فقد تنبأ صلى الله عليه وسلم بهبوب ريح شديدة وهو منطلق وأصحابُه إلى تبوك، فقال: «سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ؛ فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ» (متفق عليه) قال أبو حميد -رضي الله عنه- راوي الحديث: فهبَّت ريحٌ شديدة، فقام رجلٌ، فحملته الريح، فألقته بجبلي طيئ.
فمَنِ الذي أخْبَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بهبوب هذه الريح في زمن ما كان الناس يقدرون على التنبؤ بالطقس وحركات الرياح؟!! .. إنه الله الذي لا تغيب عنه غائبة.
فقد تنبأ صلى الله عليه وسلم بهزيمة الفُرْس وفوز الروم في وقت كادت دولة الفرس أن تزيل الإمبراطورية الرومانية من خارطة الدنيا، فقد وصلت جيوش كسرى أبرويز الثاني إلى وادي النيل، ودانت له أجزاء عظيمة من مملكة الرومان.
ووسط هذه الأحداث - وخلافًا لكل التوقعات - أعلن النبي صلى الله عليه وسلم أن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين، أي فيما لا يزيد عن تسع سنين، فقد نزل عليه قول الله تعالى: (الٓمٓ ١ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢ فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ ٣ فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٤ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٥) [الروم: 1-5].
وكان الأمر كما تنبأ صلى الله عليه وسلم، ففي عام 623 م وما بعدها استطاع هرقل أن يتخلص من لهوه ومجونه، وشن ثلاث حملات ناجحة أخرجت الفرس من بلاد الرومان، وفي عام 626 م واصل الرومان زحفهم حتى وصلوا إلى ضفاف دجلة داخل حدود الدولة الفارسية، واضطر الفرس لطلب الصلح مع الرومان بعد هزيمتهم في معركة نينوى.
فمن ذا الذي أخبر محمدًا صلى الله عليه وسلم بهذه النبوءة العظيمة؟! إنه وحي الله، وهو دليل من دلائل نبوته ورسالته عليه الصلاة والسلام.
ومن الغيوب التي أطلع اللهُ عليها نبيَّه صلى الله عليه وسلم خبر كتاب حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه الذي أرسله إلى قريش مع امرأة، يخبرهم فيه بعزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزو مكة
فلما كشف الله ذلك لنبيه؛ بعث عليًّا والزبيرَ والمقدادَ بنَ الأسود، وقال صلى الله عليه وسلم: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ [موضع بين مكة والمدينة]، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ»، يقول عليٌّ -رضي الله عنه- : «فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: الْكِتَابُ، فَقَالَتْ: مَا مَعَنَا كِتَابٌ، فَأَنَخْنَاهَا [فأنخنا بعيرها] فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا، فَقُلْنَا: مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا [معقد إزارها مثل التكة] وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ [شادة كساءها على وسطها] فَأَخْرَجَتْهُ، فكان كما قال صلى الله عليه وسلم» (رواه البخاري).
فمَنِ الذي أخبَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بخَبرِ هذه المرأة، وحدَّدَ له مكانها، وما كانت تحمله من رسالة تحذير إلى المشركين، وحدَّد له من الذي أرسلها بتلك الرسالةِ .. رغم أن مُرْسِلَ الرسالة «حاطب» قد أرسلها بهذه الرسالة سِرًّا؟!! .. إنه الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
ومن إخباره صلى الله عليه وسلم بالأمور الغيبية تعريفُه أبا هريرة -رضي الله عنه- بحقيقة الشيطان المتمثل في صورة رجل، وتنبُّؤُه بأنه سيأتي مرة بعد أخرى، فقد جاءه شيطان يسرق من طعام الزكاة، فأمسك به أبو هريرة ، ثم خلّى عنه لما شكى الفقر والعَيْلة، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم «أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ»، قال أبو هريرة: فعرَفتُ أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ سَيَعُودُ) ... وعاد الرجل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأطلقه أبو هريرة ثانية، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بمقدَمِه ثالثة، فكان كما أخبر، فلما ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له صلى الله عليه وسلم: «تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟» قال: لا، قال: «ذَاكَ شَيْطَانٌ».
(رواه البخاري).