نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فحدثني رجل من أسلم، وكان واعية أن أبا جهل اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا، فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف له، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولاة لعبد الله بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي لقريش عند الكعبة، فجلس معهم، ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب إن أقبل متوشحاً قوسه، راجعاً من قنص له، وكان إذا فعل ذلك لا يمر على نادي من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز قريش وأشدها شكيمة، وكان يومئذ مشركاً على دين قومه، فلما مر بالمولاة وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى بيته، فقالت له:، أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك من أبي الحكم آنقاً قبيل، وجده هاهنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد، فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله عز وجل به من كرامته، فخرج سريعاً لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، معدا لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر اليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه حتى قام من رأسه، رفع القوس وضربه بها ضربه شجه بها شجة منكرة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا: ما تراك يا حمزة إلا قد صبأت؟! فقال حمزة: وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسول الله، وأن الذي يقول حق، فو الله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحا، وتم حمزة على إسلامه وعلى ما بايع عليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم من قوله، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع (73) وأن حمزه سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه، فقال في ذلك شعراً ضرب أبا جهل وأسلم:
ذق يا أبا جهل بما عسيت ... من أمرك الظالم إذ «1» «2» مشيت
ستسعط الرغم بما أتيت ... تؤذي رسول الله إذ نهيت
عن أمرك الظالم إذ عتيت ... لو كنت ترجو الله ما شقيت
ولا تركت الحق إذ دعيت ... ولا هويت بعد ما هويت
تؤذي رسول الله قد غويت ... ما كنت حباً بعد ما غدرت
فحتى تذوق الخزي قد لقيت ... فقد شفيت النفس وأشفيت
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم رجع حمزة إلى بيته فأتاه الشيطان فقال أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابىء، وتركت دين آبائك، للموت كان خير لك مما صنعت فأقبل على حمزة بثه فقال: ما صنعت اللهم، إن كان رشداً فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجاً، فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان وتزيينه حتى أصبح، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يابن أخي إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه وإقامة مثلى على ما لا أدري ما هو أرشداً هو أم غي شديدة؟ فحدثني حديثاً فقد اشتهيت يا بن أخي أن تحدثني، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ووعظه وخوفه وبشره، قال: فألقى الله عز وجل في نفسه الإيمان بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أشهد أنك صادق، شهادة الصدق العارف، فأظهر يا بن أخي دينك، فو الله ما أحب أن لي ما أظلته السماء وأني على ديني الاول فكان حمزة ممن أعز الله به الدين.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقال حمزة بن عبد المطلب:
__________
(1) في ع: إذا.
(2) في ع: بها.
حمدت الله حين هدى فؤادي ... إلى الاسلام والدين الحنيف
لدين جاء من رب عزيز ... خبير بالعباد بهم لطيف
إذا تليت رسائله علينا ... تحدر دمع ذي اللب الحصيف
رسائل جاء أحمد من هداها ... بآيات مبينات الحروف
وأحمد مصطفى فينا مطاع ... فلا تغشوه بالقول العنيف (74)
فلا والله نسلمه لقوم ... ولما نقضي فيهم بالسيوف
ونترك منهم قتلى بقاع ... عليها الطير كللورد العكوف
وقد خبرت ما صنعت ثقيف ... به فجزى القبائل من ثقيف
إله الناس شر جزاء قوم ... ولا أسقاهم صوب الخريف «1»
__________
(1) انظر الروض الأنف: 2/ 49.