ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلمس خبر الوحي، حتى كان ذلك اليوم الذي عاد فيه نزول الوحي مرة أخرى، يحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عودة الْوَحْيِ إليه مرة أخرى فيقول: «فَبَينَما أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صوْتًا مِنْ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَجُئِثْتُ (أي: خفت) مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ١ قُمۡ فَأَنذِرۡ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ ٣ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ ٤ وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ ٥) [المدَّثر:1-5] ثم حمي الوحي وتتابع» (متفق عليه).
وهذه الآيات الأولى من سورة المدثر فيها الأمر من الله سبحانه وتعالى لمحمد صلّى الله عليه وسلّم بإنذار البشر ودعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فهي تمثل في حياة محمد صلّى الله عليه وسلّم حدّا فاصلا بين عهدين، عهد ما قبل البعثة الذي يمثل أكثر عمررسول الله صلّى الله عليه وسلّم والذي لم يكن فيه مكلفا من الله تعالى بشيء. وعهد ما بعد البعثة الذي يمثل أخطر وأصعب مرحلة في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنها مرحلة تغيير طريق البشرية، فها هي الأوامر الربانية تأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يترك عهد النوم وأن يشمر عن ساعد الجد؛ لنقل تلك البشرية من طريق الهلاك والردى الذي كانت تتردى فيه، إلى طريق النجاة الذي يؤدي إلى سعادة الدنيا والنجاة العظمى في الآخرة( بتصرف من روضة النعيم).
في ذلك اليوم بدأت رحلة النبوة والتبليغ والإنذار، تلك الرحلة الصعبة والطويلة والشاقة.. في ذلك اليوم بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رحلة الدعوة إلى الله وإبلاغ رسالة الله للعالمين، حاملًا على عاتقه حِملًا ثقيلا تنوء بحمله الجبال؛ عبء الأمانة الكبرى التي حُمِّلها في الأرض، والرسالة العظمى التي أُمِر بإبلاغها للعالمين.