withprophet faceBook withprophet twitter withprophet instagram withprophet youtube withprophet new withprophet pinterest


بعث الرجيع _17101

بعث الرجيع


بعث الرجيع:

وحاصل بعث الرجيع كما في «عيون الأثر» :

__________

(1) هي منظومة جامعة لخلاصة بعوث النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسراياه، تجيء في نحو ثلاث مئة وثلاثين بيتا، جعلها ذيلا لمنظومتنا هذه إذ يقول:

نظما على صفو البعوث محتو ... مذيلا به مغازي البدوي

وهي مخطوطة في مكتبة الشارح رحمه الله تعالى، وقد طبعت بتحقيق فضيلة العلامة السيد الدكتور محمد بن علوي الحسني المكي المالكي.

أنّه صلى الله عليه وسلم بعث جماعة من أصحابه عيونا يتجسسون أخبار قريش، وجعل عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أميرا، فخرجوا- رضي الله عنهم- يسيرون الليل، ويكمنون النهار، حتى إذا كانوا بالرجيع.. لقيهم سفيان بن خالد الهذلي وقومه- وهم بنو لحيان- في مئة رام، فلمّا أحسّوا بهم.. لجؤوا إلى جبل هناك، فأحاطوا بهم وقالوا لهم: انزلوا ولكم العهد ألّا نقتل منكم أحدا، فقال عاصم رضي الله عنه: أمّا أنا.. فلا أنزل في ذمة كافر، اللهمّ أخبر عنّا رسولك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصما.

ونزل إليهم على العهد: خبيب وزيد بن الدّثنة وعبد الله بن طارق، فأطلقوا أوتار قسيّهم، فربطوا بها خبيبا وزيدا، وامتنع عبد الله، وقال: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم؛ إنّ لي بهؤلاء أسوة- يريد القتلى- فقتلوه.

أمّا خبيب وزيد: فدخلوا بهما مكّة وباعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة، فحبسوهما، حتى إذا انقضت الأشهر الحرم.. خرجوا بهما إلى الحل للقتل.

,

استشهاد خبيب بن عدي:

فأمّا خبيب رضي الله عنه: فإنّه لما وصلوا به إلى التنعيم المشهور اليوم بمسجد عائشة ليصلبوه.. قال لهم: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين- كما في الصحيح- ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أنّ ما بي جزع من الموت..

لزدت، ودعا وقال لما رفعوه على الخشبة وأوثقوه: اللهمّ؛ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا. ثمّ قتلوه رضي الله عنه.

قال العلّامة الزرقاني في «شرح المواهب» : (وفي مرسل بريدة بن سفيان: فلمّا رفع خبيب على الخشبة..

استقبل الدعاء، فلم يحل الحول ومنهم أحد حي غير رجل لبد بالأرض خوفا من دعائه. وروي أنّه قال حين بلغه أنّ القوم اجتمعوا لصلبه:

لقد جمّع الأحزاب حولي وألّبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع

وكلّهم مبدي العداوة جاهد ... عليّ لأنّي في وثاق بمضيع

وقد جمّعوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جذع طويل ممنّع

إلى الله أشكو غربتي ثمّ كربتي ... وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي

فذا العرش صبّرني على ما يراد بي ... فقد بضّعوا لحمي وقد ياس مطمعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع

وقد خيّروني الكفر والموت دونه ... وقد هملت عيناي من غير مجزع

وما بي حذار الموت إنّي لميّت ... ولكن حذاري جحم نار ملفع

ووالله ما أخشى إذا متّ مسلما ... على أيّ جنب كان في الله مصرعي

ولست بمبد للعدوّ تخشعا ... ولا جزعا إنّي إلى الله مرجعي

ثمّ قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحرث فقتله.

وعن عروة: أنّه لما وضع فيه السلاح.. نادوه وناشدوه:

أتحب أنّ محمّدا مكانك؟ قال: لا والله؛ ما أحب أن يفديني بشوكة في قدمه، ويقال: إنّ ذلك لزيد بن الدثنة، وأنّ أبا سفيان قال له ذلك، فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمّد محمّدا.

أقول: ولا منافاة فمن الممكن أن يقع ذلك لكل من الصحابيين وغايتهم واحدة وهو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وروى الإمام أحمد عن عمرو بن أميّة الضمري قال:

(بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدي عينا إلى قريش، فجئت خشبة خبيب بن عدي لأنزله منها، فصعدت على خشبته ليلا، فقطعت عنه وألقيته، فسمعت وجبة خلفي، فالتفت فلم أر خبيبا، وكأنّما ابتلعته الأرض، فلم أر له أثرا حتى الساعة) .

وفي رواية: (أنّه وجد رطبا على الخشبة لم يتغير منه شيء بعد أربعين يوما، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك) .

,

استشهاد زيد بن الدثنة:

وأمّا زيد بن الدثنة رضي الله عنه: فابتاعه صفوان بن أميّة فقتله بأبيه، وعند ابن سعد: أنّ الذي قتله نسطاس مولى صفوان.

قال في «شرح المواهب» : (ولمّا بعث به صفوان مع مولاه نسطاس إلى التنعيم ليقتله، واجتمع هو وخبيب في الطريق.. تواصوا بالصبر والثبات على ما يلحقهما من المكاره) .

,

أحكام وعبر في قصة بعث الرجيع:

وفي حديث هؤلاء الصحب الكرام من الفوائد:

أنّ للأسير أن يمتنع من قبول الأمان، ولا يمكّن من نفسه ولو قتل، وإن أراد الرخصة.. فله أن يستأمن.

ومنها: إثبات كرامات الأولياء، والدعاء على المشركين، والصلاة عند القتل، وإنشاء الشعر وإنشاده عند القتل.

ومنها: ما يدل على قوة يقين خبيب وأصحابه في دين الله تعالى.

ومنها: ما يدل على عظيم محبتهم لهذا النّبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم، وتفديتهم له بالروح، وقوة إخلاصهم وثباتهم.

ومنها: أنّه تعالى قد يبتلي عبده المسلم بما شاء كما سبق في علمه؛ ليثيبه، ولو شاء ربّك ما فعلوه.

ومنها: استجابة دعاء المسلم، وإكرامه حيا وميتا.

ومن الفوائد غير ذلك ممّا يظهر للمتأمل؛ من الحب لله ولرسوله، ولأصحابه الكرام الذين تتنزل الرحمات عند ذكرهم، وفي قصصهم عظة وعبرة، وازدياد لمحبتنا لهم؛ إذ نالوا مقام المحبوبية لله ولرسوله.

فنسأل الله تعالى أن يرزقنا حبهم، والاجتماع بهم في مستقر رحمته تبارك وتعالى، مع النبّيين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

هذا ولما أراد النّبيّ صلى الله عليه وسلم الخروج إلى بني لحيان لذلك.. أظهر أنّه يريد الشام؛ ليصيب من القوم غرّة، وعسكر في مئتي رجل، ومعهم عشرون فرسا، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، ثمّ أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غران- واد بين أمج وعسفان- وبين بطن غران وعسفان خمسة أميال، قال ابن إسحاق: (وهي منازل بني لحيان حيث كان مصاب أصحابه) فترحّم ودعا لهم بالمغفرة، فسمعت بنو لحيان، فهربوا في رؤوس الجبال،

بعث الرّجيع ستّة أو عشره ... لحيان حيّ من هذيل غدره

فلم يقدر منهم على أحد، وهذا معنى قول الناظم:

(فاحتضنوا) أي: اعتنقوا (بكل باذخ) جبل عال (منيع) لا يرام.

فأقام عليه الصّلاة والسّلام يوما أو يومين يبعث السرايا في كل ناحية، ثمّ خرج حتى أتى عسفان، فبعث أبا بكر في عشرة فوارس؛ لتسمع بهم قريش فيفزعهم، فأتوا كراع الغميم «1» ولم يلقوا كيدا، وانصرف صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا، وهو يقول: «آئبون تائبون عابدون، لربنا حامدون» وغاب عن المدينة أربع عشرة ليلة.

,

عدة بعث الرجيع:

ثمّ أشار الناظم إلى الخلاف في عدد بعث الرجيع بقوله:

(بعث الرجيع) أي: عداده من الصحابة (ستة) على قول، وسماهم ابن إسحاق فقال: (وهم: عاصم، ومرثد، وخبيب، وزيد بن الدّثنة، وعبد الله بن طارق، وخالد بن البكير) (أو عشرة) على ما جزم به ابن سعد، وهو الأصح الذي ذكره الإمام البخاري في «صحيحه» . ف (أو) في النظم لتنويع الخلاف، ويمكن الجمع بأنّ الأربعة الآخرين كانوا أتباعا، فلم يحصل الاعتناء بتسميتهم.

__________

(1) بضم الكاف وتخفيف الراء وعين مهملة مضاف إلى الغميم- بفتح الغين المعجمة وكسر الميم: واد أمام عسفان، والكراع: ما سال من أنف الجبل أو الحرة، وطرف كل شيء.

والعضل والقارة نجلا الهون ... نجل خزيمة سعوا في الهون

وأربعوا بئر معونة الغرر ... إبن الطّفيل عامر فيهم خفر

,

فتك عضل والقارة بالبعث:

ثمّ كشف الحقيقة عن بني لحيان وسوء طويّتهم بقوله:

(لحيان حيّ من هذيل) بن مدركة (غدرة) أي: موصوفون بالغدر والخيانة.

(و) أمّا (العضل) بفتح العين والضاد في الأصل وسكنت الضاد هنا للوزن (والقارة) بتخفيف الراء.. فهما (نجلا) أي: ابنا (الهون) بضم الهاء وسكون الواو (نجل خزيمة) بن مدركة بن إلياس بن مضر (سعوا في الهون) بضم الهاء؛ أي: الخزي العظيم؛ لفتكهم بعاصم وأصحابه.

وكأنّ مراد الناظم: بيان أنّ قصة عضل والقارة كانت مع بعث الرجيع، لا في سريّة بئر معونة، وقد فرق بينهما إمام الفن ابن إسحاق في «سيرته» فذكر بعث الرجيع في أواخر سنة ثلاث، وبئر معونة في أوائل سنة أربع، بل سيأتي للناظم أنّهما بعثان.

نعم؛ رووا عن الواقديّ: أنّ خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاءا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة، فلعلّ من أدرجها معها نظر للقرب.



كلمات دليلية: