"ثم سرية زيد بن حارثة أيضا"، المتلو اسمه في محاريب المسلمين، "إلى العيص" بكسر العين، وإسكان التحتية فصاد مهملتين.
قال ابن الأثير: موضع قرب البحر، والصغاني عرض من أعراض المدينة، وهو بكسر العين المهلمة، وإسكان الراء وضاد معجمة، كل واد فيه شجر، كذا في النور، وكونه من أعراضها قد ينافيه قوله تبعا لابن سعد، "موضع على أربع ليال من المدينة"؛ لأن ما في هذه المسافة لا ينسب لها "في جمادى الأولى سنة ست" قاله الواقدي، وابن سعد، وجماعة "ومعه سبعون راكبا" صوابه كما قال ابن سعد وشيخه: سبعون ومائة راكب، وسلمه اليعمري، والبرهان والشامي، "لما بلغه عليه الصلاة والسلام أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام" ذكره الواقدي وابن سعد وغيرهما.
يتعرض لها، فأخذها وما فيها، وأخذ يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية، وأسر منهم ناسا، منهم أبو العاصي بن الربيع، وقدم بهم المدينة، فأجارته زوجته زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، ونادت في الناس -حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر- إني قد أجرت أبا العاصي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما علمت بشيء من هذا، وقد أجرنا من أجرت"، ورد عليه ما أخذ منه.
__________
قال الشامي: واقتضى كلام ابن إسحاق، أن سرية من السرايا صادفت هذه العير، لا أنه صلى الله عليه وسلم أرسل السرية لأجلها، "يتعرض لها، فأخذها ما فيها، وأخذ يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية" ابن خلف بن وهب القرشي الجمحي، أسلم بعد حنين، وكان من المؤلفة، وحسن إسلامه، وهو أحد الأشراف الفصحاء الأجواد.
روى له مسلم والأربعة، مات أيام قتل عثمان: وقيل: سنة إحدى أو ثنتين وأربعين، "وأسر منهم" ممن كان في العير "ناسا منهم أبو العاصي" لقيط، أو الزبير، أو هشيم، أو مهشم، بكسر فسكون ففتح، أو بضم ففتح فتثقيل، أو ياسر.
قال الحافظ: وأظنه محرفا من قاسم، ورجح البلاذري الأول والزبير الثاني، "ابن الربيع" بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمه هالة أخت خديجة بنت خويلد.
قال ابن إسحاق: كان من رجال مكة المعدودين تجارة ومالا وأمانة.
"وقدم بهم المدينة، فأجارته زوجته" السيدة "زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم" أكبر بناته لما استجار بها، فعند ابن سعد، فاستجار أبو العاصي بزينب، فأجارته "ونادت في الناس حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر".
قال الواقدي وابن إسحاق لما كبر المصطفى، وكبر الناس معه صرخت.
قال ابن إسحاق: من صفة النساء.
وقال الواقدي: قامت على بابها، فنادت بأعلى صوتها: أيها الناس "إني قد أجرت أبا العاصي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زاد الواقدي وابن إسحاق: لما سلم من الصلاة، أقبل على الناس، فقال: "أيها الناس هل سمعتم ما سمعت"؟، قالوا: نعم، قال: "والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من هذا" حتى سمعت ما سمعتم، المؤمنون يد واحدة، يجير عليهم أدناهم".
زاد الواقدي: "وقد أجرنا من أجارت"، فهذا خطاب منه للصحابة، وقال لزينب: "وقد أجرت من أجرت، ورد عليه" بسؤال زينب "ما أخذ" بالبناء للمفعول "منه".
قال ابن إسحاق والواقدي: ثم دخل صلى الله عليه وسلم إلى منزله، فدخلت عليه زينب، فسألته أن يرد
وذكر ابن عقبة: أن أسره كان على يد أبي بصير بعد الحديبية.
__________
عليه ما أخذ منه، فقبل، وقال لها: "أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك، فإنك لا تحلين له".
وروى البيهقي بسند قوي أن زينب قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا العاصي إن قرب فابن عم وإن بعد، فأبو ولد، وإني قد أجرته.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى السرية، الذين أصابوا مال أبي العاصي، فقال لهم: "إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي فاء عليكم، فأنتم أحق به"، فقالوا: يا رسول الله، بل نرده عليه حتى أن الرجل ليأت بالدلو، والرجل بالإداوة حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئا، ثم ذهب إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال ماله، ثم قال: هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، قال: هل أوفيت ذمتي؟ قالوا: اللهم نعم، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ووالله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفا أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما ردها الله تعالى إليكم، وفرغت منها أسلمت، ثم خرج فقدم المدينة.
وأخرج أبو أحمد الحاكم بسند صحيح عن الشعبي أن زينب هاجرت وأبو العاصي على دينه، فخرج إلى الشام في تجارة، فلما كان قرب المدينة، أراد بعض المسلمين الخروج إليه ليأخذوا ما معه ويقتلوه، فبلغ ذلك زينب، فقالت: يا رسول الله، أليس عقد المسلمين وعهدهم واحدًا؟، قال: "نعم"، قالت: فاشهد أني قد أجرت أبا العاصي، فلما رأى ذلك الصحابة خرجوا إليه بغير سلاح، فقالوا له: إنك في شرف من قريش، وأنت ابن عم رسول الله، فهل لك أن تسلم، فتغنم ما معك من أموال أهل مكة، فقال: بئسما أمرتموني به، أن أفتتح ديني بغدرة، فمضى إلى مكة، فسلمهم أموالهم، وأسلم عندهم، ثم هاجر، والجمع بينهما عسر، وقد قال في الإصابة: يمكن الجمع بين الروايتين.
"وذكر" موسى "ابن عقبة" الحافظ تبعا لشيخه الزهري كما رواه عنهما البيهقي: أن الذي أخذ هذه العير أبو جندل، وأبو بصير، و"أن أسره كان على يد أبي بصير" بفتح الموحدة، وكسر المهملة، فتحتية ساكنة فراء، ومن معه من المسلمين، لما أقاموا بالساحل، يقطعون الطريق على تجار قريش في مدة الهدنة "بعد الحديبية" وصوبه ابن القيم، واستظهره البرهان.
قال الشامي: ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يخلصن إليك"، أي: لا يطأك فإنك لا تحلين له؛ لأن تحريم المؤمنات على المشركين، إنما نزل بعد الحديبية انتهى، ثم الآخذ للعير على هذا القول ليس من السرايا، فإن أبا بصير ومن معه كانوا بالساحل، يقطعون الطريق على تجار قريش، ولم
وكانت هاجرت قبله وتركته على شركه، وردها النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول، قيل: بعد سنتين وقيل: بعد ست سنين، وقيل: قبل انقضاء العدة.
__________
يكن ذلك بأمره صلى الله عليه وسلم، فلا يشكل بأن السرايا لم تتعرض لقريش بعد الحديبية.
نعم، هو ظاهر على قول غير ابن عقبة، أنها كانت قبل الحديبية في جمادى.
وحكى الحاكم أبو أحمد: أنه أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر.
"وكانت هاجرت قبله، وتركته على شركه"، وذلك أنه لما أسر في بدر قبل أسره هذه المرة، وبعثت أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب في فدائه بمال، وبعثت فيه قلادة لها، كانت خديجة أدخلتا بها عليه حين بنى بها، فلما رآها صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها فافعلوا"، قالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه، وردوا عليها الذي لها، وأخذ صلى الله عليه وسلم عليه، أو وعده، هو أو كان فيما شرط عليه في إطلاقه، أن يخلي سبيل زينب إليه، فلما ذهب إلى مكة، بعث المصطفى زيد بن حارثة وأنصاريا، فقال: "كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فائتياني بها"، فأمرها أبو العاصي باللحوق بأبيها، فتجهزت، وهاجرت، كما أسنده ابن إسحاق عن عائشة.
قال في الروض: وفيها يقول أبو العاص لما كان بالشام تاجرًا:
ذكرت زينب لما يممت أضما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما
بنت الأمين جزاها الله صالحة ... وكل بعل سيثني بالذي علما
"وردها النبي صلى الله عليه وسلم" كما أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم رد على أبي العاص بنته زينب "بالنكاح الأول"، لم يحدث شيئا.
قال الترمذي: ليس بإسناده بأس، ولكن لا يعرف وجهه.
"قيل: بعد سنتين" من إسلامه الواقع في السادسة، أو السابعة، "وقيل: بعد ست سنين" من الهجرة، وقد عرفت قول الترمذي لا يعرف وهذا الحديث، فكذا هذان القولان المبنيان عليه، وإلا فابتداء السنتين من أي زمن، "وقيل: قبل انقضاء العدة"؛ لأنه لما نزل، لا هن حل لهم بعد الحديبية جعل بمنزل ابتداء إسلامها، وإن كانت أسلمت هي وأخواتها كلهن عقب البعثة، كما مر فوقف أمره إلى إنقضاء العدة، فأسلم قبلها فدام النكاح، فمعنى ردها، مكنه منها بناء على النكاح الأول؛ لأن الفرقة لم تقع، ثم لا يرد على هذا القول ما رواه ابن إسحاق، منقطع أنها لما هاجرت، راعها هبار بن الأسود بالرمح في هودجها، وهي حامل، فطرحت ما في بطنها؛ لأن هجرتها بعد بدر قبل نزول آية التحريم بمدة.
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ردها له بنكاح جديد سنة سبع.
__________
"وفي حديث" الترمذي، وابن ماجه من طريق حجاج بن أرطأة، عن "عمرو بن شعيب،" عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم "ردها" على أبي العاص "بنكاح جديد" لفظه بمهر جديد.
قال السهيلي: هذا الحديث هو الذي عليه العمل، وإن كان حديث ابن عباس أصح إسنادا ولكن لم يقل به أحد من الفقهاء فيما علمت؛ لأن الإسلام فرق بينهما، قال الله تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] . ا. هـ.
وقد قال الترمذي: سمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن عمرو، وذكر هذين الحديثين يقول: حديث ابن عباس أجود إسنادا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب.
قال السهيلي: ومن جمعه بين الحديثين، قال: معنى حديث ابن عباس ردها على مثل النكاح الأول في الصداق والحباء، لم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره.
"سنة سبع" أفاد انقضاء العدة؛ لأن نزول آية التحريم بعد الحديبية الواقعة في سنة ست.
وفي الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم أثنى على أبي العاصي في مصاهرته خيرا، وقال: حدثني، فصدقني، ووعدني فوفاني، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب من أبي العاصي، مات سنة اثنتي عشرة في خلافة الصديق، كما قاله ابن سعد، وابن إسحاق وغيرهما، وشذ من قال: سنة ثلاث عشرة، وأغرب منه قول ابن منده مات يوم اليمامة، والله تعالى أعلم.
"سريته للطرف":
ثم سرية زيد بن حارثة أيضا إلى الطرف، ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة في جمادى الآخرة سنة ست.
__________