وإذْ فَشَا الإسلامُ بالمَدينهْ ... هَاجرَ مَنْ يحفظُ فيها دِينَهْ
وعَزمَ الصديقُ أن يُهاجِرا ... فَرَدَّهُ النبيُّ حتَّى هَاجَرا
مَعًا، إليها فتَرافَقا إلى ... غَارٍ بثورٍ بعدُ، ثمَّ ارْتَحَلا
وَمَعْهُمَا عامرُ مولَى الصّدّيقْ ... وابنُ أرَيْقِطٍ دَليلٌ للطريقْ «1»
فأخَذوا نحوَ طريقِ الساحِلِ ... والحقُّ «2» للعدوِ خيرُ شاغلِ
تَبِعَهُمْ سُراقةُ بنُ مالكِ ... يريدُ فَتْكًا، وهْوَ غيرُ فاتِكِ
لمَّا دَعَا عَلَيهِ سَاخَتِ الفَرَسْ ... ناداه بالأمان إذ عنه حبس
__________
(1) في هامش (ب) : (هو عبد الله بن أريقط، ولم يكن إذ ذاك مسلما، ثم أسلم بعد ذلك وصحب) .
(2) والحقّ: الله الحق سبحانه وتعالى.
,
مَرُّوا على خَيمَةِ أمِ مَعبَدِ ... وهْيَ علَى طريقِهِمْ بمَرْصَدِ»
وعندَها شَاةٌ أضرَّ الجَهْدُ ... بها، وما بها قوى يشتدّ
فَمَسَحَ النبيُّ منها الضَرْعَا ... فَحَلبَتْ ما قدْ كفاهم وسعا
وحلبت بعد إناء آخرا ... ترك ذاك عندها وسافرا
__________
(1) مرصد- بفتح الميم- وهو الموضع الذي يرصد فيه؛ أي: يقعد فيه ليرصد من يمرّ في الطريق.
ذكر وصوله صلّى الله عليه وسلّم إلى قباء ثمّ إلى المدينة
حتّى إذا أتَى إلى قُبَاءِ ... نَزَلَها بالسَّعْدِ والهَنَاءِ
في يومِ الاثنينِ لثنتَيْ عَشْرَهْ ... منْ شَهرِ مَوْلِدٍ فَنِعْمَ الهِجْرَهْ
أقامَ أربعًا لديهِمْ، وَطَلَعْ ... في يومِ جمعَةٍ فصلَّى وَجَمَعْ
في مَسجدِ الجُمْعةِ، وهْيَ أولُ ... ما جمَّعَ النبيُّ فيما نَقَلوا
وقيلَ: بلْ أقامَ أرْبَعْ عَشْره ... فيهمْ، وهُمْ ينتَحِلُون «1» ذِكْرَهْ
وهْوَ الذي أخرجَهُ الشّيخان ... لكنّ ما مرّ من الإتيان
لمسجد الجمْعةِ يومَ جمعَةِ ... لا يستقيمُ مَعَ هذي المُدَّةِ
إلا علَى القوْلِ بكونِ القَدْمَةِ ... إلى قُبَا كانتْ بيومِ الجُمْعَةِ «2»
بنَى بِها مسجدَهُ، وارْتَحلا ... لطيبَةَ الفيحَاءِ طابتْ نُزُلا
فَبَرَكَتْ ناقتُهُ المأْمورَهْ ... بموضعِ المَسْجدِ في الظَّهيرهْ
فَحَلَّ في دارِ أبي أَيّوبا ... حتَّى ابْتَنى مسجدَهُ الرَّحِيبا
وحولَهُ مَنَازِلا لأهلِهِ ... وحولَهُ أصحابُهُ في ظِلّهِ «3»
__________
(1) ينتحلون: يجنحون ويميلون، والضمير هنا يرجع لأهل السير؛ أي: أنهم يميلون لهذا القول.
(2) الحديث الذي أشار إليه المصنف أخرجه البخاري (428) ، ومسلم (524) .
(3) ظلّه: كنفه.
طَابَتْ بهِ طيبةُ من بعْدِ الرَّدى ... أشرقَ ما قدْ كانَ منها أسْوَدا
كانتْ لَمِنْ أَوْبأِ أرضِ الله ... فَزَالَ دَاؤُها بهَذا الجَاهِ
ونقلَ الله بفضْلِ رحْمَةِ ... ما كانَ منْ حمَّى بها للجُحْفَةِ
وليسَ دجالٌ ولا طَاعُونُ ... يَدخُلُها، فحِرْزُها حَصِينُ «1»
أقامَ شَهْرًا، ثمَّ بَعدُ نَزَلَتْ ... عليهِ إتمامُ الصلاةِ أُكمِلَتْ «2»
أَقَامَ مِنْ شهر ربيع لصفر ... يا بنى لهُ مسجدُهُ والمُستَقَرْ «3»
وَوَادَعَ اليهودَ «4» في كتابِهِ ... ما بينهم وبين ما أصحابه
وكان بدء الأمر بالأذانِ ... رؤيا ابنِ زَيْدٍ، أو لعَامٍ ثانِ «5»
ففيه فرضُ الصَّومِ، والزكَاةِ ... للفِطرِ «6» ، والعيدينِ بالصلاةِ
بخُطبتَينِ بَعدُ، والأضحيّةُ ... كذا زكاة مالِهِمْ، والقِبْلةُ
للمَسجدِ الحَرَامِ، والبِنَاءُ ... بعائشٍ، كذلك الزهرَاءُ
وبَدرٌ الكُبْرى، وفي الثّالثة ... دخوله بحفصة القانتة
__________
(1) قد أفرد خصائص المدينة بالتأليف الدكتور محمد عبد الرحمن شميلة الأهدل في منظومة جمع فيها ما صحّ بنظم خال عن الحشو سماها «الدرة الثمينة في نظم ما صح من خصائص المدينة» ، ثم شرحها وطبعت مع الشرح في دار المنهاج.
(2) في هامش (ب) : (وقال السهيلي: إنها أكملت بعد الهجرة بعام أو نحوه، وكذا قاله غيره، والأول قول أيضا، ويقال: بعد الهجرة بشهر وعشرة أيام) .
(3) المستقر: الأماكن التي استقر فيها حول المسجد.
(4) وادع اليهود: صالحهم وهادنهم على أمر كتبه في كتابه.
(5) القول بأن الأذان شرع في السنة الأولى هو الذي رجحه الحافظ في «الفتح» (2/ 78) .
(6) قوله: (الزكاة للفطر) أي: صدقة الفطر.
والزَّينبَينِ «1» ، وبنَى ابنُ عفَّانْ ... بأمّ كُلْثُومٍ، وفيهِ الجَمْعَانْ
إلتَقيا بأحُدٍ، والرَّابعَهْ ... بئرُ مَعونةٍ بتلكَ الفَاجِعهْ «2»
وغزوهُ بني النَّضيرِ وجَلَوا «3» ... ذاتُ الرِّقاعِ بعدَها كما حَكَوْا
وقَائلٌ فيها الصلاةُ قُصِرَتْ ... والخمر حرّم، او ففي الّتي خلت «4»
وقيل فيها آية التَّيَمُّمِ «5» ... كذا صَلاةُ الخَوْفِ مَعْ خُلْفٍ نُمي «6»
وقيل في الخمس، وفيه نزلت ... آي الحِجَابِ «7» ، والخُسوفُ صُلِّيَتْ
لِقَمَرٍ، وفيهِ غزوُ الخَنْدَقِ ... معَ قُرَيْظة، مَعَ المُصْطَلِقِ
على الصَّحيحِ «8» ، وبها جُوَيْرِيَهْ ... بَنَى بِهَا، والإفكُ، أوْ في الآتيَهْ
__________
(1) الزينبين: هما زينب بنت خزيمة الحارثية، وزينب بنت جحش رضي الله عنهما، لكن الراجح في زواجه صلى الله عليه وآله وسلم من زينب بنت جحش: أنه كان في الرابعة، وهناك من قال: إن ذلك كان في الخامسة. انظر «الإشارة» لمغلطاي (ص 252) .
(2) الفاجعة: الرزيّة المؤلمة.
(3) جلوا: خرجوا إلى خيبر.
(4) في هامش (أ) : (والخمر حرّم او ففي الّتي خلت) . وقد رجح المصنف هنا تحريم الخمر في السنة الرابعة، وهو قول ابن إسحاق والبلاذري في «أنساب الأشراف» (1/ 272) ، وابن حزم في «جوامع السيرة» (ص 181) ، وقال ابن الجوزي في «تلقيح الفهوم» (ص 44) والقرطبي في «التفسير» (6/ 285) : إن ذلك كان في السنة الثالثة، ورجح الحافظ في «الفتح» (10/ 31) كون ذلك في السادسة، والله أعلم.
(5) في هامش (ب) : (نزل التيمم سنة ست، وقيل: سنة أربع) .
(6) نمي: روي؛ أي: أن هناك خلافا في تاريخ نزول آية التيمم وصلاة الخوف والمصنف هنا رجح أنهما في السنة الرابعة.
(7) في هامش (ب) : (في السنة التي نزلت فيها آية الحجاب ثلاثة أقوال، هذا أحدها، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة ثلاث) .
(8) قوله: (على الصحيح) ترجيح لكون ذلك في السنة الخامسة، وهو قول الواقدي في
في السّتِّ كانتْ عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَهْ ... وبَيعَةُ الرّضْوانِ تلكَ الزَّاكِيَهْ «1»
وفيهِ فَرْضُ الحَجّ أو ما خَلَتِ ... أو في الثمانِ، أو ففي التاسِعَةِ «2»
خُلْفٌ، وقيلَ: كان قبلَ الهِجرةِ ... وُجوبُهُ حَكَاهُ في «النهَايةِ» «3»
وفيهِ قدْ سَابَقَ بينَ الخَيلِ ... وآية الظّهَارِ في ابنِ خَوْلي «4»
في السَّبْعِ خَيْبرٌ، وعُمرَةُ القَضَا ... وَقَدِمَتْ أمُّ حَبِيْبَةَ الرِّضا
بَنَى بها، وبعدَها ميمُونَهْ ... كذاكَ فيها قَبلَها صَفِيَّهْ
__________
«المغازي» (1/ 404) ، وابن سعد في «الطبقات» (2/ 62) والبيهقي في «الدلائل» (4/ 44) ، ورجح ذلك الحافظ في «الفتح» (7/ 430) .
(1) الحديبية: بتخفيف الياء كما هو رأي الحجازيين، قال في «معجم ما استعجم» : (الحجازيون يخففونها، والعراقيون يثقلونها) وهو اسم مكان في حدود الحرم من جهة طريق جدة؛ وتعرف الآن بالشميسي، وكانت هذه العمرة في السنة السادسة من الهجرة، ولكنه لم يتمكن من دخول مكة المكرمة، فتحلل عند حدود الحرم، وهو المكان المسمى بالحديبية، فنسبت العمرة إليه. ومعنى الزاكية: المباركة.
(2) في هامش (ب) : (وقيل: الحج سنة سبع، وقيل: في العاشرة، الجملة سبعة أقوال) .
(3) قوله: (النهاية) أي: «نهاية المطلب» لإمام الحرمين الجويني، فقد نقل المناوي في «العجالة السنية» (ص 129) أن إمام الحرمين حكى فيه أن الحج فرض قبل الهجرة، والمصنف هنا قدم القول بأنه كان في السادسة، وهو قول الإمام الشافعي كما نقله عنه البيهقي في «المعرفة» (3/ 491) والنووي في «الروضة» (7/ 406) وقدمه، ورجحه الحافظ في «الفتح» (3/ 378) وذكر أنه قول الجمهور، والله أعلم.
(4) في هامش (ب) : (قوله: «في ابن خولي» .. هذا لا أعرفه، والذي أعرفه أن آية الظهار نزلت في أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت، ذكر ذلك جماعة ولم يذكروا فيه خلافا، وأما المظاهر منها ففي اسمها خلاف، والصحيح: خولة بنت مالك بن ثعلبة، وفي بعض الروايات: خولة بنت ثعلبة، وقيل غير ذلك، وفي قوله: خويلة بنت خويلد) . والمشهور في كتب الحديث والتفسير والسير: أن زوج خولة هو أوس بن الصامت، أما ابن خولي: فهو أوس بن خولي بن عبد الله الخزرجي الأنصاري الذي حضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيهِ مَنعُ الحُمُرِ الأهليَّةِ ... ومتْعَةِ النساءِ، ثمَّ حَلَّتِ «1»
يومَ حُنَينٍ، ثم قدْ حَرَّمَهَا ... مؤبدًا، ليسَ لذلكَ انْتِهَا
وفي الثمَانِ وَقْعَةٌ بِمُؤتَةِ ... والفَتحُ مَعْ حُنينَ في ذي السنةِ
وأَخْذُ جزية مجوس هجرا ... واتّخذ النّبيّ فيها المِنْبَرا
في التسعِ غَزوةُ تَبُوكَ بعدَ أنْ ... صَلَّى على أصْحَمَ «2» غائبًا فسَنْ
وفيهِ قَدْ آلى منَ النسوانِ ... شَهرًا، وفيهِ قصةُ اللِّعَانِ
وحَجَّةُ الصديقِ، ثم أَرْسَلا ... له عليًّا بعدَهُ على الوِلا
أن لا يَحُجَّ مُشركٌ بعدُ، ولا ... يَطوفُ عُريانٌ كفعلِ الجُهَلا
وسُميتْ بسَنةِ الوُفودِ ... لكثرةِ القَادمِ مِنْ وفُودِ
في العَشْرِ كانتْ حَجَّةُ الوَدَاعِ ... لا يَحْصُرُ الوَافونَ «3» باطلاعِ
فقيلَ: كانوا أربعين ألفا ... أو ضعفها، وزد عليه ضِعْفا «4»
وارتَدَّ فيها وادَّعى النُّبُوهْ ... الأسودُ العَنْسيُّ حتّى موّه «5»
__________
(1) في هامش (ب) : (في كون المتعة في خيبر وقع ذلك في «الصحيح» ، ولكن السهيلي وبعده ابن القيم الحافظ شمس الدين نبها على غلط ذلك، وقد ذكر ابن القيم سبب الغلط وأوضحه برواية في «مسند الإمام أحمد» ، وهو مكان حسن ينبغي لك أن تنظره» . انظر «زاد المعاد» (2/ 142) .
(2) أصحم: ترخيم أصحمة، وهو اسم النجاشي ملك الحبشة.
(3) لا يحصر الوافون: لا يحصي عددهم أهل العلم المتمكنون.
(4) وزد عليه ضعفا: فكانوا مئة وعشرين ألفا.
(5) موّه: لبّس وزخرف.
لبعضِ قومِهِ بسَجْعٍ صَنَعَهْ ... فقُتِلَ الشقيُّ مَعْ مَنْ تَبِعَهْ
فيما يَلِيها وهْيَ إحدى عَشْرَهْ ... قَضَى «1» نبيُّ الله فيها عُمْرَهْ
عاشَ ثلاثًا بعدَ ستينَ على ... أصحّها، والخُلفُ في هذا خلا «2»
__________
(1) قضى: تمّم.
(2) خلا: سبق في باب إقامته في مكة بعد البعثة.
ذكر صفته صلّى الله عليه وسلّم
وَرَبْعَةً كانَ منَ الرجَالِ ... لا منْ قِصارِهِمْ ولا الطِّوَالِ
بعيدَ بينَ المَنْكِبَيْنِ شَعَرُهْ ... يَبلغُ شحمة الأذن، يُوفِرُهْ
مَرةً اُخْرَى فَيَكونُ وَفْرُهُ «1» ... يَضربُ منْكبَيْهِ يعلُو ظَهْرَهُ
يَحْلِقُ رأسَهُ لأجلِ النُّسُكِ ... وربما قَصَّرَهُ في نُسُكِ
وقَدْ رَووا لا تُوضَعُ النَّواصي ... إلا لأجْلِ النُّسُكِ المحَّاصِ «2»
أبيضَ قَدْ شرّب حُمْرةً عَلَتْ ... وفي «الصحيحِ» : أزهرُ اللونِ ثَبَتْ «3»
وفي «الصحيحِ» : أشْكَلُ العَيْنينِ ... أي: حُمْرَةٌ لدى بَياضِ العَيْنِ «4»
ولِعَليّ: أدْعَجٌ، وَفُسِّرا ... بشِدّةِ السَّوادِ في العين يرى «5»
__________
(1) وفرة: الشعر الذي جاوز شحمة الأذن.
(2) المحّاص: على وزن فعّال مبالغة في التحمصيص، وهو التطهير من الذنوب.
(3) أخرجه البخاري (3547) ، ومسلم (2330/ 82) .
(4) أخرجه مسلم (2339) ، وابن حبان (6288) ، والحاكم (2/ 606) ، والترمذي (3746) ، وغيرهم، وجاء عند مسلم: (قلت: ما أشكل العين، قال: طويل شق العين) ، قال النووي في «شرح مسلم» (15/ 93) : (أما قوله في: «أشكل العين» : فقال القاضي: هذا وهم من سماك باتفاق العلماء وغلط ظاهر، وصوابه ما اتفق عليه العلماء ونقله أبو عبيد وجميع أصحاب الغريب: أن الشكلة حمرة في بياض العينين) . وسماك: هو ابن حرب راوي الحديث عن جابر، والله أعلم.
(5) هذه الرواية عند الترمذي (3638) من حديث طويل.
وفي «الصّحيح» : أنّه جعد الشَّعَرْ ... لا سَبِطٌ ولا بجَعْدٍ، الخَبَرْ «1»
وعنْ عليّ سَبِطٌ لم يَثْبُتِ ... إسنادُهُ «2» ، وكان كَثَّ اللّحْيَةِ «3»
وأشْعَرَ الصَّدْرِ دقيقَ المَسْرُبَهْ ... مِن سُرَّةٍ حتّى يحاذي لببه «4»
وكان شَثْنًا كَفُّهُ والقَدَمُ ... وهو الغَليظُ قوةً يستلزم «5»
إذا مشى كأنّما ينحطّ ... في صَبَبٍ، مِنْ صُعُدٍ «6» يَحُطُّ
إذا مَشَى كأنَّما تَقَلَّعا ... مِنْ صَخْرٍ «7» ، ايْ: قويَّ مَشْيٍ مُسْرِعا
يُقبِلُ كلُّهُ إذا ما الْتَفتا ... وليسَ يُلْوي عُنُقًا تَلَفُّتَا
كأنما عَرَقُهُ كاللُّؤلؤِ ... أي: في البياض والصّفا إذا رئي
__________
(1) قصد المصنف رحمه الله أن النبي ص لم يكن شعره شديد الجعودة بل كان بين الجعودة والترسل، وهذا الخبر أخرجه البخاري (3547) ، ومسلم (2338) .
(2) أشار الحافظ العراقي هنا إلى الأثر الذي أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (3/ 259) و (3/ 262) عن علي رضي الله عنه أن النبي ص كان سبط الشعر، وحكم على إسناده بأنه لم يثبت، قال المناوي في «العجالة» (ص 134) : وأما ما رواه ابن عساكر عن علي كرم الله وجهه.. فهو غير ثابت من طريقيه، لأن في إحداهما مجهولا، وفي الآخرى ضعيفا.
(3) كث اللحية: غزيرها.
(4) لببه- باللام وبالموحدتين المفتوحتين-: النقرة التي فوق الصدر، أو موضع القلادة منه. المسربة- بضم الراء وفتحها-: الشعر المستدق الذي يأخذ من وسط الصدر إلى السّرة، كأن ذلك من السّرب؛ أي: المسلك.
(5) قوله: (قوة يستلزم) للدلالة على أن المراد من قوله: (شثن) غلظ. أي: امتلاء وضخامة العضو في الخلقة الذي يستلزم القوة، لا خشونة الجلد، والله أعلم.
(6) الصبب: الطريق المنحدر. الصّعد- جمع صعود-: وهو ضد الهبوط.
(7) تقلع من صخر: مشى بقوة، وكأنه ينحدر من ارتفاع.
تَجمَعُهُ أمُّ سَلِيمٍ، تَجْعَلُهْ ... في طِيبِها، فهْوَ لَعَمْري أفضَلُهْ
يقولُ مَنْ يَنْعَتُهُ: ما قَبلَهُ ... أو بعده رأيت قطّ مثله
ذكر وصف أمّ معبد له صلّى الله عليه وسلّم
تقولُ فيهِ بِلِسَانٍ نَاعِتِ ... أبْلَجُ وجهٍ ظَاهرُ الوضَّاءَةِ «1»
الخَلْقُ مِنْهُ لمْ تَعِبْهُ ثَجْلَهْ ... كَلاَّ ولَمْ تُزْرِ بهِ مِنْ صَعْلَهْ «2»
أَدَعْجُ والأهدابُ فيها وَطْفُ ... مِنْ طولِها أو غَطَفٌ أوَ عَطْفُ «3»
والجِيدُ فيهِ سَطَعٌ، وَسِيمُ ... والصَّوْتُ فيهِ صحل، قسيم «4»
كيثف لِحْيةٍ، أَزَجُّ، أَقْرَنُ «5» ... أَحْلاه مِنْ قُرْبٍ لَهُ وأحسن
أجمله من بعد وأبهى ... يَعْلُوهُ إذْ ما يَتَكَلمُ الْبَهَا
كذاكَ يَعْلُوهُ الوقار إن صمت ... منطقه كخرز «6» تحدّرت
__________
(1) ناعت: واصف. الأبلج: الأبيض الحسن الواسع الوجه.
(2) الثجلة: عظم البطن واسترخاؤه، وهو بضم المثلاثة كما في كتب اللغة، ووقع في نسخة الناظم بالفتح، وعند المناوي في «العجالة» (138) بفتح المثلاثة. الصعلة- بفتح الصاد وإسكان العين المهملة-: الدقة والنحول والخفة في البدن.
(3) الوطف: كثرة شعر الأهداب مع استرخاء وطول. الغطف والعطف والوطف بمعنىّ، وقول المصنف (أو) يشير إلى روايات أخرى فيها الغطف والعطف مكان الوطف.
(4) الجيد: العنق. السطع: الطول والارتفاع. الصحل: بحة في الصوت. قسيم- من القسامة- وهي: الحسن والجمال.
(5) أزج- من الزجج- وهو: تقوس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد. أقرن- من القرن- وهو: التقاء الحاجبين.
(6) الخرز- جمع خرزة-: وهي التي تنظم في السلك ليتزين بها.
فَصْلُ الكلامِ ليسَ فيه هَذرُ ... حُلوُ المَقَالِ ما عَرَاهُ نَزْرُ «1»
لا بَائِنٌ طولا، ولا يُقْتَحَمُ ... مِنْ قِصَرٍ «2» ، فهْوَ عَلَيهِمْ يَعظُمُ
بِنَضْرَةِ المَنْظَرِ والمِقدَارِ ... تَحُفُّهُ الرِّفْقَةُ بائتِمَارِ
إنْ أُمِروا.. تَبَادَروا امْتِثَالا ... أو قالَ قَولا.. أنْصَتوا إجْلالا
فَهْوَ لدَى أصحابِهِ مَحْفودُ ... أيْ: يُسْرِعونَ طَاعَةً، مَحْشودُ «3»
ليسَ بعابِسٍ، ولا مُفنِّدِ ... بِذَاكَ عَرَّفَتْهُ أمّ معبد «4»
__________
(1) الهذر: الكلام الكثير، وضده النزر: القليل.
(2) الطول البائن: المفرط، وقوله: (لا يقتحم من قصر) أي: لا يطوله أحد.
(3) المحشود: الذي يخدمه أصحابه ويجتمعون إليه. المحفود: المخدوم.
(4) المفند: الذي لا فائدة في كلامه، وحديث أم معبد في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الحاكم (3/ 9) وصححه، وأقره الذهبي، والبيهقي في «الدلائل» (1/ 278) ، وابن سعد في «الطبقات» (1/ 230) ، وغيرهم.
ذكر وصف هند بن أبي هالة له صلّى الله عليه وسلّم
وابنُ أبي هالةَ زادَ لَمَّا ... وَصَفَهُ: مُفَخَّمًا وَفَخْمَا «1»
لوجهِهِ تَلألؤٌ كالبَدرِ ... مُعتَدِلُ الخَلْقِ، عَريضُ الصَّدْرِ
عَظيمُ هَامٍ، واسعُ الجَبينِ ... فَمٌ ضَليعٌ، أقنأ العرنين «2»
يعلوه نور، من رآه إذْ ما ... لم يَتَأمَّلْ ظنَّهُ أشَمَّا «3»
مُفَلَّجُ الأسنانِ، سَهلُ الخَدِّ ... أشْنبُ، بَادنٌ، طويلُ الزَّنْدِ «4»
عُنُقُهُ يُرَى كجِيدِ دُميةِ ... مَعَ صَفَاءِ لونِهِ كالفِضَّةِ «5»
أزجُّ في غيرِ قَرَنْ، إذا غَضِبْ ... بينهما عرق يدرّه الغضب «6»
__________
(1) هند بن أبي هالة: هو ابن السيدة خديجة من زوجها الأول، وحديثه أخرجه الترمذي في «الشمائل» (8) ، والبيهقي في «الدلائل» (1/ 161) ، والطبراني في «الكبير» (22/ 155) . وقوله: (مفخما) : معظما في العيون والصدور. و (فخما) : عظيما في نفسه.
(2) فم ضليع: واسع، وهي صفة محمودة عند العرب تدل على الفصاحة. أقنأ- مخففة من القنا، وهمز لأجل الوزن- وهو: ارتفاع أعلى الأنف واحديداب وسطه. العرنين: ما صلب من عظم الأنف أو كله.
(3) أشم- من الشمم- وهو: ارتفاع قصبة الأنف.
(4) مفلج الأسنان: مفرج ما بين الثنايا. سهل الخد: غير مرتفع الوجنتين. أشنب: أبيض الأسنان. بادن: صخم البدن. الزند: ما انحسر عنه اللحم من الذراع.
(5) دمية: صورة مجسّمة من رخام أو عاج.
(6) قوله: (في غير قرن) أي: قرن تام، فلا يعارض ما مر في حديث أم معبد. يدرّه: يحرّكه ويظهره.
وسَائلُ الأطرافِ، رَحبُ الراحَةِ ... ضَخمُ الكَرَاديسِ، ذَريعُ المشية «1»
__________
(1) سائل الأطراف: ممتد الأصابع بلا تعقد ولا انقباض. الكراديس: رؤوس العظام. ذريع المشية: سريعها مع سعة الخطوة. وفي هامش (أ) : (بلغ الشيخ شهاب الدين أحمد بن عثمان بن الكلوتاتي نفع الله به قراءة عليّ والجماعة سماعا في الثالث. كتبه مؤلفه) .
ذكر أخلاقه الشّريفة صلّى الله عليه وسلّم
أكرم به خلقه القرآن ... فَهْوَ لَدى غَضَبِهُ غَضْبانُ
يَرضَى بما يرضَاهُ، ليسَ يَغضَبُ ... لنفسِهِ إلا إذا تُرْتَكَبُ
مَحَارِمُ الله إذًا فيَنْتَقِمْ ... فَأَحَدٌ لذاكَ أصلاً لم يَقمْ
بَعَثَهُ الرحمنُ بالإرفاقِ ... كيمَا يَتِمَّ صَالحَ الأخلاقِ
أشْجَعُهُمْ في مَوطِنٍ وأنْجَدا ... وأجودُ الناسِ بنانا ويدا
ما سيل «1» قَطُّ حَاجَةً فقالَ: لا ... وليسَ يأوي مَنْزِلا إنْ فَضَلا
ممَّا أتى دِرْهمٌ أو دينَارُ ... حتى تريحَ منهُمَا الأقْدارُ
أصدَقُ لَهْجَةً، وأوفى ذِمَّهْ ... ألينُهُمْ عَرِيكَةً «2» في الأُمَّهْ
أكرمُهُمْ في عِشْرةٍ، لا يَحسبُ ... جليسُهُ أَن سواهُ أقْربُ
حَياؤهُ يَربُو على العَذْراءِ ... في خِدرِها، لِشِدَّةِ الحَيَاءِ
نَظَرُهُ للأرْضِ مِنهُ أكثَرُ ... إلى السمَاءِ، خَافِضٌ إذْ يَنْظُرُ «3»
أكثرُهُمْ تواضعًا، يُجيبُ ... دَاعِيَهُ بعيد او قريب
__________
(1) سيل: سئل، مسهّلة لضرورة الشعر.
(2) أصدق لهجة: يعني كلامه أصدق كلام. ألينهم عريكة: أحسنهم معاشرة.
(3) خافض إذ ينظر: أي كان لا يثبت بصره في وجه أحد لشدة حيائه صلى الله عليه وسلم.
مِنْ عبدٍ أو حُرٍّ فقيرٍ أو غنِي ... وأرحمُ الناسِ بكلِّ مؤْمنِ
وطَائفٍ يَعْرُوهُ «1» ، حتَّى الهِرهْ ... يُصغي لها الإناءَ غَيرَ مَرَّهْ
كانَ أعَفَّ الناس، ليسَ يُمْسِكُ ... أيديَ مَنْ ليسَ لَهُنَّ يَمْلِكُ
يُبَايِعُ النساءَ لا يُصَافِحُ ... أيدِيَهُنَّ، بل كلام صالح «2»
أشدُّهُمْ لصَحبِهِ إكرامًا ... ليسَ يَمُدُّ رِجلَهُ احْتِرامًا
بينَهُمُ، ولَمْ يَكنْ يُقَدِّمُ ... رُكبَتَهُ على الجَليسِ يكرم
فمن بديهة رآه هَابَهُ ... طَبعًا، ومَنْ خالطَهُ أحبَّهُ
يَمْشي معَ المِسكينِ والأرْملَةِ ... في حَاجَةٍ مِنْ غيرِ ما أَنَفَةِ «3»
يَخْصِفُ نَعلَهُ، يَخِيطُ ثَوْبَهُ ... يَحلِبُ شَاتَهُ، ولنْ يَعِيبَهُ
يَخْدِمُ في مَهْنَةِ أهلِهِ كمَا ... يَقطَعُ بالسكينِ لَحْمًا قَدُما
يُردِفُ خَلفَهُ على الحِمَارِ ... على إكافٍ «4» غير ذي اسْتِكبَارِ
يَمْشي بلا نَعلٍ ولا خُفٍّ إلى ... عِيَادةِ المريضِ حولَهُ المَلا
يُجالسُ الفَقيرَ والمِسْكينا ... ويُكرِمُ الكِرَامَ إذْ يَأْتونا
ليسَ مُوَاجِهًا بشَىءٍ يَكرَهُهْ ... جَليسُهُ، بَلْ بالرضَا يُواجِهُهْ
يَمْزَحُ لا يَقولُ إلا حقّا ... يجلس في الأكل مع الأرقّا
__________
(1) يعروه: يقصده.
(2) بل كلام صالح: يبايعهن بالكلام الذي يوفي بالغرض بلا مصافحة.
(3) أنفة: بفتح الهمزة والنون، يقال: أنف من الشيء، إذا شرفت نفسه عنه، وتنزه عنه.
(4) الإكاف: البرذعة، وهي: ما يوضع على الحمار أو البغل ليركب عليه، كالسرج للفرس.
يَأتي إلى بَسَاتِنِ الإخْوَانِ ... يُكرِمُهُمْ بِذَلكَ الإتْيانِ
قِيلَ لهُ يَدعُو على الكُفَّارِ ... دَوْسٍ وغَيرِهِمْ مِنَ الفُجَّارِ
فقالَ: إنما بُعِثتُ رَحْمَهْ ... وليسَ لَعَّانًا نبيُّ الرَّحمَهْ
بلْ سَألَ: اللهُمَّ فَاهدِ دَوْسا ... وَأتِ بهِمْ فأصْبَحُوا رُؤوسا
لمْ يَكُ فَحَّاشًا ولا لَعَّانًا ... ولا بَخِيلاً لا ولا جَبَانَا
يَخْتَارُ أَيْسَرَ الأمورِ إذْ مَا ... خُيِّرَ، إلا أنْ يَكونَ إثمَا
لمْ يُرَ ضَاحِكًا بملء فيه ... ضحكه تبسّم يُبْديهِ
يَعْجَبُ ممَّا يعجَبُ الجَليسُ ... منهُ، فمَا بوجهِهِ عُبُوسُ
أصْحابُهُ إذْ يَتَناشَدُونا ... بينَهُمُ الأشْعارَ يَضْحَكونَا
ويَذْكرونَ جَاهِليَّةً، فمَا ... يَزيدُ أنْ يَشْرَكَهُمْ تَبَسُّمَا
قَدْ وُسِعَ النَّاسَ بَبَسْطِ الخُلْقِ ... فَهُمْ سَواءٌ عندَهُ في الحَقّ
ما انْتهَرَ الخَادِمَ قطُّ فيمَا ... يأتِيْهِ أو يتْرُكُهُ مَلُومَا
في صُنعِهِ للشَّىءِ: لِمْ صَنَعْتَهُ؟ ... وتَرْكِهِ للشَّىءِ: لِمْ تَرَكْتَهُ؟
يقولُ: لوْ قُدِّرَ شىءٌ كانَا ... سُبْحانَ مَنْ كَمَّلَهُ سُبْحانَا «1»
وفي الجُلوسِ يَحْتَبي تَواضُعَا ... ومرّة كالقرفصاء خاضعا «2»
__________
(1) في (ج) و (د) : (إنسانا) ، وفي هامش (أ) وهامش (ب) : (نسخة: إنسانا) .
(2) يحتبي، احتبى فلان: جلس على أليتيه وضم فخذيه وساقيه إلى بطنه بذراعيه استغناء عن الاستناد. القرفصاء: هو أن يجلس على ركبتيه متكئا، ويلصق بطنه بفخذيه، ويتأبط كفّيه.
مَجلِسُهُ حِلْمٌ، وصَبْرٌ، وَحَيَا ... يَبْدأُ بالسَّلامِ مَنْ قَدْ لَقِيَا
ويُؤْثِرُ الداخلَ بالوسَادَهْ ... أو يَبْسُطُ الثوبَ لهُ زِيادَهْ «1»
ليسَ يقولُ في الرّضَا والغَضَبِ ... قَطعًا سِوى الحَقّ، فخُذْهُ واكْتُبِ
يَعِظُ بالجدّ إذا ما ذَكَّرا ... كأنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ حَذَّرا
ويَسْتَنِيرُ وَجهُهُ إنْ سُرّا ... تَخَالُهُ مِنَ السُّرُورِ بَدْرا
يَمنَعُ أن يَمشيَ خَلفَهُ أَحَدْ ... بَل خَلفَهُ مَلائِكُ الله الأَحَدْ
وليسَ يَجْزي سيِّئًا بمِثْلِهِ ... لكنْ بِعَفْو وبصَفْحٍ فَضْلِهِ
كان يُحِبُّ الفَأَلَ ممّن ذكره ... وكان يكره اتّباع الطّيره «2»
__________
(1) زيادة: في إكرامه.
(2) في هامش (أ) : (بلغ ابن أبي حاتم قراءة عليّ والجماعة سماعا في الأول في الروضة الشريفة. كتبه مؤلفه) . وفي هامشها أيضا: (بلغ عبد الوهاب ولد ابن أبي زرعة قراءة عليّ، وحافظ الدين عبد الغني المقدسي الحنبلي من «ذكر وصوله إلى قباء ثم إلى المدينة» . كتبه مؤلفه) .
ذكر خلقه صلّى الله عليه وسلّم في الطّعام والشّراب
ولمْ يَعِبْ قَطُّ طَعَامًا يَحضُرُهْ ... يأكلُهُ إن يَشْتَهي، أَوْ يَذَرُهْ
ولمْ يكُنْ جُلُوسُهُ مُتَّكِيَا ... في حالة الأكل ولكن مقعيا «1»
تعجبه الذّرَاعُ، والدُّبَّاءُ ... والعَسلُ المَحبوبُ، والحَلوَاءُ «2»
ويأكُلُ البّطيخَ والقِثَّاءَ ... بِرُطَبٍ، يَبْغي بهِ الدَّواءَ
يقولُ: يُطْفي بردُ ذَيْنِ حَرَّ ذا ... وكلُّ إرْشادٍ فعَنْهُ أُخِذا
يَأْكُلُ بالأصَابِعِ الثَّلاثَةِ ... يَلعَقُها، لِقَصْدِ ذي البَرَكَةِ
يبدأُ باسمِ الله ثمَّ يَختِمُ ... بالحَمْدِ في شُرْبٍ وأَكْلٍ يَطْعَمُ
يَشْرَبُ في ثَلاثَةٍ أنْفَاسَا ... يَمُصُّ فَهْوَ أَهْنَأُ اخْتِلاسَا
لمْ يَتَنَفَّسْ في الإنَا إذْ يَشرَبُ ... يُبِينُهُ عنْ فِيهِ فَهْوَ أَطْيَبُ
يَشْرَبُ قَاعِدًا، ومِنْ قِيامِ ... لِعَارِضٍ، كزَمْزِمِ الحَرامِ
وشُربُهُ مِنْ قِرْبَةٍ معَلَّقَهْ ... دَلَّ به للرُّخْصَةِ المُحَقَّقَهْ
يُنَاوِلُ الأيْمَنَ قَبلَ الأيْسَرِ ... إلا بِإذنِهِ لِحَقِّ الأكبَرِ
والبَارِدُ الحُلْوُ يُحِبُّ شُربَهُ ... واللبَنَ اسْتَزادَ إذْ أحَبَّهُ
يقولُ: زِدْنا مِنْهُ فهْوَ يُجْزي ... عنِ الشَّرابِ والطعَامِ المُجْزي
__________
(1) مقعيا يقال: أقعى في جلوسه: إذا جلس على أليتيه ونصب ساقيه وفخذيه.
(2) الدباء: القرع. الحلواء: كل ما عولج من الطعام بسكّر أو عسل.
ذكر خلقه صلّى الله عليه وسلّم في اللباس
يَلبَسُ ما مِنَ الثيابِ وَجَدَا ... مِنَ الإزارِ، والقَمِيصِ، والرِّدَا
وبُرْدَةٍ، وشَمْلَةٍ، وَحِبَرَهْ ... وَجُبَّةٍ، أو فقُبَاءٍ حَضَرَهْ «1»
لَبِسَ أيْضًا حُلَّةً حمراء ... فزادها بحسنه سناء «2»
وربَّما ارتَدَى الكِسَاءَ وَحْدَهْ ... ليْسَ عَليهِ غَيرُهُ، لَمْ يعدُهْ
وربَّمَا كانَ الإزارُ وَحدَهُ ... ليسَ عليه غيره بعقده «3»
وربَّما كانَ عليهِ مَرْطُ ... مُرَحَّلٌ، يَقْنَعُ لا يَشْتَطُّ «4»
وربَّما صَلَّى بِثَوْبٍ وَاحِدِ ... مُلْتَحِفًا بهِ بِغيرِ زَائدِ
لا يُسْبِلُ القَميصَ والإزَارَا ... بل فَوقَ كَعبَيْهِ هُمَا اقْتِصَارا
بل رُبَّما كانَا لنصف السّاق ... تَواضُعًا لِرَبّهِ الخَلاقِ
يَلْبَسُ ثَوبَهُ منَ المَيامِنِ ... ونَزْعُهُ بالعَكْسِ؛ للتَّيَامُنِ
كانتْ لهُ مِلحَفَةٌ مَصبُوغَةُ ... بزعفران أو بورس «5» ينبت
__________
(1) الشملة: كساء من صوف أو شعر يتغطى به. الحبرة: ثوب من قطن أو كتان مخطط كان يصنع باليمن. القباء: ثوب يلبس فوق الثياب.
(2) كذا في (أ) و (ج) و (د) ، وفي (م) وهامش (أ) : (نسخة: بهاء) .
(3) كذا في (أ) وهامش (ج) أي: يربطه بعقد يعقد بها، وفي (ج) و (د) : (يعقده) .
(4) مرط: ثوب غير مخيط من صوف يؤتزر به. مرحّل: منقوش عليه تصاوير. يشتط: يجاوز القدر المحدود.
(5) الورس: نبات كالسمسم يصبغ به.
يَقولُ عندَ اللُّبْسِ باللسَانِ: ... الحمدُ لله الذي كَسَاني
ما يَستُرُ العَورَةَ مِنْ لِبَاسِ ... معََ التَّجَمُّلِ بهِ في النَّاسِ
ويَصْعَدُ المِنبَرَ إذْ يَشَاءُ ... بِرَأسِهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ «1»
ونَعْلُهُ الكَريمَةُ المَصُونَهْ ... طُوبى لمَنْ مَسَّ بِها جَبِينَهْ
لهَا قِبَالانِ بِسَيْرٍ وَهُمَا ... سِبْتِيَّتَانِ سَبَتوا شَعْرَهُمَا «2»
وطُولُهَا شِبْرٌ وإصْبَعَانِ ... وعَرْضُها مِمَّا يَلي الكَعبَانِ «3»
سَبْعُ أصَابِعَ، وبَطْنُ القَدَمِ ... خَمْسٌ، وفَوقَ ذا فَسِتٌّ فاعلَمِ
وَرَأْسُهَا مُحَدَّدٌ، وعَرْضُ مَا ... بَينَ القِبَالَينِ اصْبَعَانِ، اضبِطْهُمَا
وهَذهِ تِمثَالُ تِلكَ النَّعْلِ ... ودورهَا، أكْرِمْ بها من نعل
__________
(1) دسماء: سوداء.
(2) قبالان- تثنية قبال- وهو: الزمام الذي بين الإصبع الوسطى والتي تليها. سبتيتان- تثنية سبتية- وهي: المصنوعة من جلود البقر المدبوغة، سميت بذلك لأن شعرها سبت؛ أي: حلق.
(3) في هامش (ب) : (هذا على لغة، والله أعلم، ولو قال شيخنا: «وطولها شبر مع اصبعين» بالنقل؛ أي: ترك همزة «إصبع» وتحريك العين.. من «مع» كان موزونا، ويقول في النصف الثاني: «الكعبين» كان أحسن ولم تكن فيه ضرورة) .
ذكر صفة خاتمه صلّى الله عليه وسلّم
خَاتمُهُ مِنْ فِضَّةٍ وفَصُّهُ ... مِنهُ، ونَقْشُهُ عَليهِ، نَصُّهُ
(مُحمَّدٌ) سَطْرٌ، (رَسولُ) سَطرُ ... (الله) سَطْرٌ، ليس فيه كبر «1»
وفَصُّهُ لِبَاطِنٍ يَختِمُ بِهْ ... وقالَ: لا يُنْقَشْ عَليهِ يَشْتَبِهْ «2»
يَلْبَسُهُ- كمَا رَوَى البُخَارِي- ... في خنصَرٍ، يَمينٍ أو يَسارِ «3»
كِلاهُما في «مُسلمٍ» ويُجْمَعُ ... بَأنَّ ذَا في حَالَتَينِ يَقَعُ «4»
أو خَاتَمَينِ كُلُّ وَاحِدٍ بِيَدْ ... كَمَا بِفَصّ حَبَشِيّ قد ورد «5»
__________
(1) قوله: (كبر) كذا بخط المصنف، وعند المناوي في «العجالة السنية» (ص 163) : (كسر) أي: كان كل سطر حروفه كاملة. والله أعلم.
(2) أي: لا ينقش أحد النقش نفسه لخوف الاشتباه.
(3) الحديث عند البخاري برقم (5874) .
(4) الأول عند مسلم برقم (2094/ 62) ، والثاني برقم (2095) .
(5) هذه الرواية أخرجها مسلم (2094/ 61) .
ذكر فراشه صلّى الله عليه وسلّم
فِراشُهُ مِنْ أَدَمٍ «1» وحَشْوُهُ ... لِيْفٌ، فلا يُلْهي بِعُجبٍ زَهْوُهُ
وربَّما نَامَ على العَبَاءةِ ... بثَنْيَتَينِ عِندَ بعضِ النّسْوةِ «2»
وربَّما نَامَ على الحَصِيرِ ... ما تحته شيء سوى السّرير
__________
(1) أدم- بفتحتين، جمع أديم-: وهو الجلد المدبوغ.
(2) في هامش (ب) : (عند حفصة رضي الله عنها) .
ذكر طيبه وكحله صلّى الله عليه وسلّم
الطِّيبُ والنسَاءُ حُبِّبَا لَهُ ... ويَكرَهُ الريحَ الكَريهَ كُلَّهُ
وطِيبُهُ غَالِيَةٌ ومِسْكُ ... والمِسكُ وحدَهُ، كذاكَ السُّكُّ «1»
بَخُورُهُ الكافورُ والعُودُ النَّدي ... وعَينُهُ يَكْحُلُهَا بالإثمِدِ
ثَلاثَةً في العَيْنِ للإيتَارِ ... ورُوِيَ اثنتَينِ في اليسار «2»
__________
(1) الغالية: طيب مركب من المسك والعنبر والعود والكافور. السك: نوع من الطيب يركّب من مسك وشيء أسود يخلط به.
(2) في هامش (أ) : (بلغ أبو الفتح محمد بن العلامة زين الدين أبي بكر بن الحسين المراغي قراءة عليّ والجماعة سماعا في الثاني بمسجد المدينة الشريف. كتبه مؤلفه) .
ذكر معجزاته صلّى الله عليه وسلّم
أعظمها معجزة القرآن ... تَبْقَى على تَعَاقُبِ الأزْمَانِ
كذا انْشِقاقُ البَدْرِ حتّى افترقا ... بِفِرْقتَيْنِ، رَأيَ عَيْنٍ حُقِّقَا
وقَدْ زَوَى لَهُ الإلهُ حَقَّا ... الأرضَ مَغْربًا لَها وَشَرْقَا
وقالَ: «ما زَوَاهُ لي سَيَبْلُغُ ... إليهِ مُلْكُ أُمَّتي» فَبَلَغُوا
وحَنَّ جِذْعُ النَّخْلِ لمَّا فَارقَهْ ... لِمِنْبَرٍ إليهِ، حتَّى اعْتَنَقَهْ
وَنَبَعَ الْمَاءُ فَجَاشَ كَثْرَه «1» ... من بين إصبعيه «2» غير مرّه «3»
وسبّح الحصى بِكَفِّهِ بِحَقْ ... كَذا الطعَامُ عِندَهُ بهِ نَطَقْ
وَشَجَرٌ وَحَجَرٌ قَدْ سَلَّما ... عَلَيْهِ نُطْقًا، والذّرَاع كلّما
وقد شكا له البعير إذ جهد ... وبالنّبوّة له الذّيب شهد
وجاء مرّة قضاء الحاجة ... ولم يجد شيئا «4» سوى أشاءة «5»
__________
(1) جاش: ارتفع وفار.
(2) في هامش (ب) : (لو قال شيخنا: «من نفس إصبعيه» .. كان أحسن؛ لأن الصحيح أن الماء تفجر من نفس الأصابع، مع احتمال كل من القولين، والله أعلم) .
(3) في هامش (ب) : (قال ابن عبد البر في أول «الإستيعاب» : إن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم مرات في مواطن شتى. اه وعن ابن حبان في «صحيحه» : أنه اتفق مرات عددها خمسة) .
(4) في (ج) و (د) : (سترا) بدل (شيئا) .
(5) أشاءة- بفتح الهمزة وشين معجمة-: نخلة صغيرة.
ومِثْلِهَا، لكنْ هُمَا بَعُدَتا ... أمَرَ كلاًّ مِنْهُما فَأَتَتَا
تَخُدُّ «1» الأرْضَ ذي وذي حتَّى قَضَى ... حاجته، أمر كلّا فمضى
وازدلفت إليْهِ سِتُّ بُدْنِ ... للنَّحْرِ، كُلٌّ سَابِقٌ للطَّعْنِ
وَنَدَرَتْ «2» عَيْنُ قَتَادَةَ فَرَدْ ... تِلكَ فكانتْ مِنْ صحيحة أحد
وبرئت عَيْنُ عَليٍّ إذْ تَفَلْ ... فِيهَا لِوَقْتِهِ، وما عَادَ حَصَلْ
وابْنُ عَتِيْكٍ رِجْلُهُ أُصيبَتْ ... فَهْيَ بمسحه سريعا برئت
وقَالَ: أقْتُلُ أُبَيَّ بْنَ خَلَفْ ... خَدَشَهُ خَدْشًا يسِيرًا فانْحَتَفْ «3»
كَذَاكُمُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفِ ... قُتِلَ كافِرًا ببَدْرٍ فَوُفِي
وَعَدَّ في بَدْرٍ لهُمْ مَصَارِعا ... كلٌّ بما سَمّى لهُ قَدْ صُرِعا
وقالَ عَنْ قَوْمٍ: «سَيَرْكَبُونا ... ثَبَجَ «4» هذا البَحْرِ» أيْ: يَغْزُونا
ومنهُمُ أمُّ حَرَامٍ رَكِبَتْ ... البَحرَ، ثمَّ في رجوعِهِمْ قَضَتْ «5»
وقَالَ في الحَسَنِ سِبْطِ نَسَبِهْ ... يَومًا: لَعَلَّ الله أنْ يُصْلِحَ بِهْ
ما كَانَ بَيْنَ فِئتَينِ وَهُمَا ... عَظيمَتانِ، الكُلُّ مِمَّنْ أسْلَمَا
فكانَ ذا، وقالَ في عثمانا: ... «تصيبه البلوى» فحقّا كانا
__________
(1) تخد: تشق.
(2) ندرت: سقطت.
(3) فانحتف: من لقي حتفه إذا مات.
(4) ثبج: وسط.
(5) قضت: ماتت.
ومَقْتَلُ الأسوَدِ في صَنْعَا اليَمَنْ ... ذَكَرَهُ لَيلَةَ قَتْلِهِ، وَمَنْ
قَتَلَهُ «1» ، كَذاكَ كِسْرَى أخْبَرَا ... بِقَتْلِهِ، فَكَانَ ذا بِلا مِرَا
وقَالَ إخْبَارًا عَنِ الشَّيْمَاءِ «2» ... «قَدْ رُفعَتْ في بَغْلَةٍ شَهْبَاءِ»
خِمَارُها أسْودُ حتَّى أُخِذَتْ ... عَهدَ أبي بكرٍ كما قَد وُصِفَتْ
وَقَدْ دَعَا لوَلَدِ الخَطَّابِ ... بِعِزَّةِ الدّينِ بهِ، أوْ بأَبِي
جَهْلٍ، أصَابَتْ عُمَرًا فأسْلَمَا ... عَزَّ بهِ مَنْ كانَ أضْحَى مُسْلِمَا
ولِعَلِيٍّ بذَهابِ الحَرّ ... والبَرْدِ، لمْ يكنْ بِذَينِ يَدْري
ولابنِ عَباسٍ بِفقهِ الدّينِ مَعْ ... عِلْمٍ بتأويلٍ، فَبَحْرًا اتَّسَعْ
وثَابِتٍ بِعَيْشِهِ سَعِيدًا «3» ... حَيَاتَهُ، وموتِهِ شَهيدًا
فَكانَ ذا، وأنسٍ بِكَثْرَةِ ... المَالِ والوُلْدِ وَطُولِ المُدَّةِ
في عمْرِهِ، فَعَاشَ نَحوَ المئة «4» ... وكانَ يُؤْتي نَخْلُهُ في السَّنَةِ
حِمْلَيْنِ، والوُلْدُ لصلب مئة ... من بعد عشرين ذكورا أثبتوا
__________
(1) في هامش (ب) : (الذي قتله هو فيروز الديلمي، أسلم في حياته عليه السلام، وتعد له صحبة) .
(2) الشيماء: هي بنت بقيلة الأزدية، وخبرها أخرجه الطبراني في «الكبير» (4/ 213) ، والبيهقي في «الدلائل» (5/ 268) ، ووقع في «العجالة السنية» (173) للمناوي: أنها الشيماء بنت الحارث السعدية، فوهم في ذلك، ثم أتى بالحديث فذكر الشيماء الأزدية.
(3) في هامش (ب) : (هو ثابت بن قيس بن شماس) .
(4) في هامش (ب) : (وعاش على قول فوق المئة، والله أعلم) .
وقَالَ فيمَنِ ادَّعَى الإسْلامَا «1» ... وَقَدْ غَزا مَعْهُ العِدَا وَحَامَا «2»
مَعْ شِدَّةِ القِتَالِ للكفَّارِ ... مَعْهُ: بأنهُ مِنَ أهلِ النارِ
فَصَدَّقَ الله مقالَ السَّيّدِ ... بِنَحرِهِ لِنَفسِهِ عَمْدَ اليَدِ «3»
وكانَ مِنْ عتبة بنِ أبي لَهَبْ ... أذًى لهُ، دَعَا عَليهِ، فوجب
يسلّط الله عليهِ كَلْبا ... قَتَلَهُ الأَسَدُ قَتْلاً صَعْبا
وقد شكا لَهُ قُحُوطَ المَطَرِ ... شَاكٍ، أتاهُ وهْوَ فوقَ المِنبرِ
فَرَفَعَ اليَدَيْنِ لله، وَمَا ... قَزَعَةٌ «4» ولا سَحَابٌ في السَّمَا
فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ وانتشَرَتْ ... فأُمْطِروا جمعة تواترت
حتّى شكا لَهُ انقطاعُ السُّبُلِ ... فأَقْلَعَتْ لمَّا دَعَا الله العَلي
وأطْعَمَ الألفَ زَمَانَ الخَنْدَقِ ... مِنْ دونِ صَاعٍ وبُهَيْمةٍ، بَقي
بَعدَ انْصِرافِهِمْ عَنِ الطعَامِ ... أكثرُ ممَّا كان مِنْ طَعَامِ
كذاكَ قدْ أطعمَهُمْ مِنْ تَمْرٍ ... أَتَتْ بهِ جَارِيَةٌ في صُغْرِ
وأَمَرَ الفَاروقَ أن يُزَوّدا ... مئينَ أرْبعًا أتَوْا فَزَوَّدا
والتمرُ كانَ كالفَصيلِ الرَّابِضِ ... كأنهُ ما مسّه من قابض «5»
__________
(1) في هامش (ب) : (هو قزمان، وكنيته أبو الغيداق) .
(2) حام: احتفل وانتصر له.
(3) عمد اليد: بنصب (عمد) أي: قتل نفسه بيده عمدا.
(4) قزعة: قطعة من الغيم.
(5) الفصيل: ولد الناقة. الرابض: البارك.
كذاكَ أقراصُ شَعيرٍ جُعِلَتْ ... مِنْ تَحتِ إبْطِ أنَسٍ، فَأَكَلَتْ
جَمَاعَةٌ منها ثَمانونَ، وَهمْ ... قَدْ شَبِعوا، وهْوَ كما أُتي لَهُمْ
وأطعَم الجيشَ فكلٌّ شَبِعا ... مِنْ مِزْوَدٍ، وما بقي فيهِ دعا
لِصَاحِبِ المِزْوَدِ فيهِ «1» ، فَأُكِلْ ... منهُ حيَاتَهُ إلى حَينَ قُتِلْ
عُثمانُ، ضَاعَ، وَرَوَوا أنْ حِمْلا ... خمسينَ وِسْقًا منهُ لله علا
وفي بِنَائِهِ بزَيْنَبْ أطْعَمَا ... خَلقًا كثيرًا منْ طَعَامٍ قُدِّما
أهدَتْ لهُ أمُّ سُليمٍ، رُفِعَا ... مِنْ بينِهِمْ، وَهْوَ كَمَا قدْ وُضِعا
والجَيشُ في يَومِ حُنَينِ إذ رُموا ... مِنهُ بقَبْضَةٍ تُرَابًا هُزمُوا
وأنْزلَ الله بِهِ كِتَابَا ... وامتلأَتْ أعْيُنُهُمْ ترابا
كذا التّراب في رؤوس القَوْمِ قَدْ ... وَضَعَهُ، ولمْ يَرَهْ منهُمْ أَحَدْ
وكمْ لهُ مِنْ مُعجزاتٍ بَيّنَهْ ... تَضيقُ عَنهَا الكتب المدوّنه «2»
__________
(1) صاحب المزود هو سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه وقصته أخرجها البيهقي في «الدلائل» (6/ 110) .
(2) أجمع كتاب ضمها هو «حجة الله على العالمين في معجزات سيّد المرسلين» للعلامة النبهاني رحمه الله تعالى.
ذكر خصائصه صلّى الله عليه وسلّم «1»
خُصَّ النبيُّ بوجوبِ عِدَّهْ ... الوِتْرِ، والسّوَاكِ، والأُضْحِيَّهْ
كذا الضُّحى- لَوْ صَحَّ- والمُصَابَرَهْ ... على العَدُوّ، وكذا المُشاوَرَهْ
والشافعِي عَنِ الوجوبِ صَرَفَهْ «2» ... حَكَاهُ عنهُ البيهقِيْ في «المَعْرِفَهْ» «3»
كذا التَّهَجُّدُ ولَكِنْ خفّفا ... نسخا، وقيل: بل هذا كرم
كذا قَضَاءُ دَيْنِ مَنْ مَاتَ وَلَمْ ... يَتْرُكْ وَفَاءً، قِيلَ: بَلْ هَذَا كَرَمْ
كذاكَ تَخْيِيرُ النّساء اللّاتي ... معه، وأمّا في المحرّمات
ممّا أبيح لسواه حرّما ... عليه، فهي مَدُّ عَيْنَيْهِ لِمَا
قدْ مُتّعَ الناسُ بهِ مِنْ زَهْرَةِ ... دُنْيَاهُمُ، كَذاكَ مِنْ خائنَةِ
الأعْيُنِ، اعْدُدْهُ، ونَزْعُهُ لِمَا ... لَبِسَ مِنْ لأْمَةِ حَرْبٍ حُرِمَا «4»
حتَّى يُلاقيَ العِدَا فَيَنْزِعا ... صَدَقةً فامْنَعْ ولو تطوّعا
والشّعر، والخطّ، وقيل: يمنع ... ثوم ونَحوُهُ، وأكلٌ يَقَعُ
معَ اتّكَاءٍ، والنكَاحَ للأَمَهْ ... مع الكتابيّة غير المسلمه
__________
(1) أجمع كتاب فيها «الخصائص الكبرى» للحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى.
(2) في هامش (ب) : (صرف ذلك إلى الاستحباب؛ يعني وجوب المشاورة، لا كل ما ذكر) .
(3) أي: كتاب «معرفة السنن والآثار» للبيهقي.
(4) قوله: (لأمة حرب) أي: الدرع.
كذاكَ إمْسَاكُ التي قدْ كَرِهَتْ ... نِكَاحَهُ، والخُلْفُ في هذا ثَبَتْ
وَقَدْ أباحَ ربُّهُ الوِصَالا ... لهُ، وفي سَاعَةٍ القِتَالا
بمَكَّةٍ، كذا بِلا إحرَامِ ... دُخولُهَا، وليسَ بالمَنَامِ
مُضطَجِعًا نَقضُ وضوئِهِ حصل ... كذا اصطفاء ما له الله أَحَلْ
منْ قَبْلِ قِسْمةٍ، كذاكَ يَقْضي ... لنفسِهِ وَوُلْدِهْ فيَمْضي
كذا الشهَادَةُ، كذاكَ يَقبَلُ ... مَنْ شَهِدوا لهُ، كذاكَ يَفْصِلُ
في حُكمِهِ بِعِلمِهِ للعِصْمَةِ ... واخْتلَفُوا في غيرِهِ للرِّيبَةِ «1»
كَذَا له أنْ يَحْمِيَ المَواتَا ... لِنَفسِهِ، ويأخُذَ الأقْوَاتَا
وغيرَهَا منَ الطعَامِ مَهْمَا ... إحْتاجَ، والبَذلَ فأوْجِبْ حَتْما
مِنْ مَالِكٍ، وإن يكنْ مُحْتَاجَا ... لكنَّهُ لفِعْلِ هذا مَا جَا
والخُلْفُ في النَّقضِ بِلَمْسِ المَرأةِ ... والمُكثِ في المَسجِدِ مَعْ جَنَابَةِ
وجَائِزٌ نِكَاحُهُ لتِسْعَةِ ... وفَوقَهَا، وعَقْدُهُ بالهِبَةِ
فإنْ فلا بالعَقدِ حَتم مَهرِهِ ... ولا الدُّخولُ بخِلافِ غَيرِهِ «2»
__________
(1) في (أ) و (ج) وهامش (د) وهامش (ب) رواية أخرى:
(في حكمه لعلمه إجماعا ... وغيره فيه الخلاف شاعا)
(2) في هامش (ب) : (إذا قلنا: إنه يعقد نكاحه ص بلفظ الهبة كما هو الأصح.. فلا يجب المهر بالعقد ولا بالدخول كما هو مقتضى الهبة، هذا معنى هذا البيت، فنزله عليه؛ فإني كذلك رأيته في الأصل المنقول منه، وهأنا أحلّه لك، فقوله: «فإن» أي: فإن قلنا بانعقاد نكاحه بالهبة ... أو فإن وقع مثل ذلك ... وقوله: «فلا بالعقد» أي: فلا يجب مهر بالعقد، والله أعلم) .
كذَا بلا وَليّ، او شُهودٍ، او ... في حَالِ إحرامٍ، بِخُلْفٍ قدْ حَكَوْا
ومَنْ يَرُمْ نِكاحَهَا، لَزِمَهَا ... إجابَةٌ، وحَرُمَتْ خِطْبَتُهَا
ومَنْ لهَا زوجٌ فحَقًّا وَجَبَا ... طَلاقُهَا، كما جَرَى لِزيْنَبَا «1»
وفي وُجوبِ قَسْمِهِ بَينَ الإمَا ... وبَيْنَ زَوجاتٍ لَهُ خُلْفٌ نَمَا «2»
زَوْجاتُهُ كُلٌّ مُحرمَ