8 شوال لسنة 3 هـ، وكانت بمنطقة حمراء الأسد 20 كم جنوب المدينة المنورة
مطاردة قريش ومنعها من العودة للقضاء على المسلمين بالمدينة، ورفع الروح المعنوية للصحابة بعد غزوة أحد، ونكاية باليهود واعداء الله ممن فرحوا بما جرى للمسلمين بأحد
الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل إن اللواء دفعه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وقيل لعلي بن أبي طالب. في المقابل كان هناك أبوسفيان بن حرب زعيم المشركين من قريش.
نادى النبي صلى الله عليه وسلم في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء العدو- وذلك صباح الغد من معركة أحد، أي يوم الأحد الثامن من شهر شوال، وقال: لا يخرج معنا إلا من شهد القتال، مستثنيا جابر بن عبد الله الذي خلفه أبوه بغزوة أحد على بناته، ورفض النبي خروج عبد الله بن أبي، لخديعته للمسلمين، واستجاب المسلمون على ما بهم من جراح شديدة لأمر الرسول، وقالوا: سمعا وطاعة
في يوم الأحد، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بات ليلة في المسجد، والصحابة في حراسته، فلما حانت صلاة الصبح، أمر النبي بلالا أن ينادي بأن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم، وكانت الجراح فاشية، حتى أن بني عبد الأشهل كانوا كلهم جرحى، وجاءهم سعد بن معاذ، فرد أسيد بن حضير وكان به سبع جراحات يداويها فقال: سمعا وطاعة لله ولرسوله فأخذ سلاحه ولم يعرج على دواء جراحه، وكان هذا حال المقاتلين المسلمين وخاصة من بني سلمة، والذين وافوا النبي بجراحهم الغائرة عند بئر أبي عنبة، عليهم السلاح وقد صفوا أمامه، فلما نظر والجراح فيهم فاشية دعا لهم بالرحمة، وقد جاء عبدالله بن سهل وأخيه رافع، يزحفان بسبب ضعفهما بعد الحرب وعدم وجود دابة معهما، وكانت بطلحة تسع جراحات نساها لأجل الجهاد، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مجروح في وجهه ومشجوج في جبهته ورباعيته ثد شظيت وهو متوهن بضربة ابن قميئة، فصلى بهم رجعتين بالمسجد، وقد خاطب طلحة بالبشرى بأنهم لن ينالوا من المسلمين كما فعلوا بأحد حتى يفتح الله لهم مكة، وانطلقوا لحمراء الأسد وكانوا يوقدون النار بالليل لإرهاب العدو، فكانت خمسمائة نار تشعل بوقت واحد.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ والرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ واتَّقَوْا أَجْر عَظِيم }(آل عمران: 172)، قالت لعروةَ : يا ابنَ أُخْتي، كانَ أَبَوَاكَ منهم الزبير وأبو بكر ، لمَّا أَصاب نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - ما أَصاب يوم أُحد، فانصرف عنه المشركون خاف أَن يرجعوا، فقال: مَنْ يذهب في إِثْرِهِم؟ فانتدب منهم سبعون رَجُلا، قال: كان فيهم أبو بكر والزُّبَيْرُ ) رواه البخاري .
وكان أبوسفيان بعد أن احتمى المسلمون بصخرة في جبل أحد قد تقدم من سفح الصخرة ونادى "أفي القوم محمد" ؟ ثلاث مرات لم يجبه أحد ، ونادى على أبي بكر وعمر، فلما لم يجيبوا صاح بأنهم قد قتلوا، فلم يتمالك الأخير نفسه وقال : "كذبت والله إن الذين عددتهم لأحياء كلهم" ثم صاح أبو سفيان "الحرب سجال أعلى هبل، يوم بيوم ببدر" فقال الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم "الله أعلى وأجل لا سواء ! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار
وقد جرى ما توقعه النبي حين أرسل عليا لنظر ما إذا كانت قريش تستعد لغزو المدينة، فإنهم لما نزلوا بالروحاء على بعد ستة وثلاثين ميلا من المدينة تلاوموا فيما بينهم، وقالوا لأنفسهم : لم تصنعوا شيئا أصبتم شوكة المسلمين وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم، ولكن معبد الخزاعي تصنع نصحهم قائلا أن محمدا يجمع لهم وأصحابه يتحرقون عليكم تحرقا مع من تخلف عنهم، فانهارت عزائم الجيش المكي وأخذهم الفزع والرعب
وقد أرسل أبو سفيان مع ركب من عبد القيس رسالة لنبي الله محمد أنهم يجمعون لهم، فنزلت الآية : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } آل عمران 173
وخلال عسكرة المسلمين بحمراء الأسد، أقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم- ويقال أنه ظل مشركا وإن كان ناصحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لما كان بين خزاعة وبني هاشم من الحلف، فقال: يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا ان الله عافاك- فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق أبا سفيان فيخذله.
أقام الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد بعد مقدمه يوم الأحد الاثنين والثلاثاء والأربعاء شوال، ثم رجع للمدينة، وأقام الحد على قلة من الجواسيس والخونة ممن تجسسوا للكفار ومنهم أبو عزة الجمحي من أسارى بدر وقد حرض الناس بشعره على النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين وخرج لمقاتلتهم في أحد، ومعاوية بن المغيرة بن العاص، جد عبد الملك بن مروان لأمه.
لم يحدث قتال، وازداد رعب المشركين من المسلمين ففروا ولم يداهموا المدينة بعد أحد
الإيمان يقوي عزيمة أهله؛ وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحب للشهادة ولقاء العدو، وكان على رأسهم نبي وقائد يشاركهم تحمل المحن لأجل الدعوة لدين الله، وقد علمهم النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم كيف يتغلبون على جرح النفس والبدن لأجل دين الله، وكان بحكمته كقائد قادر على قلب الانكسار لحلقة نصر جديدة.
"السيرة النبوية" لابن هشام 2/122 ، "السيرة الحلبية" فصل غزوة حمراء الأسد، "الرحيق المختوم" للمباركفوري ص 286، "زاد المعاد" 2/91