"ثم خرج عليه السلام إلى الطائف" قال ابن إسحاق: يلتمس النصر من ثقيف والمنعة ورجاء أن يقبلوا منه ما جاء به من الله تعالى، قال المقريزي: لأنهم كانوا أخواله، قال غيره: ولم يكن بينه وبينهم عداوة. "بعد موت خديجة بثلاثة أشهر في ليال بقين من شوال سنة عشرة
من النبوة. لما ناله من قريش بعد موت أبي طالب. وكان معه زيد بن حارثة.
فأقام به شهرا، يدعو أشارف ثقيف إلى الله فلم يجيبوه وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه.
__________
من النبوة" هذا على موتها في رجب، لا على ما جزم به أنه في رمضان، وعادة العلماء أنهم إذا مشوا في محل على قول وفي آخر على غيره، لا يعد تناقضا.
"لما ناله" صلة خرج واللام للتعليل، أي: خرج للأذى الذي ناله "من قريش بعد موت أبي طالب وكان معه زيد بن حارثة" فيما رواه ابن سعد عن جبير بن مطعم، وذكر ابن عقبة وابن إسحاق وغيرهما أن خرج وحده ماشيا، فيمكن أن زيدا لحقه بعد ولا يؤيده ما يأتي أنه صار يقيه بنفسه، ولم يحك فيه خلافا كما زعم؛ لأن الآتي إنما هو كلام ابن سعد وحده الذي روى أنه كان معه، "فأقام به شهرا" وقال ابن سعد: عشرة أيام، وجمع في أسنى المطالب بأن العشرة في نفس الطائف العشرين فيما حولها وطريقها وأقرب منه؛ كما قال شيخنا: إن الشهر كله في الطائف، لكنه مكث عشرين قبل اجتماعه بعبد ياليل وعشرة بعده؛ لأنه لم يرجع عقب دعائه بل مكث "يدعو أشراف ثقيف إلى الله" ويدور عليهم واحدا واحدا رجاء أن أحدا يجيبه "فلم يجيبوه" لا إلى الإسلام ولا إلى النصرة والمعاونة.
وعند ابن إسحاق والواقدي وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم عمد إلى عبد ياليل ومسعود وحبيب بني عمرو بن عوف وهم أشراف ثقيف وساداتهم، وعند أحدهم صفية بنيت معمر القرشي الجمحي فجلس إليهم وكلمهم بما جاء له من نصرته على الإسلام والقيام على من خالفه من قومه، فقال له أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة: إن كان الله أرسلك، والثاني: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك، والثالث: والله لا أكلمك أبدا لئن كنت رسول الله، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك، فقال صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خيرهم، وقال: "إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي"، وكره أن يبلغ قومه عنه ذلك فيزيدهم عليه، فلم يفعلوا، وقد أسلم مسعود وحببيب بعد ذلك وصحبا؛ كما جزم به في الإصابة.
وفي عبد ياليل خلف يأتي فيحتمل أن المصنف أراد بأشرافهم هؤلاء الثلاثة، وكأنه لم يعتد بغيرهم أو لأنه دعاهم أولا لكونهم العظماء ثم عمم الدعوة. ففي رواية: إنه لم يترك أحدا من أشرافهم إلا جاء إليه وكلمه فلم يجيبوه وخافوا على أحداهم منه، فقالوا: يا محمد اخرج من بلدنا، والحق بمحابك من الأرض.
"وأغروا" بفتح الهمزة: سلطوا، "به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه" زاد ابن إسحاق: ويصيحون
قال موسى بن عقبة: ورموا عراقبيه بالحجارة حتى اختضبت نعلاه بالدماء، زاد غيره: وكان إذا أزلقته الحجارة قعد إلى الأرض؛ فيأخذون بعضديه فيقيمونه، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى لقد شج في رأسه شجاجا.
وفي البخاري ومسلم من حديث عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال،..........
__________
به حتى اجتمع عليه الناس "قال موسى بن عقبة: ورموا عراقيبه" جمع عرقوب لخفته لفظا كعريض الحواجب، "بالحجارة" فقعدوا له صفين على طريقه، فلما مر بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة، "حتى اختضبت نعلاه بالدماء، زاد غيره" وهو سليمان التيمي "وكان إذا أزلقته" بمعجمة وقاف: ألمته "الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذون بعضديه فيقيمونه" مبالغة في أذاه إذ لم يمكنوه من القعود ليخف تعبه وليتمكنوا من إدامة رميه بالحجارة في المراق والمفاصل التي ألم إصابتها أشد من غيرها، "فإذا مشى رجموه وهم يضحكون" قال ابن سعد: "وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج" زيد، أي: جرح "في رأسه" احتراز عن الوجه إذ الجراحة إنما تسمى شجة إذا كانت في أحدهما، "شجاجا" بكسر المعجمة جمع شجة بفتحها، ويقال أيضا: شجات؛ كما في المصباح.
"وفي البخاري" في ذكر الملائكة من بدء الخلق تاما، وفي التوحيد: مختصرا، "ومسلم" في المغازي والنسائي في البعوث "من حديث عائشة، أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم أشد من يوم" عزوة "أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك" قريش وسقط المفعول في رواية مسلم، وثبت في البخاري بلفظ: "لقيت من قوك ما لقيت"، وأبهمه تعظيما "وكان أشد" بالرفع، ولأبي ذر بالنصب خبر كان واسمه عائد إلى مقدر هو مفعول لقد لقيت، "ما لقيت منهم" من قومك قريش إذ كانوا سببا لذهابي إلى ثقيف، فهو من إضافة الشيء إلى سببه فلا يرد أن ثقيفا ليسوا قومها "يوم العقبة:" ظرف، جزم المصنف بأنها التي بمنى، وفيه ما فيه فأين منى والطائف؟ ولذا قال شيخنا: لعل المراد به هنا موضع مخصوص اجتمع فيه مع عبد يا ليل، لا عقبة منى التي اجتمع فيها مع الأنصار، "إذا" أي: حين "عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عد كلال" كذا في الحديث، والذي ذكره أهل المغازي أن الذي كلمه صلى الله عليه وسلم عبد يا ليل نفسه، وعند أهل النسب أن عبد كلال أخوه لا أبوه، قاله الحافظ وغيره.
فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت -وأنا مهموم- على وجهي، فلم أستفق مما أنا فيه إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك، وما ردوا به عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال، فسلم علي ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني إليك ربك لتأمرني بأمرك، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين............"
__________
"فلم يجبني إلى ما أردت" منه من النصرة والمعاونة والإسلام "فانطلقت وأنا مهموم على وجهي" قال المصنف: أي الجهة المواجهة لي. وقال الطيبي: أي انطلقت حيرانا هائما لا أدري أين أتوجه من شدة ذلك، "فلم أستفق" أي: أرجع "مما أنا فيه" من الغم "إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي وإذا أنا بسحابة قد أطلتني فنظرت" إليها "فإذا فيها جبريل" على غير صورته الأصلية، لما مر أنه لم يره عليها إلا بغار حراء وعند سدرة المنتهى، "فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك" لك، كما في الصحيحين فسقط من قلم المؤلف، والأحسن أنه يعني بقومه قريشا وغيرهم لا خصوص ثقيف؛ لأنهم وإن كانوا قومه؛ لأنه بعث إليهم كغيرهم، لكنهم ليسوا بمكة والأخشبان حيطان بها، "وما ردوا به عليك" ظاهر في إنه إخبار عما قاله أشراف ثقيف، ويحتمل أنه أراد قريشا لما دعاهم للإيمان، فقالوا ساحر شاعر كاهن مجنون، وغير ذلك.
"وقد بعث إليك" وفي رواية الكشميهني: وقد بعث الله إليك "ملك الجبال" الذي سخرت له وبيده أمرها، قال الحافظ: لم أقف على اسمه، "لتأمره بما شئت" فيهم، قال صلى الله علي وسلم: "فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وأنا ملك الجبال وقد بعثني إليك ربك لتأمرني بأمرك" هذا لفظ مسلم، زاد الطبري: فما شئت، ولفظ البخاري: ثم قال: يا محمد! ذلك فيما شئت، قال المصنف: ذلك كما قال جبريل، أو كما سمعت منه فيما، ولأبي ذر عن الكشميهني: مما شئت، استفهام جزاؤه مقدر، أي: فعلت، وعزا المصنف لفظه هنا في شرح البخاري للطبراني مع أنه لفظ مسلم كما علمت؛ لأنه كما في الفتح أخرجه من طريق شيخ البخاري فيه: "إن شئت أن أطبق" بضم الهمزة وسكون الطاء وكسر الموحدة، "عليهم الأخشبين" بمعجمتين جبلي مكة: أبا قبيس ومقابله قعيقعان؛ كما جزم به المصنف وغيره، وبه صدر البرهان.
وفي الفتح: وكأنه قعيقعان. وقال الصغاني: بل هو الجبل الأحمر المشرف وجهه على قعيقعان، انتهى. وجرى ابن الأثير على الثاني. وقول الكرماني: ثور وهموه، سميا بذلك
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له".
وعبد يا ليل؛ بتحتانية وبعدها ألف ثم لام مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم لام -ابن عبد كلال- بضم الكاف وتخفيف اللام آخره لام، وكان ابن عبد يا ليل من أكابر أهل الطائف من ثقيف.
__________
لصلابتهما وغلظ حجارتهما، ويقال: هما الجبلان اللذان تحت العقبة بمنى فوق المسجد. قال الحافظ: والمراد بإطباقهما أن يلتقيا على من بمكة، ويحتمل أن يصيرا طبقا واحدا وجزء إن مقدر، أي: فعلت.
"قال للنبي -صلى الله عليه وسلم" لا أشاء ذلك "بل أرجو" وللكشميهني: أنا أرجو "أن يخرج الله" بضم الياء من الإخراج "من أصلابهم من يعبد الله" يوحده قوله: "وحده لا شريك له" تفسيره وهذا من مزيد شفقته وحلمه وعظيم عفوه وكرمه، وعن عكرمة رفعه مرسلا: "جاءني جبريل، فقال: يا محمد! إن ربك يقرئك السلام وهذا ملك الجبال قد أرسله وأمره أن لا يفعل شيئا إلا بأمرك، فقل له إن شئت دممت عليهم الجبال، وإن شئت خسفت بهم الأرض، قال: يا ملك الجبال، فإني آتي بهم لعله أن يخرج منهم ذرية يقولون لا إله إلا الله، فقال ملك الجبال: أنت كما سماك ربك رءوف رحيم"، ولعل هذين الاسمين كانا معلومين له عند الملائكة قبل نزول الآية، فلا ينافي أنها من أواخر ما نزل، وبقي أنه قيد فيها بالمؤمنين وهؤلاء كفار فكيف قول الملك، ولعله باعتبار ما رجاه من ربه؛ لأنه محقق.
"وعبد يا ليل بتحتانية وبعدها ألف ثم لام مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم لام" بزنة هابيل؛ كما في القاموس. قال في الإصابة: عبد يا ليل بن عمرو الثقفي، قال ابن حبان: له صحبة ان من الوفد، وقال غيره: إنما هو ولده مسعود اختلف فيه كلام ابن إسحاق، وقال موسى بن عقبة: إن القصة لمسعود، انتهى. منه في النوع الرابع فيمن ذكره في الصحابة غلطا.
"ابن عبد كلال بضم الكاف وتخفيف اللام آخره لام" بعد الألف بوزن غراب "وكان ابن عبد ياليل" مسعود أو كنانة "من أكابر أهل الطائف من ثقيف" كأبيه وعميه، وقد روى عبد بن حميد عن مجاهد قوله تعالى: {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] ، قال: نزلت في عتبة بن ربيعة وابن عبد ياليل الثقفي، ورواه ابن أبي حاتم عن مجاهد، وزاد: يعني كنانة، وقال قتادة: هما الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود، رواه عبد بن حميد. قال ابن عبد البر: وفد كنانة وأسلم مع وفد ثقيف سنة عشر، وكذا قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغير واحد. وقال
وقرن الثعالب: هو ميقات أهل نجد، ويقال له: قرن المنازل.
وأفاد ابن سعد: أن مدة إقامته عليه الصلاة والسلام بالطائف كانت عشرة أيام.
ولما انصرف عليه السلام عن أهل الطائف ولم يجيبوه، مر في طريقه بعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما في حائط لهما، فلما رأيا ما لقي تحركت له رحمهما، فبعثا له مع عداس النصراني -غلامهما- قطف...........
__________
المدائني: وفد في قومه فأسلموا إلا كنانة فقالا: لا يرني رجل من قريش، وخرج إلى نجران ثم إلى الروم فمات بها كافرا. قال في الإصابة: ويقويه ما حكاه ابن عبد البر أن هرقل دفع ميراث أبي عامر الفاسق إلى كنانة بن عبد ياليل لكونه من أهل المدر كأبي عامر، انتهى. فقول النور: لا أعلم له إسلاما تقصير شديد.
"وقرن الثعالب" بفتح القاف وإسكان الراء اتفاقا، وحكى عياض أن بعض الرواة ذكره بفتح الراء، قال: وهو غلط، وذكر القابسي: أن من سكن الراء أراد الجبل ومن حركها أراد الطريق التي تتفرق منه. وغلط الجوهري في فتحها ونسبة أويس إليها وإنما هو إلى قرن بفتح الراء بطن من مراد "وهو ميقات أهل نجد" تلقاء مكة على يوم وليلة منها "ويقال له" أيضا "قرن المنازل" قال في النور والفتح: وأصله الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير.
"وأفاد ابن سعد" محمد "أن مدة إقامته عليه الصلاة والسلام بالطائف كانت عشرة أيام" خلاف ما مر أنها شهر، ومر الجمع "ولما انصرف عليه السلام عن أهل الطائف ولم يجيبوه" ورجع عنه من كان يتبعه من سفهاء ثقيف؛ كما عند ابن إسحاق. "مر في طريقه بعتبه وشيبة ابني ربيعة" الكافرين المقتولين ببدر "وهما في حائطا" بستان إذا كان عليه عليه جدار؛ كما في النور وغيره، وأطلق المصباح "لهما" بشراء أو غيره وهو من بساتين الطائف المنسوبة إليه كما يفيده قول موسى بن عقبة، فخلص منهم ورجلاه تسيلان دما فعمد إلى حائط من حوائطهم، فاستظل في ظل حبلة منه وهو مكروب موجع، وكذا قول ابن إسحاق فاجتمعوا عليه وألجئوه إلى حائط لعتبة وسيبة والحيلة، بفتح الحاء والموحدة وتسكن الأصل أو القضيب، من شجر العنب؛ كما في النهاية وغيرها، ولا ينافي استظلاله قوله في الحديث: "فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب"؛ لجواز أنه لم يعد استظلاله مكروبا موجعا محزونا مفكرا فيما أصابه إفاقة.
"فلما رأيا ما لقي تحركت له رحمهما" قرابتهما؛ لأنهما من بني عبد مناف "فبعثا له مع عداس" بفتح العين وشد الدال فألف فسين مهملات "النصراني غلامهما قطف" بكسر القاف
عنب، فلما وضع -صلى الله عليه وسلم- يده في القطف قال: "بسم الله، ثم أكل"، فنظر عداس إلى وجهه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، فقال له -صلى الله عليه وسلم: "من أي البلاد أنت. وما دينك"؟ قال نصراني من نينوى. فقال له -صلى الله عليه وسلم: "من قرية الرجل الصالح يونس بن متى"؟ قال: وما يدريك؟..............
__________
عنقود "عنب" وعند ابن عقبة: ووضعه عداس في طبق بأمرهما، وقالا له: اذهب إلى ذلك الرجل، فقال له يأكل منه، ففعل ولم يذكر زيد بن حارثة لأن هذا من كلام ابن عقبة، وهو ممن قال إنه خرج وحده، أو لأنه تابع والحامل على بعث القطف إنما هو المصطفى فخص بتقديمة له وخطابه، "فلما وضع -صلى الله عليه وسلم- يده في القطف" ليأكل قال: "بسم الله" فقط كما عند ابن عقبة وابن إسحاق، ووقع في الخميس: "الرحمن الرحيم"، "ثم أكل فنظر عداس إلى جهه، ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، فقال له -صلى الله عليه وسلم: "من أي البلاد أنت؟ وما دينك"؟ قال: نصراني من نينوي" بكسر النون وسكون التحتية فنون مفتوحة على الأشهر. قال أبو ذر: وروي بضمها فواو مفتوحة فألف.
قال ياقوت: ممالة بلد قديم مقابل الموصل خرب وبقي من آثار مشي، وبه كان قوم يونس. وقال الصغاني: هي قرية يونس بالموصل. "فقال له -صلى الله عليه وسلم: "من قرية الرجل الصالح يونس بن متى"، بفتح الميم وشد الفوقية مقصور اسم أبيه.
وفي تفسير عبد الرزاق أنه اسم أمه وتبعه صاحب تاريخ حماة قائلا: لم يشتهر بأمه غيره وغير عيسى ورده الحافظ بحديث ابن عباس عند البخاري لا ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه، فإن فيه إشارة إلى الرد على من زعم أن متى اسم أمه، وهو محكي عن وهب بن منبه، وذكره الطبري وتبعه ابن الأثير في الكامل، والذي في الصحيح أصح، وقيل: سبب قوله: ونسبه إلى أبيه، أنه كان في الأصل يونس بن فلان، فنسي الراوي اسم أبيه وكنى عنه بفلان، فقال الذي نسي يونس بن متى وهي أمه ثم اعتذر، فقال: ونسبه أي شيخه إلى أبيه، أي: سماه فنسيته ولا يخفى بعد هذا التأويل وتكلفه، قال: ولم أقف في شيء من الأخبار على اتصال نسبه، وقد قيل: إنه كان في زمن ملوك الطوائف من الفرس، انتهى من فتح الباري. يؤيده ما نقله الثعلبي عن عطاء: سألت كعب الأحبار عن متى، فقال: هو أبو يونس واسم أمه برورة أي: صديقة بارة قانتة وهي من ولد هارون، انتهى. فقول السيوطي التأويل عندي أقوى وإن استبعده الحافظ، فيه نظر.
"فقال" عداس "وما يدريك" ما يونس بن متى؟ كما في الرواية، وعند التيمي: فقال عداس: والله لقد خرجت من نينوى وما فيها عشرة يعرفون ما متى، فمن أين عرفته وأنت أُمي في أمة
قال: "ذاك أخي، وهو نبي مثلي". فأكب عداس على يديه ورأسه ورجليه يقبلها وأسلم.
__________
أمية؟ "قال: "ذاك أخي وهو نبي مثلي" وعند ابن عقبة والتيمي: "كان نبيا وأنا نبي"، "فأكب عداس على يديه ورأسه ورجليه يقبلها وأسلم" رضي الله عنه وهو معدود في الصحابة، وفي سير التيمي، أنه قال: أشهد أنك عبد الله ورسوله.
وعند ابن إسحاق: ونظر إليه ابنا ربيعة، فقال أحدهما للآخر: أما غلامك فقد أفسده عليك، فلما جاءهما عداس قالا له: ويلك ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه، قال: يا سيدي -بشد الياء مثنى- ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبي، قالا له: ويحك يا عداس، لا يصرفك عن دينك، فإنه خير من دينه. وفي الروض: ذكروا أن عداسا لما أراد سيداه الخروج إلى بدر أمراه بالخروج معهما، فقال: أقتال ذلك الرجل الذي رأيت بحائطكما تريدان؟ والله ما تقوم له الجبال، فقالا له: ويحك يا عداس، سحرك بلسانه. وفي الإصابة عن الواقدي: قيل قتل عداس بدر، وقيل: لم يقتل، بل رجع فمات.
ذكر الجن:
ولما نزل نخلة -وهو موضع على ليلة من مكة- صرف إليه سبعة من جن نصيبين، مدينة بالشام............
__________