وهي عند ابن إسحق: في شهر ربيع الأول على رأس خمسة أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ أُحُدٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ: كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، قَبْلَ أُحُدٍ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَكَانُوا قَدْ دَسُّوا إِلَى قُرَيْشٍ فِي قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَضُّوهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَدَلُّوهُمْ عَلَى العورة.
قال ابن إسحق وَغَيْرُهُ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ لِيَسْتَعِينَهُمْ فِي دية ذينك القتيلين للذين قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ [1] لِلْجِوَارِ الَّذِي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عَقَدَ لَهُمَا [2] ، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي عَامِرٍ عَقْدٌ وَحِلْفٌ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ رَسُول اللَّهِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَتِهِمَا [3] قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، نُعِينُكَ عَلَى مَا أَحْبَبْتَ مِمَّا اسْتَعَنْتَ بِنَا عَلَيْهِ، ثُمَّ خَلا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَقَالُوا: إِنَّكْمُ لَنْ تَجِدُوا الرَّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ، ورَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ، فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحُنَا مِنْهُ، فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ عَمْرَو بْنَ جحاشِ بْنِ كَعْبٍ، أَحَدُهُمْ، فَقَالَ: أَنَا لِذَلِكَ، فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا قَالَ، ورَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فيهم أبو بكر وعمرو وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَقَالَ سَلامُ بْنُ مِشْكَمٍ (يَعْنِي لِلْيَهُودِ) لا تَفْعَلُوا، وَاللَّهِ لَيُخْبَرَنَّ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ، وَإِنَّهُ لنقض العهد الذي بيننا وبينه.
__________
[ (1) ] وعند ابن هشام: يستفيهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري.
[ (2) ] وعند ابن هشام: لِلْجِوَارِ الَّذِي كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم عقد لهما، كما حدثني يزيد بن رومان.
[ (3) ] وعند ابن هشام: يستعينهم في دية ذينك القتيلين.
رجع إلى خبر ابن إسحق قَالَ: فَأَتَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة، فلما استلبث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه قَامُوا فِي طَلَبِهِ، فَلَقُوا رَجُلا مِنَ الْمَدِينَةِ مُقْبِلا فَسَأَلُوهُ [1] ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ دَاخِلا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى انتهوا إليه، فأخبر الخبر هم بِمَا كَانَتْ أَرَادَتْ يَهُودُ مِنَ الْغَدْرِ بِهِ [2] . قال ابن عقبة: ونزل في ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ [3] الآية.
رجع إلى خبر ابن إسحق: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالتَّهَيُّؤِ لِحَرْبِهِمْ وَالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام، وَقَالَ: ثُمَّ سَارَ بِالنَّاسِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ [4] فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر.
قال ابن إسحق: فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُونِ، فَأَمَر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ النَّخْلِ [5] وَالتَّحْرِيقِ فِيهَا، فَنَادُوهُ أَنْ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ كُنْتَ تَنْهَى عَنِ الْفَسَادِ وَتُعِيبُهُ عَلَى مَنْ صَنَعَهُ، فَمَا بَالُ قَطْعِ النَّخِيلِ [6] وَتَحْرِيقُهَا؟ وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولٍ، وَوَدِيعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي قَوْقَلٍ، وَسُوَيْدٌ وَدَاعِسٌ [قد] [7] بَعَثُوا إِلَى بَنِي النَّضِيرِ أَنِ اثْبُتُوا وَتَمَنَّعُوا، فَإِنَّا لَنْ نُسَلِّمَكُمْ، إِنَّ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ، وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ، فَتَرَبَّصُوا ذَلِكَ مِنْ نَصْرِهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَقَذَفَ اللَّه فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَسَأَلُوا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ وَيَكُفَّ عَنْ دِمَائِهِمْ، عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتِ الإِبِلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا الْحلقةَ [8] ، فَفَعَل، فَاحْتَمَلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا اسْتَقَلت بِهِ الإِبِلُ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَهْدِمُ بَيْتَهُ عن نجاف [9] بابه، فيضعه على بعير فَيَنْطَلِقُ بِهِ، فَخَرَجُوا إِلَى خَيْبَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ إِلَى الشَّامِ [10] ، وَخَلَّوُا الأَمْوَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم،
__________
[ (1) ] وعند ابن هشام: فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه ...
[ (2) ] وعند ابن هشام: بما كانت اليهود أرادت من الغدر به.
[ (3) ] سورة المائدة: الآية 11.
[ (4) ] قال ابن هشام: وذلك في شهر ربيع الأول، فحاصرهم ست ليال، ونزل تحريم الخمر.
[ (5) ] وعند ابن هشام: النخيل.
[ (6) ] وعند ابن هشام: النخل.
[ (7) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.
[ (8) ] أي السلاح أو الدروع.
[ (9) ] النجاف: الناتئ المشرف على الشيء، يقال: نجاف الغار ونجاف الباب.
[ (10) ] وعند ابن هشام: فكان أشرافهم من سار منهم إلى خبير: سلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي
فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً، يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ [1] ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلا رَجُلانِ يَامِينُ بن عمرو بن كعب ابن عم عَمْرِو بْنِ جَحَّاشٍ [2] ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ وَهْبٍ [3] ، أسلما فأحرزا أموالهما بِذَلِكَ.
وَيُقَالُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيَامِينَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى مَا لَقِيتُ مِنَ ابْنِ عَمِّكَ، وَمَا هَمَّ بِهِ مِنْ شَأْنِي، فَجَعَلَ يَامِينُ جَعْلا لِمَنْ يَقْتُلُهُ فَقُتِلَ، وَنَزَلَ فِي أَمْرِ بَنِي النَّضِيرِ سورة الحشر.
قَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: وَلَحِقَ بَنُو أَبِي الْحُقَيْقِ بِخَيْبَرَ، وَمَعَهُمْ آنِيَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، قَدْ رَآهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حِينَ خَرَجُوا بِهَا، وَعَمَدَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَاسْتَغْوَاهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَنْصَرَهُمْ، وَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ أَهْلِ النِّفَاقِ وَمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ.
وَفِيمَا ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ بَنِي النَّضِيرِ: أَنَّهُمْ حِينَ هَمُّوا بِغَدْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْلَمَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، وَنَهَضَ سَرِيعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، بَعَثَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنِ اخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي، فَلا تُسَاكِنُونِي بِهَا وَقَدْ هَمَمْتُمْ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنَ الْغَدْرِ، وَقَدْ أَجَّلْتُكُمْ عَشْرًا فَمَنْ رُؤِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا يَتَجَهَّزُونَ، وَأَرْسَلُوا إِلَى ظَهْرٍ [4] لَهُمْ بِذِي الْجَدْرِ، وَتَكَارُوا [5] مِنْ ناس من أشجع إِبِلا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنُ أُبَيٍّ: لا تَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ، وَأَقِيمُوا فِي حُصُونِكُمْ، فَإِنَّ مَعِيَ أَلْفَيْنِ مِنْ قَوْمِي وَمِنَ الْعَرَبِ يَدْخُلُونَ حِصْنَكُمْ [6] فيموتون عمن آخرهم، وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من
__________
[ () ] الحقيق، وحيي بن أخطب، فلما نزلوها دان لهم أهلها. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن حدث أنهم استقلوا بالنساء والأبناء والأموال، معهم الدفوف والمزامير، والقيان يعز فن خلفهم، وأن فيهم لأم عمرو صاحبه عروة بن الورد العبسي التي ابتاعوا منه، وكانت إحدى نساء بني غفار، بزهاء وفخر ما رثى مثله من حي من الناس في زمانهم....
[ (1) ] وعند ابن هشام: فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأوليين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا، فأعطاهما رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
[ (2) ] وَعِنْدَ ابن هشام: يامين بن عمير أبو كعب بن عمرو بن جحاش.
[ (3) ] وعند ابن هشام: وأبو سعد بن وهب.
[ (4) ] أي إبلهم.
[ (5) ] أي استأجروا.
[ (6) ] وعند ابن سعد: وأقيموا في حصنكم، فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب، يدخلون معكم حصنكم.
غَطَفَانَ،
فَطَمِعَ حُيَيٌّ فِيمَا قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ، فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّا لا نَخْرُجُ مِنْ دِيَارِنَا فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، فَأَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم التكبير، وكبير الْمُسْلِمُونَ لِتَكْبِيرِهِ وَقَالَ:
«حَارَبْتُ يَهُودَ»
فَسَارَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ بِفِنَاءِ [1] بَنِي النَّضِيرِ، وَعَلِيٌّ يَحْمِلُ رَايَتَهُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَامُوا عَلَى حُصُونِهِمْ مَعَهُمُ النَّبْلُ وَالْحِجَارَةُ، وَاعْتَزَلَتْهُمْ قُرَيْظَةُ فَلَمْ تُعِنْهُمْ، وَخَذَلَهُمُ ابْنُ أُبَيٍّ وَحُلَفَاؤُهُمْ مِنْ غَطَفَانَ فَيَئِسُوا [2] مِنْ نَصْرِهِمْ،
فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَطَّعَ نَخْلَهُمْ، وَقَالُوا: نَحْنُ نَخْرُجُ عَنْ بِلادِكَ، فَقَالَ: «لا أَقْبَلُهُ الْيَوْمَ، وَلَكِنِ اخْرُجُوا مِنْهَا وَلَكُمْ دِمَاؤُكُمْ وَمَا حَمَلَتِ الإِبِلُ إِلا الْحَلْقَةَ» ، فَنَزَلَتْ يَهُودُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ حَاصَرَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانُوا يُخَرِّبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ أَجْلاهُمْ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَوَلِيَ إِخْرَاجَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وحملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بَعِيرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَؤُلاءِ فِي قَوْمِهِمْ بِمَنْزِلَةِ بَنِي الْمُغِيرَةِ فِي قُرَيْشٍ» ، فَلَحِقُوا بِخَيْبَرَ،
وَحَزِنَ الْمُنَافِقُونَ عَلَيْهِمْ حُزْنًا شَدِيدًا، وَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَمْوَالَ وَالْحَلْقَةَ، فَوَجَدَ مِنَ الْحَلْقَةِ خمسين درعا، وخمسين بيضة، وثلاثمائة وَأَرْبَعِينَ سَيْفًا، وَكَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ صَفْيًا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم [خالصة له] [3] حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ، وَلَمْ يَخْمِسُهَا، وَلَمْ يُسْهِمْ مِنْهَا لأَحَدٍ، وَقَدْ أَعْطَى نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَوَسَّعَ فِي النَّاسِ مِنْهَا.
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ (الإِكْلِيلِ) لَهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمِّ الْعَلاءِ قَالَتْ: طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي الْقُرْعَةِ، فَكَانَ فِي مَنْزِلِي حَتَّى تُوُفِّيَ، قَالَتْ: فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُهَاجِرُونَ فِي دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَلَمَّا غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ، دَعَا ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَقَالَ: «ادْعُ لِي قَوْمَكَ» فَقَالَ ثَابِتٌ: الْخَزْرَجَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَنْصَارَ كُلَّهَا» فَدَعَا لَهُ الأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ، فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الأَنْصَارَ وَمَا صَنَعُوا بِالْمُهَاجِرِينَ، وَإِنْزَالَهُمْ إِيَّاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَأَثَرَتَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: «إِنْ أَحْبَبْتُمْ قسمت بينكم وبني الْمُهَاجِرِينَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ من
__________
[ (1) ] وعند ابن سعد: بفضاء.
[ (2) ] وعند ابن سعد: فأيسوا.
[ (3) ] زيدت على الأصل من الطبقات.
السُّكْنَى فِي مَنَازِلِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتُهُمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ» ؟ فَتَكَلَّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بل تقسم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَيَكُونُونَ فِي دُورِنَا كَمَا كَانُوا، وَنَادَتِ الأَنْصَارُ: رَضِينَا وَسَلَّمْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ، فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَى الْمُهَاجِرِينَ، وَلَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنَ الأَنْصَارِ شَيْئًا،
إِلا رَجُلَيْنِ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ:
سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ، وَأَبَا دُجَانَةَ، وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكَانَ سَيْفًا لَهُ ذِكْرٌ عِنْدَهُمْ.
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الْبَلاذُرِيُّ فِي كِتَابِ (فُتُوحِ الْبُلْدَانِ) لَهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قال الأنصار لَيْسَتْ لإِخْوَانِكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمْوَالٌ، فَإِنْ شِئْتُمْ قَسَمْتُ هَذِهِ وَأَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنْ شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَقَسَمْتُ هَذِهِ فِيهِمْ خَاصَّةً، فقالوا: بل أقسم هَذِهِ فِيهِمْ، وَأَقْسِمْ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ، فَنَزَلَتْ:
وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [1]
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
جَزَاكُمُ اللَّهُ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُكُمْ إِلا كَمَا قَالَ الْغَنَوِيُّ:
جَزَى اللَّهُ عَنَّا جَعْفَرًا حِينَ أَزْلَفَتْ ... بِنَا نَعْلُنَا فِي الْوَاطِئِينَ فَزَلَّتِ
أَبَوْا أَنْ يَمَلُّونَا وَلَوْ أَنَّ أُمَّنَا ... تُلاقِي الَّذِي يَلْقَوْنَ مِنَّا لَمَلَّتِ
قَالَ: وَكَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَزْرَعُ تَحْتَ النَّخْلِ فِي أَرْضِهِمْ، فَيَدَّخِرُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَ أَهْلِهِ وَأَزْوَاجِهِ سَنَةً، وَمَا فَضُلَ جَعَلَه فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاحِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قال: حدثني إسحق قال: أنا حبان، فثنا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، قَالَ: وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ
فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بن الحرث:
أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وَحَرَّقَ فِي نواحيها السّعير
__________
[ (1) ] سورة الحشر: الآية 9.
ستعلم ابنا منها بنزة ... وتعلم أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ [1]
هَذِهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ.
وَقَالَ أبو عمر والشيباني وَغَيْرُهُ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ:
لَعَزَّ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مستطير
ويروى بالبويلة.
وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَأَبَا سَلَمَةَ الْبُوَيْلَةَ مِنْ أَرْضِهِمْ، فَأَجَابَهُ حَسَّانٌ:
أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكُمْ حَرِيقًا ... وَضَرَّمَ فِي طَوَائِفِهَا السعير
هم أتوا الْكِتَابَ فَضَيَّعُوهُ ... فَهُمْ عُمْيٌ عَنِ التَّوْرَاةِ بُورُ
هذه أشبه بالصواب من الرواية الأولى.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب حديث بني النضير ... (5/ 23) .