في غمار معركة أحد، وانقلاب ميزان المعركة لصالح المشركين بعد مخالفة الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، كان هناك رجلٌ له هدف آخر غير الذي جاء من أجله الطرفان، رجل لا يشغله من ينتصر، ولا يهمه ذلك الأمر كثيرًا، إنما كل ما كان يهمه ويشغله هو البحث عن الحرية
لا يبحث سوى عن حمزة .. ليس لديه ثأر مع أحد .. كان يبحث عن التحرر من الرق الذليل التي طوّقته به قريش، وأن يتخلص من قيود العبودية التي وعدوه بها إن قتل حمزة رضي الله عنه.ذلك الرجل هو وحشي بن حرب -رضي الله عنه-
الذي أسلم بعد ذلك وحَسُن إسلامه، كان وحشي ينتظر دور الحربة؛ ليجهز على حمزة وليبشّر سيِّدَه جُبير بن مطعم.
ولنتركه يقصُّ علينا تفاصيل ما حدَثَ بنفسه، يقول وحْشِي: «كنتُ غلامًا لجبير بن مُطْعِم، وكان عمُّه طُعَيمَة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إنك إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق. قال: فخرجتُ مع الناس ـ وكنت رجلًا حبشيًا أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلَّما أخطئ بها شيئًا ـ فلما التقى الناس خرجتُ أنظر حمزة وأتبصَّرُه، حتى رأيتُه في عرض الناس .. يهُدُّ الناس هدًّا، ما يقوم له شيء. فوالله إني لأتهيأ له أريده، فأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني.. قال: وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه، فوقعت في أحشائه حتى خرجت من بين رجليه.. وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيتُه فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر فقعدتُ فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأُعْتَق، فلما قدمت مكة عُتِقْتُ» [صحيح ابن حبان، باب ذكر حمزة بن عبد المطلب].
ودّع حمزة -رضي الله عنه- الدنيا، وقدم وحشي على سيِّده بأغلى ما يُدفع ثمنًا لعبد .. إنها بدماء طاهرة زكية، دماء حمزة أسد الله، رضي الله عنه. وفي غفلة المسلمين عن جسد حمزة الطاهر، مثَّل المشركون بجسد حمزة رضي الله عنه .. قطعوا أنفه، وشقّوا بطنه، وشوّه جسده الطاهر.
قال ابن إسحاق: «ووقعَت هند بنت عُتبة والنسوة اللاتي معها يُمثِّلْن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطعن الآذان والأُنُف، حتى اتخذَتْ هند من آذان الرجال وأُنفهم خَلخالًا وقلائد، وأعطت خلخالها وقلائدها وقرطها وحشيًا، وشَقَّت كبد حمزة، فمضغتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلَفِظَتها...»
[السيرة النبوية لابن هشام، الروض الأنف].
وحينما انتهت المعركة تفقَّد النبي صلى الله عليه وسلم شهداء المسلمين، فلما رأى ما حلَّ بأخيه من الرضاع وابن عمِّه حمزة اشتدَّ حزنه، قال ابن مسعود: «ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيًا قط أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب . وضعه في القبلة، ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نَشَع [شَهِقَ] من البكاء
[مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي].