فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، وهو نائم في بيته ظهرا، أتاه جبريل وميكائيل، فقالا:
انطلق إلى ما كنت تسأل، وذلك أنه كان يسأل أن يرى الجنة والنار.
فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج، فعرج به إلى السماء السابعة، وفرضت عليه الصلوات (1).
وقيل: كان المعراج قبل الهجرة بثلاث سنين (2).
وقيل: بسنة (3).
وقيل: كان بعد النبوّة بخمسة أعوام (4).
وقيل: بعام ونصف عام (5).
_________
(1) هذا الكلام من أوله إلى هنا لابن سعد 1/ 213.
(2) كذا في كامل ابن الأثير 1/ 578 وقدّمه. ولم أجده عند غيره.
(3) أخرجه ابن سعد 1/ 214 عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق الواقدي. وقال به البلاذري 1/ 255، وأخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 354 عن ابن عقبة عن ابن شهاب. وعزاه ابن عطية 10/ 257 إلى مقاتل وقتادة.
(4) كذا في شرح مسلم 2/ 209، وعزاه القرطبي في تفسيره 10/ 210 إلى الزهري عن الوقّاصي، وقاله القاضي عياض 2/ 447. لكن فيه: قبل الهجرة، ورجحه.
(5) يعني ثمانية عشر شهرا، وتقدم من كلام ابن سعد عن الواقدي، وعزاه القاضي-
وقال عياض: بعد مبعثه بخمسة عشر شهرا (1).
وقال الحربي: ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر، قبل الهجرة بسنة (2).
وقيل: لسبع عشرة خلت من ربيع الأول (3).
وقال ابن قتيبة: بعد سنة ونصف من رجوعه من الطائف (4).
وقيل: في رجب (5).
وقال الواقدي: ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس (6).
_________
= 2/ 447 إلى الزهري ومن وافقه. وذكره ابن عطية 10/ 257 من قول عروة عن عائشة رضي الله عنها.
(1) نقله عنه النووي في شرحه على مسلم 2/ 209 على أنه أقل ما قيل فيه.
(2) شرح مسلم للنووي 2/ 209، وتفسير القرطبي 10/ 210، كلاهما عن الحربي، وكان في المطبوع: (الجويني).
(3) كذا في المحرر الوجيز لابن عطية 10/ 257. وذكره ابن الجوزي في الوفا /221/عن أشياخ الواقدي.
(4) المعارف/151/، ولم يذكر غيره أبو عمر في الاستيعاب 1/ 40.
(5) قدمه ابن عطية في المحرر الوجيز 10/ 257، وقاله ابن الجوزي في الوفا /222/، والمنتظم 3/ 26، وأورده الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف/143/-بإسناد لا يصح-عن القاسم بن محمد أن الإسراء كان في سابع وعشرين من رجب. وقال: وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره. وفي السبل 2/ 96: كان في رجب، وجزم به النووي في الروضة تبعا للرافعي.
(6) الطبقات 1/ 214 وتحديده المكان: من شعب أبي طالب لا ينافي ما ورد في الصحيح من أنه أسري به من الحطيم أو الحجر، وفي رواية فيه أيضا: فرج سقف بيتي وأنا بمكة. وفي حديث أم هانىء عند الطبراني: ففقدته من الليل-
وقيل: قبل الهجرة بستة أشهر (1).
وقال ابن فارس: فلما أتت عليه إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر، أسري به من زمزم إلى القدس (2).
وفي البخاري: بينا أنا نائم في الحطيم-وربما قال: في الحجر (3)، ومنهم من قال: بين النائم واليقظان (4) -إذ أتاني آت، فشقّ ما بين هذه إلى هذه-يعني من ثغرة نحره إلى مراقّه- (5) فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد، ثم أتيت بدابة
_________
= فقال: إن جبريل أتاني. ذكر كل هذه الروايات الحافظ مع رواية الواقدي، وجمع بينها: أنه نام في بيت أم هانىء، وبيتها عند شعب أبي طالب، ففرج سقف بيته-وأضاف البيت إليه لكونه كان يسكنه-فنزل منه الملك فأخرجه من البيت إلى المسجد، فكان به مضطجعا وبه أثر النعاس، ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد فأركبه البراق. (انظر فتح الباري 7/ 243 عند شرح الحديث (3887) من كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج).
(1) ابن الجوزي في الوفا/222/.
(2) كذا تاريخ سنّه صلى الله عليه وسلم في المحرر الوجيز 10/ 257، لكن أضاف: وثمانية وعشرين يوما، وقال: والمتحقق أن ذلك كان بعد شق الصحيفة، وقبل بيعة العقبة. وقال المسعودي 2/ 306: وأسري به وهو ابن إحدى وخمسين سنة وثمانية أشهر وعشرين يوما.
(3) اللفظتان للبخاري في حديث واحد، أخرجه في مناقب الأنصار، باب المعراج (3887) والحطيم: هو الحجر. وإنما سمي الحطيم من جداره، فلم يسوّ ببناء البيت، وترك خارجا منه محطوم الجدار. (أعلام الحديث للخطابي 3/ 1679).
(4) من نفس حديث البخاري السابق، في بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (3207).
(5) وفي (1): شعرته. وهي لفظ آخر للبخاري أيضا. ومراقّ البطن: ما سفل من البطن ورق من جلده. والثّغرة: الموضع المنخفض الذي بين الترقوتين.
دون البغل وفوق الحمار أبيض، وهو البراق، يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل إلى السماء.
وذكر الأنبياء الذين رآهم في بيت المقدس والسماء، وذكر الجنة والنار، وسدرة المنتهى، والأنهار الأربعة، والآنية الثلاث: الماء والخمر واللبن، وفرض الصلوات (1).
واختلف في المعراج والإسراء: هل كانا في ليلة واحدة أم لا (2)؟.
وهل كانا أو أحدهما يقظة أو مناما (3)؟.
_________
(1) انظر البخاري في المواضع السابقة، وأخرجه مسلم أيضا من حديث أنس رضي الله عنه في الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات (162).
(2) المشهور عند الجمهور: أنهما في ليلة واحدة، وهذا قول القاضي عياض 2/ 380. وقيل: وقعا في ليلتين مختلفتين. انظر فتح الباري 1/ 548 أول كتاب الصلاة.
(3) الأكثر أنهما كانا بالروح والجسد يقظة لا مناما. قال القاضي 2/ 419: وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه إسراء بالجسد، وفي اليقظة، وهذا هو الحق. وقال 2/ 421: وقالت طائفة: كان الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح، واحتجوا بقوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء. . ثم ساق براهين على رد هذا القول استهلها بقوله: والحق من هذا والصحيح إن شاء الله: أنه إسراء بالجسد والروح في القصة كلها، وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار، ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل، إلا عند الاستحالة، وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة، إذ لو كان مناما، لقال: بروح عبده. وقوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. ولو كان مناما لما كانت فيه آية ولا معجزة، ولما استبعده الكفار، ولا كذبوه فيه، ولا ارتد به ضعفاء من أسلم وافتتنوا به، إذ مثل هذا في المنام لا ينكر. وانظر-
وهل كان المعراج قبل الإسراء (1)؟.
وهل كان المعراج مرة أو مرات (2)؟.
والصحيح: أن الإسراء كان في اليقظة بجسده، وأنه مرات متعددة، وأنه رأى ربه عز وجل بعيني رأسه صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (3).
ولما أصبح أخبر قريشا بالإسراء، فكذبوه، وارتد جماعة ممن كان أسلم، وسألوه أمارة (4)، فأخبرهم بقدوم العير يوم الأربعاء.