وفي جمادى الاولى من هذا العام كانت غزوة مؤته وهي قرية من قرى البلقاء دون دمشق انتهت غزوتهم اليها روينا في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد ابن حارثة في غزوة مؤته وقال ان قتل زيد فجعفر وان قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قال ذراعا وقيل المراد خبره بمصلى العيد خارج سور المدينة ذكره السمهودي في تاريخ المدينة وغيره (روضة) هى في الاصل البستان الذي في غاية النضارة والحسن (من رياض الجنة) أي هو كرومه في نزول الرحمة وحصول السعادة أو ان العبادة فيه وكثرة ملازمته يؤدي الى الجنة أو ان ذلك الموضع ينقل بعينه في الآخرة الى الجنة أو انها نقلت من الجنة الى الدنيا كالحجر الاسود ومقام ابراهيم أقوال أظهرها الاخير وعليه فانتفاء أوصاف أهل الجنة عنهما في الصورة الظاهرة انما هو لقصور أهل هذه الدار عن درك تلك الحقائق كما قاله بعض العلماء العارفين قال وأما وقوع نحو الجوع بها مما ينافي روضة الجنة فهو انما يمنع في دار الجنة لا فيما نقل منها لغيرها تبركا به عملا باصل الدار الدنيوية وانما آيلة الى الفناء (ومنبري) قال أكثر العلماء كما نقله عياض المراد منبره بعينه الذى كان في الدنيا ينقل يوم القيامة ثم ينصب على الحوض ثم تصير قوائمه رواتب في الجنة كما في حديث الطبراني وقيل ان له منبرا هناك (على حوضى) سوى هذا الذى في الدنيا وقيل ان قصد منبره والحضور عنده لملازمة الاعمال الصالحة تورد صاحبها الحوض ويقتضى شربه منه في هذا الحديث ترغيب تام في العبادة في ذلك المحل (وان منبرى على ترعة الى آخره) رواه أحمد عن سهل بن سعد وابى هريرة ولفظه منبري هذا علي ترعة من ترع الجنة وفسر الترعة بالباب وهي بضم الفوقية وسكون الراء وعين مهملة (قوائم منبرى رواتب في الجنة) رواه احمد والنسائى وابن حبان عن أم سلمة ورواه الطبرانى والحاكم عن أبي واقد والرواتب جمع راتبة بالفوقية والتاء وهي الدعامة ونحوها مما تشد به البناء* تاريخ غزوة مؤتة (وفي جمادي الاولى) قبل غزوة ذات السلاسل كما مر انها كانت في جمادي الأخرى قال النووى قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر كانت ذات السلاسل بعد مؤتة فيم ذكره أهل المغازى الا ابن اسحاق فقال قبلها (البلقاء) بالموحدة والقاف والمد عند الكرك في طرف الشام (دمشق) بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسكون المعجمة على مرحلتين من بيت المقدس وكانت أوّل غزو وقع لبلد الروم (روينا في صحيح الخاري عن ابن عمر) وعن قيس بن أبي حازم وفيه وفي سنن النسائي عن أنس وفي مسلم وأبي داود عن قيس بن مالك الاشجعي (زيد بن حارثة) فيه فضيلة لزيد حيث قدم على جعفر وغيره من أشراف قريش والانصار (مؤتة) بضم الميم وسكون الواو بهمز ودونه (ان قتل زيد فجعفر) قال في التوشيح
عبد الله كتب معهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعا وتسعين ما بين طعنة ورمية وكان من خبرهم في غزوتهم أنهم لما بلغوا معان بلغهم ان هرقل نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة لخم وجذام والفين وبهرا وبلي وكان المسلمون ثلاثة آلاف فتشاوروا أن يراجعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرهم بأمره فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال يا قوم انما هي احدى الحسنيين اما نصرا واما شهادة فقال الناس صدق عبد الله فمضوا حتى التقوا بمؤتة فقاتل زيد بالراية حتى قتل ثم أخذها جعفر وقاتل قتالا شديدا ثم نزل عن فرسه فعقرها فكان أوّل من عقر في الاسلام وجعل يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها
والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها
ثم قاتل حتى قطعت يمينه فأخذ الراية بشماله فقطعت أيضا فاحتضنها بعضديه فعوضه الله عن ذلك جناحين يطير بهما في الجنة. وروينا في صحيح البخاري ان ابن عمر كان اذا حيا يؤخذ منه جواز ولاية الوظائف تعليقا وهو دليل قوى جدا (بضعا وسبعين) في بعض نسخ الصحيح وتسعين بدل سبعين زاد في رواية ليس منها شىء في دبره (معان) بضم الميم وتخفيف العين المهملة كذا ذكره أبو بحر والبكري وقال هو اسم جبل قال السهيلى وأصلحه علينا القاضى حسين الشماع معان بفتح الميم قال وهو اسم موضع (مآب) بفتح الميم ومد الهمزة آخره موحدة (من المستعربة) هم كل عربى ليس من ولد اسماعيل والعاربة أولاد اسماعيل (لخم) بفتح اللام وسكون المعجمة قبيلة تنسب الى لخم بن عدى بن الحارث بن مرة بن ازد (وجذام) بضم الجيم ومعجمة قبيلة تنسب الى جذام بن عدي أخى لخم كما مر (والقين) بفتح القاف وسكون التحتية (وبهرا) بفتح الموحدة وسكون الهاء وراء مقصورة وممدودة (وبلي) بالموحدة على وزن علىّ والثلاثة بطون من قضاعة (فشجع الناس) أي جرأهم (أحد الحسنيين) تثنية حسنى (أما نصر) بالضم (وأما شهادة) كذلك وهذا تفسير الحسنيين (فكان) جعفر اسمها مستتر (أول) بالنصب خبرها (يا حبذا) بففتح المهملة والموحدة ثم دال معجمة قال في القاموس حبذا الأمر أي هو حبب جعل حب وذا كشئ واحد وهو اسم وما بعده مرفوع به (الجنة) بالرفع (طيبة وبارد) يجوز رفعهما على ان طيبة خبر مبتدأ محذوف وبارد مبتدأ خبره (شرابها) ويجوز ضمهما على الحال أى حال كون الجنة طيبة وشرابها باردا (فاحتضها) بالحاء المهملة والضاد المعجمة أي أخذها بحضنيه (فعوضه الله عن ذلك جناحين الى آخره) أخرج الترمذي والحاكم من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جعفر بن
ابن جعفر قال سلام عليك يا ابن ذي الجناحين وقتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة أو احدى وأربعين ثم أخذ الراية بعدهما عبد الله بن رواحة وجعل يقول:
يا نفس ألا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليتي
وما تمنيت فقد أوليتي ... ان تفعلى فعلهما هنيت
ثم قاتل حتى قتل ثم اصطلح الناس بعدهم على خالد بن الوليد فأخذ الراية وقاتل قتالا شديدا ودافع عن المسلمين حتى انحازوا. روينا في صحيح البخاري عن ابن حازم قال سمعت خالد بن الوليد يقول لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقى في يدي الا صفيحة يمانية وكان جميع من استشهد بموتة ثمانية رجال فيما ذكر ابن اسحاق وذكر ابن هشام عن الزهري أربعة أيضا أخوين وأخوين. روينا في صحيح البخاري عن انس ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم اخبرهم فقال أخذ الراية زيد أبي طالب يطير في الجنة ملكا مع الملائكة ومر في بدء الوحي عن السهيلى ما حاصله ان ذلك معنوي وليس بحسى قال الحافظ ابن حجر وما ذكره في مقام المنع اذ لا مانع من حمله على الظاهر كيف وقد ورد أن جناحي جعفر من ياقوت أخرجه البيهقي في الدلائل وأجنحة جبريل من اللؤلؤ أخرجه ابن مندة (فائدة) أخرج أبو القاسم الحربي في أماليه من حديث على سيد الشهداء جعفر بن أبي طالب معه الملائكة لم ينحل ذلك أحد ممن مضي من الامم غيره شيء أكرم الله به محمدا
يا نفس ألا تقتلي تموتي ... قبل هذا البيت
هل أنت الا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
وكانت قد أصيبت أصبعه وقيل ان هذين البيتين للوليد بن الوليد بن المغيرة وقد تمثل بهما صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره (هذا حمام الموت) أي قدرة وحم الأمر قدر (قد صليتى) قد دخلت فيه (وما تمنيت) من الشهادة (فقد أعطيت) في بعض النسخ فقد لقيت (ان تفعلي فعلهما) أي زيد وجعفر (هنيت) بفتح الهاء وكسر النون مخفف وبضم الهاء وتشديد النون مشدد مبنى للمفعول وفي بعض النسخ بدله هديت (حتى انحازوا) بهمزة وصل فنون ساكنة فمهملة فالف فزاي أى انزوى بعضهم الى بعض (صفيحة) هي العريضة من السيوف (يمانية) بتخفيف الياء (ثمانية رجال) هم جعفر وزيد بن حارثة وابن رواحة ومسعود بن سويد العدوى وعبد الله بن سعيد بن العاص وعبادة بن قيس الانصاري ووهب ابن سعيد بن أبي سرح وحبيب بن الحارث بن حبيب (أخوين وأخوين) وهم سويد بن عمرو وسراقة ابن عمرو الانصاريان وأبو كلاب بن أبي صعصعة وجابر بن أبي صعصعة الانصاريان (روينا في صحيح البخارى) وسنن النسائي وغيرهما (قبل أن يأتيهم خبرهم) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من المغيبات
فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها ابن رواحة فأصيب وعيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليه وفي رواية أخرى قال حتى أخذها خالد بن الوليد من غير أمرة ففتح الله له وقال ما يسرنا أو قال ما يسرهم أنهم عندنا وعيناه تذرفان. ويذكر أن أبا بكر لما قال صلى الله عليه وآله وسلم ان أصيب فلان ففلان قال حسبك يا رسول الله فلولم يقلها وتتابع القول لأصيبوا عن آخرهم. وروي عن اسماء بنت عميس زوجة جعفر قالت لما أصيب جعفر دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم فاستدعى بني فأتيته بهم فتشممهم وذرفت عيناه فقلت يا رسول الله بأبي وأمي أنت ما يبكيك أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء قال نعم أصيبوا هذا اليوم وقالت فقمت أصيح واجتمع الى النساء وخرج صلى الله عليه وآله وسلم الى أهله فقال لا تغفلوا عن آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فانهم قد (وعيناه تذرفان) بكسر الراء يسيل دمعهما وقد مضي فيه مزيد كلام (سيف من سيوف الله) فيه فضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد حيث سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف الله ولم يزل يعرف بهذا الاسم فيما بعد وروى الترمذي عن أبي هريرة قال نزلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فجعل الناس يمرون فيقول من هذا يا أبا هريرة فاقول فلان فيقول نعم عبد الله هذا ويقول من هذا فاقول فلان فيقول بئس عبد الله هذا حتى مر خالد بن الوليد فقال من هذا فقلت خالد بن الوليد فقال نعم عبد الله هذا سيف من سيوف الله وأخرج البغوى من حديث عبد الله بن جعفر خالد بن الوليد سيف من سيوف الله وأخرج أيضا ابن عساكر من حديث عمر وزاد سله الله على المشركين وأخرجه أحمد من حديث أبي عبيدة وزاد ونعم فتى العشيرة وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس وزاد وسيف رسوله (ما يسرهم انهم عندنا) أي لما رأوا من كرامة الله عز وجل (ويذكر أن أبا بكر إلى آخره) ذكر ذلك أهل السير (وروى عن اسماء الى آخره) رواه عنها الشيخان وغيرهما (زوجة جعفر) كذا وقع والصواب زوج بحذف الهاء (فاستدعا) أى طلب من يدعو (بنيّ) بتشديد الياء (فتشممهم) أى شمهم وفعله صلى الله عليه وسلم شفقة ورحمة (لا تغفلوا عن آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما) وللترمذي وحسنه والحاكم وصححه واحمد وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن جعفر اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم وأخرج الزبير بن بكار من حديث عبد الله بن جعفر أن سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدت الى شعير فطحنته ثم آدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا قال عبد الله فأكلت منه وحبسنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اخوتي في بيته ثلاثة أيام ففيه ندب تهيئة طعام لأهل الميت والالحاح عليهم في أكله لئلا يضعفوا بتركه وتهيئته لنحو نائحه حرام لانه اعانة على معصية وأما تهيئة أهل الميت طعاما وجمع الناس عليه فبدعة وروى ابن ماجه والامام
شغلوا بأمر صاحبهم وروينا في الصحيحين عن عائشة قالت لما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل زيد بن حارثة وجعفر بن ابي طالب وعبد الله بن رواحة وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف فيه الحزن قالت وانا انظر من صاير شق الباب فأتاه رجل فقال يا رسول الله ان نساء جعفر وذكر بكاءهن فأمره أن يذهب فينهاهن وذهب فأتاه وذكر انهن لم يطعنه فأمره الثانية فذهب ثم أتاه فقال والله لقد غلبننا يا رسول الله قال فزعمت ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال اذهب فاحث في أفواههن التراب قالت عائشة فقلت ارغم الله أنفك والله ما تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما تركت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العناء لفظ مسلم ولمادنوا من المدينة راجعين تلقاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعبد الله بن جعفر بين يديه والمسلمون معه فعيرهم الناس بالفرار فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى احمد باسناد حسن عن جرير بن عبد الله قال كنا نعد ذلك من النياحة (وروينا في الصحيحين عن عائشة) ورواه عنها أيضا أبو داود والنسائى (رسول الله) مفعول (قتل زيد) فاعل (يعرف فيه) أي في وجهه كآبة عن غير مذكور أو في ذاته صلى الله عليه وسلم (الحزن) بضم المهملة وسكون الزاي وبفتحهما (من صاير الباب) بالمهملة والتحتية قال النووي قال بعضهم لا يقال صاير وانما يقال صير الباب بكسر الصاد وسكون الياء والصاير فسر في الحديث بقوله (شق الباب) وهو بفتح المعجمة الموضع الذي ينظر منه قال ابن حجر والظاهر أن هذا التفسير من قول عائشة ويحتمل أن يكون ممن بعدها (فأتاه رجل) لم يسم (فأمره أن يذهب فينهاهن) عن البكاء أما لانه كان فيه نحو نوح أو كان تمني تنزيه وأدب لا للتحريم ومن ثم أصررن عليه متأولات قولان (اذهب فاحث) بهمزة وصل وضم المثلثة من حثا يحثو وكسرها من حثي يحثي لغتان (في أفواههن التراب) لمسلم من التراب (أرغم الله أنفك) بالراء والغين المعجمة أي الصقه بالرغام بفتحتين مخفف أي التراب قال النووي وهو اشارة الى اذلاله واهانته (والله ما تفعل) وللبخاري في رواية لم تفعل وفي أخري ما أنت بفاعل قال في التوشيح لم تفعل من تصرف الرواة (وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم) معنى كلام عائشة كما قال النووي أنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الانكار لنقصك وتصبرك ولا تخبر النبى صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك وتستريح (من العناء) بفتح العين المهملة والنون وبالمد المشقة والتعب هذا (لفظ مسلم) فى احدى رواياته وله أخري وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العي بكسر المهملة وتشديد التحتية أي التعب وفي أخرى الغى بفتح المعجمة وتشديد التحتية ضد الرشد قال عياض وهو تصحيف (فعيرهم المسلمون الى آخره) أخرجه ابن اسحاق في السير (بالفرار) بكسر الفاء وتخفيف الراء مصدر فريفر (ليسو بالفرار) بضم الفاء وتشديد الراء جمع فرأي هارب (ولكنهم الكرار) بوزن الأوّل جمع كار أي طالب (ان شاء الله تعالى) قالها صلى
ورثاهم حسان وكعب بن مالك بمراث منها قول حسان في جعفر:
ولقد بكيت وعز مهلك جعفر ... حب النبي على البرية كلها
ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي ... من للجلاد لدى العقاب وظلها
بالبيض حين تسل من أغمادها ... ضربا وأنهال الرماح وعلها
بعد ابن فاطمة المبارك جعفر ... خير البرية كلها وأجلها
رزءا وأكرمها جميعا محتدا ... وأعزها متظلما وأذلها
للحق حين ينوب غير تنحل ... كذبا وأبداها يدا وأقلها
الله عليه وسلم للتبرك وامتثال أمر ربه في قوله ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله كما مر ولفظ ابن اسحاق ولكنهم العكارون أى الكرارون وزاد وقال أنا فئتكم أي والمتحيز الى فئة المسلمين لا حرج عليه (ورثاهم) بتشديد المثلثة (بمراث) بتخفيف الراء آخره مثلثة جمع مرثية وهي عد محاسن الميت نظما ونثرا وقد اطلقها الجوهري على عد محاسنه مع البكاء وعلى نظم الشعر فيه وفي ذلك دليل لجواز ترثية الميت وقد رثت فاطمة رضي الله عنها أباها صلى الله عليه وسلم ورثاه غيرها كما سيأتي وفعله كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء وما ورد من النهى عنها محمول على ما يظهر فيه تبرم أو على فعله مع الاجتماع له أو على الاكثار أو على ما يجدد الحزن (وعز مهلك) بفتح اللام مع ضم الميم وفتحها وبكسر اللام مع فتح الميم (حب التى) بكسر الحاء أى محبوبه (على البرية) متعلق بعز (من للجلاد) أي الفرسان الاقوياء (لدى) عند (العقاب) بضم المهملة وتخفيف القاف آخره موحدة على لفظ العقاب الطائر المعروف وهي الراية وكانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمي بذلك كما سيأتي (وظلها) أي ظل العقاب (بالبيض) أي السيوف (وانهال الرماح) بكسر الهمزة أي سقيها بدماء الاعداء أوّل مرة (وعلها) بفتح المهملة وتشديد اللام أي سقيها مرة ثانية (خير البرية كلها) وهذا عام أريد به الخاص فان قلت لم قال حسان ذلك في حق جعفر وقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم في حق نفسه مع انه خير البرية قلت لعل ذلك كان قبل النهى او بعده ولم يعلم به أو علم منه وفهم ان ظاهره غير مراد لانه صلى الله عليه وسلم انما نهى عنه بالنسبة الى نفسه هضما لها وتواضعا (وأجلها رزأ) تعلق آخر البيت باوله ضعيف عند أرباب الفصاحة ورزأ بضم الراء وسكون وسكون الزاي ثم همزة مفتوحة أى أعظم نقصا (وأكرمها) أفضلها (محتدا) أصلا كما مر (وأعزها) حال كونه (متظلما) معناه ان يظلمه اذا شكي ظلم أحد يكون مع عزة دالة على شهامة النفس لا يحمله على رد الحق وعدم الانقياد له بل يؤخذ للحق ذليلا وعلى الباطل عزيزا رضي الله عنه (غير تنحل) أي منتحل اقام المصدر مقام الاسم (كذبا) أى لا يرضى الكذب له نحلة أي مذهبا (ابداها) بالباء الموحدة والمهملة أي أطولها (يدا) وكنى بذلك عن كثرة الصدقة وفعل المعروف كما في الحديث أو لكن لحوقا بى أطو لكن يدا يريد الصدقة (واقلها
فحشا وأكثرها اذا ما يجتدى ... فضلا وأنداها ندى وأطلها
بالعرف غير محمد لا مثله ... حي من أحياء البرية كلها
[