سؤال يطرح نفسه .. فإذا كنا نتكلَّم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن شمائله وأعماله .. فلا بد أن نتساءل: ما الذي يدعو إليه؟ وما هي دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
للإجابة على هذا السؤال بشكل صحيح، لا بد من استعراض بعض المواقف والحوارات التي ثبتت بالنقل؛ لنقتبس منها الإجابة على هذا السؤال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ». (رواه البيهقي)
حينما أرسل هرقلُ إلى سفيانَ بنِ حَرْبٍ في ركْبٍ من قريش، وكانوا تجارًا بالشام .. فسأله عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: «مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟» قلتُ: «يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، وَالصِّلَةِ» (رواه البخاري).
ونَخلُص من هذا الحوار إلى ما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم من توحيد الله وإفراده بالعبادة، إضافة لما يدعو إليه من مكارم الأخلاق والشمائل الكريمة مثل الصدق والعفاف والصلة ... اضطر أبو سفيان أن يُقِرَّ بها، حتى أوشك هرقل في نهاية الموقف أن يدخلَ في الإسلامِ لولا غلَبةُ نفسه وهواه عليه، فخشي على زوالِ مُلْكِه في الدنيا، وآثرَ مُلْكَ الدنيا على الآخرة.
وهو موقف المسلمين المهاجرين إلى الحبشة، حينما أرسل النجاشي إلى من عنده من المسلمين، وسألهم فقال: (ما هذا الدين الذي فارقتُم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟)
فتكَلَّم جعفرُ بن أبي طالب قائلًا له: «أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ» (رواه أحمد).
استدلَّ جعفر رضي الله عنه في هذا الموقف العظيم على نبوَّة النبي صلى الله عليه وسلم باصطفاء الله له من حيث النَّسب والصفات والشمائل، ثم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد وإلى مكارم الأخلاق.
وشتان بين موقف النجاشي الذي آثر الآخرة على الدنيا، فسارَع بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته، وموقف هرقل السابق!
هو موقف لبدوي بسيط هو رِبْعِيّ بن عامر مع زعيم الفرس رُسْتُم في موقعة القادسية، قبل بَدء المعركة .
فأراد رُسْتُم أن يعرف إلى ماذا يدعون هؤلاء المسلمون، وماذا يريدون، فسأله قائلًا: (ما جاء بكم؟
قال رِبْعِيّ بن عامر: الله .. واللهُ جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سَعتها، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلَنا بدينه إلى خلْقه؛ فمن قبِل منا ذلك، قبِلنا ذلك منه، ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومَن أبى، قاتلناه أبدًا حتى نُفضي إلى موعود الله.
قال: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال مَن أبى، والظفر لمن بقي). [تاريخ الطبري].
فكانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في مجملها هي دعوة إلى الله تعالى، بطاعته وعبادته وحده، والتخلق بمكارم الأخلاق، وفعل الخير، وتعريف الناس بمصالحهم وبما ينفعهم في معاشهم وبعد مماتهم.
وبعد؛ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، أرسَله الله للناس كافة، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويُحِلُّ لهم الطيبات ويُحرِّمُ عليهم الخبائثَ، فوصَفَه الله تعالى فقال: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [التوبة: 128] هدى الناس باللين، وأخذ بيدهم إلى الخير، فنجحت دعوته، وترَك من المُثُل العُليا ما يُطأطئ له الزمن رأسه إكبارًا، ويَنحني له الدهر إعجابًا، ويكفيه صلى الله عليه وسلم قول المولى عز وجل: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) [القلم: 4]، وقوله سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) [الأنبياء:107].
حَضَّتْ دعوةُ الرسول صلى الله عليه وسلم على مكارم الأخلاق وارتبطت بها، وَضِّحْ ذلك في ضوء سيرته صلى الله عليه وسلم
1. إيَّاكَ والتشددَ المقيتَ الذي يؤدي إلى المشقَّة على النفس ويؤدي إلى البُعد عن وسطية الإسلام.
2. التزم بالحوار العقليّ والمنطقيّ في دعوتك لغير المسلمين، وتذكر امتثال النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125].