عن عبد الله بن مسعود قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : وكانت عقبة -دور- رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا: نحن نمشي عنك، فقال : «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا» (رواه أحمد).
لقد كره النبي صلى الله عليه وسلم التميز على أصحابه، وتحمل المشاق والمتاعب مثلهم؛ تطبيقًا للعدل والمساواة.
اتضح ذلك في قصّة المرأة المخزومية التي سرقت، واستعان أهلها بأسامة بن زيد كي يشفع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقبل شفاعته، وقال صلى الله عليه وسلم كلمة خلّدها التاريخ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (متفق عليه).
سرق رجلٌ من المسلمين - اسمه «طعمة» - درعًا من جارٍ له مسلم، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار.
ثم خبأها عند رجل من اليهود، فالتُمِسَتِ الدرعُ عند «طعمة» فحلف بالله ما أخذها، فقال أصحاب الدرع: لقد رأينا أثر الدقيق في داخل داره. فلما حلف تركوه، واتبعوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي، فوجدوا الدرع عنده، فقال اليهودي: دفعها إليَّ طعمة!! فجاء قوم طعمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يجادل عن صاحبهم، فهَمَّ رسول الله أن يعاقب اليهودي، فنزل الوحي بخلاف ذلك؛ فلم يكتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، بل أعلن أن اليهودي بريء، وأن السارق مسلم. [تفسير ابن كثير].
ومن داخلِ بيتِ النبوَّةِ تبرز صورٌ أخرى للعدالة النبوية، فقد كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقْسِمُ بين نسائه بالقسْطِ التَّامِّ سَفَرًا وَحَضرًا
فعن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم «كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أرادَ سفَرًا أقْرَعَ بينَ نسَائِهِ، فأَيَّتُهُنَّ خرجَ سَهْمُهَا خرجَ بهَا معهُ»
(رواه البخاري)، بل وَحَذَّر النبي صلى الله عليه وسلم مِنَ الميْلِ إِلى إِحْدَى الزَّوْجَاتِ عَلَى حِسَابِ الأخْرَى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» (رواه مسلم).
- هل يمكن العدل بين الزوجات أو الأبناء في المحبة؟ وهل هذا مطلوب شرعًا؟
- ما ردك على من يزعم أن الإسلام ظلم المرأة، وأنها لم تنل حقوقها؟
ومن صور ذلك عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً»، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: «لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»، فَقَالَ: «إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ»، قَالَ: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟»، قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ»، قَالَ: «فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ» (رواه البخاري).
ويبرز عدله صلى الله عليه وسلم في قضائه بين المتخاصمين، كيف لا وهو القائل صلى الله عليه وسلم «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (متفق عليه)، ولما دخلت ناقة للبراء بن عازب مزرعة رجل فأفسدتها، «فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ المَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ» (رواه أحمد).
ومن ذلك ما ورد أن ذا الخويْصَرةِ التميميّ جاء والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقْسِمُ الأمْوالَ، فَقَالَ: يَا رَسولَ اللهِ اعْدِلْ! فَقَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ» (متفق عليه).
حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ضد العدل وهو الظلم، اذكر بعض الأدلة على عظيم جرم الظلم في الشرع
ويتضح ذلك في معاملته صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أُميّة بعد فتح مكة، وكان صفوان آنذاك مشركًا، واحتاج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بعض الدروع للقتال في حُنين، وكان صفوان من تجَّار السلاح في مكة، وكان عنده عدد كبير من السلاح؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا صَفْوَانُ، هَلْ عِنْدَكَ مِنْ سِلَاحٍ؟» قال: «عاريةً أم غصبًا؟» قال: «لَا، بَلْ عَارِيَةٌ». فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعًا، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حُنينًا، فلما هُزِم المشركون، جُمِعت دروع صفوان، ففَقَد منها أَدْراعًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفوان: «إِنَّا قَدْ فَقَدْنَا مِنْ أَدْرَاعِكَ أَدْرَاعًا فَهَلْ نَغْرَمُ لَكَ؟» قال: « لا يا رسول الله؛ لأن في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ».
(رواه أبو داود). قال أبو داود: وكان أعاره قبل أن يُسلم، ثم أسلم.
فلم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الدروع من صفوان قهرًا رغم أنه كان مهزومًا بعد فتح مكة، حتى دَهِش صفوان من استعارته للدروع والنبي صلى الله عليه وسلم فاتح منتصرٌ متمكن، فسأله مستفسرًا: «عاريةً أم غصبًا»؟ قال: «لا، بل عارية»، ولما فقدوا درعًا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفع قيمته!.
وإن تعجب من عدل الرسول صلى الله عليه وسلم فيما سبق، فالعجب كل العجب من مواقفه صلى الله عليه وسلم عندما يحكم بين مسلم ومن هو على غير دين الإسلام، ومن ذلك: لما أَقْرَضَ يهوديٌّ جابرَ بنَ عبد الله وحان وقت السداد ولم يستطع، ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي يستنظره لعله يؤجل فرفض، فعاد وكلمه مرارًا واليهودي يرفض، فأمر النبي جابرًا بالقضاء. (صحيح البخاري: كتاب الأطعمة).
هل العدل مع غير المسلم ضعف في الدين، أم قوة وثبات على المبدأ؟
ويقرّر النبي صلى الله عليه وسلم حقوق الضعفاء، ويحذّر الناس من بخسها فيقول: «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ -أي من يخدمونكم- جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» (متفق عليه).
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالموازنة في الأمور وإعطاء كل ذي حق حقه، فقال: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بَلَغَنِي أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَلَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَظًّا وَلِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَظًّا» (رواه مسلم).
اذكر ثلاثة أمثلة على العدل في شرائع الإسلام الذي أرسل به نبي العدل صلى الله عليه وسلم.
1. اتبع الحق دومًا، واحكم بالعدل أبدًا، ولو على نفسك أو والديك أو الأقربين.
2. إذا وليتَ أمرًا فلا تجعل عداوتك لشخص سببًا في أن تظلمه أو تبخسه حقه، قال تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].
3. لا تظلم أحدًا أيًّا كان السبب وأيًّا كان الشخص، وأدِّ الحقوق التي عليك.
4. اقتدِ بالنبي صلى الله عليه وسلم وكن حكمًا عدلًا بين أهلك، واقسط في القسمة بين أبنائك، وعلمهم هديه صلى الله عليه وسلم في العدل.