تبوك: بفتح الفوقية، وضم الباء الموحدة، اسم لا ينصرف؛ للعلمية والتأنيث المعنوي: لموضع بينه وبين المدينة المنوّرة من جهة الشام أربع عشرة مرحلة على الإبل
ثمّ لروم بتبوك استنفرا ... (لام) ألوف عام عسر اعترى
المثقلة، وبالسيارة نحو أربع أيام؛ لأنّ الطريق غير معبّد اليوم، وتسمى غزوة العسرة، وقد عبد بعد ذلك، فلله الحمد والمنّة، فالمسافة إنّما هي ساعات قلائل.
وكانت يوم الخميس في غرة رجب سنة تسع من الهجرة، قال في «المواهب» : (بلا خلاف، وهي آخر مغازيه صلى الله عليه وسلم، غزاها في حرّ شديد، وجدب كثير؛ لذلك لم يورّ عنها كعادته في سائر الغزوات، قال كعب بن مالك، كما في الصحيح: لم يكن صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلّا ورّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة؛ غزاها في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا، وغزا عدوّا كثيرا، فجلّى للمسلمين أمرهم؛ ليتأهّبوا أهبة غزوتهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد) .
ولذلك يشير الناظم مبينا وجهته عليه الصّلاة والسّلام التي صرّح بها للمسلمين، مستنفرا ثلاثين ألفا من الأصحاب الكرام فقال:
(ثم) بعد فراغه عليه الصّلاة والسّلام من الطائف بنحو ستة أشهر (لروم) أي: لقتال بعض من الروم كائنين (بتبوك) لأنّهم لم يكونوا كلهم بها؛ فلذلك لم يقل للروم، ويتعلق الجار بقوله: (استنفرا) أي: طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفر للروم هذا العدد المشار إليه بقوله: (لام ألوف) أي: ثلاثين ألفا ممّن أسلم من العرب والمهاجرين والأنصار،
ومعهم لحربه ألّب له ... غسّان لخم وجذام عامله
والخيل عشرة آلاف فرس، قال في «شرح المواهب» :
(وهذا أقل ما قيل في الجيش)
(عام عسر) أي: شدة وضيق (اعترى) أي: طرأ على المسلمين في الماء، وفي الظّهر، وفي النفقة، وحين طابت الثمار، والمسلمون يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم؛ فلذلك سميت: (غزوة العسرة) .
,
(و) مع ذلك (نكصوا) وتأخروا (دون مدى) أي: غاية سيدنا (عثمان) بالكسر للضرورة؛ فإنّه جهز ثلث الجيش، حتى كان يقال: ما بقيت لهم حاجة، حتى كفاهم
شنق «1» أسقيتهم.
قال ابن إسحاق: (أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها) .
قال ابن هشام: (حدّثني من أثق به: أنّ عثمان بن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار «2» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ؛ ارض عن عثمان؛ فإنّي عنه راض» ) اهـ
وروى عبد الرّحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بن عفّان رضي الله عنه بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة، فنثرها في حجره صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول: «ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم» قالها مرارا. رواه الترمذيّ.
قال سيدي أبو عبد الله محمّد بن سعيد في «أم القرى» :
وابن عفان ذي الأيادي التي طا ... ل إلى المصطفى بها الإسداء
حفر البئر جهز الجيش أهدى ال ... هدي لما أن صده الأعداء
__________
(1) شنق القربة يشنقها شنقا: إذا وكأها ثمّ ربط طرف وكائها بيديها. اهـ «قاموس»
(2) أي: غير الإبل والزاد وما يتعلق بذلك؛ فقد تصدق بمئتي بعير بأقتابها وأحلاسها ومئتي أوقية.
على بعير عشرة تعتقب ... وعزّ مطعم وعزّ مشرب
يقتسم النّفر تمرة ومن ... فرث الأباعر شراب قد يعن
,
(على بعير) واحد يتعلق بقوله: (تعتقب) أي (عشرة) من الرجال (تعتقب) على بعير؛ أي: يركب واحد ساعة، وينزل فيركب الآخر، وهو يشمل الجمل والناقة، كالإنسان للرجل والمرأة (وعزّ) أي: قل (مطعم، وعز مشرب) وكان زادهم التمر والشعير.
(يقتسم النفر) بفتح النون المشددة والفاء: الرجال من الثلاثة إلى العشرة (تمرة) واحدة (ومن فرث) بوزن فلس، مضاف إلى (الأباعر) وهو في الأصل السّرجين في الكرش، والمراد ما في الكرش من الماء (شراب قد يعن) لهم؛ أي:
يعرض، ومن هنا سميت بغزوة العسرة.
وحثّ عليه الصّلاة والسّلام المياسير على إعانة المعاسير، ويشير بهذا إلى ما رواه الحاكم في «مستدركه» بسند صحيح على شرط الشيخين: (أنّ ابن عباس قال لعمر بن الخطاب:
حدّثنا عن شأن ساعة العسرة، فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش، حتى ظننا رقابنا ستنقطع، حتى إنّ الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ثمّ يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصدّيق:
يا رسول الله؛ إنّ الله قد عودك في الدعاء خيرا، فادع الله،
قال: «أتحب ذلك؟» قال: نعم، فرفع يديه، فلم يرجعهما حتى خالت السماء فأظلت، ثم سكبت فملؤوا ما معهم، ثمّ ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر) اهـ
وهذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في استجابة الدعاء، وفيه منقبة ظاهرة لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه؛ حيث أشار على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك، واستشاره صلى الله عليه وسلم.
قال في «شرح بهجة المحافل» عن البغويّ: (كان زادهم التمر المسوس «1» ، والشعير المتغير، وكان النفر منهم يخرجون ما معهم إلّا التمرات بينهم، فإذا بلغ الجوع أحدهم.. أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها، ثمّ يعطيها صاحبه فيمصّها فيشرب عليها جرعة ماء كذلك، حتى تأتي على آخرهم، فلا يبقى من التمرة إلّا النواة) .
,
ثمّ إنّ رجالا من خيار المسلمين لمّا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنفر المسلمين للغزو.. جاؤوا يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلهم ذو حاجة، ولا يحب التخلف عن مشهد خرج له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصّلاة والسّلام: «لا أجد
__________
(1) أي: الذي أصابه السوس؛ لأنّه من التمر الذي كاد أن يمر عليه الحول، أمّا الجديد.. فإنّ الثمار على رؤوس النخل الزهو والرطب ولمّا يك تمر بعد.
وقعد الباكون والمعذّرون ... وعسكرت فربّت المنافقون
ما أحملكم عليه» فتولّوا وأعينهم تفيض من الدمع؛ حزنا ألّا يجدوا ما ينفقون، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
(وقعد) عن الخروج مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى تبوك (الباكون) لعدم قدرتهم على الخروج، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه، وهم:
سالم بن عمير، وعلبة بن زيد، وعبد الرّحمن بن كعب الأوسي المازنيّ، والعرباض بن سارية السلمي، وهرمي بن عبد الله الواقفي، وعمرو بن عنمة الأنصاري، وعبد الله بن مغفّل المزني، وعبد الله بن عمرو المزنيّ، وعمرو بن الحمام بن الجموح، أخو عمير المستشهد ببدر من بني سلمة، ومعقل بن يسار المزنيّ، وحرميّ بن مازن، والنعمان بن مقرّن، وسويد بن مقرّن، ومعقل بن مقرن، وعقيل بن مقرن، وسنان بن مقرن، وعبد الرّحمن بن مقرن، وعبد الله بن مقرن «1» .
__________
(1) هؤلاء السبعة بنو مقرن ممّن هاجر إلى المدينة وصحب، وأمرهم الأمراء، وفتحوا الفتوحات، ولا نعرف سبعة إخوة هاجروا إلى المدينة غيرهم. قال ابن مسعود رضي الله عنه: إنّ للنفاق بيوتا، وللإيمان بيوتا، وإن بيت بني مقرن من بيوت الإيمان. ونظم بعضهم هؤلاء السبعة بقوله:
قد فاز بالهجرة للمدينة ... الإخوة السبعة من مزينه
عقيل معقل سنان وسويد ... نعيم والفارس نعمان الشهيد
سابعهم عبد الإله وهموا ... بنو مقرن الكرام إليهم
وهم الّذين قال الله تعالى فيهم: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ ومن هنا سموا بالباكين والبكّائين.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم مرجعه من تبوك: «إنّ بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا.. إلّا وهم معكم» قالوا: يا رسول الله؛ وهم بالمدينة؟ قال: «نعم، حبسهم العذر» .
ذكر في «الإمتاع» : (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا قدم المدينة من تبوك في رمضان.. قال:
«الحمد لله على ما رزقنا في سفرنا هذا من أجر وحسبة، ومن بعدنا شركاؤنا فيه» فقالت عائشة رضي الله عنها:
أصابكم العسر والشدة في السفر، ومن بعدكم شركاؤكم فيه؟! فقال: «إنّ بالمدينة لأقواما ما سرنا ... »
الحديث، ثمّ قال: «أو ليس الله يقول في كتابه: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فنحن غزاتهم، وهم قعدتنا، والذي نفسي بيده؛ لدعاؤهم أنفذ في عدونا من سلاحنا» وفي قول عائشة رضي الله عنها دعابة وإدلال واضح يدل على ذكائها وفطنتها) .
موقف المعذّرين والمنافقين:
(و) قعد (المعذّرون) بشد الذال المكسورة، جمع معذر: من عذّر في الأمر، إذا قصر فيه موهما أنّ له عذرا ولا عذر له.
وهم كما قال ابن سعد: (اثنان وثمانون رجلا، استأذنوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم في التخلّف عن الغزو، وتعلّلوا بالجهد وكثرة العيال، فأذن لهم في التخلّف، ولكن لم يقبل عذرهم لكذبهم، وفيهم نزل قوله تعالى: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ثمّ نزل فيهم: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر؛ جراءة على الله ورسوله، وقد عناهم الله تعالى بقوله: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
قال العلّامة السّهيلي: (وأهل التفسير يقولون: إنّ آخر «براءة» نزل قبل أولها، وإنّ أول ما نزل منها: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا) .
(وعسكرت) أي: اجتمعت المنافقون، (فربت) بتشديد الباء؛ أي: أقامت (المنافقون) مع رئيسهم عبد الله بن أبيّ وحلفائه من اليهود على ثنية الوداع، وكان عليه الصّلاة والسّلام ضرب عسكره أيضا على ثنية الوداع.
قال ابن إسحاق: (وضرب عبد الله بن أبيّ معه على حدة عسكره أسفل منه نحو ذباب «1» ، وكان فيما يزعمون ليس بأقل
__________
(1) جبل بالمدينة أمام باب الشامي.
وقعد الثّلاثة الّذينا ... تاب عليهم ربّنا يقينا
العسكرين- أي عددا- فلمّا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم..
تخلّف عنه عبد الله بن أبيّ فيمن تخلّف من المنافقين) .
قال ابن هشام: (واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى عياله علي بن أبي طالب) كما في «الصحيحين» ورجحه جهابذة الحفاظ، ومنهم ابن عبد البر، وناهيك به كما سيأتي.
فتحصل: أنّ الذين قعدوا عن الخروج للغزو ما بين مؤمن رسخ الإيمان في قرارة قلبه، باك لعدم الحملان، ومنافق متثاقل ملتمس للأعذار، ومنافق لم يأت أصلا وكذب الله ورسوله، ومنافق أظهر الخروج ثمّ نكص على عقبيه، فدخل المدينة، وهناك فريق ثالث من المسلمين ليس إيمانهم بأقل من الرعيل الأول، ولكن أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تخلّفوا عنه ولا شكّ ولا نفاق لديهم، وهم كعب بن مالك، ومرارة بن الرّبيع، وهلال بن أميّة.
الثّلاثة المؤمنون المتخلفون:
وإليهم الإشارة بقول الناظم: (وقعد الثلاثة الذين تاب عليهم ربنا) توبة (يقينا) نزل بها الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى عطفا على قوله: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ الآية: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا أي: عن التوبة، لا عن الغزو؛ لما سيأتي، وهم:
كعب بن مالك مرارة الرّبيع ... وابن أميّة هلال الرّفيع
(كعب بن مالك) الأنصاري السّلمي و (مرارة) بن (الرّبيع) بضم الميم بعدها راء مخففة، الأنصاري العمري، بسكون الميم نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وسبب تخلفه: أنّه كان له حائط زها، فقال في نفسه: قد غزوت قبلها، فلو أقمت عامي هذا، فلمّا تذكر ذنبه.. قال: اللهمّ؛ إنّي أشهدك أنّي قد تصدّقت به في سبيلك (وابن أميّة) وهو (هلال الرفيع) الدرجة، وكلهم كذلك، وهلال ينسب إلى بني واقف، فهو واقفي، وقد جمعهم مع آبائهم القائل:
أسما الذين خلفوا عن الرسول ... في (مكة) نظمها بعض الفحول
مرارة، كعب، هلال، واسما ... آبائهم في (عكة) خذ بالقبول
قال في «شرح المواهب» : (ذكر في مرسل الحسن: أنّ سبب تخلفه أنّه كان له أهل تفرّقوا، ثمّ اجتمعوا، فقال: لو أقمت هذا العام عندهم، فلمّا تذكّر.. قال: اللهمّ؛ لك عليّ ألّا أرجع إلى أهل ولا مال) .
وحديث هؤلاء السادة في تخلّفهم ومعاملتهم الحق تعالى بالصدق، والرجوع إليه في «صحيح الإمام أبي عبد الله البخاريّ» وهو ما رواه من طريق عبد الرّحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: (أنّ عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد
كعب من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلّف عن قصة تبوك قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلّا في غزوة تبوك، غير أنّي كنت تخلّفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلّف عنها، إنّما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها.
كان من خبري: أنّي لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر حين تخلّفت عنه في تلك الغزاة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلّا ورّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا، ومفازا «1» ، وعدوا كثيرا، فجلّى «2» للمسلمين أمرهم؛ ليتأهّبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ- يريد الديوان- قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلّا ظنّ أنّه سيخفي أمره ما لم ينزل فيه وحي من الله عزّ وجلّ.
__________
(1) بفتح الميم؛ أي: فلاة لا ماء فيها.
(2) فجلى- بتشديد اللام وتخفيفها- أي: أوضح وكشف لهم الأمر.
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهّز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم، فأرجع ولم أقض شيئا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتدّ بالناس الجدّ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثمّ ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهّز، فرجعت ولم أقض شيئا، ثمّ غدوت، ثمّ رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت، فلم يقدّر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم.. أحزنني أنّي لا أرى إلّا رجلا مغموصا عليه النفاق، أو رجلا ممّن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب؟» فقال رجل من بني سلمة، وهو عبد الله بن أنيس السّلمي:
يا رسول الله؛ حبسه برداه ونظره في عطفيه، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله؛ ما علمنا عليه إلّا خيرا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أنّه توجه قافلا..
حضرني همي، فطفقت أتذكر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا؟ واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي،
فلمّا قيل: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظلّ قادما..
زاح عني الباطل، وعرفت أنّي لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما، وكان إذا قدم من السفر.. بدأ بالمسجد، فيركع فيه ركعتين، ثمّ جلس للناس: فلمّا فعل ذلك.. جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه- صلوات الله وسلامه عليه- ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، فجئته، فلمّا سلّمت عليه..
تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: «تعال» فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: «ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» فقلت: بلى، إنّي والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا.. لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني.. ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه.. إنّي لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا هذا.. فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك» فقمت.
وثار رجال من بني سلمة فأتبعوني، فقالوا لي: والله؛ ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت ألّا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اعتذر
المتخلفون؛ فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، فو الله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثمّ قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا:
نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الرّبيع العمري، وهلال بن أميّة الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيّها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس، وتغيّروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأمّا صاحباي.. فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأمّا أنا.. فكنت أشبّ القوم وأجلدهم، وكنت أخرج فأشهد الصّلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق، ولا يكلّمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصّلاة، فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه برد السّلام عليّ أم لا؟ ثمّ أصلّي قريبا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي.. أقبل إليّ، وإذ التفت نحوه.. أعرض عني.
حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس.. مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة- وهو ابن عمي، وأحبّ الناس إليّ- فسلّمت عليه، فوالله؛ ما ردّ عليّ السلام، فقلت:
يا أبا قتادة، أنشدك بالله: هل تعلمني أحب الله ورسوله؟
فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي، وتولّيت حتى تسوّرت الجدار، قال: فبينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطيّ من أنباط أهل الشام، ممّن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول:
من يدلّني على كعب بن مالك، فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إليّ كتابا من ملك غسّان، فإذا فيه: أمّا بعد:
فإنّه قد بلغني أنّ صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك.
فقلت: لمّا قرأتها: وهذا أيضا من البلاء، فتيممت بها التنور، فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين.. إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبيّ مثل ذلك. فقلت لامرأتي:
الحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله؛ إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا، ولكن لا يقربك، قالت: إنّه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أميّة أن تخدمه، فقلت: والله؛
لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لو استأذنته فيها وأنا رجل شاب؟
فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، فلمّا صلّيت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله، قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت.. سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعب بن مالك؛ أبشر، قال: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا، حين صلّى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبيّ مبشرون، وركض إليّ رجل فرسا، وسعى ساع من أسلم، فأوفى على ذروة الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس.
فلمّا جاءني الذي سمعت صوته يبشرني.. نزعت له ثوبيّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنّئونني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنّأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة.
قال كعب: فلمّا سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك» قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال «لا، بل من عند الله» .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سرّ.. استنار وجهه كأنّه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلمّا جلست بين يديه.. قلت: يا رسول الله: إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك..
فهو خير لك، قلت: فإنّي أمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول الله؛ إنّ الله إنّما نجّاني بالصدق، وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت، فوالله؛ ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. أحسن ممّا أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا، وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ إلى قوله:
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فوالله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام.. أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألّا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين
كذبوا، فإنّ الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال تبارك وتعالى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إلى قوله: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ
قال كعب: وكنا تخلّفنا أيّها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له، فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا عمّن حلف له) .
قال العلّامة أبو القاسم السهيليّ في «الروض» : (وإنّما اشتدّ غضبه صلى الله عليه وسلم على من تخلف، ونزل فيهم من الوعيد ما نزل، حتى تاب الله على الثلاثة منهم، وإن كان الجهاد من فروض الكفاية لا من فروض الأعيان.. لكونه «1» في حق الأنصار خاصة كان فرض عين، وعليه بايعوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ألا تراهم يقولون يوم الخندق وهم يرتجزون:
نحن الذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
ومن تخلّف منهم يوم بدر إنّما تخلّف؛ لأنّهم خرجوا لأخذ عير، ولم يظنوا أن سيكون قتال، فكذلك كان تخلفهم
__________
(1) في الأصل و «الروض» : (لكنه) ، ولعل الصواب ما أثبت.
وأبوا خيثمة وذرّ ... قد لحقا وجاء أرض الحجر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة كبيرة؛ لأنّه كالنكث لبيعتهم، كذلك قال ابن بطّال رحمه الله في هذه المسألة، ولا أعرف لها وجها غير الذي قال) .
وذكر الحافظ وجها غير هذا في تغليظ الأمر على هؤلاء، وهو أنّهم تركوا الواجب بلا عذر؛ لأنّ الإمام إذا استنفر الجيش عموما لزمهم النفير، ولحق اللوم بكل فرد فرد [أن لو تخلف] ، ونقله في «شرح المواهب» عنه، قائلا: فهذا وجه ثان غير الذي ذكر؛ أي: عن ابن بطّال.
قلت: ولمّا كان هؤلاء شاركوا المنافقين في صورة التخلّف عن الغزو بلا عذر وهم برآء من النفاق.. كانت توبتهم على الحال الذي ذكر في الحديث؛ ليميز الله الخبيث من الطيّب، ويظهر قوة إيمان هؤلاء الأصحاب السادة الغرّ الميامين، رضي الله عنهم أجمعين، وجمعنا بهم في مستقر رحمته ودار كرامته بمنّه وفضله، آمين.
قصة إبطاء أبي خيثمة وأبي ذرّ في الخروج:
وأشار الناظم إلى إبطاء أبي خيثمة وأبي ذرّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المسير، ولحوقهما له بعد فقال:
(وأبوا خيثمة) بالتنوين للضرورة (وذر) قد أبطأا عن السير، ولكنهما (قد لحقا) بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:
أمّا أبو خيثمة- واسمه سعد من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج-: فذكر خبره ابن إسحاق، وهو: (أنّه رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين في حائطه، قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبردت له فيه ماء، وهيّأت له فيه طعاما، فلمّا دخل.. قام على باب العريش، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضّح والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد، وطعام مهيّأ، وامرأة حسناء في ماله مقيم؟ ما هذا بالنّصف! ثمّ قال: والله؛ لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيّئا لي زادا، ففعلتا، ثمّ قدّم ناضحه فارتحله، ثمّ خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك، وكان قد أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترافقا، حتى إذا دنوا من تبوك.. قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إنّ لي ذنبا فلا عليك أن تخلّف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل، حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك.. قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة «1» فقالوا: يا رسول الله؛
__________
(1) لفظه لفظ الأمر، ومعناه الدعاء كما تقول: أسلم سلّمك الله. اهـ من «الروض»
هو والله أبو خيثمة، فلمّا أناخ.. أقبل فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولى لك يا أبا خيثمة، ثمّ أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير) .
قال ابن هشام: وقال أبو خيثمة في ذلك شعرا:
ولمّا رأيت الناس في الدين نافقوا ... أتيت التي كانت أعفّ وأكرما
وبايعت باليمنى يدي لمحمّد ... فلم أكتسب إثما ولم أغش محرما
تركت خصيبا في العريش وصرمة ... صفايا كراما بسرها قد تحمّما
وكنت إذا شكّ المنافق أسمحت ... إلى الدّين نفسي شطره حيث يمّما
وأمّا أبو ذرّ- واسمه جندب بن جنادة على ما صححه السهيلي-: فسبب إبطائه أنّ بعيره كان أعجف فقال: أعلفه أياما، ثمّ ألحقه عليه الصّلاة والسّلام، فعلفه أياما، ثمّ خرج فلم ير به حركة، فحمل متاعه على ظهره وسار، وبينما يمشي أبو ذرّ.. إذ نظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله؛ إنّ هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال صلى الله عليه وسلم: «كن أبا ذر» فلمّا تأمّله القوم.. قالوا:
يا رسول الله، هو والله أبو ذرّ، فقال: «رحم الله أبا ذر؛ يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده» .
,
(ف) فعل الناس ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل إذعان وامتثال، غير باحثين عن حكمة ذلك، وإن كانت أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله كلها عن أسرار وحكم، و (عقّه) هو ضد بره؛ أي: خالفه (المخنوق) أي:
المصروع (فوق) أي: على (مذهبه) بفتح الميم والهاء، وهو الموضع الذي يتغوّط فيه، وقد شفاه الله تعالى ببركة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهب عنه الصّرع (و) عقه (من) أي: الرجل الذي (وفود طيّئ) لما وفدوا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة (أتته به) أي: بالرجل الذي خرج في طلب بعيره، فطرحته الريح بجبلي طيئ.
قال الحلبي في «إنسان العيون» : (لمّا ارتحل عليه الصّلاة والسّلام إلى تبوك.. لا زال سائرا حتى نزل على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، وأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنّها تهب عليهم الليلة ريح شديدة؛ أي: وقال: «من كان له بعير.. فليشدّ عقاله» ) ونهى الناس في تلك الليلة عن أن يخرج واحد منهم وحده، فخرج شخص وحده لحاجته فخنق، وخرج آخر وحده في طلب بعير له، فاحتملته الريح،
حتى ألقته بجبلي طيئ، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ألم أنهكم أن يخرج أحد منكم إلّا ومعه صاحبه» ثمّ دعا للّذي خنق فشفي، وأمّا الذي ألقته الريح بجبلي طيّئ فأرسلته طيئ له صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة.
,
واعلم: أنّه عليه الصّلاة والسّلام استخلف علي بن أبي طالب على المدينة وعلى أهله، فكان كمن حضرها؛ فلذلك ضرب له النّبيّ صلى الله عليه وسلم بسهم، وأعطى جبريل سهمه له، وإلى هذا يشير الناظم بقوله:
(على تخلّف بطيبة علي) على الناس وعلى عياله، كما رجّحه الزرقاني في «شرح المواهب» ونقل ذلك عن الحافظ العراقي، وقال: رواه عبد الرزاق في «مصنفه» بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص: (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا خرج إلى تبوك.. استخلف على المدينة علي بن أبي طالب) .
وروى الحاكم في «الإكليل» من مرسل عطاء أنّه قال:
«يا علي؛ اخلفني في أهلي، واضرب، وخذ، وعظ» ثمّ دعا نساءه فقال: «اسمعن لعلي وأطعن» .
وأخرج ابن إسحاق عن سعد بن أبي وقاص قال:
(خلف صلى الله عليه وسلم عليا على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلفه إلّا استثقالا
له، وتخفّفا منه، فأخذ عليّ سلاحه، ثمّ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال: يا نبيّ الله؛ زعم المنافقون أنّك إنّما خلفتني؛ لأنّك استثقلتني وتخففت مني، فقال: «كذبوا، ولكن خلفتك لما تركت ورائي، فارجع في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا عليّ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» فرجع إلى المدينة، ومضى صلى الله عليه وسلم على سفره) .
وفي «الصحيحين» من حديث سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه: (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك، واستخلف عليا فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟
قال: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» ) قال في «شرح المواهب» : (زاد أحمد:
فقال عليّ: رضيت ثمّ رضيت ثمّ رضيت) فقوله: (استخلف عليا) ظاهر في أنّه على المدينة، وتأيّد هذا الظاهر بورود هذه اللفظة في نفس حديث سعد في «مصنّف عبد الرزاق» والروايات يفسّر بعضها بعضا، لا سيّما والمخرج متحد، ومن ثمّ جزم الحافظ العراقي بعزوه لهما استخلافه على المدينة، ورجّحه الحافظ ابن عبد البر، وتبعه الحافظ ابن دحية، وقطع به القسطلانيّ في «شرح البخاري» لأنّ ما في أرفع الصحيح لا معدل عنه.
وقول الناظم: (على تخلف) يتعلق بقوله: (خصّ) مبنيا للمفعول؛ أي: خصه النّبيّ صلى الله عليه وسلم على
وسهم جبريل وكان حضرا ... وبذله به النّبيّ أمرا
تخلفه، دون غيره ممّن تخلف (بسهمين بسهمه العلي) لأنّه تخلف بأمره صلى الله عليه وسلم على المدينة.
(وسهم جبريل) عليه السّلام (وكان) جبريل (حضرا) غزوة تبوك (وبذله) بالرفع على أنّه مبتدأ، وقوله: (به النّبي) بالنصب مفعول ل (أمر) مقدم عليه؛ أي: إعطاء السهم؛ أي: سهم جبريل (أمر) جبريل النّبيّ به لعليّ، فحاز عليّ رضي الله عنه السهمين: سهم على تخلفه وقيامه عنه بالمدينة على من بقي- رضي الله تعالى عنه- وسهم من جبريل.
وظهر بهذا أنّ الأجر على قدر الاتباع وامتثال- الأمر، كما نصّ عليه العلّامة الشيخ أحمد زروق في «قواعده» فقال:
(الأجر على قدر الاتباع، لا على قدر المشقة؛ لفضل الإيمان، والمعرفة والذكر والتلاوة، على ما هو أشد منها بكثير من الحركات الجسمانية) .
قلت: وهذا يدل على أنّه حصل من المسلمين قتال مع الكفار، حتى غنموهم وقسمت السهام، وهو مناف لما سيأتي، فترقّب.
,
تنبيه:
لا دلالة للشيعة في التمسك بذلك الخبر، على أنّ علي بن
أبي طالب أحقّ بالخلافة من غيره من الصحابة؛ لأنّه عليه الصّلاة والسّلام بيّن وجه الاتصال بينه وبين عليّ في قوله:
«أنت مني بمنزلة هارون من موسى» بقوله عليه الصّلاة والسّلام: «إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» أي: فالاتصال من ناحية الخلافة، لا من ناحية النبوّة.
ونحن معشر أهل السنة والجماعة نقول: إنّ هذه الخلافة خاصة في حياته عليه الصّلاة والسّلام، كما يستفاد من هذا الحديث؛ فإنّ هارون المشبّه به، إنّما كان خليفة في حياة موسى، ويزيد هذا تأييدا: أنّ هارون المشبّه به توفي «قبل موسى عليه الصّلاة والسّلام، قيل: بأربعين سنة، كما حكاه في «شرح المواهب» عن المصنف، أو بسنة كما هو أحد قولي البيضاويّ.
وليعلم: أنّ مذهب الشيعة مبني على أوهام وعقائد لا تتفق مع العقائد السليمة الصحيحة، شأن كل بدعيّ، وأنشد بعض الشيعة بما يدل على خبث بواطنهم في الصحابة الكرام المعدلين من قبل الحق تعالى قبل بروزهم إلى عالم الوجود وحقّ لهم ذلك، فإنّ الوجود لم يشاهد مثلهم في جماعات الكمالات والخير، حتى قال بعضهم: لو لم يكن لهذا النّبيّ الكريم من الآيات على صدقه إلّا أصحابه.. لكفى، رضي الله عنهم، وجمعنا بهم في دار كرامته ومستقر رحمته آمين- فقال:
وقال إذ أضلّ راحلته ... مجرمهم ما قال فابتهته
نحن أناس قد غدا شأننا ... حبّ عليّ بن أبي طالب
يلومنا الجاهل في حبه ... فلعنة الله على الكاذب
وكشف عن ذلك بعض «1» أهل السنّة، ورد عليه بقوله:
ما عيبكم هذا ولكنه ... بغض الذي لقّب بالصاحب
وقولكم فيه وفي بنته ... فلعنة الله على الكاذب
مقالة المنافق زيد بن اللّصيت:
(و) لمّا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر، فكان ببعض الطريق (قال إذ أضلّ) فقد (راحلته) وهي القصواء، كما قاله الواقديّ، وهو بالنصب مفعول (أضل) ، وفاعل (قال) قوله: (مجرمهم) أي: مجرم المجتمعين أو المسلمين، وهو زيد بن اللّصيت- مصغرا- كما في «الإصابة» وكان من المنافقين، ويقال: ابن لصيب بالباء، كما قال ابن هشام (ما) أي: القول الشنيع الذي (قال) وهو: أليس يزعم محمّد أنّه نبي، ويخبركم عن خبر السماء
__________
(1) نسب البيتين في الجواب العلّامة ابن العماد في «الشذرات» للمولى أبي السعود محمّد بن محمّد بن مصطفى العمادي المولود سنة (898) والمتوفي سنة (982) بالقسطنطينية بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
وهو لا يدري أين ناقته (فابتهته) رسول الله؛ أي: أوقعه في الحيرة، لا يدري معها ماذا يجيب؛ فإنّه عليه الصّلاة والسّلام قال: «إنّ رجلا يقول كذا وكذا- وذكر مقالته- وإنّي والله لا أعلم إلّا ما علّمني الله، وقد دلّني الله عليها، وهي في الوادي، في شعب كذا وكذا، قد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها» فانطلقوا فجاؤوا بها.
وذكر ابن إسحاق ذلك بتوضيح فقال: (وكان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له:
عمارة بن حزم عقبيّ، بدريّ، وكان في رحله زيد بن اللّصيت المنافق، فرجع إلى رحله فقال: والله؛ لعجب من شيء حدّثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا عن مقالة قائل، أخبره الله عنه بكذا وكذا، للّذي قال زيد بن اللصيت! فقال رجل ممّن كان في رحل عمارة- ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم-: زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي، فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه، ويقول: إليّ عباد الله؛ إن في رحلي لداهية وما أشعر، اخرج أي عدو الله من رحلي، فلا تصحبني، قال ابن إسحاق: فزعم بعض الناس أنّ زيدا تاب بعد ذلك، وقال بعض الناس: لم يزل متّهما بشر حتى هلك) اهـ.
وذكره الحافظ في «الإصابة» في القسم الأول، وحكى الاختلاف في توبته، والله أعلم.
قلت: تضمّنت هذه القضية آيتين من آيات النبوّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
الأولى: إخباره عليه الصّلاة والسّلام عن مقالة ذلك المنافق قبل أن تصل إليه.
والثّانية: إخباره عليه الصّلاة والسّلام بأنّها في المكان الفلانيّ معرفا لهم أنّ شجرة حبستها بزمامها، كأنّه عليه الصّلاة والسّلام يشاهد ذلك، فيخبر عنه رأي عين، وقد وجدوها كما أخبر، ولا غرابة في ذلك، فكم له من آيات تلو آيات لا يأتي على عدّها الحصر!
وفيها من الفوائد: وقوفه عليه الصّلاة والسّلام أمام من أرسله وقوف الخاضع المستمطر لمزيد العلم بقوله عليه الصّلاة والسّلام: «وإنّي والله لا أعلم إلّا ما علّمني ربي» أي: وقد علمه ربه تبارك وتعالى، وهو الذي أدّبه وخلّقه بقوله تعالى:
وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.
وفيها: زيادة ترقيه صلى الله عليه وسلم في المعارف والعلوم؛ فإنّه تعالى يفيض عليه كل وقت ما لا يعلمه إلّا هو وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى.
وفيها: قيام أصحابه بما عرف من صدقهم له، ونصحهم إياه، يعرف ذلك من إخراج عمارة زيدا من رحله لمّا علم
ونزلت يومئذ في مخشن ... وصحبه كُنَّا نَخُوضُ فاعتن
نفاقه؛ فإنّ (من صافى عدوك فقد عاداك) :
إذا صافى صديقك من تعادي ... فقد عاداك وانقطع الكلام
يعني بالصديق: الذي صداقته مموّهة في الظاهر كصداقة المنافقين: أمّا من صداقته حقيقية قد نزلت في الأحشاء، ورسبت في الأعماق، وظهرت آثارها على اللسان.. فمحال أن يصدر منه شيء من ذلك.
وفيها من الفوائد: ترقّي الصحابة رضي الله عنهم كل يوم في الإيمان والعلوم والمعارف، بما يشاهدونه من نبيّ الرحمة، وسيد الرسل صلى الله عليه وسلم.
,
(ونزلت يومئذ) أي: يوم تبوك والنّبيّ صلى الله عليه وسلم منطلق إليها (في مخشن) ، بفتح الميم وسكون الخاء بعدها شين معجمة، وهو ابن حميّر مصغرا بالتثقيل من أشجع (وصحبه) من المنافقين منهم وديعة بن ثابت (كُنَّا نَخُوضُ) الآية وهي قوله تعالى إخبارا عنهم لما سئلوا عن قولهم الباطل والكذب: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ.
قال ابن إسحاق: (وقد كان رهط من المنافقين- منهم وديعة بن ثابت أخو بني عمرو بن عوف، ومنهم رجل من أشجع حليف لبني سلمة، يقال له: مخشن بن حمير- يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا؟ والله؛ لكأنّا بكم غدا مقرّنين في الحبال؛ إرجافا وترهيبا للمؤمنين، فقال مخشن بن حمير: والله؛ لوددت أنّي أقاضى على أن يضرب كل منا مئة جلدة، وإنّا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه.
وقال رسول الله صلى الله لعيه وسلم فيما بلغني لعمار بن ياسر: «أدرك القوم؛ فإنّهم قد احترقوا، فسلهم عمّا قالوا، فإن أنكروا.. فقل: بلى، قلتم كذا وكذا» فانطلق إليهم عمار، فقال ذلك لهم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت ورسول الله واقف على ناقته، فجعل يقول وهو آخذ بحقبها: يا رسول الله؛ إنّما كنّا نخوض ونلعب، فأنزل الله عزّ وجلّ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ وقال مخشن بن حمير:
يا رسول الله؛ قعد بي اسمي واسم أبي.
وكان الذي عفي عنه في هذه الآية: مخشن بن حمير، فتسمّى عبد الرّحمن، وسأل الله تعالى أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة، فلم يوجد له أثر) اهـ
وقوله صلى الله عليه وسلم لعمار: «أدرك القوم؛ فإنّهم قد احترقوا» أي: هلكوا بتلك المقالة؛ شفقة منه عليهم، وقول مخشن: (قعد بي ... ) إلخ، قال ذلك لمّا تاب، وقال كما رواه ابن جرير الطبريّ في «تفسيره» : (اللهمّ؛ إنّي أسمع آية أنا أعنى بها، تقشعرّ منها الجلود، وتجل منها القلوب، اللهمّ؛ فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك، لا يقول أحد: أنا غسلت، أنا كفنت، قال: فأصيب يوم اليمامة، فما أحد من المسلمين إلّا وجد، غيره) .
قلت: ويستفاد من الآية: إطلاق الطائفة على الواحد، كما يشير إليه كلام ابن إسحاق السابق، وذكر الطبريّ ذلك في «تفسيره» كما أنّه يؤخذ من الآية: أنّ الاستهزاء بالدين كيف كان.. كفر بالله؛ لأنّ المعول عليه في الإيمان تعظيم أوامر الله عزّ وجلّ وشرائعه، ولا ينفع بعد ذلك القول بأنّ هذا وقع خوضا في الحديث ولعبا؛ فإنّه عين كلام المنافقين.
,
وكان على الناظم أن يذكر ماذا كان لما وصلوا إلى تبوك.
وحاصل ما ذكره أرباب السير: أنّه عليه الصّلاة والسّلام لمّا وصل إلى تبوك.. أتاه يحنّة، بضم التحية وفتح المهملة وتشديد النون، ابن رؤبة، بضم الراء، صاحب أيلة، وأهل جربى، بجيم مفتوحة وألف مقصورة، وأذرخ، بهمزة مفتوحة وراء مضمومة، فصالحهم على الجزية، وكتب ليحنة:
«بسم الله الرّحمن الرّحيم: هذه أمنة من الله ومحمّد النّبيّ رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة: سفنهم، وسيارتهم في البر والبحر؛ لهم ذمة الله، وذمة محمّد النّبيّ، ومن كان معهم من أهل الشام واليمن، وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثا.. فإنّه لا يحول ماله دون نفسه، وإنّه طيب لمن أخذه من الناس، وأنّه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقا يريدونه، من بر أو بحر» .
وأقام عليه الصّلاة والسّلام بتبوك بضع عشرة ليلة، أو عشرين ليلة، وقد استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في مجاوزتها، ولم يكن إذ ذاك وحي، فقال عمر:
يا رسول الله؛ إنّ للروم جموعا كثيرة، وليس بها أحد من أهل الإسلام، وقد أفزعهم دنوّك، فلو رجعنا هذه السنة، حتى نرى أو يحدث الله أمرا. اهـ
قال في «الحلبية» : (وهذا صريح في أنّ تبوك لم يقع فيها مقاتلة، ولا حصل فيها غنيمة، خلافا للزمخشري) .
ثمّ أخذ راجعا إلى المدينة، ولمّا كان ببعض الطريق..
مات الصحابيّ الجليل الشهير بذي البجادين المزنيّ ليلا، قال ابن مسعود رضي الله عنه: فرأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حفرته، وهو يقول لأبي بكر وعمر: «أدنيا إليّ أخاكما» فدلّياه إليه، فلمّا هيّأه لشقه قال: «اللهمّ؛ إنّي قد أمسيت راضيا عنه، فارض عنه» قال ابن مسعود رضي الله عنه حينئذ:
يا ليتني كنت صاحب الحفرة.
رضي الله عنه وعن سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان قدومه عليه الصّلاة والسّلام المدينة قافلا في شهر رمضان، وبدأ بالمسجد، فصلّى فيه ركعتين، كما هي عادته الشريفة، وسنّته الحسنة المنيفة (فاعتن) أي: لتكن لك عناية بهذه المنظومة المشتملة على مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي تقوي إيمانك أيّها المؤمن، وتزيدك في محبة الرسول الأعظم، وتوصلك إلى القرب من جنابه الشريف وحضرته القدسية، رزقنا الله تعالى وأحبابنا ذلك، وسلك بنا أحسن المسالك.
خاتمة
نسأل الله حسن الختام في خلاصة للكشف عن بعض ما وقع من عام ولادته صلى الله عليه وسلم من الحوادث إلى عام وفاته صلى الله عليه وسلم طلعت شمس الهداية على العالم، وشعّ شعاعها، بل أشرق على الكون نورها، بولادة سيد الوجود، الذي هدى الله به من اتّبع رضوانه سبل السلام، وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، وذلك عام الفيل، في فجر يوم الإثنين من شهر ربيع الأوّل، لسبع خلون منه، في بطاح مكة المشرّفة بشعب بني هاشم، مسرورا، مختونا، نظيفا، رافعا رأسه الشريف إلى السماء، شاخصا بصره إليها، وفي ذلك الرفع إلى كل سؤدد إيماء، وقد تلقّته قابلته الشفّاء أم عبد الرّحمن بن عوف، وشفتنا بقولها الشفاء، عليه ألف صلاة وألف سلام.
وفي السنة الرّابعة من مولده صلى الله عليه وسلم: شقّ صدره الشريف، عند ظئره حليمة السّعدية رضي الله عنها.
وفيها: ولد أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه.
وفي السنة السادسة: ماتت أمه آمنة بنت وهب، ودفنت بالأبواء، وتوفي أبوه عبد الله وهو حمل بالمدينة المنوّرة، ونشأ عليه الصّلاة والسّلام يتيما على أحسن الأخلاق وأكملها، ولعلّ السر في ذلك أن تظهر عناية الله به، ولئلّا يكون عليه حق
لسوى خالقه، وليتجلّى فيه معنى قوله صلى الله عليه وسلم:
«أدّبني ربّي فأحسن تأديبي» .
وفيها: ولد عثمان رضي الله عنه.
وفي السنة السّابعة: استقلّ بكفالته جده عبد المطلب سيد قريش.
وفي السنة الثّامنة: كانت وفاة جده عبد المطلب، وكفله عمه أبو طالب.
وفي السنة التّاسعة: سافر به عمه أبو طالب إلى بصرى بضم الباء- من أرض الشام.
وفي السنة العاشرة: كانت حرب الفجار الأولى، بكسر الفاء.
وفي السنة الحادية عشرة: شق صدره الشريف للمرة الثانية.
وفي الثّانية عشرة: كانت حرب الفجار الثانية، وسافر به صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب إلى بصرى عند الأكثر.
وفي الثّالثة عشرة: ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وفي الرّابعة عشرة: كانت حرب الفجار الثّالثة.
وفي السّابعة عشرة: كان سفر عميه: الزّبير والعبّاس ابني عبد المطلب لليمن للتجارة، وصحبهما النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفي السنة الخامسة والعشرين: سافر صلى الله عليه وسلم مع ميسرة غلام أمّنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها،
وتزوج صلى الله عليه وسلم بخديجة بنت خويلد حين خطبته لنفسها، لمّا آنست نجابته وأمانته ورجحان عقله.
وفي سنة ثلاثين: ولد علي بن أبي طالب في الكعبة، رضي الله عنه.
وفي سنة أربع وثلاثين: ولد معاوية بن أبي سفيان، ومعاذ بن جبل، رضي الله عنهما.
وفي سنة خمس وثلاثين: هدمت قريش الكعبة وبنتها، وحكموه صلى الله عليه وسلم فيمن يضع الحجر الأسود محله، فحكم فيهم بالرضا والعدل.
وفي سنة سبع وثلاثين: كانت الإرهاصات، وهي مقدمة النبوّة، فكان يرى الضوء والنور، ويسمع الأصوات، وكانت تظله الغمامة من الشمس، ونبئ وعمره أربعون سنة، بنزول:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ.
وفي السنة الثّالثة من النبوّة: توفّي ورقة بن نوفل.
وفي السنة الرّابعة من النبوة: كان إظهار الدعوة إلى الله تعالى بعد أن كانت سرّا.
وفي السنة الخامسة من النبوّة: ولدت عائشة رضي الله عنها، وكانت الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة.
وفيها: ماتت سميّة أم عمّار بن ياسر، رضي الله عنهم، وهي أوّل شهيدة في الإسلام.
وفي السّادسة من النبوة: أسلم حمزة بن عبد المطلب، ثمّ عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بثلاثة أيام بعده.
وفي السنة السّابعة: تقاسمت قريش على معاداة بني هاشم وبني المطلب، ومقاطعتهم في خيف بني كنانة بالمحصّب، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها بجوف الكعبة ولم يحصلوا على طائل؛ حيث نقضت بعد.
وفي التّاسعة من النبوة: كان انشقاق القمر له صلى الله عليه وسلم، وهي معجزة سماوية، لم تكن لغيره من إخوانه المرسلين.
وفي السنة العاشرة: مات أبو طالب وخديجة رضي الله عنها، وكان صلى الله عليه وسلم يسمي هذا العام عام الحزن لذلك.
وفيها: تزوج صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة رضي الله عنها، ودخل عليها بمكة، وعقد على عائشة رضي الله عنها، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل بها إلّا في المدينة.
وفي السنة الحادية عشرة من النبوّة: كان ابتداء إسلام الأنصار رضي الله عنهم.
وفي السنة الثّانية عشرة من النبوّة: كان الإسراء والمعراج، وفرض الصلوات الخمس، وبيعة العقبة الأولى.
وفي السنة الثّالثة عشرة من النبوّة: العقبة الثّانية.
وفي السنة الرّابعة عشرة من النبوّة، وهي السنة الأولى من الهجرة: هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وفي صحبته أبو بكر الصدّيق، وكان الدليل عبد الله بن أريقط.
وفيها: بناء مسجد قباء، وبناء المسجد الأنور ومساكنه صلى الله عليه وسلم، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، واستخدام أم أنس ولدها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره عشر سنين.
وفيها: جعلت صلاة الحضر أربع ركعات، وكانت ركعتين، بعد مقدمه المدينة بشهر.
وفيها: صلّى الجمعة ببني سالم في طريقه من قباء إلى المدينة، وهي أول جمعة جمعت، وأول خطبة خطبها في الإسلام.
وفيها: بدأ الأذان.
وفيها: أسلم عبد الله بن سلام.
وفيها: مات النقيبان: أسعد بن زرارة، والبراء بن معرور «1» .
وفيها: بعث حمزة رضي الله عنه في ثلاثين من المهاجرين يعترضون عير قريش، وبعث ابن عمه عبيدة بن الحارث رضي الله عنه على مئتين من المهاجرين ليس فيهم أنصاريّ، وهو أول بعث في الإسلام.
وفي السنة الثّانية من الهجرة: حولت القبلة إلى البيت الحرام، وذلك في النصف من شعبان.
وفيها فرض صوم رمضان.
__________
(1) ودفنا بالبقيع وهما من الأنصار، أمّا أول من دفن به من المهاجرين: فهو عثمان بن مظعون، فتنبه.
وفيها: فرض زكاة الفطر، وزكاة المال، ومشروعية العيد.
وفي سابع عشر يوم الجمعة من رمضان: كانت غزوة بدر الكبرى.
وفيها: تزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه بفاطمة رضي الله عنها، وسنها خمس عشرة سنة، وغزوة بواط والعشيرة، وسرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه إلى بطن نخلة، وغزوة قرقرة الكدر، وسرية سالم بن عمير رضي الله عنه، وغزوة بني قينقاع، وغزوة السويق.
وفيها: موت عثمان بن مظعون رضي الله عنه، وهو أوّل من مات من المهاجرين بالمدينة المنوّرة، وكان ذلك بعد رجوعه من بدر، وهو أول من دفن ببقيع الغرقد، وقبله النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ميت بين عينيه، وعيناه تذرفان، ودفن إلى جنبه ولده إبراهيم، وقال: «الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون» .
وفيها: وفاة رقية بنته عليه الصّلاة والسّلام ورضي الله عنها.
وفي شوال منها: دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها.
وفيها: ولد عبد الله بن الزّبير، والنعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ الأول: أول مولود للمهاجرين، والثّاني:
أول مولود للأنصار.
وفي السنة الثّالثة من الهجرة: ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما.
وفي رمضان منها: دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم بحفصة، ودخل بزينب بنت خزيمة العامرية الملقبة بأم المساكين، وعاشت عنده ثلاثة أشهر ثم توفيت.
وفيها: تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيها: تحريم الخمر.
وفي شوال منها: غزوة أحد.
وفيها: استشهد سيدنا حمزة عم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ورضيع النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو وأبو سلمة بن عبد الأسد، من ثويبة مولاة أبي لهب، وغزوة حمراء الأسد.
وفي ذي القعدة منها: بدر الصغرى.
وفي السنة الرّابعة من الهجرة: بعث بئر معونة، وقصة الرجيع.
وفي ربيع الأوّل منها: غزوة بني النضير، نزلوا صلحا، وارتحلوا إلى خيبر، ووفاة زينب بنت خزيمة، وولادة الحسين بن علي رضي الله عنهما.
وفيها في شوال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، هند بنت أبي أميّة رضي الله عنها.
وفي السنة الخامسة من الهجرة: غزوة دومة الجندل، وغزوة ذات الرقاع على قول، وغزوة الخندق والأحزاب على الصحيح، ثمّ غزوة بني قريظة.
وفيها: توفي سيد الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه، واهتزّ لموته عرش الرّحمن، ووفد بلال بن الحارث المزني فكان أول وافد مسلم إلى المدينة المنوّرة.
وفيها: غزوة المريسيع والمصطلق، وقصة الإفك، ونزول القرآن ببراءة عائشة رضي الله عنها، ونزول آية التيمم، وتزويجه بزينب بنت جحش وجويرية بنت الحارث، ونزول آية الحجاب، وفك سلمان من الرق رضي الله عنه.
وفي السنة السّادسة من الهجرة: غزوة الحديبية، وبيعة الرضوان، وغزوة بني لحيان، وغزوة الغابة، وسرية عكاشة، ومحمّد بن مسلمة، وبعث أبي عبيدة، وسرية زيد بن حارثة إلى بني سليم، وسريته إلى العيص، وإلى وادي القرى، وسرية عبد الرّحمن بن عوف إلى دومة الجندل، وسرية علي إلى بني سعد بن بكر، وابن عتيك إلى ابن أبي رافع، وسرية عمرو بن أميّة الضمري وسلمة بن أسلم لقتال أبي سفيان بمكة.
وفيها: قحط الناس، فاستسقى لهم الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقوا في رمضان.
وفيها: فرض الحج على الصحيح، كما ذكره السيد السمهودي في «وفاء الوفاء» .
وفي السنة السّابعة: غزوة خيبر. وفيها: تزوج صلى الله عليه وسلم صفية، وميمونة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهنّ.
وفيها: قدم مهاجرة الحبشة رضي الله عنهم.
وفيها: أسلم أبو هريرة رضي الله عنه.
وفيها: عمرة القضاء.
وفيها: غزوة وادي القرى.
وفيها: اتّخذ المنبر، وخطب عليه الصّلاة والسّلام.
وفي السنة الثّامنة من الهجرة: في أوّلها إسلام عمرو بن العاصي وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة رضي الله عنهم، وغزوة مؤتة، وبها استشهد الأمراء الثلاثة: زيد بن حارثة، الذي نوّه القرآن بذكره وقدره، وجعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو وابنه أسامة كفئا للقرشيات الهاشميات، ثانيهم:
جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه الملقب بالطيار، ثالثهم:
عبد الله بن رواحة الخزرجي أحد النقباء ليلة العقبة رضي الله عنهم.
وفي رمضان منها: فتح مكة المشرّفة، وغزوة حنين، ثمّ حصار الطائف.
وفيها: حج عتّاب بن أسيد بالناس.
وفيها: غزوة ذات السلاسل.
وفيها: ولد إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيها: توفيت ابنته زينب، وهي أكبر أولاده صلى الله عليه وسلم.
وفيها: إسلام العباس بن عبد المطلب، وأبي سفيان بن الحارث، وعبد الله بن أميّة المخزوميّ، وإسلام أبي قحافة والد الصديق الأكبر، رضي الله عنهم.
وفي السنة التّاسعة من الهجرة: غزوة تبوك، وحجّ أبو بكر بالناس.
وفيها: مات النجاشي بالحبشة في رجب منها، وتوفيت أم كلثوم بنته عليه الصّلاة والسّلام.
وفيها: مات رئيس المنافقين عبد الله بن أبيّ.
وفيها: قتل عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه، قتله قومه أن دعاهم إلى الإسلام، وكان معدودا من دهاة العرب.
وفيها: توفي سهيل بن بيضاء الفهريّ وصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة.
وفيها: قتل ملك الفرس، وولوا بوران، وقال فيهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» .
وفيها: قدوم الوفود على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وسمي لذلك: عام الوفود.
وفي السنة العاشرة من الهجرة: حجة الوداع، ولم يحج صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة سواها.
وفيها: توفي إبراهيم ابنه عليه الصّلاة والسّلام من مارية القبطية عن سنة ونصف.
وفيها: قدوم عدي بن حاتم رضي الله عنه، وبعث علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه إلى اليمن، وإسلام سيد بني بجيلة جرير بن عبد الله البجليّ، وبعثه إلى تخريب ذي الخلصة، وبعثه أيضا إلى ذي الكلاع.
وفيها: بعث أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى أهل نجران.
وفيها: ظهور الأسود العنسي المدّعي النبوّة، وكان بين ظهوره وقتله نحو من أربعة أشهر كما ذكره ابن العماد في «شذراته» .
وفي السنة الحادية عشرة: قدوم وفد النّخع، وسرية أسامة بن زيد رضي الله عنهما إلى أبنى، وقصة الأسود العنسيّ، ومسيلمة الكذاب، وسجاح، وما وقع في ابتداء مرضه صلى الله عليه وسلم،
وفيها: موته، وغسله، وتكفينه والصّلاة عليه، ودفنه في بيت عائشة رضي الله عنها.
قال العلّامة جمال الدين الأشخر في «بهجته» : (قال الإمام السهيلي: وكان موته صلى الله عليه وسلم خطبا كالحا، ورزءا لأهل الإسلام فادحا، كادت تنهد له الجبال، وترجف الأرض، وتكسف النيران؛ لانقطاع خبر السماء، وفقد ما لا عوض منه، مع ما آذن به موته من إقبال الفتن السّحم، والحوادث الدّهم، والكرب المدلهمة، والهزاهز المعضلة، فلولا ما أنزل الله تعالى من السكينة على المؤمنين، وأسرج في قلوبهم نور اليقين، وشرح له صدورهم في فهم كتابه المبين..
لا نقصمت الظهور، وضاقت عن الكرب الصدور، ولعاقهم الجزع عن تدبير الأمور؛ فقد كان الشيطان أطلع إليهم رأسه، ومدّ إلى إغوائهم مطامعه، فأوقد نار الشنآن، ونصب راية الخلاف، ولكن أبى الله تعالى إلّا أن يتم نوره، ويعلي
كلمته، وينجز موعوده، فأطفأ نار الردة، وحسم مادة الخلاف والفتنة على يد أبي بكر؛ ولذلك قال أبو هريرة: لولا أبو بكر.. لهلكت أمّة محمّد عليه السّلام بعد نبيها.
وقالت عائشة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال لهاضها: ارتدت العرب. واشرأبّ النفاق.
روي عن ابن أبي ذؤيب الهذلي [عن أبيه أبي ذؤيب الشاعر] قال: (بلغنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل، فاستشعرت حزنا، وبت بأطول ليلة، لا ينجاب ديجورها، ولا يطلع نورها، فظلت أقاسي طولها، حتى إذا كان قرب السحر.. أغفيت، فهتف بي هاتف، وهو يقول:
خطب أجل أناخ بالإسلام ... بين النخيل ومعقد الآطام
قبض النّبي محمّد فعيوننا ... تذري الدموع عليه بالتسجام
وذكر خبرا طويلا قال فيه: وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلوا بالإحرام، فقلت لهم: مه؟
فقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت المسجد، فوجدته خاليا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت بابه مرتجا- أي: مغلقا- وقيل: هو مسجى قد خلا به أهله، فقلت: أين الناس؟ فقيل: في سقيفة بني ساعدة، فجئت إلى السقيفة، ثمّ قال: فتكلمت الأنصار فأطالوا الخطاب، وأكثروا الصواب، وتكلّم أبو بكر، فلله
دره، لا يطيل الكلام، ويعلم موقع فصل الخطاب، والله؛ لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع.. إلّا انقاد له ومال إليه، ثمّ تكلم عمر بعده دون كلامه، ومدّ يده، فبايعه وبايعوه. ورجع أبو بكر، ورجعت معه، قال أبو ذؤيب: فشهدت الصّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدت دفنه) .
قال العلّامة العماد إسماعيل بن كثير رحمه الله تعالى:
(والذي نصّ عليه غير واحد من الأئمّة سلفا وخلفا أنّه توفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين قبل أن ينتصف النهار، ودفن يوم الثلاثاء قبل وقت الضحى) .
ونقله عنه العلّامة الحلبي في «سيرته» ثمّ قال:
(والصحيح: أنّه صلى الله عليه وسلم مكث بقية يوم الإثنين، وليلة الثلاثاء، ويوم الثلاثاء، وبعض ليلة الأربعاء، والسبب في تأخيره: اشتغالهم ببيعة أبي بكر رضي الله عنه حتى تمّت.
ودفن عليه الصّلاة والسّلام في بيت عائشة رضي الله عنها، وقام الإجماع على أنّ هذا الموضع الذي ضمّ أعضاءه الشريفة صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض حتى الكعبة المشرفة، بل أفضل بقاع السماء حتى العرش.
وعن أنس رضي الله عنه: ما نفضنا أيدينا من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا.
وقال غيره: وأظلمت الدنيا حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا فرط لأمّتي، لن يصابوا بمثلي» .
وفي «مسلم» مرفوعا إليه صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله سبحانه وتعالى إذا أراد بأمّة خيرا.. قبض نبيها قبلها، فجعله فرطا وسلفا بين يديها» ) اهـ
فيا له من خطب جل عن الخطوب، ومصاب عام دمع العيون؛ كيف يصوب طارق هجم هجوم الليل، وحادث هدّ كل القول والحيل؟ أنشد بعضهم:
ألا يا ضريحا ضمّ نفسا زكية ... عليك سلام الله في القرب والبعد
عليك سلام الله ما هبت الصبا ... وما ناح قمري على البان والرند
وما سجعت ورق، وغنّت حمامة ... وما اشتاق ذو وجد إلى ساكني نجد
وما لي سوى حبّي لكم آل أحمد ... أمرّغ في شوق على بابكم خدّي
اللهمّ؛ صلّ وسلّم وبارك على سيدنا، ونبينا، وشفعينا، وقرّة عيوننا أبي القاسم، وأبي البتول محمّد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرّيته كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين؛ إنّك حميد مجيد، وعلينا معهم.
*** هذا وقد وقف بي جواد مداد الطروس عن الجري في ميدان شرح هذه المنظومة البديعة في بابها، راجيا من الله تعالى أن يتقبل مني كل ما كتبته من هذا الشرح والتعليق، كما تقبل
أصله، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، ووسيلة للقرب لسيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم، أحظى به يوم النعيم المقيم، وأن يرزقني كمال متابعته، والتحلّي بالعمل بشريعته، وأن ينفع بهذا الشرح المؤمنين، ويحفز بي وبهم إلى التخلّق بأخلاقه العظيمة، ويختم لي ولوالدي، ولمن قرأ هذا الشرح، أو كتبه، أو سعى في شيء منه، ولجميع الأحباب، بخاتمة السعادة التي ختم بها لأوليائه، ويصلح لنا الذرية، وأن يجمعنا في أعلى الجنان من غير سابقة عذاب، آمين آمين يا الله يا حليم، يا عليم، يا علي، يا عظيم، يا كريم، يا معطي السائلين، ومجيز الوافدين.
وكان الفراغ من هذا الشرح- الذي هو القسم الثّاني، جعله الله سببا لغفران الزلّات والصفح- ليلة الأحد الموافق 25 من شهر رجب المحرم سنة ستين بعد الثلاث مئة والألف، من هجرة من له كمال العز والشرف، صلى الله عليه وسلم، وكرّم وشرّف.
*** وانتهيت بحمد الله وعونه من كتابة العناوين الجانبية، ودراسة كتاب «إنارة الدجى في مغازي خير الورى» صلى الله عليه وسلم من تأليف شيخي الشيخ حسن بن محمّد المشّاط بكوالالمبور، ماليزيا مساء الجمعة 5 جمادى الأولى سنة (1413) الموافق 30 أكتوبر سنة (1992) فلله الحمد والمنّة وصلّى الله على خير الوجود سيدنا محمّد بن عبد الله وعلى آله
وصحبه، وجزى الله شارح المنظومة شيخي الشيخ حسن مشّاط خير الجزاء، وتم تصحيحه من قبل الأخوين الدكتور السيد قاسم بن محمد الأهدل، والدكتور صبغة الله غلام نبي قطب الدين تلميذي فضيلة الشيخ حسن محمد المشاط رحمه الله فجزاهما الله خير الجزاء.
عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان
محتوى الكتاب
العنوان الصفحة
القسم الأول ترجمة الشارح 9
الدراسة 14
شروح المنظومة 14
مصادر الشرح 15
صلة الشارح رحمه الله بمنظومة المغازي وتحقيقه نصوصها 16
منهج الشارح رحمه الله تعالى 18
منهج الشارح في التعبير عن رأيه 20
خصائص الشرح 20
القسم الثّاني: الكتاب تعريف بصاحب النظم 37
ترجمة الناظم 37
نظم عمود النسب 37
تاريخ وفاة الناظم 38
تصدير 39
أهمية علم المغازي 40
مصادر الشرح 40
المقدمة الأولى في مشروعية الجهاد 42
العنوان صفحة
تدرّج مشروعية الجهاد 42
بداية مشروعية الجهاد 42
فرض القتال لمن بدأهم به 43
فرض قتال المشركين كافة 43
أقسام الكفار وتحديد علاقاتهم بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد الهجرة 43
تعامله صلّى الله عليه وسلّم مع الطوائف المختلفة 44
أقسام أهل العهد 45
المقدمة الثانية في المغازي وفضل علمها وتعلمه 47
المراد من المغازي 47
الآثار في فضل فن المغازي 47
أهمية تعلم فن المغازي للأجيال المسلمة 48
المقدمة الثالثة في أشهر من ألف في المغازي 49
المؤلفون الأوائل في علم المغازي 49
منهج أهل السير في الأخذ بالأخبار 54
منظومة المغازي 57
الإجماع على أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم خير الخلق على الإطلاق 84
تحرير مقالة المعتزلة في أفضليته صلّى الله عليه وسلّم المطلقة 84
عموم أدلة رسالته صلّى الله عليه وسلّم في القرآن والسنة 84
الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هي أداء لبعض ما يجب له في أعناق الأمّة 85
آل الرسول صلّى الله عليه وسلّم 86
تعريف الصحابي 86
العنوان صفحة
تعريف التابعي 86
أهمية العلم وأفضليته 88
تعريف الرجز ووزنه 90
ترجمة ابن سيد الناس اليعمري 91
من مصطلحات الناظم ذكر الضمير استغناء عن الاسم الشريف للنبي صلّى الله عليه وسلّم 93
الأقوال في تعريف الإخلاص 95
(1) غزوة ودان عدد غزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم 96
الغزوات الكبار 96
موقع الغزوة 97
حاصل غزوة ودان، تاريخها، حامل لوائها 97
مصطلح أهل السير فيما يسمونه غزوة، وسرية، وبعثا 98
(2) غزوة بواط موقع الغزوة 98
عدد أفرادها 98
تاريخها 98
حامل لوائها 98
(3) غزوة العشيرة موقع الغزوة 100
تاريخها 101
العنوان صفحة
حامل لوائها 101
عدد أفرادها 101
الجمع بين الأقوال المختلفة في أول غزوة غزاها صلّى الله عليه وسلّم 101
(4) غزوة بدر الأولى حاصل غزوة بدر الأولى 102
تاريخها 102
حامل لوائها 102
(5) غزوة بدر الكبرى بدر: بئر سميت باسم رجل من غفار 103
تاريخها 103
سبب خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم لهذه الغزوة 104
عدد أفرادها 104
حامل لوائها 104
قلة الظهر والسلاح عند المسلمين 104
تعاقب كل ثلاثة من الصحابة على بعير 104
زميلا النبي صلّى الله عليه وسلّم في التعاقب 105
أول خروج الأنصار مع النبي صلّى الله عليه وسلّم 106
رد صغار الصحابة عن الخروج للغزو 106
استشهاد عمير بن أبي وقاص 106
دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم بالبركة لأهل المدينة 106
عدد السيوف لدى الصحب الكرام 106
عدد الخيول 107
العنوان صفحة
استشارة النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في طلب العير وحرب النفير 109
موقف الأنصار من خلال استجابة سعد بن معاذ رضي الله عنه لنداء النبي صلّى الله عليه وسلّم 109
موقف المقداد بن عمرو واستجابته لنداء النبي صلّى الله عليه وسلّم 110
استدراك على الناظم 112
تحذير عمر بن الخطاب من قوة قريش 112
تعرف الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر أخبار قريش 113
قصة سقاة قريش 114
تقدير عدد كفار قريش ومن خرج من أشرافهم 115
أمن أبي سفيان على العير ونجاتها 115
سبب أمن أبي سفيان 115
تتبع أبي سفيان أخبار المسلمين والتعرف على تحركهم 116
انحراف العير إلى الساحل 116
رجوع الأخنس ببني زهرة 116
إصرار أبي جهل على عدم رجوع قريش 117
نزول المطر يوم بدر نعمة على المسلمين ونقمة على المشركين 118
المشورة في منزل الحرب 119
مقال عتبة، وحكيم، وابن وهب لقريش في الرجوع عن القتال 121
بعث قريش عمير بن وهب الجمحي متحسسا أخبار المسلمين 122
مفاوضات زعماء قريش على التراجع عن القتال 123
إصرار أبي جهل على الحرب 123
محاولة حكيم بن حزام أبا جهل في الرجوع عن القتال 124
استنشاد أبي جهل ابن الحضرمي بالمطالبة بالثأر من المسلمين 125
العنوان صفحة
مقتل الأسود بن عبد الأسد 125
ابتداء الحرب بالمبارزة 126
استشهاد عبيدة بن الحارث 127
عبيدة بن الحارث 128
الأخوان الحصين والطفيل ابنا الحارث 129
قصة سواد بن غزية مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم 130
قصة تقبيل سواد بن غزية بطن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 130
عريش النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم 131
توجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم متضرعا إلى الله عزّ وجلّ 131
الإمداد بالملائكة في بدر 132
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم ربه 133
استفتاح أبي جهل 133
آثار حفنة التراب التي رماها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجه كفار قريش 134
قتال الملائكة لمساعدة المسلمين 135
الخلاف في قتال الملائكة 135
سماع الطبل في بدر 136
تحقيق العلامة بن مرزوق لسماعه 136
تحقيق المؤرخ الخميس حسين بن محمد 137
الخلاف في نزول جبريل بعد الرسول عليهما السلام 138
التحقيق في نزول جبريل بعد وفاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم 138
قصة الرجلين اللذين شاهدا جبريل عليه السلام 139
سعد بن معاذ وحراسته الرسول صلّى الله عليه وسلّم في العريش 140
رأي سعد بن معاذ وعمر في الأسارى 141
العنوان صفحة
استشارة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في أسرى بدر 142
موافقات عمر رضي الله عنه 142
الاستشارة في أسرى بدر 143
النهي عن قتل بني هاشم وأبي البختري 144
قتل المجذر بن ذياد لأبي البختري 146
مقالة أبي حذيفة وتكفيرها بالشهادة 148
استشهاد أبي حذيفة رضي الله عنه ومولاه سالم يوم اليمامة 149
تمني أبي حذيفة موت أبيه على الإسلام 149
مقتل أبي جهل 150
إصابة معاذ بن عمرو الجموح في عاتقه 151
من معجزاته صلّى الله عليه وسلّم 151
التوفيق بين الروايات 152
تسمية أبي جهل فرعون هذه الأمة 153
طرح قتلى المشركين في القليب ونداؤهم 155
الاختلاف في إحياء قتلى بدر من المشركين وسماعهم توبيخ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم 156
موقف أهل السنة من خبر إحياء قتلى مشركي أهل بدر 157
إخبار الرسول صلّى الله عليه وسلّم بمصارع المشركين بأسمائهم قبل القتال 158
استخلاص العظة من إخبار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن مصارع كفار قريش قبل المعركة 159
نصر الله الموعود للمؤمنين 159
المغفرة لأهل بدر 160
المعنى الذي ينبغي أن يحمل عليه حديث المغفرة لأهل بدر 161
العنوان صفحة
الحث على سؤال المسلم ربه الفردوس الأعلى 163
يوم بدر أذل الله فيه الشرك، وأعزّ الإسلام 163
الثمانية المتخلفون عن شهود بدر لعذر 164
طلحة بن عبيد الله 165
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل 165
أسباب التخلف 166
ترجمة عثمان بن عفان رضي الله عنه وسبب تخلفه 167
توفيق بين الروايتين في سبب تخلفه 168
الحارث بن الصمة رضي الله عنه 168
خوات بن جبير رضي الله عنه صاحب ذات النحيين في الجاهلية 168
عاصم بن عدي العجلاني 169
تحقيق سبب تخلفه عن غزوة بدر 169
أبو لبابة بشير بن عبد المنذر 170
الحارث بن حاطب 171
قباء وحراء 171
خصائص قباء 171
من لم يذكرهم الناظم ممن تخلف عن بدر وكان له سهمها وأجرها 172
بعض الأسرى من قريش 172
أسر أبي عزيز بن عمير 172
مصعب بن عمير رضي الله عنه 172
وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإكرام الأسرى 174
إكرام الأنصار أبا عزيز بن عمير 174
صاحب لواء المشركين ببدر 174
العنوان صفحة
أسر أبي العاصي بن الربيع، ثم فكه 175
استجارته بزينب بنت الرسول صلّى الله عليه وسلّم وإجارتها له 178
حال أبي العاص مع زينب قبل إسلامه 180
التنبيه على الدس على القرطبي في «تفسيره» فيما يخص أبا العاصي وزوجه زينب رضي الله عنهما 181
السبب في عدم التفريق بين زينب وأبي العاص قبل إسلامه 181
أمانة أبي العاصي، وشرفه، وإسلامه 182
أداء أبي العاص الأموال لأهلها من قريش 182
السبب في إعلان إسلامه بمكة دون المدينة 182
رد زوجه زينب إليه 183
نسبة أبي العاص رضي الله عنه إلى أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها 184
ثناء الرسول صلّى الله عليه وسلّم على أبي العاص 185
فداء أسرى بدر 185
خيار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للصحابة بين قتل الأسارى أو قبول الفداء 185
عدد الأسارى والهالكين من قريش 187
من مشاهير أسرى قريش 187
عمرو بن أبي سفيان 187
العباس بن عبد المطلب 189
هلاك أبي لهب بالعدسة 190
وصف المغيرة ما لاقاه من كفار قريش في ساحة القتال 191
هلاك أبي لهب والكيفية التي دفن بها 192
وفاة العباس رضي الله عنه 192
عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث 192
العنوان الصفحة
نوفل بن الحارث بن عبد المطلب 193
ذكر جدة 194
وفاة نوفل ن الحارث 194
خالد بن هشام المخزومي، وسهيل بن عمرو العامري 194
سهيل بن عمرو خطيب قريش 194
مكرز العامري ومقامه من فداء سهيل 196
تحقيق الشارح إسلام مكرز العامري 196
عبد الله بن أبي بن خلف، وأبو وداعة السهمي 197
الحارث أول الأسارى فداء 197
خالد بن الأعلم الخزاعي 198
مشاهير من القتلى من مشركي قريش 198
حنظلة بن أبي سفيان 198
منبه بن الحجاج 198
نبيه بن الحجاج 199
حارث بن منبه 199
المستضعفون بمكة في زعمهم الكاذب 199
العاصي بن منبه بن الحجاج 199
مقتل علي بن أمية، وأمية بن خلف 200
علي بن أمية 200
حديث عبد الرحمن بن عوف عن علاقته بأمية بن خلف 200
مصرع أمية بن خلف وابنه 201
مقتل الحارث بن زمعة 202
الأسود بن المطّلب 202
العنوان الصفحة
هلاك زمعة بن الأسود 203
نواح الأسود بن المطّلب على بنيه 203
نياحة قريش على قتلاها 203
إسلام عمير بن وهب 204
الجعل الذي خصه صفوان بن أمية لقتل النّبي صلّى الله عليه وسلّم 204
كشف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الأمر الذي قدم من أجله عمير إلى المدينة 205
ابنا الفاكهي 205
حكم الذين ادعوا أنّهم مستضعفون وقتلوا ببدر 205
المستضعفون بمكة حقا رضي الله عنهم 206
وصف الوليد، وسلمة، وعياش 207
دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بنجاتهم من الكفار 207
سلمة بن هشام رضي الله عنه 208
عياش بن أبي ربيعة 208
تحقيق الشارح أنّ سلمة ليس أخا شقيقا لأبي جهل 209
شهداء بدر من المهاجرين والأنصار 209
عبيدة بن الحارث بن المطّلب 209
عمير بن أبي وقاص 210
عاقل بن عبد ياليل الليثي 210
ذو الشمالين عمير بن عبد عمرو 210
مهجع مولى عمر بن الخطاب أول قتيل من المسلمين 211
صفوان بن بيضاء 211
مبشر بن عبد المنذر 211
يزيد بن الحارث 212
العنوان الصفحة
عوف وأخوه معوذ ابنا رفاعة 212
حارثة بن سراقة 213
رافع بن المعلى 214
عمير بن الحمام 214
التبشير بنصر الله للمؤمنين وهزيمة المشركين 216
دخول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة منتصرا مظفرا 216
وفاء عمير بن عدي الأنصاري بنذره في قتل عصماء بنت مروان 216
ثناء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عمير لانتصاره لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم 217
(6) غزوة بني سليم تاريخها 218
عدد المسلمين 218
حامل اللواء 218
(7) غزوة بني قينقاع تاريخها 218
سبب هذه الغزوة 219
براءة عبادة بن الصامت من حلف بني قينقاع 220
تحذير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اليهود من نقمة الله عزّ وجل 220
حامل اللواء والمستخلف على المدينة المنورة 221
إصرار اليهود على الكفر، وعداوة المسلمين 222
بيان المقصود من الحديث الشريف: «لو آمن لي عشرة من اليهود ... » 222
المشهورون بالرئاسة من اليهود في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم 222
العنوان الصفحة
فساد طبيعة اليهود، وإفسادهم، ووعيد الله لهم 223
اليأس من إيمان اليهود، وبيان خصائصهم الدنيئة 223
الآيات من سورة الإسراء تتحدث عن اليهود 224
تفسير ابن كثير للآيات في سورة الإسراء عن بني إسرائيل من اليهود 224
بنو قينقاع أول من غدر من اليهود 226
إلحاح رئيس المنافقين في إطلاق بني قينقاع 227
إجلاء يهود بني قينقاع إلى أذرعات 228
سبب تسمية المدينة المنورة (طيبة) 228
المدينة المنورة تنفي الخبث 228
ذكر طيبة في التوراة 229
إسلام عبد الله بن سلام 230
المسائل الثلاث التي دلت عبد الله بن سلام على صدق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم 230
إعلان عبد الله بن سلام إسلامه في مواجهة اليهود 231
مرويات عبد الله بن سلام عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 232
شهادة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعبد الله بن سلام بالجنة 232
وفاته رضي الله عنه 232
(8) غزوة السويق تاريخها 232
عدد المسلمين 232
خليفة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على المدينة 232
سببها 233
نذر أبي سفيان أن يغزو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم 233
اجتماع أبي سفيان بزعماء اليهود للتآمر على المسلمين 233
العنوان الصفحة
أول عيد ضحى فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم 235
(9) غزوة ذي قرقرة تاريخها 235
معنى (قرقرة الكدر) 235
الخليفة على المدينة 236
حامل اللواء 236
تتبّعه لأخبار العدو 236
الغنائم التي ظفر بها المسلمون 236
(10) غزوة ذي أمر وغطفان موقعها 238
تاريخها 238
سبب هذه الغزوة 238
الخليفة على المدينة المنورة 239
إسلام جبار وتعليمه شرائع الإسلام 239
إسلام دعثور بن الحارث 239
تآمر بني ثعلبة على اغتيال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 239
مواجهة دعثور رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشهرا سيفه 240
استسلام دعثور وإعلانه الإسلام 240
دعثور رضي الله عنه يحكي لقومه ما شهده لدى عزمه وتمكنه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 240
الخلاف في سبب نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ 240
عودة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة 241
العنوان الصفحة
(11) غزوة بحران موقعها 241
تاريخها 241
خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المدينة 241
عودة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنورة 242
(12) غزوة أحد خصائص جبل أحد 242
تاريخها 243
سبب هذه الغزوة 243
إعداد قريش للحرب 244
إبلاغ العباس رضي الله عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عزم قريش لقتاله 244
العدد والكراع في الجيشين 245
أم الأوس (قيلة) 246
رؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتأويلها 246
رؤيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حق 246
تعبير رؤياه صلّى الله عليه وسلّم 247
استشارة الرسول صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في الخروج أو البقاء بالمدينة 248
عزم الرسول صلّى الله عليه وسلّم على القتال 249
اجتهاد الشارح رحمه الله تعالى في تعليل عدول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن رأيه إلى رأي الآخرين 250
خروجه صلّى الله عليه وسلّم للقتال 251
عدد المقاتلة 251
خليفته صلّى الله عليه وسلّم على المدينة 251
العنوان الصفحة
لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك 251
انخزال المنافقين 252
زجر عبد الله بن عمرو بن حرام ابن أبي ابن سلول وجماعته في شد أزر المسلمين 252
تفاؤله صلّى الله عليه وسلّم 253
ما كان من المنافق مربع بن قيظي حين سلك النبي صلّى الله عليه وسلّم حائطه 256
إجازته صلّى الله عليه وسلّم أبناء خمس عشرة ورده من دونهم 257
الصغار الذين ردهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 257
مصارعة سمرة ورافعا رضي الله عنهما 258
إعطاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم السيف لأبي دجانة 258
تكبر أبي دجانة رضي الله عنه احتقارا للعدو 259
الزبير بن العوام يعرب عن مشاعره تجاه أخذ أبي دجانة للسيف 259
أبو دجانة رضي الله عنه يتغنى بالشعر في ساحة القتال 260
وصف الزبير قتال أبي دجانة للمشركين يوم أحد 260
أول من أشب الحرب 260
استئصال أهل اللواء من المشركين 261
تحريض أبي سفيان قريشا على الحرب 261
تحريض هند والنسوة قريشا على الحرب 262
هند تستحث قريشا على القتال شعرا 262
حملة لواء قريش الهالكين 262
اشتغال الرماة بالغنائم عن الحرب 264
حملة خالد على من بقي من الرماة 265
شؤم مخالفة أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم 266
شعار المسلمين 266
العنوان الصفحة
إعلان موت الرسول صلّى الله عليه وسلّم كذبا 267
موقف المسلمين بعد الإعلان الكاذب 267
مقالة معتب بن قشير 267
استشهاد سيدنا حمزة 268
رواية وحشي رضي الله عنه قتله لسيد الشهداء 268
استنكار فعلة أبي سفيان بحمزة بعد استشهاده 271
مقتل قزمان العبسي منافقا كما أخبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بذلك 271
استشهاد أصيرم بني عبد الأشهل 272
ثبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والثابتون معه 273
أبو دجانة سماك بن خرشة رضي الله عنه 274
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه 274
طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه 275
شلل يد طلحة رضي الله عنه 275
شعر أبي بكر رضي الله عنه في طلحة 276
طلحة الخير رضي الله عنه 276
ثبات العمرين وعلي رضي الله عنهما 277
سبب نزول قوله تعالى: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ الآية 277
نسيبة أم عمارة بنت كعب رضي الله عنهما 277
ثناء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على نسيبة رضي الله عنها 279
الجروح التي أصابتها رضي الله عنها 279
ما لقيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد 279
وقوع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حفرة حفرها أبو عامر 279
كسر رباعية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم 280
العنوان الصفحة
شؤم الآباء على الأبناء 280
دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على ابن قمئة 281
عبد الله بن شهاب الزهري 281
وصف جبينه الشريف صلّى الله عليه وسلّم 282
أبو عبيدة رضي الله عنه ينزع بفيه الحلقتين من جرح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم 283
كسر ثنيتيه 283
الصحابة الذين أحسنوا القتال 285
مقدار محبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نفوس الصحابة رضوان الله عليهم 285
استشهاد عمرو بن الجموح وابنه 286
هند بنت عمرو بن حرام تحمل الشهداء إلى المدينة 286
هند رضي الله عنها تخبر عائشة رضي الله عنها أنباء المعركة 286
«إن منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبرّه» 287
كمال إيمان الصحابة رضوان الله عليهم 287
الواجب في حب الصحابة رضوان الله عليهم 287
نصح وتوجيه 288
بلاء قتادة، والمعجزة في حادثة عينه 288
أول من بشّر المسلمين بحياته صلّى الله عليه وسلّم 290
كعب بن مالك رضي الله عنه أول من عرف بحياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 290
شعراء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المشهورون 291
عودة- الصحابة- للرسول صلّى الله عليه وسلّم 291
نهوض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمعاونة طلحة بن عبيد الله ودعاؤه له 292
صلاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه قعودا 293
تمثيل هند بنت عتبة بالشهداء 294
العنوان الصفحة
نشيد ه