمدينة، ذكره في «القاموس» أوتيت بفوقيتين أولاهما مفتوحة بينهما تحتية ساكنة أو مشددة، كميت وميت: جبل قرب المدينة، ذكره في «الذيل» و «القاموس» ) اهـ ملخصا والذي يظهر: أنّ ذا الأخير هو المراد بقوله: (على بريد ونحوه من المدينة) لأنّ الرسم لا يخالفه، ينيب الذي بزنة يغيب. اهـ
وكان يلقي جرب السّويق ... مخافة اللّحوق في الطّريق
خرج من الليل حتى أتى بني النضير تحت الليل، فأتى حييّ بن أخطب، فضرب عليه بابه فخافه، ولم يفتح له الباب، فانصرف عنه إلى سلّام بن مشكم، وكان سيّد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم، فاستأذن عليه، فأذن له، فقراه وسقاه، وبطن له من خبر الناس، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجالا من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منهم يقال لها: العريض «1» ، فحرقوا في أصوار «2» من نخل بها ووجدوا بها رجلا من الأنصار، وحليفا له في حرث لهما، فقتلوهما، ثمّ انصرفوا راجعين، ونذر «3» بهم الناس؛ أي: علموا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم) .
(وكان) أبو سفيان حين انصرف راجعا لمكّة (يلقي) أي: يطرح بالأرض (جرب السويق) بضمّتين: جمع جراب ككتاب وكتب: الوعاء، وكان ذلك عامة أزوادهم؛ وإنّما فعل ذلك (مخافة) أي: لأجل خوف (اللحوق) أي: أن يلحقه (في الطريق) من نصر بالرعب صلى الله عليه وسلم، فأخذها المسلمون.
__________
(1) بزنة حسين مصغرا: واد بالمدينة.
(2) جمع صور: نخل مجتمع.
(3) بفتح النون وكسر الذال المعجمة.
فسمّيت بذاك ثمّ بعدها ... قرقرة الكدر لقوم عندها
(فسمّيت) الغزوة من أجل هذا (بذاك) أي: بغزوة السّويق، فرجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وصلّى صلاة الأضحى بالمصلّى، وضحّى، وهو أول عيد ضحّى فيه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وكانت غيبته خمسة أيام، وقال المسلمون حين رجعوا: يا رسول الله؛ أتطمع أن تكون لنا غزوة؟ قال: «نعم» .