ومن أمثلة ذلك ما فعله أبو سفيان حينما تجهز بمائتي فارس من مكة، وقرر أن يباغت محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في خلال نشوة النصر التي يعيشون فيها، فقد استطاع أن يصل إلى أطراف المدينة في ظلام الليل وأن يحرق بيتين ويقتل رجلين
أحدهما من الأنصار والثاني حليف له -وكانا في حرث لهما- ثم ولوا هاربين.
وحينما أحس المسلمون بهم ندب محمد -صلى الله عليه وسلم- أصحابه فخرجوا في أثرهم، فألقى أبو سفيان وأصحابه ما معهم من الأمتعة، ليتخففوا من أثقالهم ويستطيعوا النجاة بأنفسهم، وكان أكثرها من السويق، فأخذها المسلمون غنيمة باردة، وسميت هذه الغزوة: غزوة السويق1.
ومن ذلك ما فعلته قبائل بني ثعلبة ومحارب وقبائل بني سليم، إذ كانوا يتجهزون لقتال محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ولكن المسلمين خرجوا للقائهم قبل أن يهاجموهم في المدينة ففروا إلى رءوس الجبال، وكفى الله المؤمنين القتال.
__________
1 وتسمى قرقرة الكدر.
والقرقرة الأرض الملساء، والكدر: طير في ألوانها كدرة. وقد سميت بذلك أيضًا لكون النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه بلغوا في خروجهم خلف الكفار هذا الموضع، ويقال بل قرقرة الكدر غزوة أخرى.
وقد أسندها ابن إسحاق عن عبد الله بن كعب بن مالك، كما في "البداية" 3/ 344. وأسندها ابن سعد 1/ 304 من وجوه ترتيب طبقاته.
وأسندها البيهقي في "الدلائل" 3/ 164 عن ابن شهاب، وعن عروة بن الزبير، وابن إسحاق بسنده الماضي عن عبد الله بن كعب.
وسياقاتهم قريبة، وهذه الوجوه يقوي بعضها بعضًا.