وفي هذه السنة اختار النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري لينوبا عنه في دعوة أهل اليمن، بعث كلا منهما على إقليم في اليمن، ثم قال لهما: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا» (رواه البخاري)، ثم انطلق كل واحد منهما إلى عمله[سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد].
ولحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسم منهج الدعوة الذي يسلكه مع أهل اليمن، خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ يوصيه ويوضح له ذلك المنهج تدريجيا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» (رواه البخاري).
ويختم النبي صلى الله عليه وسلم حديثه مع معاذ يوصيه وقد شعر باقتراب أجله، فقال: «يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وْلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا وْقَبْرِي»، فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعًا لِفِرَاقِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ الْتَفَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا» (رواه أحمد)، قال ذلك في إشارة واضحة إلى أن أجله صلى الله عليه وسلم قد اقترب.