رأى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّل طفلًا فاستغرب وقال (تُقَبِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ؟!) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «وَمَا أَمْلِكُ إِذَا نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ»
(متفق عليه)
ولما مات حفيده صلى الله عليه وسلم بكى فقال له أحد أصحابه ما هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: «رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» (متفق عليه).
قال صلى الله عليه وسلم «من لا يَرحَمُ لا يُرْحَمُ»(متفق عليه)
قال صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».(رواه أبو داود والترمذي)
جهر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته لما اتبعه الضعفاء وكانوا أول من آمن به، قال الأغنياء والسادة: اتركهم ونؤمن بك، فرفض ذلك صلى الله عليه وسلم أيما رفض.
وكان صلى الله عليه وسلم يهتمّ بأمر الضعفاء والخدم، الذين هم مظنّة وقوع الظلم عليهم، والاستيلاء على حقوقهم
يقول صلى الله عليه وسلم في شأن الخدم: «هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلَيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» (متفق عليه)
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا جَاءَ خَادِمُ أَحَدِكُمْ بِطَعَامِهِ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ، أَوْ لِيُنَاوِلْهُ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ» -أي: طبخه وشم رائحته وتعلقت به نفسه- (رواه ابن ماجه)
ومثل ذلك اليتامى والأرامل، فقد حثّ الناس على كفالة اليتيم، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» (متفق عليه)
جعل النبي صلى الله عليه وسلم الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل، واعتبر وجود الضعفاء في الأمة وعونهم والعطف عليهم سببًا من أسباب النصر والرزق على الأعداء، فقال صلى الله عليه وسلم: «ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ؛ فَإِنَّمَا تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» (رواه أبو داود والترمذي).
حثّ صلى الله عليه وسلم على رعاية البنات والإحسان إليهنّ، وكان يقول صلى الله عليه وسلم:«مَنْ وَلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ» (متفق عليه)
كما شدّد صلى الله عليه وسلم في الوصية بحق الزوجة والاهتمام بشؤونها فقال: «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ-أي: أسيرات- عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» (رواه الترمذي وابن ماجه)
فضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التلطّف مع أهل بيته، حتى إنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع أم المؤمنين صفية- رضي الله عنها- رِجْلها على ركبته حتى تركب البعير
وكان صلى الله عليه وسلم عندما تأتيه ابنته فاطمة رضي الله عنها يأخذ بيدها ويُقبِّلها، ويُجلسها في مكانه الذي يجلس فيه.
لما فُتِحَت مكة التي كان أهلها يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويعذبون من آمن به حتى اضطروه وأصحابه إلى الهجرة منها قال صلى الله عليه وسلم: «الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ» (رواه البخاري)، وأصدر عفوًا عامًّا عن كل أهلها
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالإحسان حتى إلى أعدائه، ولين القول معهم وحسن معاملتهم، وأثناء الحرب معهم كان ينهى عن التنكيل بهم، أو قطع شجرهم، أو هدم كنائسهم.
فقد تجاوزت رحمته بالبشر إلى رحمته بالحيوانات! فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان من أجل اللهو واللعب، وأوصى كذلك بالرفق بالحيوان، حتى عند ذبحه، فنراه صلى الله عليه وسلم يقول لمن أضجع شاة وهو يُحِدُّ شفرته: «أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ؟ هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا».(رواه الحاكم).
وحكى صلى الله عليه وسلم لأصحابه كيف أن امرأة دخلت النار في هرة، فقال: «دَخَلَتِ امْرَأةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ - أي: قطة- رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» (متفق عليه)
وأن رجلًا غُفِرَ له في كلب، فقال: «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى -أي: التراب- مِنَ الْعَطَشِ»، فَقَالَ:« لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ». قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ! وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟» قَالَ: «فِي كُلِّ كَبْدِ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» (متفق عليه).
انتشرت في العصر الحاضر جمعيات الرفق بالحيوان، فكيف ترى سبق النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء في رحمته ورفقه بالحيوان ووصيته بذلك؟
لمّا شقّ على النبي صلى الله عليه وسلم طول القيام، استند إلى جذعٍ بجانب المنبر، فكان إذا خطب الناس اتّكأ عليه.
ثم صُنع له منبر، فتحول إليه وترك ذلك الجذع، فحنّ الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع الصحابة منه صوتًا كصوت البعير، فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه حتى سكن، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: «لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»(رواه أحمد).
قال صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا».(رواه أحمد)
اذكر ثلاثة شواهد غير ما ذُكِر تبين رحمته صلى الله عليه وسلم.
1. كُنْ رحيمًا بالخَلْق كما كان صلى الله عليه وسلم، واملأ قلبك بالرحمة، واحذر من جفاف المشاعر.
2. ابتعِدْ عن الغلظة والجفاء والعنف والتسلط.
3. اجْعَلْ حُبَّ النَّاسِ وخدمتهم هدفا لك، ولتكن مخلصًا لله في ذلك.
4. تعلَّمْ وانشُرْ دِين الرحمة، وعرِّفْ بنبيِّ الرحمة.
5. أوْصِل الرحمة للعالمين، فقد أرسله الله رحمة للعالمين.
6. أَحِبَّ رسولَ الله الرحيم وأكثِرْ من الصلاة والسلام عليه.