وفيها كانت غزوة بني المصطلق من خزاعه وهي غزوة المريسيع قال موسى بن عقبة كانت سنة أربع وقال ابن اسحق سنة ست والصواب الاول بدليل ان فيها حديث الافك وجرى فيه ذكر سعد بن معاذ وسعد أصيب يوم الخندق والخندق على الاصح سنة أربع فعلم بهذا ان المريسيع قبلها وكان من خبر بنى المصطلق انهم أجمعوا الحرب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحين علم بهم خرج واستعمل على المدينة اباذر الغفاري رضي الله عنه فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمريسيع من ناحية قديد فهزم الله بنى المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم وكان شعار المسلمين يومئذ يا منصور أمت أمت وأصيب يومئذ هشام بن صبابة من المهاجرين بأيدي المسلمين خطأ فقدم أخوه مقيس من مكة وأظهر الاسلام من وجوه المهاجرين والانصار ألفا وسبعمائة ومن أخلاط الناس عشرة آلاف سوي النساء والصبيان وكان جابر خرج يومئذ يطوف في أزقة المدينة وهو أعمي والبيوت تنهب وهو يعثر في القتلي ويقول تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له قائل ومن أخاف رسول الله فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخاف المدينة فقد أخاف ما بين جنبي فحملوا عليه ليقتلوه فاجاره مروان وأدخله بيته ويقال لهذه الحرة حرة زهرة وقد وقف بها النبى صلى الله عليه وسلم وقال ليقتلن بهذا المكان رجال هم خيار أمتي بعد أصحابى ذكر ذلك الزبير بن بكار في أخبار المدينة (منقبة) أى فضيلة* وفيها كانت غزوة (بني المصطلق) بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام وقاف لقب خزيمة بن عمرو قال في القاموس سمى به لاجل صوته وكان من أوّل من غني من خزيمة (المريسيع) بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتيتين بينهما مهملة مكسورة وآخره مهملة ويجوز اعجامها ماء بالحجاز لبني خزاعة (قال موسى بن عقبة كانت سنة أربع) كذا نقله البخارى عنه وهو سبق قلم والدى في مغازيه انها سنة خمس (انهم أجمعوا الحرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البغوي وكان قائدهم الحرث بن أبى ضرار أبو جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم (أباذر الغفاري) اسمه جندب بن جنادة على الاصح في اسمه واسم أبيه (قديد) بئر عند عقبة خليص (ونفل) بالتشديد (يا) حرف نداء (منصور) منادي (أمت أمت) أمر من الاماتة (تنبيه) غزوة بنى المصطلق رواها الشيخان عن عبد الله بن عمر (ابن صبابة) الاكثرون على انه بمهملة مضمومة وعن ابن أبى الصيف أنه باعجامها ثم موحدة ثم ألف ثم موحدة (مقيس) بضم الميم وكسرها واسكان القاف وفتح التحتية ثم مهملة
فأمر له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدية أخيه ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ورجع الى مكة مرتدا ففى ذلك يقول
شفى النفس ان قد بات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الاخادع
وكانت هموم النفس من قبل قتله ... تلم فتحمينى وطاء المضاجع
حللت به وتري وأدركت ثورتى ... وكنت الى الاوثان أوّل راجع
ثم قتل عام الفتح وهو متعلق بأستار الكعبة ونزل فيه قوله تعالى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ الآية*
[,
وفي هذه الغزاة سبب نزول سورة المنافقين وذلك أنه اقتتل مهاجرى وأنصاري فتداعى الفريقان فأنف عبد الله بن أبىّ وقال لقومه (فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه) في تفسير البغوي انه وجده قتيلا في بنى النجار فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه رجلا من بني فهر الى بني النجار انهم ان علموا قاتل هشام بن صبابة دفعوه الي مقيس فيقتض منه وان لم يعلموه ان يدفعوا اليه ديته فقالوا سمعا وطاعة ما نعلم له قاتلا ولكن نؤدي ديته فأعطوه مائة من الابل ثم انصرفا راجعين الى المدينة فأتي الشيطان مقيسا فوسوس اليه فقال تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبة أقتل الذى معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدية فتغفل الفهري فرماه بصخرة فشدخه ثم ركعب بعيرا وساق بقيتها راجعا الى مكة كافرا انتهى (ثم عدا على قاتل أخيه فقتله) هذا خلاف ما ذكره ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر انه انما قتل زهير بن عياض المرسل معه الي بنى النجار وقاتل أخيه خطأ منهم (تلم) بضم أوله (وتري) بكسر أوله وفتحه ثم فوقية يعنى الوجل الذي في قلبه بسبب قتل أخيه والموتور الذي قتل له قتيل لم يدرك بدمه (ثورتى) بفتح المثلثة واسكان الواو وفتح الراء أى ثأرى (ثم قتل عام الفتح) قتله تميلة بالفوقية بن عبد الله ذكره ابن عبد البر عن ابراهيم بن سعد عن ابن اسحاق قال وكان رجلا من قومه (ونزل فيه) أي بسببه (قوله تعالى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها الآية) فلا حجة فيه للمعتزلة وغيرهم ممن يقول بتخليد أهل الكبائر في النار لما تقرر انها نزلت في قاتل هو كافر ولا لمن يقول بعدم قبول توبة القاتل لذلك أيضا وقيل ان الآية نزلت في القاتل المستحل لانه حينئذ مرتد وقيل معنى قوله فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ أي اذا جازاه ولكنه تحت المشيئة ودلائل أهل السنة على قبول توبة القاتل وعدم التخليد في النار بالكبائر كثيرة شهيرة وفي هذه الغزوة (اقتتل مهاجرى) اسمه جهجاه بن سعيد أو ابن قيس الغفاري كان أجيرا لعمر رضى الله عنه يقود له فرسه ومات بعد قتل عثمان اخذته الاكلة في ركبته فمات منها قال السهيلى وكان كسر بركبته عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب بها وذلك انه انتزعها من عثمان حين أخرج من المسجد ومنع من الصلاة فيه فكان أحد المعينين عليه حتى كسر العصما على ركبته فيما ذكروا فابتلى بما ابتلى به من الاكلة والعياذ بالله (وانصارى) اسمه سنان بن وبرة الجهني حليف لبنى عوف بن الخزرج وكان اقتتالهم بسبب حوض شربت منه ناقة الانصاري كما في تفسير ابن مردويه (فتداعي الفريقان) فصرخ الجهنى يا معشر الانصار وصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين فاعان جهجاها الغفاري رجل من المهاجرين يقال له جعال وكان فقيرا (فانف عبد الله بن ابي) زاد البغوى عن ابن اسحاق وغيره وقال قد
لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا يقول انما حملهم على هذا نفقاتكم التى تنفقونها عليهم فلو تركتموهم لاحتاجوا وانفضوا من حوله وقال لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الاعز منها الاذل في كلام كثير قاله فحمل زيد بن أرقم الانصارى مقالته الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعاتبه النبى صلى الله عليه وسلم فحلف ما قال شيأ من ذلك وان زيدا لكاذب وصدقه من حضر من الانصار وكذبوا زيدا ولاموه حتي استحي وندم ووقع الخوض في ذلك فارتحل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسار بهم يومهم وليلتهم وصدرا من يومهم الثانى ثم نزل بهم فلم يكن الا أن وجدوا مس الارض وقعوا نياما وانما فعل ذلك ليشغلهم عن الحديث الذي كانوا فيه بالامس ولما وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزلت عليه سورة المنافقين فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باذن زيد وقال يا زيد ان الله عز وجل قد صدقك وأوفى باذنك وكان عبد الله بن أبى بقرب المدينة فلما أراد دخولها منعه ابنه عبد الله بن عبد الله وقال والله لا تدخلها الا باذن رسول نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما مثلنا ومثلهم الا كما قال القائل سمن كلبك ياكلك (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتي ينفضوا) قال البغوى أقبل ابن أبي على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل طعام لم يركبوا رقابكم ولتحولوا الى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد (وقال لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل) زاد البغوي يعني بالاعز نفسه وبالاذل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد بن ارقم أنت والله الذليل القليل البغيض في قومك ومحمد في عز من الرحمن ومودة من المسلمين فقال عبد الله بن أبي اسكت فانما كنت ألعب (فحمل زيد بن أرقم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته) وذلك بعد فراغه من الغزو زاد البغوي وعنده عمر بن الخطاب فقال دعنى أضرب عنقه يا رسول الله فقال فكيف يا عمر اذا يتحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه ولكن آذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس (فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم) وقال له أنت صاحب الكلام الذى بلغني (فحلف) فقال والذي أنزل عليك الكتاب (ما قلت شيأ من ذلك وان زيدا لكاذب) زاد البغوى وكان عبد الله في قومه شريفا عظيما (فصدقه من حضره من الانصار) وقالوا يا رسول الله عسى ان يكون هذا الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله فعذره النبى صلى الله عليه وسلم (وكذبوا زيدا ولاموه) زاد البغوى وقال له عمه ما زدت الا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ومقتوك (حتى استحي) بعد ذلك ان يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأوفى باذنك) بفتح الهمزة والذال المعجمة أي صدقك فيما قلت انك سمعته والاذن بالفتح الاستماع (ولتعلمن اليوم من الاعز من الاذل) زاد البغوى فشكا عبد الله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع ابنه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ان خل عنه فقال له أما اذ جاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعم (حتى ينفضوا)
الله صلى الله عليه وسلم ولتعلمن اليوم من الاعز ومن الاذل فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان خل عنه فلم يلبث عبد الله بن أبى بعدها الا قليلا ومات على نفاقه قالوا ولما نزلت السورة قيل لعبد الله بن أبي قد نزل فيك آيات شديدة فاذهب الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر لك فألوى برأسه استكبارا فنزل قوله تعالى وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ ونزل قوله تعالى هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي فلا يعطى أحد احدا شيئا الا باذن الله ولا يمنعه الا بمشيئته قيل لحاتم الاصم من أين تأكل فقال وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقال الجنيد بن محمد البغدادي خزائن السموات الغيوب وخزائن الارض القلوب وكان أبو بكر الشبلي يقول ولله خزائن السموات والارض فأين تذهبون ولكن المنافقين لا يفقهون انه اذا أراد أمرا يسره*
[