بعد إرسال معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري إلى اليمن لتعليم أهلها شرائع الإسلام، ظهر باليمن في السنة نفسها الأسود العَنْسي، واسمه عَبْهَلَة بن كعب بن غوث، وقد ادَّعى النبوة.
وعظمت فتنته حتى استفحلت, وذلك أنه خرج في سبعمائة مقاتل من بلد يقال لها «كهف خُبَّان»، وكتب إلى عمال النبي صلى الله عليه وسلم باليمن: أيها المورودون علينا، أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفِّروا ما جمعتم، فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه، ثم ركب فتوجَّه إلى نجران فأخذها بعد عشر ليال من مخرجه، ثم قصد إلى صنعاء، فخرج إليه شهر بن باذان، فتقاتلا فغلبه الأسود فقتله، واحتلَّ صنعاء لخمس وعشرين ليلة من مخرجه.
ففرَّ معاذ بن جبل -رضي الله عنه- من هنالك، واجتاز بأبي موسى الأشعري، فذهبا إلى حضرموت، ورجع عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بن العاص إلى المدينة، ودانت اليمن بكاملها للأسود العنسي، وانتشرت فتنته، حتى ارتدَّ ناس من أهل اليمن، وأخذ الأسود امرأة شهر بن باذام زوجة له بعدما قتل زوجها، وهي ابنة عم فيروز الديلمي، واسمها آزاذ، وكانت امرأة حسناء جميلة مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن الصالحات.
فلما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الأسود العنسي، أرسل رسالة مع وَبْر بن يُحنَّس الديلمي، يأمر فيه المسلمين بقتال الأسود العنسي، وتلقى معاذ بن جبل ومن معه ذلك الكتاب، وبلَّغوا هذا الكتاب إلى عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمن، فاتفقوا مع أمراء جنده على قتله وكانوا قد كرهوه وكرهوا أمره لاستهانته بهم، ودبَّروا لذلك مع امرأته آزاذ، فأدخلت فيروز الديلمي، فقتله وهو نائم [انظر: البداية والنهاية، لابن كثير].