قال محمد بن عمر: حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان واستعمل زيد بن حارثة، وقال: «إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس فإن قتل فليرتض المسلمون منهم رجلا فليجعلوه عليهم» [ (1) ] .
قال محمد بن عمر رحمه الله عن عمر بن الحكم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صلّى الظهر جلس، وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مهضّ اليهودي فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زيد بن حارثة أمير الناس فإن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فإن أصيب عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون رجلا منهم فليجعلوه عليهم» .
فقال النعمان بن مهضّ:
«يا أبا القاسم إن كنت نبيّا فسمّيت من سمّيت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا لأن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا إن أصيب فلان ففلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعا» ثم إن اليهودي جعل يقول لزيد بن حارثة: «اعهد فإنك لا ترجع إلى محمد إن كان نبيا» . قال زيد: «فاشهد أنه رسول صادق بارّ» .
وعقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء أبيض ودفعه إلى زيد بن حارثة وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا استعينوا عليهم بالله تبارك وتعالى وقاتلوهم.
,
روى محمد بن عمر، والحاكم في الإكليل عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أصيب بمؤتة ناس من المسلمين، وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين، وكان فيما غنموا خاتم جاء به رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلت صاحبه يومئذ فنفّلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقدم حديث عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه. وروى محمد بن عمر، عن خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: «حضرت مؤتة فبارزني رجل منهم يومئذ فأصبته وعليه بيضة له فيها ياقوتة، فلم تكن همّتي إلا الياقوتة، فأخذتها. فلما رجعنا إلى المدينة أتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفّلنيها، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار فاشتريت بها حديقة نخل» . قال في البداية: «وهذا يقتضي أنهم غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم وقتلوا من أمرائهم» . وروى البخاري عن خالد رضي الله تعالى عنه قال: «لقد اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف وما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية» [ (2) ] وهذا يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلا ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم- إذ كان المسلمون ثلاثة آلاف والمشركون أكثر من مائتي ألف- وهذا وحده دليل مستقل والله أعلم.
وقد ذكر ابن إسحاق أن قطبة بن قتادة العذري الذي كان على ميمنة المسلمين حمل على مالك بن رافلة ويقال ابن رافلة، وهو أمير أعراب النصارى، فقتله، وقال قطبة يفتخر بذلك:
طعنت ابن رافلة ابن الإراش ... برمح مضى فيه ثمّ انحطم
ضربت على جيده ضربة ... فمال كما مال غصن السّلم
وسقنا نساء بني عمّه ... غداة رقوقين سوق النّعم
وهذا يؤيد ما نحن فيه لأن من عادة أمير الجيش إذا قتل أن يفرّ أصحابه، ثم إنه صرّح في شعره بأنهم سبوا من نسائهم، وهذا واضح فيما ذكرناه.
وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1473 كتاب الجهاد (43- 1753) .
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 588 كتاب المغازي (4265) .
أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أصيب جعفر وأصحابه فقال: «ايتني ببني جعفر» . فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه، فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: «نعم أصيبوا هذا اليوم» .
قالت: فقمت أصيح واجتمع إليّ النساء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: «لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم» .
وروى البخاريّ والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس يوم أصيبوا قبل أن يأتيه خبرهم فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله عليهم» [ (1) ] .
وروى النّسائي والبيهقي عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الإمراء فانطلقوا فلبثوا ما شاء الله، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنودي: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«أخبركم عن جيشكم هذا. إنهم انطلقوا فلقوا العدوّ فقتل زيد شهيدا، فاستغفر له ثم أخذ اللواء جعفر فشدّ على القوم حتى قتل شهيدا، فاستغفر له، ثم أخذه خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء، هو أمّر نفسه» . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره» .
فمن يومئذ سمّي خالد: «سيف الله» .
وروى البيهقي عن ابن عقبة رحمه الله تعالى قال: «قدم يعلى بن أمية رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخبر أهل مؤتة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئت أخبرني وإن شئت أخبرك، بخبرهم» . قال: بل أخبرني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم كله فقال: «والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره وإن أمرهم لكما ذكرت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم ورأيتهم في المنام على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد اللَّه بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه فقلت: عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد بعض التردّد ثم مضى» [ (2) ] .
وروى عبد الرزاق عن ابن المسيب رحمه اللَّه تعالى مرسلا قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «مثل جعفر وزيد وابن رواحة في خيمة من درّ، فرأيت زيدا، وابن رواحة في أعناقهما صدودا، ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود، فسألت أو قيل لي إنهما حين غشيهما الموت اعتراضا أو كأنهما صدّا بوجهيهما وأما
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 92 وأحمد في المسند 3/ 113 والبيهقي في السنن 8/ 154 والحاكم في المستدرك 3/ 42 وابن سعد في الطبقات 4/ 1/ 25.
[ (2) ] انظر البداية والنهاية 4/ 247.
جعفر فإنه لم يفعل وأن اللَّه تعالى أبدله جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء» .
وروى البخاري والنسائي عن عامر الشّعبي قال: «كان ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما إذا حيّا عبد اللَّه بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين» [ (1) ] .
قال ابن إسحاق: «ولما أصيب القوم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- فيما بلغني-: «أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا» . قال: ثم صمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصاري وظنّوا أنه قد كان في عبد اللَّه بن رواحة بعض ما يكرهون ثم قال: «ثم أخذها عبد اللَّه بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا» ، ثم قال: «لقد رفعوا إليّ في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب» .
فذكر مثل ما سبق.
وروى ابن سعد عن أبي عامر رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما بلغه مصاب أصحابه شق ذلك عليه فصلّى الظهر ثم دخل وكان إذا صلى الظهر قام فركع ركعتين ثم أقبل بوجهه على القوم، فشق ذلك على الناس، ثم صلى العصر ففعل مثل ذلك، [ثم صلى المغرب ففعل مثل ذلك] ثم صلى العتمة ففعل مثل ذلك حتى إذا كان صلاة الصبح دخل المسجد ثم تبسّم، وكان تلك الساعة لا يقوم إليه إنسان من ناحية المسجد حتى يصلّي الغداة. فقال له القوم [حين تبسّم] : «يا نبي اللَّه بأنفسنا أنت لا يعلم إلا اللَّه ما كان بنا من الوجد منذ رأينا منك الذي رأينا» . قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «كان الذي رأيتهم مني أنه أحزنني قتل أصحابي حتى رأيتهم في الجنة إخوانا على سرر متقابلين، ورأيت في بعضهم إعراضا كأنه كره السيف ورأيت جعفرا ملكا ذا جناحين مضرّجا بالدماء مصبوغ القوادم» [ (2) ] .
وروى الحكيم الترمذي في الثالث والعشرين بعد المائة من فوائده عن عبد الرحمن بن سمرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: بعثني خالد بن الوليد بشيرا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم مؤتة.
ذكر من استشهد بمؤتة من المسلمين رضي اللَّه تعالى عنهم
جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد اللَّه بن رواحة، ومسعود بن الأسود بن حارثة [بن نضلة] ، ووهب بن سعد بن أبي سرح، وعبّاد بن قيس- عبّاد بفتح المهملة وتشديد الموحدة، ويقال عبادة بضم أوله وتخفيف الموحدة وزيادة تاء التأنيث- والحارث بن النعمان [بن إساف بن نضلة] ، وسراقة بن عمرو بن عطية [بن خنساء] وزاد بن هشام نقلا عن ابن شهاب الزهري: أبا كليب- أو كلاب بكسر الكاف وتخفيف اللام- ابن عمرو بن زيد، وأخاه جابر بن عمرو بن زيد، وعمرو، وعامر ابنا سعد ابن الحارث [بن عباد بن سعد] وزاد الكلبي
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 94 (3709) .
[ (2) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 99.
والبلاذري: هوبجة بن بجير بن عامر الضّبي- هوبجة بفتح الهاء وسكون الواو وفتح الموحدة وبالجيم وتاء تأنيث، وبجير بضم الموحدة وفتح الجيم وسكون التحتية وبالراء، والضّبي بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة- ولما قتل فقد جسده، ولا ذكر لهوبجة فيما وقفت عليه من نسخ الإصابة للحافظ ولا للقاموس مع ذكر الذهبي له في التجريد وأن له وفادة وهجرة.
وزاد ابن سعد، والعدوي، وابن جرير الطبري: زيد بن عبيد بن المعلّي الأنصاري. وزاد ابن إسحاق كما في الإصابة، وجزم به في الزهر: عبد اللَّه بن سعيد بن العاص بن أمية قال ابن الأثير، قتل باليمامة في الأكثر، وقال الذهبي الأصح ببدر وقيل باليمامة وقيل بمؤتة. وزاد ابن الكلبي، وابن سعد، والزبير بن بكّار: هبّار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي، وقال عروة، وابن شهاب الزهري وابن إسحاق وابن سعد استشهد بأجنادين، وقال سيف بن عمر: استشهد باليرموك. وزاد ابن عقبة: عبد اللَّه بن الربيع الأنصاري، ومعاذ بن ماعص- بالعين والصاد المهملتين، ووقع في نسخة من مغازي موسى بن عقبة أن الذي استشهد بمؤتة أخوه عبّاد.
وقال في البداية بعد أن ذكر جميع من قتل بمؤتة من المسلمين: « [فالمجموع على القولين] اثنا عشر رجلا، وهذا عظيم جدا أن يتقاتل جيشان متعاديان في الدين أحدهما وهو الفئة التي تقاتل في سبيل اللَّه عدّتها ثلاثة آلاف، وأخرى كافرة عدّتها مائتا ألف مقاتل: من الروم مائة ألف، ومن نصارى العرب مائة ألف، يتبارزون ويتصاولون، ثم مع هذا كله لا يقتل من المسلمين سوى اثني عشر رجلا وقتل من المشركين خلق كثير هذا خالد وحده يقول:
«لقد اندقّت في يدي يومئذ تسعة أسياف وما صبرت في يدي إلا صفيحة يمانية» . فماذا ترى قد قتل بهذه الأسياف كلها؟ دع غيره من الأبطال والشجعان من حملة القرآن وهذا مما يدخل في قوله تعالى: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ [آل عمران 13] .
ذكر رجوع المسلمين إلى المدينة وتلقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمسلمين لهم
قال ابن عائذ رحمه اللَّه تعالى: وقفل المسلمون فمرّوا في طريقهم بقرية لها حصن كان [أهلها] قتلوا في ذهاب المسلمين رجلا من المسلمين فحاصروهم حتى فتحه اللَّه عليهم عنوة وقتل خالد مقاتلتهم.
وروى إسحاق عن عروة قال: لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمسلمون معه. قال: وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون: يا
فرّار فررتم في سبيل اللَّه. قال: فيقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ليسوا بالفرّار ولكنهم الكرّار إن شاء اللَّه تعالى» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما قال: «كنت في سرية من سرايا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فحاص الناس وكنت فيمن حاص.
وفي رواية: فلما لقينا العدوّ في أول غادية فأردنا أن نركب البحر فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف؟
ثم قلنا لو دخلنا المدينة [قتلنا] ، فقدمنا المدينة في نفر ليلا فاختفينا. ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاعتذرنا إليه، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا. فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال: «من القوم؟» . قلنا نحن الفرّارون، قال: «بل أنتم الكرّارون وأنا فئتكم» . أو قال: «وأنا فئة كل مسلم» . قال: فقبّلنا يده [ (2) ] .
وروى ابن إسحاق عن أم سلمة [زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم] رضي اللَّه تعالى عنهما أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومع المسلمين؟ قالت: واللَّه ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس: يا فرّار فررتم من سبيل اللَّه، حتى قعد في بيته فما يخرج، وكان في غزوة مؤتة.
وعن خزيمة بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه قال: «حضرت مؤتة وبرز لي رجل منهم فأصبته وعليه بيضة فيها ياقوتة فلم يكن همّي إلا الياقوتة فأخذتها. فلما انكشفنا رجعنا إلى المدينة فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنفّلنيها، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار فاشتريت بها حديقة نخل» . رواه البيهقي.
قال في البداية: لعل طائفة منهم فرّوا لما عاينوا كثرة جموع العدو على ما ذكروه مائتي ألف، وكان المسلمون ثلاثة آلاف، ومثل هذه يسوّغ الفرار، فلما فرّ هؤلاء ثبت باقيهم وفتح اللَّه عليهم وتخلّصوا من أيدي أولئك وقتلوا منهم مقتلة عظيمة كما ذكره الزهري وموسى بن عقبة والعطّاف بن خالد، وابن عائذ، وحديث عوف بن مالك السابق يقتضي أنهم غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم وقتلوا من أمرائهم وقد تقدم فيما رواه البخاري أن خالدا رضي اللَّه تعالى عنه قال: «اندقت في يدي تسعة أسياف إلخ» يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلا ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم وهذا وحده دليل مستقل.
__________
[ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 93.
[ (2) ] أخرجه أبو داود 2/ 52 (2647) . والترمذي 4/ 186 (1716) . وأحمد في المسند 2/ 111 والبيهقي في السنن 9/ 78 وأبو نعيم في الحلية 9/ 57.
,
روى البيهقي وأبو نعيم عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مر علي جعفر بن أبي طالب في الملائكة يطير كما يطيرون له جناحان، وزعموا أن يعلى بن منيه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أهل مؤتة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن شئت فأخبرني، وإن شئت أخبرتك» ، قال: أخبرني يا رسول الله به، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم كلهم ووصفه لهم فقال: والذي بعثك بالحق، ما تركت من حديثه حرفا لم تذكره، وإن أمرهم لكما ذكرت، فقال: «إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم» .
وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيدا وجعفرا وعبد الله ابن رواحة ودفع الراية إلى زيد فأصيبوا جميعا، فنعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يجيء الخبر، فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب» ، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير أمره ففتح عليه.