وفى السنة الثانية عشر من النبوّة وقع المعراج وما تضمنه وفرضت الصلوات الخمس فى الاسراء وستجىء كيفيتها وفى الاستيعاب
وسيرة مغلطاى بعد سنة ونصف من حين رجوعه من الطائف قاله ابن قتيبة* وقال ابن شهاب عن ابن المسيب قبل خروجه الى المدينة بسنة* وفى المواهب اللدنية لما كان فى شهر ربيع الاوّل أسرى بروحه وجسده يقظة من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ثم عرج به من المسجد الاقصى الى فوق سبع سموات ورأى ربه بعين رأسه وأوحى اليه ما أوحى وفرض عليه الصلوات الخمس ثم انصرف فى ليلته الى مكة فأخبر بذلك فصدّقه الصدّيق وكل من آمن بالله وكذبه الكفار واستوصفوه مسجد بيت المقدس فمثله الله له فجعل ينظر اليه ويصفه وسيجىء تفصيل ذلك كله* اختلف العلماء فى الاسراء هل هو اسراء واحد فى ليلة واحدة يقظة أو مناما أو اسرا آن كل واحد فى ليلة مرّة بروحه وبدنه يقظة ومرّة مناما أو يقظة بروحه وجسده من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ثم مناما من المسجد الاقصى الى العرش أو هى أربع اسرا آت* وفى سيرة مغلطاى اختلف فى المعراج والاسراء هل كانا فى ليلة واحدة أم لا وهل كانا أو أحدهما يقظة أو مناما وهل كان المعراج مرّة أو مرّات والصحيح ان الاسراء كان فى اليقظة بجسده وانه مرّات متعدّدة وانه رأى ربه بعين رأسه صلّى الله عليه وسلم* واختلف فى تاريخ الاسراء فى أى سنة كان وفى أى شهر وفى أى يوم من الشهر وفى أى ليلة من الاسبوع فأما سنة الاسراء فقال الزهرى كان ذلك بعد المبعث بخمس سنين حكاه القاضى عياض ورجحه القرطبى والنووى وقيل قبل الهجرة بسنة قاله ابن حزم وادّعى فيه الاجماع رواه ابن الاثير فى أسد الغابة عن ابن عباس وأنس وحكاه البغوى فى معالم التنزيل عن مقاتل وقيل قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر قاله السدّى وأخرجه من طريق الطبرى والبيهقى فعلى هذا يكون فى شوّال وفى أسد الغابة قال السدّى قبل الهجرة بستة أشهر وقيل كان قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر فعلى هذا يكون فى ذى الحجة وبه جزم ابن فارس وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين ذكره ابن الاثير كذا فى المواهب اللدنية* وأما شهر الاسراء فقيل ربيع الاوّل قاله ابن الاثير والنووى فى شرح مسلم وقيل ربيع الآخر قاله الحربى والنووى فى فتاويه وقيل رجب حكاه ابن عبد البرّ وقبله ابن قتيية وبه جزم النووى فى الروضة وعن الواقدى رمضان وعن السدّى والماوردى شوّال وعن ابن فارس ذو الحجة كما مرّ وأما ان الاسراء فى أى يوم من الشهر كان فعن ابن الاثير ليلة سبع من ربيع الاوّل وعن الحربى فى ثالث عشرى ربيع الآخر وقيل ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر وعن الواقدى فى سابع عشر من رمضان وأما ليلة الاسراء فقيل ليلة الجمعة وقيل ليلة السبت وعن ابن الاثير ليلة الاثنين وقال ابن دحية ان شاء الله يكون ليلة الاثنين ليوافق المولد والمبعث والمعراج والهجرة والوفاة فان هذه أطوار الانتقالات وجودا ونبوّة ومعراجا وهجرة ووفاة كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة اليعمرى ولما بلغ احدى وخمسين سنة وتسعة أشهر أسرى به من بين زمزم والمقام وكذا فى حياة الحيوان وانما كان ليلا لتظهر الخصوصية بين جليس الملك ليلا وجليسه نهارا واختلف فى الموضع الذى أسرى به منه صلّى الله عليه وسلم فقيل أسرى به من بيته وقيل من بيت أمّ هانئ بنت أبى طالب لما روى أنه صلّى الله عليه وسلم كان نائما فى بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته وقص القصة عليها وقال مثل لى النبيون فصليت بهم وبيتها بين الصفا والمروة ومن قال هذين القولين قال الحرم كله مسجد والمراد بالمسجد الحرام فى الآية الحرم وعن ابن عباس الحرم كله مسجد وقيل أسرى به من المسجد الحرام والمراد بالمسجد فى الآية هو المسجد نفسه وهو ظاهر فقد قال صلّى الله عليه وسلم بينا انا فى المسجد الحرام فى الحجر عند البيت بين النائم واليقظان اذ أتانى جبريل بالبراق وقد عرج بى الى السماء فى تلك الليلة قيل الحكمة فى المعراج ان الله تعالى أراد
أن يشرف بأنوار محمد صلّى الله عليه وسلم السموات كما شرف ببركاته الارضين فسرى به الى المعراج وسئل
أبو العباس الدينورى لم أسرى بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم الى البيت المقدس قبل ان عرج به الى السماء فقال لان الله تعالى كان يعلم ان كفار قريش كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السموات فأراد أن يخبرهم من الارض قد بلغوها وعاينوها وعلموا ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس قط فلما أخبرهم بأخبار بيت المقدس على ما هو عليه لم يمكنهم ان يكذبوه فى أخبار السماء بعد أن صدّقوه فى أخبار الارض* واختلف السلف والعلماء فى أنه هل كان اسراء بروحه أو جسده على ثلاثة أقوال أحدها انه ذهبت طائفة الى انه اسراء بالروح وانه رؤيا منام مع اتفاقهم على أن رؤيا الانبياء وحى وحق والى هذا ذهب معاوية وحكى عن الحسن فى غير المشهور وحجتهم قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التى أريناك الآية وما حكوا عن عائشة ما فقدت جسد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقوله صلّى الله عليه وسلم بينا أنا نائم وقول أنس وهو نائم فى المسجد الحرام وذكر القصة ثم قال فى آخرها فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام* وفى العروة الوثقى وحديث عائشة صحيح فى المعراج الذى اتفق للنبىّ صلّى الله عليه وسلم على فراشها فى المدينة وقالت ما فقدت جسد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقول ابن عباس أيضا صحيح فى المعراج المكى الذى أخبر به نص التنزيل بقوله سبحان الذى أسرى بعبده الآية لقوله تعالى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى* والثانى انه ذهب معظم السلف والمسلمين الى انه اسرى بروحه وجسده وفى اليقظة وهذا هو الحق وهو قول ابن عباس وجابر وانس وحذيفة وعمر وابى هريرة ومالك بن صعصعة وابى حبة البدرى وابن مسعود والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة وابن المسيب وابن شهاب وابن زيد والحسن فى المشهور وابراهيم ومسروق ومجاهد وعكرمة وابن جريج وهو قول الطبرى وابن حنبل وجماعة عظيمة من المسلمين وهذا قول أكثر المتأخرين من الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين والمفسرين* والثالث انه فى المنام قالت طائفة كان الاسراء بالجسد يقظة الى بيت المقدس والى السماء بالروح فى المنام قال القاضى عياض الحق والصحيح انه اسراء بالجسد والروح فى القصة كلها وعليه تدل الآية وصحيح الاخبار ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة الى التأويل الا عند الاستحالة وليس فى الاسراء بجسده وحال يقظته استحالة اذ لو كان منا ما لقال بروح عبده ولم يقل بعبده وقوله ما زاع البصر وما طغى ولو كان منا ما لما كان فيه آية ولا معجزة ولما استبعده الكفار ولا كذبوه فيه ولا ارتدّ به ضعفاء من أسلم وافتبتنوا به اذ مثل هذا من المنامات لا ينكر بل لم يكن ذلك منهم الا وقد علموا ان خبره انما كان عن جسمه وحال يقظته الى ما ذكر فى الحديث من ذكر صلاته بالانبياء ببيت المقدس فى رواية انس أو فى السماء على ما روى غيره وذكر مجىء جبريل له بالبراق وخبر المعراج واستفتاح السماء فيقال من معك فيقول محمد ولقائه الانبياء فيها وخبرهم معه وترحيبهم به وشأنه فى فرض الصلاة ومراجعته مع موسى فى ذلك ووصوله الى سدرة المنتهى ودخوله الجنة ورؤيته فيها ما ذكره* قال ابن عباس هى رؤيا عين رآها النبىّ صلّى الله عليه وسلم لا رؤيا منام* وعن الحسن بينا أنا جالس فى الحجر جاءنى جبريل فهمزنى بعقبه فقمت فجلست فلم أر شيئا فعدت لمضجعى وذكر ذلك ثلاثا فقال فى الثالثة فأخذ بعضدى فجرّنى الى باب المسجد فاذا بدابة وذكر خبر البراق* وعن أم هانئ قالت ما أسرى برسول الله صلّى الله عليه وسلم الا وهو فى بيتى تلك الليلة صلّى العشاء الآخرة ونام فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلّى الصبح وصلينا معه قال يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادى ثم جئت بيت المقدس وصليت فيه ثم صليت الغداة معكم الآن كما ترون فهذا كله بين فى انه بجسمه صلّى الله عليه
وسلم* وعن أبى بكر من رواية شدّاد بن أوس عنه انه قال للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ليلة اسرى به طلبتك يا رسول الله البارحة فى مكانك فلم أجدك فأجابه ان جبريل حمله الى المسجد الاقصى
وعن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم صليت ليلة أسرى بى مقدّم المسجد ثم دخلت الصخرة فاذا بملك قائم معه آنية ثلاث وذكر الحديث وهذه التصريحات ظاهرة غير مستحيلة فتحمل على ظواهرها وعن أبى ذر عنه صلّى الله عليه وسلم فرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل جبريل فشرح صدرى ثم غسله بماء زمزم الى آخر القصة ثم أخذ بيدى فعرج بى قيل الحق ان المعراج مرّتان مرّة فى النوم وأخرى فى اليقظة قال محيى السنة وما أراه الله فى النوم قبل الوحى ثم عرج به فى اليقظة بعد الوحى بسنة تحقيقا لرؤياه كما انه رأى فتح مكة فى المنام سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان كذا فى شرح المشكاة للطيبى روى ان النبى صلّى الله عليه وسلم حدّث عن ليلة أسرى به قال بينا هو يصلى فى الحطيم أو فى الحجر مضطجعا اذ أتاه آت فشق ما بين ثغرة نحره الى شعر عانته فاستخرج قلبه ثم أتى بطست من ذهب مملوءة ايمانا فغسل قلبه ثم حشى ثم أعيد الى مكانه* قيل الحكمة فى شق الصدر مرّتين أما فى الصغر فليصير قلبه كقلوب الانبياء فى الانشراح وأما فى الاسراء فليصير حاله كحال الملائكة وقيل شرح الصدر فى صباه لاستخراج الهوى منه وفى الاسراء لاستدخال الايمان فيه ثم أتى بدابة طويلة بيضاء تسمى البراق وفى حياة الحيوان كان البراق أبيض وبغلته شهباء وهى التى أكثرها بياض اشارة الى تخصيصه بأشرف الالوان وسمى براقا لنصوع لونه وشدّة بريقه وقيل لسرعة حركته تشبيها ببرق السحاب* وقال القاضى غياض لكونها ذات لونين وفى الصحيح انه دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض بضع خطوه عند أقصى طرفه* قال صاحب المنتقى الحكمة فى كونه على هيئة بغل ولم يكن على هيئة فرس التنبيه على أن الركوب فى سلم وأمن لا فى حرب وخوف أو لاظهار الآية فى الاسراع العجيب فى دابة لا يوصف شكلها بالاسراع ويؤخذ من قوله يضع خطوه عند أقصى طرفه انه أخذ من الارض الى السماء فى خطوة واحدة والى السموات السبع فى سبع خطوات وبه يردّ على من استبعد من المتكلمين احضار عرش بلقيس فى لحظة واحدة وقال انه أعدم ثم أوجد وعلله بأن المسافة البعيدة لا يمكن قطعها فى هذه اللحظة وهذا أوضح دليل على الرد عليه وكانت مضطربة الاذنين وجهها كوجه الانسان وجسدها كجسد الفرس ناصيتها من ياقوت أحمر عيناها كالزهرة أذناها من زمرد أخضر* وفى رواية أذناها كاذن الفيل وعنقها كعنق البعير وصدرها كصدر البغل* وفى رواية وصدرها كأنه من ياقوت أحمر وظهرها كأنه صفرة البيضة يبرق من غاية صفائه لها جناحان كجناح النسر فيهما من كل لون نصفها الاوّل من كافور والآخر من مسك وقوائمها كقوائم الثور وفى رواية كقوائم الفرس وفى رواية كقوائم البعير وحوافرها كحوافر الثور وفى رواية أظلافها كظلف البقر وذنبها كذنب البقر وفى رواية كذنب البعير وفى رواية كذنب الغزال لا ذكر ولا أنثى عدوها كالريح وخطوها كالبرق لجامها وسرجها من در مضروب على سرجها حجلة من نور كأنها ياقوت أحمر وفى رواية عليها سرج من سروج الجنة وفى رواية وعلى فخذيها ريشتان يستران ساقيها* وفى زبدة الاعمال لها جناحان فى فخذيها قيل هى البراق التى ركبها جبريل والانبياء عليهم السلام يركبونها* وفى حياة الحيوان روى ان ابراهيم عليه السلام كان يزور ولده اسماعيل على البراق وانه ركب هو واسماعيل وهاجر حين أتى بهما الى البيت الحرام ومن غاية سرعته وخفة مشيه يضع قدميه أو خطوه عند أقصى طرفه وفى رواية يقع حافره عند أقصى طرفه وفى رواية عند منتهى طرفه وفى رواية خطوها عند منتهى البصر لا تمرّ بشىء ولا يجد ريحها شىء الا حيى ثم ان البراق وان كان يركبها الانبياء لكن لم تتصف بوضع الحافر عند منتهى طرفها الا عند ركوب النبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا فى المنتقى* وفى رواية أتاه جبريل ومعه خمسون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح ورسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بيت أمّ هانئ ومعه
ميكائيل فقال قم يا محمد فان الجبار يدعوك وأخذ جبريل بيده وأخرجه من المسجد الحرام فاذا هو بالبراق واقفا بين الصفا والمروة فقال له جبريل اركب يا محمد هذه براق ابراهيم التى كان يجئ عليها الى طواف الكعبة فأخذ جبريل ركابها وميكائيل عنانها فأراد النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يركبها وفى رواية فذهب يركبها فاستصعبت عليه قيل استصعابها لبعد العهد بالانبياء لطول الفترة بين عيسى ومحمد وهذا مبنى على أن الانبياء عليهم السلام ركبوها وفيه خلاف وقيل لانها لم تذلل قبل ذلك ولم يركبها أحد وقيل تيها وزهوا بركوب النبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا فى مزيل الخفاء فقال لها جبريل اسكنى فو الله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد وفى رواية قال لها جبريل أبمحمد تفعلى هذا فارفض عرقا كذا فى الشفاء فركبها النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى حياة الحيوان اختلف الناس هل ركب جبريل معه عليه فقيل نعم كان رديفه صلّى الله عليه وسلم وقيل لا لان النبىّ صلّى الله عليه وسلم المخصوص بشرف الاسراء وانطلق به جبريل حتى أتى به بيت المقدس فربطها بالحلقة التى ربط بها الانبياء دوابهم ثم دخل المسجد الاقصى فصلى بهم ركعتين فانطلق به جبريل الى الصخرة فصعد به عليها فاذا معراج الى السماء لم ير مثله حسنا ومنه تعرج الملائكة وقيل تعرج منه الارواح اذا قبضت فليس شىء أحسن منه اذا رآه أرواح المؤمنين لم تتمالك أن تخرج وهو الذى يمدّ اليه ميتكم عينيه اذا احتضر كذا فى سيرة ابن هشام أصله وفى رواية أحد طرفيه على صخرة بيت المقدس وأعلاه ملصق وفى رواية والآخر ملصق بالسماء احدى جنبتيه ياقوتة حمراء والاخرى زبرجدة خضراء درجة له من فضة ودرجة من ذهب ودرجة من زمرّد مكال بالدرّ واليواقيت* وفى كيفية عروجه الى السماء اختلاف قيل عرج به الى السماء على البراق اظهارا لكرامته ولم يزل راكبا اظهارا لقدرته تعالى وقيل نزل أيضا راكبا على البراق كما روى عن حذيفة ما زايل ظهر البراق حتى رجع وقيل احتمله جبريل على جناحه ثم ارتفع به الى السماء من ذلك المعراج حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل اليه قال نعم قيل مرحبا فنعم المجىء جاء ففتح فلما دخل فاذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة اذا نظر قبل يمينه ضحك واذا نظر قبل يساره بكى فقال جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلم فردّ عليه السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبىّ الصالح ثم قال جبريل هذا آدم وهذه الاسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه فأهل اليمين هم أهل الجنة والاسودة التى عن شماله أهل النار ثم صعد الى السماء الثانية وهكذا كان يستفتح جبريل فى كل سماء فيفتح فيدخل فيرى فيها نبيا ففى الثانية يحيى وعيسى وهما ابنا خالة وفى الثالثة يوسف وفى الرابعة ادريس وفى الخامسة هارون وفى السادسة موسى فلما اجتاز عنه النبىّ صلّى الله عليه وسلم بكى قيل له ما يبكيك قال أبكى لان غلاما بعث بعدى يدخل الله الجنة من أمّته أكثر ممن يدخلها من أمّتى ثم صعد الى السماء السابعة فرأى فيها ابراهيم ثم رفعت له سدرة المنتهى فاذا نبقها مثل قلال هجر وورقها كاذان الفيلة فاذا أربعة انهار نهران باطنان ونهران ظاهران قال جبريل أما الباطنان فنهران فى الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات* وفى الكشاف سدرة المنتهى هى شجرة نبق فى السماء السابعة عن يمين العرش ثمرها كقلال هجر وورقها كآذان الفيول تتبع من أصلها الانهار التى ذكرها الله فى كتابه يسير الراكب فى ظلها سبعين عاما لا يقطعها* وفى المدارك وجه تسميتها كأنها فى منتهى الجنة وآخرها وقيل لم يجاوزها أحد واليها ينتهى علم الملائكة وغيرهم ولا يعلم أحد ما وراءها وقيل تنتهى اليها أرواح الشهداء* وفى بعض الروايات انها فى السماء السادسة* قال القاضى عياض كونها فى السابعة هو الاصح وقال النووى يمكن الجمع بأن أصلها فى السادسة ومعظمها فى السابعة ثم رفع له البيت المعمور وهو بيت فى السماء السابعة محاذ
للكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون اليه هكذا فى الصحيحين وغيرهما من كتب الاحاديث يذكر البيت المعمور بعد سدرة المنتهى وأما فى الكشاف وغيره من كتب التفاسير فالبيت المعمور الضراح فى السماء الرابعة حيال الكعبة وقيل فى الاولى وقيل فى السادسة ولمسلم فى صحيحه بعد صعوده الى السماء السابعة رأى فيها ابراهيم مسند اظهره الى البيت المعمور وسلم على كل منهم اذا رآه وهو يردّ ثم يقول مرحبا بالاخ الصالح والنبىّ الصالح الا آدم وابراهيم فانهما قالا بالابن الصالح كما مرّ فى السماء الدنيا* وفى رواية عن طريق ابن عباس ثم عرج به حتى ظهر مستوى يسمع فيه صريف الاقلام ثم أتى باناء من خمر واناء من عسل واناء من لبن فأخذ اللبن فقال جبريل هى الفطرة التى أنت عليها وأمتك* وفى رواية بعد استصعاب البراق فركبها حتى أتى الحجاب الذى يلى الرحمن تعالى فبينا هو كذلك اذ خرج ملك من الحجاب فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا جبريل من هذا قال والذى بعثك بالحق انى لا قرب الخلق مكانا وان هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتى هذه ولما جاوز سدرة المنتهى قال له جبريل تقدّم يا محمد فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم تقدّم أنت يا جبريل أو كما قال قال جبريل يا محمد تقدّم فانك أكرم على الله منى فتقدّم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وجبريل على أثره حتى بلغه الى حجاب منسوج بالذهب فحركه جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معه قال محمد قال ملك من وراء الحجاب الله أكبر الله أكبر قيل من وراء الحجاب صدق عبدى أنا أكبر أنا أكبر فقال ملك أشهد أن لا اله الا الله فقيل من وراء الحجاب صدق عبدى أنا الله لا اله الا أنا فقال ملك أشهد أن محمدا رسول الله فقيل من وراء الحجاب صدق عبدى أنا أرسلت محمدا فقال ملك حىّ على الصلاة حىّ على الفلاح فقيل من وراء الحجاب صدق عبدى دعا الىّ عبدى فأخرج ملك يده من وراء الحجاب فرفعه فتخلف جبريل عنه هناك* وفى رواية فما زال يقطع مقاما بعد مقام وحجابا بعد حجاب حتى انتهى الى مقام تخلف عنه فيه جبريل فقال يا جبريل لم تخلفت عنى قال يا محمد وما منا الا له مقام معلوم لو دنوت أنملة لاحترقت وفى هذه الليلة بسبب احترامك وصلت الى هذا المقام والا فمقامى المعهود عند السدرة فمضى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وحده وكان يقطع الحجب الظلمانية حتى جاوز سبعين ألف حجاب غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة سنة وما بين كل حجاب أيضا مسيرة خمسمائة سنة فوقف البراق عن المسير فظهر له رفرف أخضر غلب نوره على نور الشمس فرفع النبىّ صلّى الله عليه وسلم على ذلك الرفرف وذهب به الى قرب العرش* وفى رواية كان يقال له ادن منى ادن منى حتى قيل له فى تلك الليلة ألف مرة يا محمد ادن منى ففى كل مرة منها كان يترقى حتى بلغ مرتبة دنا ومنها ترقى الى مرتبة فتدلى ومنها ترقى حتى وصل الى منزله قاب قوسين أو أدنى كما قال تعالى ثم دنا أى دنا محمد الى ربه تعالى أى قرب بالمنزلة والمرتبة لا بالمكان فانه تعالى منزه عنه وانما هو قرب المنزلة والدرجة والكرامة والرأفة فتدلى أى سجد له تعالى لانه كان قد وجد تلك المرتبة بالخدمة فزاد فى الخدمة وفى السجدة عدة القرب ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه أن يكون ساجدا قال بعض أهل التحقيق ثم دنا اشارة الى مقام نفسه الزكية فتدلى اشارة الى مقام قلبه المطهر فكان قاب قوسين اشارة الى مقام روحه الطيب أو أدنى اشارة الى مقام سرّه المنوّر نفسه فى مقام الخدمة وقلبه فى مقام المحبة وروحه فى مقام القربة وسرّه فى مقام المشاهدة حياة نفسه بالخدمة وصفاء قلبه بالمحبة وبقاء روحه بالقربة وغذاء سرّه بالمشاهدة لو نظرت نفسه الى وجوده لبقيت بلا خدمة ولو نظر قلبه الى نفسه لبقى بلا محبة ولو نظرت روحه الى قلبه لبقى بلا قربة ولو نظر سرّه الى روحه لبقى بلا مشاهدة وسئل أبو الحسين النورى عن معنى هذه الآية أجاب بأنه لم يسعه جبريل فمن النورى ثم قال
(دنا) فى الافهام
القاصرة يقال اذا كان لشخص بعد عن شىء ولا بعد ثمة (فتدلى) يقال اذا كان مكان ولا مكان ثمة (فكان) عبارة عن الزمان ولا عبارة ولا زمان ثمة (قاب قوسين) اشارة الى المقدار ولا اشارة ولا مقدار ثمة (أو) كلمة شك ولا شك ثمة (أدنى) مبالغة فى أن قرب شخص أقرب من الآخر ولا أدنى معه ثمة فان العبارة والافهام قاصرة من ادراك تقرير ذلك ولم يعبر أهل المعرفة عن ذلك المقام الا بهذا المقدار دنا عبدا فتدلى فردا دنا مكيا فتدلى ملكيا دنا قرشيا فتدلى عرشيا دنا مجاهدا فتدلى مشاهدا دنا طالبا فتدلى واصلا دنا ومعه الرحمة فتدلى ومعه المرحمة دنا افتقارا فتدلى افتخارا دنا مناديا فتدلى مناجيا دنا مادحا فتدلى ممدوحا دنا شاكرا فتدلى مشكورا وقيل أحدهما صفة الله والاخرى صفة محمد صلّى الله عليه وسلم ومعناه كان هو يتقرّب الى الله والله يقربه وكان هو يتكلم والله يسمعه وكان هو يسأله والله يعطيه وكان هو يشفع والله يشفعه فكان قاب قوسين أو أدنى كناية عن تأكيد القرية وتقرير المحبة وبسبب التقريب الى الفهم أدّى فى صورة التمثيل وهذا مقام ليس فوقه مقام وللسالكين من الامّة المرحومة المحمدية من هذا المقام نصيب كما ورد بيانه فى الحديث القدسى لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولهذا كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا ضجر وضاق صدره عن الخلق يقول أرحنا يا بلال ويقول جعلت قرّة عينى فى الصلاة ولذا قيل الصلاة معراج المؤمن كذا فى روضة الاحباب* واختلف فى مناجاته تعالى وكلامه مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقوله تعالى فأوحى الى عبده ما أوحى الى ما تضمنته الاحاديث فأكثر المفسرين على أن الموحى الله الى جبريل وجبريل الى محمد* وذكر عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال أوحى الله اليه بلا واسطة ونحوه عن الواسطى وعلى هذا ذهب بعض المتكلمين الى أن محمدا صلّى الله عليه وسلم كلم ربه فى الاسراء وحكى عن الاشعرى وعن ابن مسعود وذكر النقاش عن ابن عباس فى قصة الاسراء عنه صلّى الله عليه وسلم فى قوله دنا فتدلى قال فارقنى جبريل فانقطعت الاصوات عنى فسمعت كلام ربى وهو يقول ليهد أروعك يا محمد أدن أدن وفى قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله الآية قالوا هى على ثلاثة أقسام من وراء حجاب كتكليم موسى وبارسال الملائكة كحال جميع الانبياء وأكثر أحوال نبينا عليه وعليهم السلام* الثالث قوله وخيا ولم يبق من أقسام الكلام الا المشافهة مع المشاهدة ثم انه تعالى أخفى من الخلق كل ما نسب اليه فى تلك الليلة اشارة الى أنه حبيبه الخاص فقال فى حال مشاهدته لسدرة المنتهى اذ يغشى السدرة ما يغشى وفى الآيات التى أراه لقد رأى من آيات ربه الكبرى وفى التكلم معه فأوحى الى عبده ما أوحى أى أوحى الى عبده محمد فى ذلك المقام* وللعلماء فى بيان ما أوحى خلاف قال بعضهم وهم أهل الاحتياط الاقرب الى الصواب أن لا يعين لانه لو كانت الحكمة والمصلحة فى اظهاره وتعيينه لما أبهمه وقال الآخرون لا بأس بذكر ما بلغنا فى خبر أو أثر أو من جهة الاستدلال والاستنباط ومن ذلك ما ورد فى حديث صحيح ثلاثة أشياء أحدها فريضة الصلوات الخمس وهذا دليل على أن أفضل الاعمال الصلوات الخمس لانها فرضت فى ليلة المعراج بغير واسطة جبريل والثانى خواتيم سورة البقرة والثالث أن يغفر لامّة محمد صلّى الله عليه وسلم كل الذنوب غير الشرك* وورد فى حديث آخر رأيت ربى فى أحسن صورة أى صفة فقال فيم يختصم الملأ الا على يا محمد قلت أنت أعلم أى رب فتجلى لى بالتجلى الخاص الذى عبر عنه صلّى الله عليه وسلم بهذه العبارة فوضع كفه بين كتفىّ فوجدت بردها بين ثديىّ فعلمت ما فى السماء والارض ثم قال فيم يختصم الملأ الاعلى يا محمد قلت فى الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشى على الاقدام الى الجماعات والجلوس فى المساجد خلف الصلوات وابلاغ الوضوء أما كنه فى المكاره من
يفعل ذلك
يعش بخير ويمت بخير ويخرج من خطيئته كيوم ولدته أمّه ثم قيل له اذا صليت الصلاة قل اللهمّ انى اسألك الطيبات وترك المنكرات وفعل الخيرات وحب المساكين وان تغفر لى وترحمنى وتتوب على واذا اردت بقوم أو بعبادك فتنة فتوفنى أو فاقبضنى غير مفتون ثم قال وما الدرجات يا محمد قلت افشاء السلام واطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام وفى حديث آخر أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما فاز بالقرب والكرامة فى تلك الليلة قيل يا محمد انا وانت وما سوى ذلك خلقتها لاجلك فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انت وانا وما سوى ذلك تركتها لاجلك وقيل اوحى الله اليه كن آيسا من الخلق فليس بأيديهم شىء واجعل صحبتك معى فان مرجعك الىّ ولا تجعل قلبك متعلقا بالدنيا فما خلقتك لها* وفى المدارك الذى أوحى اليه انّ الجنة محرّمة على الانبياء حتى تدخلها أنت وعلى الامم حتى تدخلها أمّتك* وفى رواية عنه صلّى الله عليه وسلم بعد ما تخلف عنه جبريل انه تجاوز ذلك المقام مقدار خمسمائة عام حتى سمع داعيا يقول تقدّم يا أكرم الخلق على الله فتقدّم حتى بلغ امام العرش ورأى عظمته فاعتراه خوف واستولى عليه رعب فسمع النداء يقول ادن يا محمد فدنا فقطرت عليه من العرش قطرة ما أخطأت فمه فوقعت على لسانه فكانت أحلى من كل شىء فأراه الله بها علم الاوّلين والآخرين فحصلت للسانه طلاقة بعد ما اعتراه عى وكلالة من مشاهدة عظمة الله وهيبته ثم سمع النداء يقول حىّ ربك فألهمه الله تعالى أن قال* التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله وفى رواية التحيات لله والصلوات والطيبات فسمع الله يقول السلام عليك أيها النبىّ ورحمة الله وبركاته قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقالت الملائكة أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله* وفى رواية وحده لا شريك له وأشهد انّ محمدا عبده ورسوله ثم أعطى خواتيم سورة البقرة ووقع له فى تلك الليلة كلمات ومقالات مع ربة تعالى يطول الكلام بذكرها فاقتصرنا على نبذ منها* وفى الشفاء عن أبى حمراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى بى الى السماء اذا على العرش مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله أيدته بعلىّ ثم فرضت عليه وعلى أمّته فى كل يوم وليلة خمسين صلاة وستجىء كيفيتها* واختلف أيضا فى رؤية النبىّ صلّى الله عليه وسلم ربه تعالى فأنكرتها عائشة* روى عن مسروق أنه قال لعائشة يا أمّ المؤمنين هل رأى محمد صلّى الله عليه وسلم ربه قالت لقد قف شعرى مما قلت ثم قرأت لا تدركه الابصار الآية وقال جماعة بقول عائشة وهو المشهور عن ابن مسعود ومثله عن أبى هريرة فى قوله ما كذب الفؤاد ما رأى انه رأى جبريل له ستمائة جناح ويؤيد ذلك ما قال أبو ذرّ سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال نور أنى أراه* وفى العروة الوثقى قال أبو ذرّ سألته عن رؤية ربه ليلة المعراج قال لابل نورا أرى* وفى معالم التنزيل والمدارك انّ جبريل كان يأتى النبىّ صلّى الله عليهما وسلم فى صورة الآدميين كما كان يأتى النبيين فسأله رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على صورته التى جبل عليها فأراه نفسه مرّتين مرّة فى الارض ومرّة فى السماء امّا ما فى الارض ففى الافق الاعلى والمراد بالاعلى جانب المشرق* وفى المشكاة برواية الترمذى ومرّة فى أجياد* وفى نهاية الجزرى الاجياد موضع بأسفل مكة معروف من شعابها انتهى وذلك أى بيان رؤيته فى الافق الاعلى انّ محمدا صلى الله عليه وسلم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق وله ستمائة حناح فسدّ الافق الى المغرب فخرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم مغشيا عليه فنزل جبريل فى صورة الآدميين فضمه الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وهو قوله ثم دنا فتدلى وأمّا ما فى السماء فعند سدرة المنتهى ولم يره أحد من الانبياء على تلك الصورة الا محمد صلّى الله عليه وسلم* وفى المدارك وذلك ليلة المعراج وقال بامتناع رؤيته
فى الدنيا جماعة من الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين* وعن ابن عباس أنه رآه سبحانه بعين رأسه* وروى عطاء عنه أنه رآه بقلبه كذا ذكرهما فى المدارك* وعن أبى العالية أنه رآه بفؤاده مرّتين* وذكر ابن اسحاق أنّ ابن عمر أرسل الى ابن عباس يسأله هل رأى محمد ربه فقال نعم والاشهر عنه أنه رأى ربه بعينه* قال الماوردى قيل انّ الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد فرآه محمد مرّتين وكلمه موسى مرّتين* قال عبد الله بن الحارث اجتمع ابن عباس وكعب بعرفة فقال ابن عباس امّا نحن بنى هاشم فنقول انّ محمدا رأى ربه مرّتين فكبر كعب حتى جاوبته الجبال وقال انّ الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلمه موسى ورآه محمد بقلبه* وروى شريك عن أبى ذرّ فى تفسير الآية ما كذب الفؤاد ما رأى قال رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ربه* وحكى السمرقندى عن محمد بن كعب القرظى وربيع بن أنس أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم سئل هل رأيت ربك قال رأيته بفؤادى ولم أره بعينى* وحكى عبد الرزاق أنّ الحسن كان يحلف بالله لقد رأى محمد ربه* وحكى ابن اسحاق أنّ مروان سأل أبا هريرة هل رأى محمد ربه فقال نعم* وحكى النقاش عن أحمد بن حنبل أنه قال أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه رآه رآه حتى انقطع نفسه يعنى نفس أحمد* وقال سعيد بن جبير لا أقول رآه ولا لم يره* وقال أبو الحسن على بن اسماعيل الاشعرى وجماعة من أصحابه أنه رأى الله ببصره وعينى رأسه ووقف بعض المشايخ فى هذا كما وقف ابن جبير وقال ليس عليه دليل واضح ولكنه جائز* قال القاضى أبو الفضل والحق الذى لا امتراء فيه انّ رؤيته تعالى فى الدنيا جائزة عقلا اذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة وليس فى الشرع دليل قاطع على استحالتها ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الذى لا يعلمه الا من علمه الله تعالى ثم بعد ما فرضت عليه خمسون صلاة أذن له بالرجوع فرجع من حيث جاء حتى بلغ منزل جبريل فقال له جبريل ابشر يا محمد فانك خير خلق الله ومصطفاه بلغك الليلة الى مرتبة لم يبلغها أحدا من خلقه قط لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا هنيئا لك هذه الكرامة ثم ذهب به جبريل الى الجنة والنار. وأراه منازلهما وما فى الجنة من الحور والقصور والغلمان والولدان والاشجار والاثمار والازهار والانهار والبساتين والرياحين والرياض والحياض والغرف والشرف وما فى النار من السلاسل والاغلال والانكال والحيات والعقارب والزفير والشهيق والغساق واليحموم وتفاصيلها تؤدّى الى التطويل* ثم رجع فمرّ بموسى فسأله بما أمرت قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم وليلة قال ان أمّتك لا تستطيع وانى والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى اسرائيل أشدّ المعالجة فارجع الى ربك فسله التخفيف لامّتك فرجع وقال يا رب خفف عن أمّتى فوضع عنه ربه عشرا فرجع الى موسى فقال مثله فرجع الى ربه فوضع عنه عشرا فلم يزل يرجع بين ربه وبين موسى حتى قال يا محمدا نهنّ خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت له عشرا ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم نكتب شيئا فان عملها كتبت سيئة واحدة* فرجع الى موسى فقال بم أمرت قال بخمس صلوات كل يوم قال ان أمّتك لا تستطيع خمس صلوات فارجع الى ربك فسله التخفيف قال سألت ربى حتى استحييت ولكنى أرضى وأسلم ولما جاوز عن موسى سمع مناديا ينادى فيقول أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى وهى خمس وهنّ خمسون ثم يقول يا محمد قد جعلت صلاتك وصلاة أمّتك قياما وركوعا وسجودا وتشهدا وقراءة وتسبيحا وتهليلا تشتمل عبادتهم على سائر عبادات الملائكة من لدن عرشى الى منتهى الثرى فيكون لهم بالقيام ثواب القائمين وبالركوع ثواب الراكعين وبالسجود ثواب الساجدين وبالتشهد ثواب المتشهدين ولهم بالقراءة والتسبيح ثواب المسبحين والقارئين
وبالتهليل ثواب المهللين ولدىّ مزيد كذا فى المنتقى* وروى أنه صلّى الله عليه وسلم لما رجع كان جبريل عليه السلام رفيقه حتى دخل بيت أمّ هانئ* وروى عمر بن الخطاب عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال ثم رجعت الى خديجة وما تحوّلت عن جانبها* وفى رواية عاد صلّى الله عليه وسلم الى بيت المقدس ومعه جبريل حتى أتى به مكة الى فراشه وبقيت من الليل ساعات* وفى زين القصص عن عمار كان زمان ذهابه ومجيئه ثلاث ساعات* وعن وهب بن منبه ومحمد بن اسحاق أربع ساعات والله اعلم* وعن عائشة انها قالت لما اسرى بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم اصبح يحدّث بذلك فارتدّ تاس ممن كان آمن به وضعف ايمانهم واليه اشار قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التى اريناك الا فتنة للناس وسبب ارتدادهم انهم كانوا يرون العير تذهب شهرا من مكة الى الشأم مدبرة وتجىء شهرا مقبلة فاستحالوا عند عقولهم القاصرة قطع تلك المسافة البعيدة فى زمان قليل ببعض الليل فارتدّوا والاستحالة مدفوعة لما ثبت فى الهندسة ان ما بين طرفى قرص الشمس ضعف ما بين طرفى كرة الارض مائة ونيفا وستين مرّة ثم انّ طرفها الاسفل يصل موضع طرفها الاعلى فى أقل من ثانية وقد برهن فى الكلام ان الاجسام متساوية فى قبول الاعراض والله تعالى قادر على كل الممكنات فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة فى بدن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أو فيما يحمله والتعجب من لوازم المعجزات كذا فى أنوار التنزيل وأيضا قال أهل الهيئة ان الفلك الاعظم فى مقدار زمان يتلفظ الانسان بلفظة واحدة يقطع ألفا واثنين وثلاثين فرسخا* وروى أنه لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة أسرى به وكان بذى طوى قال يا جبريل ان قومى لا يصدّقونى قال يصدّقك أبو بكر وهو الصدّيق* وعن ابن عباس أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لما أصبح جلس فى الحجر معتزلا حزينا لما انه كان يعلم ان قومه يكذبونه فبينما هو جالس كذلك اذ مرّ به أبو جهل فجلس اليه فقال له كالمستهزئ يا محمد هل استفدت من شىء جديد قال نعم سافرت البارحة* وفى رواية أسرى بى الليلة الى بيت المقدس ومنه الى السموات قال أبو جهل سافرت الليلة الى بيت المقدس وأصبحت بين أظهرنا بمكة قال نعم فلم ير أبو جهل أنه ينكر ذلك مخافة أن يجحده الحديث قال أتحدّث قومك بما حدّثتنى قال نعم فصاح أبو جهل يا معشر بنى كعب بن لؤى هلموا فانتقضت المجالس فجاؤا حتى جلسوا اليهما قال فحدّث قومك بما حدّثتنى قال نعم أسرى بى الليلة قالوا الى أين قال الى بيت المقدس قالوا ثم أصبحت بين أظهرنا قال نعم فوقعوا فى التعجب والاستغراب وقالوا ان هذا لشىء عجاب وبعضهم من كثرة انكارهم يصفقون وبعضهم من قلة اعتبارهم يضحكون وبعضهم يضعون أيديهم على رؤسهم تعجبا فان هذا الامر يرى عندهم محالا وعجبا وارتدّ ناس ممن كان قد آمن به وصدّقه* وعن عائشة رضى الله عنها سعى رجال من المشركين وهم أبو جهل وأتباعه الى أبى بكر فقالوا له هل لك فى صاحبك يزعم انه أسرى به الى بيت المقدس ومنه الى السموات فقال أو قال ذلك قالوا نعم قال لئن قال ذلك لقد صدق قالوا أتصدّقه أنه ذهب الى الشأم ورجع قبل أن يصبح قال نعم انى أصدّقه فيما هو أبعد من ذلك أصدّقه بخبر السماء فى غدوة وروحة* قال بعضهم فمن ذلك اليوم سمى أبو بكر صدّيقا* وعن أبى هريرة أنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقد رأيتنى فى الحجر وقريش تسألنى عن مسراى فسألتنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط فرفعه الله لى أنظر اليه فما يسألوننى عن شىء الا أنبأتهم ونحوه عن جابر كذا فى الشفاء* وعن عائشة قالوا يا محمد هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد الاقصى فشرع ينعت حتى اذا التبس قال فجىء بالمسجد وأنا أنظر اليه حتى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد وأنا أنظر اليه فقال القوم امّا النعت فو الله لقد أصاب فيه وهذا أبلغ فى المعجزة ولا استحالة فيه فقد أحضر عرش بلقيس فى طرفة عين فقالوا أخبرنا
عن عيرنا فهى أهم الينا من ذلك هل لقيت منها شيئا قال نعم مررت على عير بنى فلان وهى بالروحاء وقد أضلوا بعيرا لهم وهم فى طلبه وفى رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته وشربته ثم وضعته فسلوهم هل وجدوا الماء فى القدح حين رجعوا قالوا هذه آية* قال ومررت بعير بنى فلان وفلان راكبان قلوصا لهما* وفى رواية قعودا لهما بذى مر فنفر البعير منى فرمى بفلان فانكسرت يده فسلوهما عن ذلك فقالوا هذه آية أخرى قالوا أخبرنا عن عيرنا قال مررت بها بالتنعيم قالوا فما عدّتها واجمالها وهيئتها فقال كنت فى شغل عن ذلك ثم مثل لى بعدّتها واجمالها ومن كان فيها وكانوا بالجرورة قال نعم هيئتها كذا وكذا وفيها فلان وفلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخططتان يطلع عند طلوع الشمس* وفى المواهب اللدنية يقدمهم جمل ادم عليه مسح أسود وغرارتان سودا وان قالوا هذه آية أخرى ثم خرجوا نحو ثنية كداء حتى يكذبونه فاذا بقائل يقول هذه الشمس قد طلعت وقال الآخر هذه العير قد أقبلت كما قال محمد يقدمها فلان وفلان كذا فى المنتقى* وفى رواية البيهقى أشرف الناس ينتظرون حتى اذا كان قريب من نصف النهار أقبلت العير فلم يؤمنوا وقالوا ما سمعنا بمثل هذا قط ان هذا الاسحر مبين* وفى رواية سألوه أيضا عن عير الشأم ليستدل به على تكذيبه أو تصديقه فيما قال عليه السلام فوصفهم وقال يقدمون يوم الاربعاء فكان ذلك اليوم وما قدموا حتى كادت الشمس أن تغرب فدعا الله تعالى فحبسها حتى قدموا مكّة فعلموا صدقه ومع ذلك لم يصدّقوه فى الخبر وما آمنوا كذا فى سيرة مغلطاى* وفى حياة الحيوان حبست الشمس مرّتين لنبينا صلّى الله عليه وسلم احداهما يوم الخندق حين شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فردّها الله عليه كما رواه الطحاوى وغيره والثانية صبيحة الاسراء حين انتظروا العير التى أخبر بوصولها مع شروق الشمس ذكره القاضى عياض فى غير الشفاء وحبست ليوشع بن نون وحبست لداود ذكره الخطيب فى كتاب النجوم وضعف رواية وحبست لسليمان ذكره البغوى فى معالم التنزيل فى سورة ص كذا فى مزيل الخفاء* وفى سيرة مغلطاى ذكر الطحاوى ان الشمس ردّت له فى بيت أسماء بنت عميس حين شغل عن صلاة العصر* اعلم انه ليس لاحد من أهل القبلة اختلاف فى وقوع المعراج للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فمن أنكر المعراج يكفر لانه انكار لنص القرآن قال الله تعالى سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى وأيضا ورد فيه الاحاديث الصريحة المشهورة القريبة من حدّ التواتر وأمّا منكر المعراج الى السموات فمبتدع ضال عند أئمة الدين* وفى هذه السنة فرضت الصلوات الخمس ليلة الاسراء وقد مرّ كيفيتها*