وفى منتصف يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من هذه السنة تُوفِّي الحبيب المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه- بعد أن بلَّغ رسالة ربه، وأدى الأمانة التي احتملها في عنقه.
يروي لنا أنس بن مالك عن يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: «بَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ؛ فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ وَنَكَصَ [رجع] أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ، فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَأَرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ» (رواه البخاري).
لقد كانت إطلالته صلى الله عليه وسلم على المسلمين في صلاة الصبح، وتبسمه -صلوات ربي وسلامه عليه- لهم، إشارة توديع منه لأصحابه، ورضاه عنهم -رضي الله عنهم- بعد أن اطمأن عليهم وهم متراصون كالبنيان المرصوص بين يدي الله في الصلاة، فقد ربَّى رجالا يحملون من بعده رسالة الإسلام، وينشرونها في ربوع الأرض من أقصاها إلى أقصاها، فحري به صلى الله عليه وسلم أن يبتسم ويهنأ وينام قرير العين، صلوات ربي وسلامه عليه.
ولما ارتفع الضحى دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بابنته فاطمة فسَارَّها بشيء فبكت، ثم دعاها، فسارها بشيء فضحكت، تقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: «فَسَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ؛ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ يَتْبَعُهُ؛ فَضَحِكْتُ»(رواه البخاري).
ولما رأت فاطمة -رضي الله عنها- ما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرب الشديد الذي يصيبه. قالت: «وَا كَرْبَ أَبَاهُ! فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ» (رواه البخاري).
وفي وقت احتضاره صلى الله عليه وسلم أسندته عائشة إليها، وكانت تقول: «إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي [جنبي وصدري]، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ» (رواه البخاري).
وذلك أن أخاها عَبْدُ الرَّحْمَنِ دخل عليهم وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، فرأت السيدة عائشة الرسول صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يريده فأخذته ولينته له فاستاك به وَبَيْنَ يَدَيْهِ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ» (رواه البخاري)
وما أن فرغ من السواك حتى رفع يده -أو أصبعه- وشخص ببصره إلى السماء، وتحركت شفتاه، فأصغت إليه عائشة -رضي الله عنها- وهو يقول: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى» (رواه البخاري)، ثم مالت يده -صلوات ربي وسلامه عليه- ولحق بالرفيق الأعلى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وأظلمت المدينة -بل أظلم العالم- بموته؛ فانقطع بوفاته صلى الله عليه وسلم وحي السماء عن الأرض إلى يوم الدين.
وقع ذلك المصاب الأليم حين اشتدت الضحى من يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول للسنة الحادية عشرة من الهجرة النبوية المباركة، وقد تم له صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون سنة [الطبقات الكبرى، لابن سعد، الرحيق المختوم، للمباركفوري، ].