وكانت المرضعات يلتمسن الرضعاء -الرضعاء: جمع رضيع- في مكة فكان محمد بن عبد الله من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، واسم زوجها أبو كبشة، وقد كان لرضاع محمد أثر محمود في حياتهم، وكان وجوده لديهم خيرًا وبركة عليهم.
وتروي لنا حليمة السعدية عن ذلك، فتقول: خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر، نلتمس الرضعاء بمكة في سنة شديدة الجدب، لم تبق شيئًا، ومعي زوجي، ومعنا ناقة مسنَّة لنا، والله ما يسيل علينا بقطرة من لبن. ومعي صبي لي لا ننام ليلتنا من بكائه، ما في ثديي ما يغنيه.
فلما قدمنا مكة، لم تُبْقِ منا امرأة إلا عرض عليها رسول صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما كنا نرجو كرامة الرضاعة من والد الولد -وكان يتيمًا- ونقول: يتيم ما عسى أن تصنع أمه به؟! حتى لم يبق من صواحبي امرأة إلا أخذت صبيًّا.
فكرهت أن أرجع ولم أجد شيئًا وقد أخذ صواحبي. فقلت لزوجي: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم، فلآخذنه، فأخذته ورجعت إلى رحلي. فوالله ما هو إلا أن جعلته في حجري حتى أقبل عليه ثديي بما شاء من اللبن فشرب حتى روي، وشرب أخوه -يعني ابنها- حتى روي، وقام زوجي إلى شارفنا - الشارف: الناقة المسنة الهرمة - من الليل، فإذا بها حافل - أي: ضرعها مملوء باللبن- ، فحلبها من اللبن ما شئنا، وشرب حتى روي وشربت حتى رويت، وبتنا ليلتنا شباعًا رواء وقد نام صبياننا، فقال زوجي: والله يا حليمة ما أراك إلا أصبت نسمة مباركة.
وكان صلى الله عليه وسلم يشب في اليوم شباب الصبي في شهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة، فبلغ سنة وهو غلام جفر[ممتلئ قوي] فقدمنا على أمه، فقلت لها، وقال لها أبوه: ردي علينا ابني فلنرجع به، فإنا نخشى عليه وباء مكة. ونحن أضن شيء به مما رأينا من بركته. قالت: فلم نزل بها حتى قالت: ارجعا به، فرجعنا به.
وأبو الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاع- هو زوج حليمة: الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن سعد بن بكر بن هوازن.
وإخوته -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة: عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة بنت الحارث -وهي الشيماء- وذكروا أنها كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه إذ كان عندهم.