سميت بغزوة تبوك، نسبة لعين الماء التي وصل إليها الجيش الإسلامي لملاقاة جيش الروم.
وسُميت بغزوة "العسرة" نتيجة شدة الحر والجوع والعطش، وابتعاد المسافة، وعظمة المشقة.
وسُميت بـ«الفاضحة» لأنها كشفت المنافقين الذين انسحبوا مبكرًا فتعهدهم الله بالعقاب.
وقعت في رجب من عام 9 هجريًا، في منطقة تقع بين وادي القرى والشام، شمال الحجاز، والمدينة تشرف على البحر الأحمر، ولهذا عدت نقطة التقاء بين جزيرة العرب والروم.وكانت من قضاء قضاعة الخاضع لسلطان الروم آنذاك.
قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم، على رأس 30.000 مقاتل مسلم، وفي المقابل كان هرقل ملك الروم على رأس جيش مؤلف من 40.000 مقاتل روماني وعربي.
وقعت الغزوة ردًا على احتشاد الروم ومشركي العرب للقضاء على القوة الإسلامية بقيادة الرسول محمد، والتي باتت بعد فتح مكة تشكل تهديدًا كبيرًا للوثنية والشرك في العالم كله.
كان الباعث الرئيسي هو دعوة المشركين لدين الله، مصداقا لقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المتقين}َ [التوبة: 123]
ويعتبر بعض كتاب السيرة ومنهم ابن كثير؛ أن الغزوة عوضت من تضرر ماديا من قريش عن انقطاع المشركين عن مكة، حين جاءت الآية : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28].
أمر الله رسوله والمؤمنين بقتال اليهود والنصارى المحاربين لدين الإسلام، بعدما دانت الجزيرة العربية بوقوع فتح مكة، وكانت البداية مع الروم لقربهم من العرب.
وقد أخبر التجار الأنباط رسول الله بأن الروم قد جمعوا لملاقاة المسلمين، واستنصروا بقبائل منها لخم وجذام، فأراد النبي أن يغزوهم قبل أن يغزوه. [الطبقات الكبير، ابن سعد، 2/165 [
دعا رسول الله المقاتلة من القبائل فتجمع نحو ثلاثين ألفا، وتخلف عدد كبير من المنافقين، وكان عام شح مياه وحر شديد.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الشام لقتال الروم، فبلغ تبوك، وأقام بها نحو عشرين يومًا.
حين علم النبي بنية السوء عند الروم، دعا قبائل العرب المجاورة وأهل مكة للاستنفار، ولم يأبه للظروف العصيبة المتعلقة بالحر ونقص الزرع والماء هذا العام، حيث كانت إشارات الله واضحة بالقتال، وبالفعل تدفق المقاتلون للمدينة من كل حدب.
كانت تلك هي المرة الأولى التي يعلن فيها النبي وجهته مبكرا، وأنه يريد قتال بني الأصفر (الروم)؛ وقد كان يعلم مشقة السفر في صحراء قاحلة شديدة القيظ، وقلة المؤونة، فكان لابد من تدريب خاص للمقاتلين، خاصة وأن الروم أهل حرب شديدي التمرس والتترس.[ الرسول القائد، محمد شيت خطاب، 398]
فضل عثمان: أمر رسول الله صحابته بالتصدق لتجهيز جيش العسرة، وكان عثمان بن عفان صاحب النصيب الأكبر في الإنفاق؛ وقد تبرع بثلاثمائة بعير في سبيل الله، فنزل رسول الله من على المنبر وهو يقول: «ما على عثمان ما عمل بعد هذه»[رواه الترمذي: 3700[ وفي رواية أخرى أن عثمان رضي الله عنه قد جاء للنبي بـ«ألف دينار في ثوبه، فجعل النبي يقلبها بيده ويقول ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم»[ مسند احمد 5/63].
أبوبكر وعمر: وأما عمر بن الخطاب فقد تصدق بنصف ماله وظن أنه سيسبق أبا بكر الصديق بذلك، رضي الله عنهما، فقال النبي لأبي بكر : «ما أبقيت لأهلك؟»قال: «أبقيت لهم الله ورسوله»، فقال عمر: لا أسابقك إلى شيء أبدا»[رواه أبوداود: 1678]
أعظم النفقات: وروى أن عبد الرحمن بن عوف أنفق ألفي درهم وهي نصف أمواله لتجهيز جيش العسرة. وكانت لبعض الصحابة نفقات عظيمة، كالعباس بن عبد المطلب، وطلحة بن عبيد الله، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن عدي.[ المغازي، الواقدي، 3/391]
صدقة الفقراء: لما علم الصحابة الفقراء بأمر النبي بالإنفاق، كانوا هم الأشد حزنا لأنهم لا يملكون ما ينفقون به على الجيش، ونزل فيهم قول الله تعالى فيمن سخر منهم من المنافقين: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}]التوبة:79].
وكان من قصص تصدق هؤلاء:
- صدقة عُلَبة بن زيد أحد الزاهدين بكل مظلمة أصابته أنه قد غفر لصاحبها.
- البكاء المرير لجماعة من الأشاعرة يتقدمهم ابوموسى وقد جاءوا يطلبون إبلا للخروج للجهاد فلم يجدوا، وكان بعضهم من ذوي المرض والعجز والفاقة، فنزل قول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} ]التوبة:91[.
وجاء عن هؤلاء قول رسول الله : «إنَّ بالمدينةِ أقوامًا ما سِرْتُم مِن مسيرٍ ولا قطَعْتُم مِن وادٍ إلَّا كانوا معكم فيه» قالوا: يا رسولَ اللهِ وهم بالمدينةِ ؟ قال: «نَعم، حبَسهم العُذرُ».[رواه ابن حبان :4731]
- كان هناك ثلاثة رجال تخلفوا عن الغزوة، بغير شدة معجزة أصابتهم، ومنهم كعب بن مالك الذي لم يتخلف يوما عن النبي في غزوة، وقد ندموا أشد الندم واعترفوا بصدق للنبي، وظل الصحابة لا يكلمونهم نحو شهرين، حتى أذن النبي وتهلل وجهه وجاء أمره بالعفو عنهم لصدقهم وبوحي من ربه: وفيهم نزل قول الله : { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة :117] [رواه مسلم: 2769]
كان أبوذر الغفاري قد سمع بالنفير، ولكن بعيره أبطأ به، فقال رسول الله: «دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه». [البداية والنهاية، ابن كثير، 8/5]
وقيل من مواقف الصدق النادرة؛ أن أخذ أبو ذر رضي الله عنه متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله ماشيًا، طلبا لنيل شرف الجهاد، فلما رآه النبي على بعد قال: «كن أبا ذر» (متمنيا) فلما أكد الصحابة أنه هو، قال النبي : «رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده»[ابن هشام، 4/178].
وجاء أن أباذر بالفعل حين جاءه الموت، طلب من أهله أن يكفنوه ويتركوه حين يموت على قارعة الطريق، حتى لقيه ركب بقيادة عبدالله بن مسعود فصلوا عليه وظلوا يبكون. [السيرة النبوية، ابن هشام، 4/178].
استخلف رسول الله على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري. ولم يتخلف عن ركب المجاهدين المسلمين في تلك الغزوة، سوى المنافقين، وكانت مواقفهم كثيرة، وقد فضحتهم سورة "التوبة" في القرآن ولهذا سُميت بـ"الفاضحة"، ومن تلك المواقف:
- السخرية من علي بن أبي طالب، وقد تركه النبي صلى الله عليه وسلم لرعاية أهله، فقالوا لم يتركه إلا تخففا منه، فكذب قولهم النبي وقال: « أتُخَلِّفُني في الصِّبيانِ والنساءِ ؟ ألا ترْضَى أنْ تكونَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هارونَ مِن مُوسَى؟ إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»[رواه البخاري: 4416].
- قول المنافقين للمؤمنين بعدم الخروج في الحر: ونزل فيهم قول الله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[التوبة: 80:82].
-
سأل رسول الله وهو في جهازه لتبوك، للجد بن قيس: « هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟» فادعى الرجل أنه لشدة عجبه بالنساء، سيفتن بنساء الروم! وقد أذن النبي بتخلفه، فنزل قول الله: {َمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}. [التوبة: 49].
-
ذهب بعض المنافقين للنبي بأعذار كاذبة للتخلف عن الغزوة، فعفا الله عن نبيه لإذنه لهم حتى يتبين، لقول الله : {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}[التوبة: 43]
-
سرية طليحة: جاء في بعض الروايات أن أمر النبي بإحراق بيت سويلم اليهودي الذي اجتمع فيه ناس لتثبيط عزيمة المقاتلين عن الخروج، وهي رواية ضعفها كثير من علماء الحديث، وقال بعضهم إنما عمد النبي بها لإرهاب المنافقين لا حرقهم .[ابن هشام 4/157].
-
تبرير كاذب: لما اقتربت عودة رسول الله من تبوك، منتصرًا، حاول بعض المنافقين أن يبرروا موقفهم، وكان حكم الله بما في صدورهم: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[التوبة:42]، كما أخبر الله بأنهم لو أرادوا الخروج لأعدوا له العدة ولكن { كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}[التوبة: 46[
-
اللعب بآيات الله: كان من المنافقين من يقول في غزوة تبوك كلاما مهينا في إحدى المجالس، ويصف أهلها بالجبن والكذب والنهم، ويقول بأن النبي يريد فتح قصور الشام مستنكرا، فأمر النبي بحبسهم، وعاقبهم، ونزل قول الله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65[.
-
السعي لقتل النبي: وكان ذلك من قبل بضعة عشر رجلا، سموا بأهل العقبة، وقد حذر النبي منهم حذيفة رضي الله عنه وكان يسوق راحلة النبي، خلال مسيره لتبوك، ولاحظ أنهم ملثمون ويرغبون بطرح النبي أرضا لإيذائه، وقد عفا النبي عن ثلاثة منهم، وتعهد الباقين بحرب الله ورسوله في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، ولما وردوا ماء قليلا قال النبي : «لا يسبقني إليه أحد» فوجد قوما قد سبقوه فلعنهم (طلب خروجهم من رحمة الله) [رواه مسلم: 2779[.
لما كان الرسول في غزوةِ تبوكَ، سارع بعض الصحابة إلى أرض ثمود (تعرف بالحجر) وهم قوم نبي الله صالح عليه السلام، والذين عصوا ربهم فأنزل عليهم عذابه وبادوا جميعا، وقد حزن النبي لوجود الصحابة بتلك البقعة، فنادى للصلاة، وقال لهم: «ما تدخلون على قومٍ غضب اللهُ عليهم» وأضاف: «إنَّ اللهَ لا يعبأ بعذابِكم شيئًا وسيأتي قومٌ لا يدفعون عن أنفسِهم شيئًا»[ البداية والنهاية، 1/131[.
وجاء في الصحيح قول النبي: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين حذرًا أن يصيبكم مثل ما أصابهم» [رواه البخاري: 3381]
في رواية عن رسول الله أنه لما نزل تبوك، واقترب القتال، خطب في الصحابة محذرا إياهم من مغبة الضلالة بعد الهدى، وموصيا إياهم باتخاذ أوثق العرى "كلمة التقوى" وخير الملل "مِلّةُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ"، وَخَيْرَ السّنَنِ "سُنَنُ مُحَمّدٍ"، وَأَشْرَفَ الْحَدِيثِ "ذِكْرُ اللّهِ"
وتابع النبي أن أَحْسَنَ الْقَصَصِ "هَذَا الْقُرْآنُ"، وَخَيْرَ الْأُمُورِ "عَوَاقِبُهَا"، وَشَرّ الْأُمُورِ "مُحْدَثَاتُهَا"، وَأَحْسَنَ الْهُدَى "هُدَى الْأَنْبِيَاءِ"، وَأَشْرَفَ الْقَتْلِ "قَتْلُ الشّهَدَاءِ"، وَخَيْرَ الْأَعْمَالِ "مَا نَفَعَ"، وَخَيْرَ الْهُدَى "مَا اُتّبِعَ"، وحذرهم من عمى القلب وقتل المؤمنين وسبابهم وأكل الربا، وكذب اللسان الذي هو أعظم الخطايا، قائلا أن ما "قل وكفى خير مما كثر وألهى" وأن "خير الزاد التقوى" و"رأس الحكم مخافة الله" داعيا الله بالمغفرة لأمته. [مغازي الواقدي: 3/ 1016]
توبة الله على المجاهدين: يصف الحسن البصري جيش العسرة بأنه «كان العشرة من المسلمين يخرجون على بعير يتعقبونه بينهم، وكان زادهم التمر المتسوس، والشعير المتغير، والإهالة المنتنة، وكان النفر يخرجون ما معهم إلا التمرات بينهم، فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها، ثم يعطيها صاحبه حتى يشرب عليها جرعة من ماء كذلك، حتى تأتي على آخرهم فلا يبقى من التمرة إلا النواة.
فمضى هؤلاء مع النبي صلى الله عليه وسلم على صدقهم ويقينهم رضي الله عنهم"، فكان جزاؤهم أن تاب الله تعالى عليهم؛ يقول الله: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117] [تفسير الرازي ج16].
-
سحابة تزيح العطش: رُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه، ثم يجعل ما بقى على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا، فادع الله، قال: «أتحب ذلك؟» قال: نعم، فرفع يديه فلم يردهما حتى حالت السماء فأظلت ثم سكبت فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.[البداية والنهاية، 6/96].
-
دعاء النبي ببركة الطعام: جاء عن أبي هريرة أنهم في تبوك أصابهم مجاعة، فطلبوا من النبي نحر الإبل التي تحملهم، فأجاز النبي، وهنا تدخل عمر بن الخطاب، وأشار على النبي بعدم فعل ذلك كي لا يقل الرواحل التي تمكنهم من مواصلة المسير، وطلب من النبي أن يدعو لهم بالبركة فيما بقي من زادهم، ففعل النبي، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة؛ ولما دعا النبي تكاثر الطعام، وقال لهم: «خذوا في أوعيتكم»، يقول أبوهريرة: فوالله الذي لا إله إلا هو ما بقي في العسكر وعاءٌ إلا ملؤوه، وأكل القوم حتى شبعوا، وفضلت فضلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة» [رواه مسلم، 27].
-
ناقة النبي: ضلت ناقة النبي وهو في طريقه إلى تبوك، وقد أخبره ربه بمكانها كي لا يصدق قول المنافقين، فقال النبي: «وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي، قد حبستها شجرة بزمامها» وقد ظل من لمز النبي بشر حتى مات.
-
خبر هبوب الريح: أخبر رسول الله أصحابه في تبوك بأن ريحًا شديدة ستهب، وقال:«ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيئ.»وأمرهم بأن يحتاطوا لأنفسهم ودوابهم فلا يخرجوا حتى لا تؤذيهم، وليربطوا دوابهم.
لما وصل النبي إلى منطقة تبوك وجد أن الروم فروا خوفًا من جيش المسلمين.
استشار النبي أصحابه في اجتياز حدود الشام، فأشار عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن يرجع بالجيش إلى المدينة؛ فالقتال في أرض الروم صعب، وعددهم كبير يقترب من مائتي ألف ونصف، وهم مؤهلون للتحصن بمدنهم مما يجعل غزوهم أصعب من حروب الصحراء.[الشورى فريضة إسلامية، علي الصلابي، 33].
- تحقق الانتصار للمسلمين دون قتال بفرار عدوهم شمالا، وإخلاء مواقعه بمواقع منها دومة الجندل وإمارة إيلة (على خليج العقبة) وقد وقعتا كتابا مع رسول الله يقضي بالخضوع.
-ترتب على الغزوة إسقاط هيبة الروم في جزيرة العرب، وكانوا مشهورين بأنهم قوة لا تُقهر.
-تأكيد قوة الدولة الإسلامية وتوحيد الجزيرة العربية تحت حكم رسول الله، ومبادرة القبائل بإشهار إسلامها خاصة بعد أن وصل الإسلام لحدود الروم، وهو ما نتج عنه معاهدات منها الصلح مع نجران جنوبا على دفع الجزية، ولهذا سمي العام التاسع للهجرة بعام الوفود.وقد وفدت القبائل لتعلن إسلامها.
- كانت غزوة تبوك تمهيدا لفتوح الشام التي بدأت بأمر النبي إرسال جيش أسامة لبلاد الشام، وهي الوصية التي نفذت في عهد الخليفة أبي بكر الصديق.
-الله ينصر جنده، مهما تبين أن الظروف المادية لا تواتيهم( تحمل جيش العسرة الظمأ والجوع ونقص الرواحل وقلة العدد مقارنة بالروم ومع ذلك أصابوا عدوهم بالرعب).
-طاعة الله ورسوله وطلب الجنة من سمات المؤمنين(كان الصحابة يسارعون للخروج رغم أنه عام جدب، ويبكي الواحد منهم حين يعجز، وكان أبوذر قد سار على قدميه حتى لحق الجيش في الصحراء حاملا زاده).
-الإيثار الذي رباه النبي بصحابته، وكان يبدو بتبادل الزاد القليل وكل شيء.
-المشورة من صفات القائد المؤمن، وقد أخذ النبي بمشورة عمر في عدد من المواقف (الرجوع بالجيش- عدم نحر الإبل وغيرها).
-رحمة النبي بأمته، دعا لهم فتكاثر الطعام، وشاركهم ألمهم، وطلب لهم المغفرة.
-مكر السيء يحيق بأهله، وقد تعهد الله بالعقوبة الشديدة للمنافقين والقاعدين بغير عذر عن الجهاد الشرعي.
-الصدق ينجي صاحبه ولو كان من المخطئين: قصة الثلاثة الذي عفا الله عنهم.