وفى ذى القعدة من هذه السنة وقعت غزوة بنى قريظة قال أهل السير لما أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الليل وقد انصرف الاحزاب مدلجين انصرف صلّى الله عليه وسلم والمؤمنون من الخندق الى المدينة يوم الاربعاء
كما سبق ذكره ووضعوا عنهم السلاح فلما كان الظهر أتاه جبريل معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة بيضاء عليها رحاله عليها قطيفة من ديباج ورسول الله صلّى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش وهى تغسل رأسه* وفى رواية فى بيت فاطمة وقد اغتسل ويريد أن يتطيب اذ جاءه جبريل* وفى رواية كان فى بيت عائشة ساعتئذ وهى تغسل رأسه وقد غسلت شقه* روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت سمعت صوت رجل يسلم علينا من خارج البيت فقام صلّى الله عليه وسلم مستعجلا وخرج من البيت فتبعته الى الباب فرأيت دحية الكلبى على بغلة بيضاء على وجهه الغبار* وفى رواية على ثناياه النقع فجعل النبى صلّى الله عليه وسلم يمسحه بردائه ويحدّثه فلما عاد الى البيت قال هذا جبريل أمرنى بالمسير الى بنى قريظة* وفى الوفاء ذكر ابن عقبة ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان فى المغتسل عند ما جاءه جبريل وهو يرجل رأسه وقد رجل احد شقيه فجاءه جبريل على فرس عليه اللامة وأثر الغبار حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز فخرج اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له جبريل غفر الله لك قد وضعت السلاح قال نعم قال جبريل ما وضعت الملائكة السلاح بعد وفى المنتقى بعد أربعين ليلة وما رجعت الآن الا من طلب القوم* وفى المنتقى كان الغبار على وجهه وفرسه فجعل النبى صلّى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهه ووجه فرسه انتهى قال جبريل ان الله يأمرك بالمسير الى بنى قريظة فانى عامد اليهم فمزلزل بهم وكذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية وعند ابن عائذ قم فشدّ عليك سلاحك فو الله لادقنهم دق البيض على الصفا* وفى الوفاء فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار فى زقاق بنى غنم حى من الانصار* وفى البخارى قال أنس كأنى أنظر الى الغبار ساطعا فى سكة بنى غنم من موكب جبريل وزقاقهم عند موضع الجنائز شرقى المسجد* وفى رواية ابن سعد فجاء جبريل فقال يا رسول الله انهض الى بنى قريظة فقال ان فى أصحابى جهدا قال انهض اليهم فلأضعضعنهم* وفى المنتقى قال جبريل وانّى عامد الى بنى قريظة فاشهد اليهم فانى قد قلعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم فى زلزال وبلبال فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مناديا ينادى يا خيل الله اركبى* وفى رواية نادى ان من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر الا فى بنى قريظة وقدّم رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بن أبى طالب براية اليهم ولبس صلّى الله عليه وسلم لأمته وبيضته وشدّ السيف فى وسطه وألقى الترس من وراء كتفه وأخذ رمحه وركب فرسه واسمه لحيف واجتنب فرسين* وأما ما فى شمائل الترمذى كان صلّى الله عليه وسلم يوم قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه اكاف ليف فالتوفيق بين الروايتين ممكن واستخلف على المدينة عبد الله بن أمّ مكتوم فسار على أثر علىّ والاصحاب تهيئوا وخرجوا وكان عددهم قريبا من ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثين فرسا ولما بلغ بنى النجار فى الطريق رآهم قد تسلحوا وصفوا على الطريق فقال من أمركم بلبس السلاح قالوا دحية الكلبى قال ذاك جبريل عليه السلام ذهب ليزلزل حصونهم وفى المنتقى ومرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالصورين قبل أن يصل الى بنى قريظة* فى القاموس الصوران موضع بقرب المدينة* وفى خلاصة الوفاء يقال الصوران بالفتح ثم السكون للنخل المجتمع الصغار موضع فى أقصى بقيع الغرقد مما يلى طريق بنى قريظة مرّ به النبىّ صلّى الله عليه وسلم متوجها الى بنى قريظة* وفى المنتقى سأل رسول الله أصحابه بالصورين هل مرّبكم أحد قالوا مرّ بنادحية بن خليفة الكلبى على بغلة بيضاء عليها رحاله وعليها قطيفة ديباج فقال صلّى الله عليه وسلم ذاك جبريل بعث الى بنى قريظة يزلزل حصونهم ويقذف الرعب فى قلوبهم وقد كان علىّ ابتدر الناس وسار حتى اذا دنا من الحصن غرز هناك الراية فشرعت اليهود فى السب من فوق
الحصن* وفى المنتقى سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فترك علىّ أبا قتادة عند الراية ورجع حتى لقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الاخابث قال لم أظنك سمعت لى منهم أذى قال نعم يا رسول الله قال لو رأونى لم يقولوا من ذلك شيئا وانتهى المسلمون الى بنى قريظة فيما بين المغرب والعشاء وبعض الاصحاب صلوا العصر فى الطريق رعاية للوقت وحملوا نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على التعجيل والمبالغة فى المسير وبعضهم قضوا العصر ببنى قريظة رعاية لظاهر النهى وما عاب أحدا من الفريقين ولا عنفهم* وفى المنتقى ولما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنى قريظة نزل على بئر من آبارهم فى ناحية فتلاحق به الناس فأتاه بعض الناس بعد صلاة العشاء الاخرة ولم يصلوا العصر لقوله عليه السلام لا يصلين أحد العصر الا ببنى قريظة فصلوها بعد العشاء الآخرة فما عاتبهم الله بذلك ولا عنفهم به رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد كان حيى بن أخطب دخل مع بنى قريظة فى حصنهم حين رجعت قريش وغطفان من الخندق وفاء لكعب بن أسد بما عاهد* ولما دنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من حصونهم قال يا اخوان القردة والخنازير هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته انزلوا على حكم الله ورسوله* وفى رواية قال اخسؤا أخسأكم الله أى ابعدوا أبعدكم الله من رحمته قالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا ولا فحاشا قبل هذا ولما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قولهم هذا سقطت العنزة من يده والرداء عن كتفه وجعل يتأخر استحياء مما قال لهم وقال أسيد بن حضير يا أعداء الله نحن لن نبرح من ههنا حتى تموتوا من الجوع وأنتم انحجرتم مثل الثعلب فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم سعد بن أبى وقاص حتى رماهم ساعة بالنبل ثم رجع الى معسكره وكانوا يقاتلونهم فى كل يوم من جوانب الحصن ويرمونهم بالنبل والحجارة فحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ذلك خمسا وعشرين ليلة كذا فى الصفوة* وفى رواية خمس عشرة ليلة وعند ابن سعد عشرة* وفى معالم التنزيل احدى وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله فى قلوبهم الرعب فأمسكوا عن القتال وأرسلوا نباش بن قيس الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسألوا النزول كما نزل بنو النضير وأن يخرجوا مع نسائهم وأبنائهم من هذا البلد ولك الاموال والاسلحة والامتعة والدواب فأبى النبىّ صلّى الله عليه وسلم الا النزول على أن يفعل بهم ما يريد ولما رجع النباش وبلغهم الخبر وأيقنوا ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم جمع رئيسهم كعب بن أسد أشراف بنى قريظة وقال يا معشر اليهود انه قد نزل بكم من الامر ما ترون وانى أعرض عليكم خلالا ثلاثة فحذوا أيتها شئتم قالوا وما هى قال نتابع هذا الرجل ونصدّقه فو الله لقد تبين لكم انه نبىّ مرسل وانه الذى تجدونه فى كتابكم وابن حواس وكان من علماء التوراة اذ بلغ هذه الديار أخبركم بظهوره بها وآمن به وأوصاكم بمتابعته ونصرته وقال لكم ان أدركتم زمانه بلغوه سلامى فآمنوا به فتأمنوا على دياركم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره قال فاذا أبيتم هذا فهلموا لنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج على محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف ولم نترك وراءنا ثقلايهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فان نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه وان نغلب عليه لنتخذن النساء والابناء الاخر قالوا كيف نقتل هؤلاء المساكين فما فى العيش بعدهم خير قال فان أبيتم هذا فتعالوا فانّ هذه الليلة ليلة السبت وانه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها يحسبون ان اليهود لا تقاتل فى السبت فانزلوا عليهم فلعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرّة قالوا كيف نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا الا من علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف
عليك* قال
كعب ما بات رجل منكم منذ ولدته أمّه ليلة واحدة من الدهر حازما ثم انهم بعثوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن ابعث الينا أبا لبابة عبد المنذر الاوسى أخا بنى عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الاوس نستشيره فى أمرنا* وفى معالم التنزيل وكان أبو لبابة مناصحا لهم لانّ ماله وعياله وولده كانت فى بنى قريظة فأرسله رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما رأوه قام اليه الرجال واستقبلوه ونهض اليه النساء والصبيان يبكون فى وجهه من شدّة المحاصرة وتشتت أحوالهم فرق لهم فقالوا يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده الى حلقه انه الذبح* وفى معالم التنزيل قالوا يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بيده الى حلقه انه الذبح فلا تفعلوه قال أبو لبابة فو الله ما زالت قدماى حتى عرفت انى خنت الله ورسوله*