(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران: 159]
وصفَ الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بلين الجانب لأصحابه فقال: (فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ ) [آل عمران: 159] فكانت الألفة بينه وبين أصحابه من أقوى ما تكون، وهو ما جعل كثيرًا من المشركين يتعجَّبون لهذه الرابطة القويَّة التي جمعته بأصحابه، حتى لقد وصف ذلك أبو سفيان بن حرب قبل إسلامه فقال: «ما رأيتُ من الناس أحدًا يحبُّ أحدًا كحُبِّ أصحابِ محمدٍ محمدًا!!» [السيرة النبوية لابن هشام].
وفي معاملته صلى الله عليه وسلم لأصحابه من حسن الخُلق ما لا يخفى، ولذلك صور عديدة منها:
فقد كان أحد الصحابة رجلًا دميمًا، وكان صلى الله عليه وسلم يحبُّه، فأتاه النبي يومًا، وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال الرجل: أرسلِني، مَن هذا؟ فالتفت فعرف النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وجعل النبيُّ يقول: «مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟!!» فقال: «يا رسول الله، إذًا والله تجدني كاسدًا». فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ». أو قال: «لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ» (رواه أحمد).
وكان صلى الله عليه وسلم يمزح معهم، ولا يقول إلا حقًّا.. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا»، قال بعض أصحابه: «فإنك تداعبنا يا رسول الله؟!»، فقال: «إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا»(رواه أحمد).
وكان الصحابة رضي الله عنهم يمازحونه لعلمهم بتواضعه وكريم أخلاقه معهم.
قال عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- : «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ (أي: خيمة من جلد)، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّ»، وَقَالَ: «ادْخُلْ»، فَقُلْتُ: «أَكُلِّي ( قال ذلك من صغر القبة) يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!» قَالَ: «كُلُّكَ. فَدَخَلْتُ» (رواه أبو داود).
رأى النبي صلى الله عليه وسلم صهيبًا وهو يأكل تمرًا وبعينه رمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ممازحًا: «أَتَأْكُلُ التَّمْرَ وَبِكَ رَمَدٌ؟!!» فقال صهيب: «إِنَّمَا آكُلُ عَلَى شِقِّي الصَّحِيحِ لَيْسَ بِهِ رَمَدٌ»!! فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم» (رواه الحاكم)
- كان لمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أثر كبير في حب الصحابة الشديد له صلى الله عليه وسلم، وضِّحْ ما تقول من سيرته صلى الله عليه وسلم.
- كيف يمكن أن تمزح من غير أن تخطئ أو تقول شيئًا غير الحق؟
يروي لنا عن ذلك سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ» (رواه البخاري).
وأوصى أصحابه بالرفق على الضعيف فقال: «ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» (رواه أبو داود).
عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (رواه البخاري).
للصداقة آداب، وللصديق على صديقه حقوق، وضِّحْ ذلك من سيرته صلى الله عليه وسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ»
(رواه الترمذي والنسائي)
وكان صلى الله عليه وسلم يثني على أصحابه إظهارًا لفضلهم وعلو قدرهم.. فنجده يعامل أصحابه معاملة تدلُّ على حُبِّه لهم جميعًا؛ وكأنه يخصُّ كل صحابي بحبٍّ خاصٍّ يختلف عن باقي أصحابه
فنجد رسول الله يصف أصحابه بصفات تُعَزِّز من الألفة والتقارب بينه وبينهم، فيصف الزُّبير بن العوام بأنه
حواريه
فقال صلى الله عليه وسلم: «الزُّبَيْرُ ابْنُ عَمَّتِي وَحَوَارِيِّي مِنْ أُمَّتِي» (رواه أحمد) أي: ناصري وخاصتي من أصحابي، ويصفُ أبا بكر وعمر بأنهما
وزيراه
فقال صلى الله عليه وسلم: «وَأَمَّا وَزِيرَاي مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» (رواه الترمذي)، وجعل حذيفة
كاتم سرِّه
، ولقَّب صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بأنه
أمين الأُمَّة
: «وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بِنُ الجَرَّاحِ» (رواه البخاري).
روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه « أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟!، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: (لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ!» (رواه البخاري).
ومن ذلك أن ابن مسعود -رضي الله عنه- كان يجتني سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه -أي: تُميله- ، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مِمَّ تَضْحَكُونَ؟!» قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه!! فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ» (رواه أحمد).
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل دون إشراك أصحابه معه؛ ولما صُنِع له طعام في يوم معركة الخندق نادى في أصحابه قائلًا: «يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا [أَي: طعامًا دعا الناس إِليه]، فَحَيَّ هَلا بِكُمْ [أي هلمُّوا مسرعين]»(رواه البخاري).
شبَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم المؤمنين في توادهم وتراحمهم بأنهم كالجسد الواحد، فما دلالة ذلك وأثره في خلق مجتمع قوي ومترابط؟
روى ذلك سهل بن حنيف عن أبيه -رضي الله عنها- فقال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَيَزُورُهُمْ، وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ» (رواه البيهقي).
ومن هديه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في وقت الشدة والبلاء التسلية والعزاء، فكان يشعر بآلامهم، ويجعل لهم من محنهم منحًا، ومن الحزن فرحًا، ومن الألم أملًا.
قال قرة بن إياس -رضي الله عنه- : «كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، فهلك [مات]، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة، لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم» فقال: «مَا لِي لَا أَرَى فُلَانًا؟!» قالوا: «يا رسول الله، بنيه الذي رأيته هلك. فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك، فعزَّاه عليه، ثم قال: «يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ: أَنْ تُمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ»؟ قال:« يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إليَّ، قال: «فَذَاكَ لَكَ»، فقالوا: «يا رسول الله أَلَهُ خاصة أم لكلنا؟» قال: «بَلْ لِكُلِّكُمْ» (رواه النسائي).
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قَالَ: «أُصِيبَ (أي: لحقت به خسارة) رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ». فَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مترفقًا بحاله: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ (والمعنى : أنه ليس لكم زجرُه وحبسُه؛ لأنه ظهرَ إفلاسُه، بل يُخلَّى ويُمهَل إلى أن يحصلَ له مالٌ، فيأخذ الدائنون ديونَهم بعد ما يحصل له مالٌ ، وليس معناه إبطال ديونهم.)» (رواه مسلم).
ومن أحواله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه استشارته لهم، فكثيرًا ما كان يقول لهم: «أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ» (رواه مسلم).
وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على تعليم أصحابه.. حينما أساء رجل في صلاته ولم يحسن القيام بها علَّمه صلى الله عليه وسلم صفتها ثم قال صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (رواه البخاري).
وفي حجة الوادع قال صلى الله عليه وسلم: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» (رواه مسلم).
قال أبو ذر رضي الله عنه: «تَرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ إِلا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا. قَالَ: فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إِلا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ» (رواه الطبراني).
ومن صور ذلك ما رواه أنس -رضي الله عنه- قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلما رأى ما بهم من النَّصَب (أي: التعب) والجوع» قال: «اللَّهُمَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَة.. فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَة».. فقالوا مجيبين له: «نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد ما بقينا أبدًا» (رواه البخاري).
وعن أنس رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُ الأَنْصَارَ، فَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهمْ، وَيَمْسَحُ بِرُؤُوسِهِمْ، وَيَدْعُو لَهُمْ» (رواه النسائي)
ما دلالة قوله صلى الله عليه وسلم «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه)؟
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا تُطْرُونِي[تبالغوا في مدحي] كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» (رواه البخاري).
هل يمكن القيام بحق الصديق وحق الزوجة والأبناء والجيران والوالدين وحق النفس وغير ذلك بلا تقصير..؟!
1. شَارِكْ صديقك في السراء والضراء وواسه وكن وفيًّا له مقتديًا في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم .
2. أَخْلِصِ النُّصْحَ لصديقك واحرص على مصلحته ونصحه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه).
3. أَحْسِنِ اختيارَ أصدقائك، فالمرء مرآة لصاحبه.
4. شَاوِرْ أصدقاءك فيما يجمعكم، ولا تنفرد برأيك دونهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه.
5. كن هَيِّنًا ليِّنًا ولا تتعالَ على أصدقائك وتتفاخر عليهم، أو تزدريهم وتسخر منهم.
6. تخَلَّقْ بأخلاق الإسلام تكن مقتديًا به صلى الله عليه وسلم وتكن خير الأصدقاء.